دلائل النبوة :

 

1- البشارات بالنبي عليه الصلاة والسلام في الكتب السابقة :


أكدت عليه النصوص القرآنية والنبوية وجود البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء السابقة وفي التوراة والإنجيل.

وبرغم ما تعرضت له هذه الكتب من زيادة ونقص وتبديل, فلا تزال تظهر بوضوح دلائل نبوة الرسول عليه الصلاة و السلام من هذه الكتب .

 قال الله تعالى :

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ...[الأعراف : 157]

وجاء في التفسير الميسر :

هذه الرحمة سأكتبها للذين يخافون الله ويجتنبون معاصيه, ويتبعون الرسول النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب, وهو محمد صلى الله عليه وسلم, الذي يجدون صفته وأمره مكتوبَيْن عندهم في التوراة والإنجيل, .....

 

البشارة الأولى :

جاء في سفر إشعياء :

( إشعياء 29 : 12  أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: «اقْرَأْ هَذَا» فَيَقُولُ: « لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ». )
والنص بالإنجليزية لا أعرف القراءة أو لم اتعلم !!, وهذا الأقرب للصحة فمن غير المعقول أن تطلب من أحد القراءة فيقول لا أعرف الكتابة !!, ولكن الطبيعي أن يقول لا أعرف القراءة أو أنا غير متعلم !!.
نعيد النص :
وَيُقَالُ لَهُ: «اقْرَأْ هَذَا» فَيَقُولُ: « لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ».
بالإنجليزية  الترجمة الإنجليزية القياسية : ( لا أعلم  القراءة )

Isa 29:12  And when they give the book to one who cannot read, saying, "Read this," he says, "I cannot read." ( ESV).

ترجمة الملك جيمس ( أنا غير متعلم --- أمي ):

Isa 29:12  And the book is delivered to him that is not learned, saying, Read this, I pray thee: and he saith, I am not learned.( KJV).

 

جاء في صحيح البخاري

عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ـ وَهُوَ التَّعَبُّدُ ـ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ مَا أَنَا بِقَارِئٍ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ ‏.‏ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ ‏.‏ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ ‏.‏ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ ‏.‏ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ‏}‏ ‏"‏ ‏.‏ فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ،... الحديث – صحيح البخاري – باب بدء الوحي- حديث رقم 3 )


البشارة الثانية :

جاء في العهد القديم أن الله تعالى قال لموسى :

 

( تثنية 18 : 18 أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. )

من المعروف أن من ابناء إبراهيم عليه السلام , اسماعيل واسحاق عليهما السلام , وقد جاء كل الانبياء من ذرية اسحاق بداية من ابنه يعقوب ( اسرائيل ) عليه السلام , نهاية بالسيد المسيح . ولم تأت أي نبوة في نسل اسماعيل عليه السلام .
فالعرب أولاد اسماعيل أخوة اليهود أولاد اسحاق . فعندما قال الله تعالى لموسى أقيم لهم نبي من اخوتهم ( وليس منهم ) , المقصود من نسل إسماعيل عليه السلام .

يدعي النصارى أن المقصود بهذه النبؤة السيد المسيح !! .

نراجع النص ونعق مقارنة بسيطة:
النبي يجب أن يكون مثل موسى , ويكون كلام الله في فمه , ويتكلم بما يوصيه به الله تعالى .


أولا" من مثل موسى ( عيسى أم محمد عليهما الصلاة والسلام )

موسى عليه السلام  من أب وأم , كذلك محمد عليه الصلاة وا لسلام , ولكن عيسى عليه السلام من أم فقط.
موسى عليه السلام  كان قائدا" على قومه ,  كذلك محمد عليه الصلاة وا لسلام , ولكن عيسى عليه السلام لا.

موسى عليه السلام  جاءه تشريع كامل ,  كذلك محمد عليه الصلاة وا لسلام , ولكن عيسى عليه السلام قال لم آتي لأنقض بل لأكمل.
موسى عليه السلام  تزوج  ,  كذلك محمد عليه الصلاة وا لسلام , ولكن عيسى عليه السلام لا.
موسى عليه السلام  يعتبره اتباعه نبي ,  كذلك محمد عليه الصلاة وا لسلام , ولكن عيسى عليه السلام يعتبره اتباعه أنه الله.
موسى عليه السلام  توفي ودفنه قومه ,  كذلك محمد عليه الصلاة وا لسلام , ولكن عيسى عليه السلام لا.
ثانيا" : من الذي يقول كلام الله !!

جاء القرآن الكريم بنفس اللفظ عن الله تعالى , فتبدأ قراءته ( بسم الله الرحمن الرحيم ),

فاللفظ في القرآن عن الله تعالى , فعندما يقول الله تعالى  ( قل هو الله أحد ) , لم يقلالرسول عليه الصلاة و السلام ( هو الله أحد ) , بل قال ( قل هو الله أحد ) , فجاء اللفظ كما جاء عن الله تعالى .

وهذا تأويل (( أجعل كلامي في فمه ))

ثالثا" : من الذي يتكلم بما يوصيه به الله تعالى :

قال الله تعالى :

َالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)( سورة النجم )

وقال تعالى :

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ [فصلت : 6].

 

بشارات العهد الجديد:

قال السيد المسيح حسب العهد الجديد  :

 

( يوحنا 14 : 16 وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ )

( يوحنا 14 : 26   وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. )

 

يقولون النصارى هذه البشارات تختص بالروح القدس الذي يطلق عليه ( المعزى ) ؟؟

وهناك عدة اعتراضات على هذا القول :
1- الروح القدس مفرض أنه اقنوم لله . فكيف يطلب من الرب أن يرسله !!؟
2- يقول أن المعزى سيعلمهم كل شيء , ولكن الواضح انهم اخلفوا في طبيعة السيد المسيح وطبيعة الروح القدس نفسه !!, وانقسموا نتيجة هذه الاختلافات إلى فرق شتى , فكيف يكون معهم و يعلمهم وهم يختلفون في طبيعة السيد المسيح و انبثاق الروح القدس !!؟
3- القول يذكركم بكل ما قلته يتنافى مع الواقع , فنحن لانجد الشريعة المسيحية ترتبط بأقوال السيد المسيح , ولا تستند لأقواله بل تستند لأقوال بولس والمجامع.

4- كلمة المعزي ( المحامي – المدافع- الشفيع- المؤيد  ) باللغة اليونانية ( الفارقليط ) , وتنطق باركليتوس , وهذه الكلمة تختلف في اليونانية بحرف واحد عن كلمة أخرى بيركليتوس . وكلمة بيركليتوس تعني من يحمده ويشكره الناس ( أحمد ).

ولا نستبعد تغيير متعمد أو ناتج عن السهو كما اعترف علماء الكتاب المقدس بكثرة حدوث التغييرات المتعمدة أو الناتجة عن السهو في كثير من المرات.

 

يؤكد تطابق النبوة على الرسول عليه الصلاة والسلام, القول الآتي للسيد المسيح :

 

( يوحنا 16 : 13  وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. )
فمن الذي لا يتكلم من نفسه بل يتكلم بالوحي ؟؟؟.. ( راجع البشارة الثانية )
ومن الذي يخبر بأمور آتية ؟؟
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح : 27]


سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر : 45]


الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) ُ [الروم : 2]

 

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور : 55]

 

جاء أيضا" قول السيد المسيح :

( متى 21 : 13 لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. )
فمن هي الأمة التي تأخذ الملكوت بدلا" منهم ؟؟

 


نكتفي بهذه البشارات والحمد لله رب العالمين.

 

 


2- دلائل النبوة من المصادر الإسلامية

 

استدلت الأمم السابقة على صدق الانبياء بالمعجزات التي اعطاهم اياها الله تعالى , وبإخبارهم عن الغيب مما علمهم الله تعالى وانتقلت إلينا أثار وشواهد نبوتهم عبر الروايات المتواترة .

قال ابن القيم بعد أن ذكر معجزات موسى وعيسى عليهما السلام : "وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين، مع بُعد العهد وتشتت شمل أمّتيْهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما، فما الظن بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام, ومعجزاتُه وآياتُه تزيد على الألف؟ والعهد بها قريب، وناقلوها أصدقُ الخلق وأبرُّهم، ونقلُها ثابت بالتواتر قرناً بعد قرن".( إغاثة اللهفان (2/476).)

 

أدلة نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام سنقسمها إلى :
- إخباره بالغيب مما علمه الله تعالى .
- معجزاته الحسية.
- القرآن الكريم.

-صفاته عليه الصلاة والسلام.

------------------------
أولا" : إخبار الرسول عليه الصلاة والسلام بالغيب في أمور علمها الله تعالى له ومنها أمور حدثت في حياته وأمور حدثت بعد وفاته عليه الصلاة والسلام:
1-  
إخبارُه عن موت النجاشي في أرض الحبشة في يوم وفاته، وهذا خبر يستغرق وصوله أكثر من شهر يومذاك ، فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  (نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، خرج إلى المصلى، فصف بهم، وكبر أربعاً).( البخاري ح (1254 ).


2-
تنبؤه صلى الله عليه وسلم  بنصر بدر في وقت كان المسلمون يعانون في مكة صنوف الاضطهاد ؛ وفي وسط هذا البلاء نزل على النبي عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) (سورة القمر).

فقال عمر بن الخطاب [أي في نفسه] : أي جمع يهزم؟ أي جمع يُغلَب؟ فلما كان يوم بدر رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم  يثِب في الدرع، وهو يقول : }سيهزم الجمع ويولون الدبر{ فعرفت تأويلها يومئذ.( تفسير ابن كثير (4/266).فهذه الآية نزلت قبل الهجرة بسنوات تتحدث عن غزوة بدر، واندحار المشركين فيها، وتتنبأ بهزيمتهم وفلول جمعهم.

وقبيل معركة بدر أدرك النبي صلى الله عليه وسلم اقتراب تحقق الوعد القديم الذي وعده الله، فقام إلى العريش يدعو ربه ويناجيه: ((اللهم إني أنشِدُك عهدَك ووعدَك، اللهم إن شئت لم تُعبَد بعدَ اليوم))...

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عريشه، وهو يقول: ] سيهزم الجمع ويولون الدبر # بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر [.( البخاري ح (2915).)

وكان في اليوم السابق ليوم بدر ، جعل رسول الله يتفقد أرض المعركة المرتقبة، ويشير إلى مواضع مقتل المشركين فيها، ويقول : ((هذا مصرع فلان)) قال أنس: ويضع يده على الأرض هاهنا هاهنا. قال أنس: فما ماطَ أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم  .( مسلم ح (1779))

 

3- إخبارُه r عن شهادة عمرَ وعثمانَ وعلي، رضي الله عنهم أجمعين، فقد أخبر أن موتهم سيكون شهادة،.

فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراءٍ هو وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليُ وطلحةُ والزبيرُ، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اهدأ، فما عليك إلا نبيٌ أو صديقٌ أو شهيد)).( مسلم ح (2417).) فشهد  لنفسه بالنبوة، ولأبي بكر بالصديقية، ولعثمانَ وعليَ وطلحةَ بالشهادة ، وهو أمر غيب لا يعلمه أحد إلا الله تبارك وتعالى.

وكما أخبر النبي r عثمانَ بشهادته، فقد أخبره أنها ستكون في فتنة طلب منه أن يصبر عليها، فقد جاء في صحيح البخاري أن أبا موسى الأشعري جلس مع النبي صلى الله عليه وسلم على بئر أريس في حائط من حيطان المدينة .يقول أبو موسى : فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمانُ بن عفان. فقلت: على رسْلك، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: ((ائذن له ، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)).
يقول أبو موسى: فجئتُه، فقلت له: ادخل، وبشّرك رسول الله
r بالجنة على بلوى تصيبُك.( البخاري ح (3674).)

4-
أخبار الصحابة بأن أول الفتن خروج المنافقين على عثمان بن عفان رضي الله عنه وطلب نزعه من الخلافة ثم قتله ، وقد أخبر النبي عثمان ببعض معالم هذه الفتنة فقال له: ((يا عثمانُ، إنه لعل الله يقمّصُك قميصاً، فإن أرادوك على خلعه، فلا تخلعه لهم )).( الترمذي ح (3705)، وأحمد في المسند ح (24639)) .
قال المباركفوري: "يعني إن قصدوا عزلك عن الخلافة، فلا تعزل نفسك عنها لأجلهم لكونك على الحقّ، وكونهم على الباطل , فلهذا الحديث كان عُثمانُ
t ما عزل نفسهُ حين حاصرُوهُ يوم الدّار ".( تحفة الأحوذي (10/137).

 

5- أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بمقتل عمار بن ياسر في فتنة تقع بين المسلمين فقد رآه النبي عليه الصلاة والسلام عند بناء مسجده يحمل لبِنَتين لبنتين فيما كان الصحابة يحملون لبِنة لبِنة، فجعل عليه الصلاة والسلام ينفض التراب عنه، ويقول: ((ويح عمار، تقتلُه الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ، ويدعونه إلى النار))، قال أبو سعيد: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن. (رواه البخاري ح (428)، ومسلم (5192) واللفظ للبخاري)

قال النووي في شرحه للحديث : " وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله r من أوجه : منها أن عمارًا يموت قتيلًا , وأنه يقتله مسلمون , وأنهم بغاةٌ , وأن الصحابة يقاتِلون , وأنهم يكونون فِرقتين : باغية , وغيرها, وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح , صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى , إن هو إلا وحي يوحى". شرح النووي (8/40).

وقد قتِل عمارُ في جيش علي سنة سبع وثلاثين للهجرة النبوية.

 

6-  بشّر النبي عليه الصلاة والسلام بفتوح اليمن والشام والعراق واستيطان المسلمين بهذه البلاد، حيث قال e: (( تُفتَح اليمن فيأتي قوم يُبِسُّون  فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قومٌ يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قومٌ يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)).( مسلم ح (1875).)

قال النووي: "قال العلماء: في هذا الحديث معجزاتٌ لرسول الله e، لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة، وأن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب [اليمن ثم الشام ثم العراق]، ووجِد جميعُ ذلك كذلك بحمد الله وفضله".( شرح صحيح مسلم (9/159). )

وأما فتح فارس، فقد بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم  أصحابه، فقال: ((لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض)).( مسلم ح (2919))

وذكر ابن كثير أن أول من رأى القصر الأبيض ضرار بن الخطاب، فجعل الصحابة يكبرون ويقولون: هذا ما وعدنا الله ورسوله .( البداية والنهاية (7/64))

ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بفتح مصر؛ دعا إلى الإحسان إلى أهلها إكراماً لهاجر أم إسماعيل، فقد كانت من أرض مصر، كما أخبر بدخولهم في الإسلام واشتراكهم مع إخوانهم في التمكين له، قال صلى الله عليه وسلم  : ((إنكم ستفتحون مصر .. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذِمة ورحِماً))،. رواه مسلم ح (2543)

 

7-  أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتوح التي تقع على أيدي أصحابه ومن بعدهم، وأنها تستمر إلى ثلاثة أجيال بعده صلى الله عليه وسلم  قبل أن تتوقف، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ((يأتي على الناس زمانٌ يغزو فِئام من الناس، فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم  ؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  ؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيقولون: نعم، فيفتح لهم)).( رواه البخاري ح (3649)، ومسلم ح (2532) واللفظ له).

 

8- تنبأ صلى الله عليه وسلم  بهلاك عمه أبي لهب وزوجِه على الكفر، حين أخبر - فيما نقله عن ربه - ببقائهما على الكفر وهلاكهما على ذلك، قال تعالى: } تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ % مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ % سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ % وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ% فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ { (المسد: 1-5)، فكيف جزم النبي e بضلال عمه، وهو أقرب الناس إليه، ومَظِنة الميل إليه؟ هل كان ذلك إلا بإعلام الله له.
قال الشيخ الشعراوي في كتابه معجزة القرآن( ألم يكن أبو لهب يستطيع محاربة الإسلام بهذه الآية ؟ الم يكن يستطيع أن يستخدمها سلاح ضد القرآن ؟)

قالت له الآية ياأبا لهب انت ستموت كافرا" , ستموت مشركا" وستعذب في النار , وكان يكفي أن يذهب أبو لهب لأي جماعة من المسلمين ويقول لا إله إلا الله , محمد رسول الله , أنا أسلمت وقرآنكم خطأ !, وهذا لم يحدث فقد كان القول من الله تعالى الذي يعلم الغيب.


9-
عندما انقضت غزوة الأحزاب، وولت جموعهم الأدبار، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه فقال: ((الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم)). (البخاري ح (4110).

وهكذا كان، إذ كانت غزوة الأحزاب آخر غزاة غزتها قريش في حربها مع النبي صلى الله عليه وسلم  ، وقد غزاهم المسلمون بعدها، وفتحوا مكة بعون الله وقدرته.

 

10-تنبؤ الرسول عليه الصلاة والسلام بهزيمة الفرس وغلب الروم فقد نزل عليه قوله: ]غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون * بنصر الله[ (الروم: 2-5).

وتناقلت قريش هذه النبوءة الغريبة التي خالفت أهواءهم التي مالت إلى جانب الفرس إخوانِهم في الوثنية، بينما أحب المسلمون انتصار الروم لما هم عليه من الكتاب، واستبشروا بالخبر.

يروي الترمذي بإسناده عن ابن عباس قال: (كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم، لأنهم وإياهم أهلُ أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهلُ كتاب، فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: أما إنهم سيغلبون.

 فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا [أي بدوام انتصار الفرس] كان لنا كذا وكذا [أي من الرهن]، وإن ظهرتم [أي بانتصار الروم] كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلاً خمس سنين، فلم يظهر الروم [أي في هذه السنينِ الخمس].

فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا جعلته إلى دون العشر [أي طلب منه زيادة الأجل إلى تسع سنين، لأن البضع في لغة العرب مادون العشر]، والله قد وعد بظفر الروم في بضع سنين.

 قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر.

 قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال ابن عباس: فذلك قوله تعالى: ]غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين [. الترمذي ح (3193).

 لقد كان الأمر كما تنبأ عليه الصلاة والسلام، ففي عام 623م استطاع هرقل أن يخرج الفرس من بلاد الرومان. وفي عام 626م وصل الرومان إلى ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسية، ولو تأملنا قوله تعالى: ]غلبت الروم * في أدنى الأرض [ لوقفنا على برهان آخر من براهين نبوته صلى الله عليه وسلم  ، لأن قوله تعالى: ] في أدنى الأرض [ يشير إلى حقيقة علمية كشف عنها العلم الحديث، وهي أن البقعة التي انتصر فيها الفرس على الروم في منطقة الأغوار قريباً من البحر الميت هي أدنى الأرض، أي أخفض مكان في الأرض كما تؤكده الموسوعة البريطانية.

 

11- من الغيوب التي كشفت لنبينا صلى الله عليه وسلم  خبر أم حرام بنت ملحان ، فقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: ((أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا)) قالت أم حرام: قلتُ: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: ((أنتِ فيهم)) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ((أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم)) فقلتُ: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: ((لا)). البخاري ح (2924).

وقد ركبت أمُّ حرامٍ بنتِ مِلحانٍ البحرَ في زمن معاوية  رضي الله عنه، فصُرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت.كما جاء في البخاري ح (2789)، ومسلم ح (1912).

 

 وقد نقل الطبراني وغيره أن قبرها معروف في جزيرة قبرص. (الطبراني ح (316)، وأبو نعيم في الحلية ح (2/62).)

 

 

ثانيا" : المعجزات الحسية مثل تكثير الطعام والماء ببركة النبي عليه الصلاة والسلام :
وردت الكثير من الانباء والمعجزات الخاصة بإكثار الطعام والشراب وتدفق الماء من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام نورد من هذه الروايات أمثلة

1-
روى الشيخان عن أنسِ بنِ مالكٍ قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالزَوراء، والزَوراء موضع في المدينة.

قال أنس: فدعا صلى الله عليه وسلم بقدحٍ فيه ماء، فوضع كفّه فيه، فجعل ينبُع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال قتادة: كم كانوا يا أبا حمزة؟ فقال أنس: كانوا زُهاء الثلاثِ مائة. البخاري ح (3572)، ومسلم ح (2279).

 

2- روى الشيخان في الصحيحين أن أبا طلحة دخل ذات يوم على زوجه أمِ سُلَيم، فقال لها: لقد سمعتُ صوتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم.

 قال أنس: فأخرجتْ (أي أمه أم سُليم) أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها، فلفّتِ الخبز ببعضه، ثم دسّته تحت يدي، ولاثتني ببعضه (أي لفتني ببعضه)، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 فذهبتُ به، فوجدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقُمتُ عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: آرسلكَ أبو طلحة (أي: هل أرسلكَ أبو طلحة)؟ فقلت: نعم. قال: بطعام؟ فقلت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: قوموا.

قال أنس: فانطلق وانطلقتُ بين أيديهم، حتى جئت أبا طلحة فأخبرتُه، فقال أبو طلحة: يا أم سُليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وليس عندنا ما نطعِمُهم؟ فقالت: الله ورسوله أعلم.

 فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحةَ معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلُمي يا أم سُليم، ما عندك؟

 فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففُتَّ، وعَصرت أم سليمٍ عُكَّةً (قربةً فيها سمنٌ) فأَدَمَتْه (أي جعلته إداماً)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول (أي من دعاء الله بالبركة).

 ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((ائذن لعشرةٍ))، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)). فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ..(وهكذا) فأكل القوم كلُّهم وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً.  البخاري ح (3578)، ومسلم ح (2040).

قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: ( أرسلك أبو طلحة؟) وقوله : ( ألطعامٍ؟) هذان عَلَمان من أعلام النبوة (أي لإخباره صلى الله عليه وسلم بما غاب عنه), وذهابُه صلى الله عليه وسلم بهم علَم ثالثٌ (أي لعلمه صلى الله عليه وسلم بحصول البركة) , وتكثيرُ الطعام عَلَم رابع ". شرح النووي على صحيح مسلم (13/219).

 

وهناك أخبار مماثلة مثل إطعام الكثير من الرجال يوم الخندق بقليل من الطعام من حديث جابر رضي الله عنه الذي  رواه البخاري ح (4102)، ومسلم ح (2039)،

فقد أطعم النبي صلى الله عليه وسلم ما يقارب الألف رجل من طعام لا يكاد يكفي البضعَ من الرجال. كذلك ما حدث في يوم الحديبية حينما عطش الناس ولم يجدوا ماء إلا قليلاً بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في رَكْوة، فتوضأ، فجَهٍش الناس نحوه (أي تسابقوا إلى الماء لقلته) فقال: ((مالكم؟)) قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأُ ولا نشربُ إلا ما بين يديك، فوضع يده صلى الله عليه وسلم في الركوة، فجعل الماء يثورُ بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا. فسأل سالم راوي الحديث جابراً: كم كنتم؟ فقال مستنكراً: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمسَ عشرةَ مائة (أي ألفاً وخمسَ مائة). البخاري ح (3383).

 

3- كما أيد الله خاتم أنبيائه وعظيم رسله بدليل إبراء وشفاء بعض أصحابه على يديه صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك أنه ما جاء في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ((لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحبُ اللهَ ورسولَه، ويحبُه اللهُ ورسولُه))، قال: فبات الناس يدوكون (أي يتحدثون) ليلتهم أيهم يعطاها، قال: فلما أصبح الناس غَدوا على رسول الله e كلهم يرجون أن يُعطاها.

 فقال عليه الصلاة والسلام: ((أين عليُ بنُ أبي طالب؟)) فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، فقال: ((فأرسلوا إليه))، فأُتي به رضي الله عنه، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية.  البخاري ح (3701)، ومسلم ح (2407).

 

وقبل أن يغادر النبي صلى الله عليه وسلم أرض خيبر حقق آية أخرى تدل على نبوته ورسالته، فقد شفى الله بنفثه ساق سلمة بن الأكوع الذي أصيب في الغزوة، فقد روى البخاري في صحيحه عن يزيد بن أبي عُبيد قال: رأيت أثرَ ضربةٍ في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أُصيب سلمة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فنفث فيه ثلاث نَفَثات، فما اشتكيتها حتى الساعة. البخاري ح (4206).

 
وهكذا نرى تكرر هذه الأخبار التي شهدها جموع الصحابة، فهي أصدقُ الأخبار وأوثقُها، وهي بمنزلة المتواتر المقطوع بصحته وحجيته لتكرر أفرادها.

 

 

ثالثا " : القرآن الكريم

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما من الأنبياء من نبي، إلا قد أُعطي من الآيات، ما مثلٌه آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيتُ وحياً أَوحى اللهُ إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة)). البخاري ح (4981)، ومسلم ح (152))

قال ابن حجر في معنى قوله: ((إنما كان الذي أوتيتُ وحياً )): أي أن معجزتي التي تَحدّيتُ بها، الوحيُ الذي أُنزِل عليّ، وهو القرآن ".ثم لفت رحمه الله النظر إلى أنه ليس المراد من الحديث حصرَ معجزاته صلى الله عليه وسلم  في معجزة القرآن الكريم فقال: "بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اختصّ بها دون غيره عليه الصلاة والسلام". فتح الباري (8/622)

وقال ابن كثير في معنى الحديث: " معناه أن  معجزة كل نبي انقرضت بموته، وهذا القرآن حجة باقية على الآباد، لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله". تفسير القرآن العظيم (2/678).

وقال ابن القيم في سياق حديثه عن معجزات الأنبياء: "وأعظمها معجزة كتابٌ باقٍ غضٌ طريّ لم يتغيّر, ولم يتبدّل منه شيء، بل كأنه منزّل الآن، وهو القرآن العظيم، وما أخبر به يقع كل وقتٍ على الوجه الذي أخبر به". إغاثة اللهفان (2/476).

هذه المعجزة العظيمة تحدى الله بها الأولين والآخرين، ودعاهم للإتيان بمثله حين زعموا أن القرآن من كلامه  صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى: ]أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ _ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ[ )الطور: 33-34).

فعجز المشركين أن يأتوا بمثله،و تحداهم القرآن أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات من عندِهم

فلما عجزوا عن الإتيان بعشر سور تحداهم القرآن أن يأتوا بسورة واحدة من مثله.

قال ابن جرير الطبري رحمه الله: " ومن حجةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم على صدقه، وبرهانِه على حقيقةِ نبوته، وأن ما جاء به من عندي (أي من عند الله) ـ عجزُ جميعِكم وجميعِ من تستعينون به من أعوانِكم وأنصاركم، عن أن تأتوا بسورة من مثله. وإذا عجَزتم عن ذلك ـ وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة ـ فقد علمتم أن غيرَكم عما عجَزتم عنه من ذلك أعجَز". جامع البيان (1/372-373).

ويبلغ التحدي القرآني غايته حين يخبر القرآن أن عجز المشركين عن محاكاته والإتيان بمثله عجز دائم لا انقطاع له، فيقول: ]فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ[ (البقرة:24).

 قال القرطبي : " قوله : ] ولن تفعلوا [ إثارةٌ لهِمَمِهم، وتحريكٌ لنفوسهم؛ ليكونَ عجزُهم بعد ذلك أبدع، وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآنُ قبل وقوعها". الجامع لأحكام القرآن (1/267).

وحين أراد مسيلمة معارضة القرآن فضحه الله وأخزاه، فكان قوله محلاً لسخرية العقلاء وإعراض البلغاء، فقد قال: "يا ضِفدع، نُقي كما تنُقين ، لا الماء تدركين ، ولا الشراب تمنعين".

 وقال أيضاً معارضاً القرآن: " ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج من بطنها نسمة تسعى ، من بين شراشيف وحشى ".

وعندما أراد الأديب ابن المقفع معارضة القرآن كلّ وعجِز، وقال: أشهد أن هذا لا يُعارَض، وما هو من كلام البشر.

 ومثله صنع يحيى الغزال بليغُ الأندلس وفصيحُها.

وصدق الله العظيم: ]قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[ (الإسراء: 88).

لقد اعترف أعداء القرآن بعظمة القرآن، وذلّتْ رقابهم لِما سمعوه من محكم آياته، فها هو الوليدُ بنُ المغيرةِ سيدُ قريش، يسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ قوله تعالى: ]إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[ (النحل:90).

فيقول قولته المشهورة: "والله إنَّ لقولِه الذي يقولُ لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدِقٌ أسفلُه، وإنه ليعلو وما يُعلا، وإنه ليَحطِم ما تحته".

 

الأمور الدالة على أن القرآن كلام اللّه كثيرة فمنها:

أولا" :   كونه  عند العرب في الدرجة العالية من البلاغة التي لم يعهد مثلها.
1- أنه تعالى راعى فيه طريقة الصدق وتنزه عن الكذب في جميعه، وكل شاعر ترك الكذب والتزم الصدق نزل شعره ولم يكن جيداً، ولذلك قيل أحسن الشعر أكذبه. والقرآن جاء فصيحاً مع التنزه عن الكذب والمجازفة.

2 - أنه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم القبائح والحث على مكارم الأخلاق وترك الدنيا واختيار الآخرة، وأمثال هذه الأمور توجب تقليل الفصاحة.
3-
والقرآن جاء فصيحاً على غاية الفصاحة في كل فن ترغيباً كان أو ترهيباً أو وعظاً أو غيرهما. وكمثال جاء في الترغيب قوله {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} وفي الترهيب قوله {وخاب كل جبار عنيد. من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد. يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت. ومن ورائه عذاب غليظ} وفي الزجر والتوبيخ قوله {فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً. ومنهم من أخذته الصيحة. ومنهم من خسفنا به الأرض. ومنهم من أغرقنا. وما كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} وفي الوعظ قوله {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغني عنهم ما كانوا يمتعون} وفي الإلهيات قوله {اللّه يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار. عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال}.

4- أن القرآن في أغلب المواضع يأتي بلفظ يسير متضمن لمعنى كثير ويكون اللفظ أعذب، مثل قوله تعالى {ولكم في القصاص حياة} فإن هذا القول لفظه يسير ومعناه كثير. ومع كونه بليغاً مشتملاً على المطابقة بين المعنيين المتقابلين وهما القصاص والحياة. وعلى الغرابة، بجعل القتل الذي هو مفوت للحياة ظرفاً لها وأولى من جميع الأقوال المشهورة عند العرب في هذا البابً.
ثانيا" : 
تأليفه وأسلوبه المخالف لفنون الشعر والنثر:

 مما جعل الشعراء المشهورين وأشراف العرب، مع كمال حذاقتهم في أسرار الكلام وشدة عداوتهم للإسلام، لم يجدوا في بلاغة القرآن وحسن نظمه وأسلوبه مجالاً للنقد، بل اعترفوا أنه ليس من جنس خطب الخطباء وشعر الشعراء، ونسبوه تارةً إلى السحر تعجباً من فصاحته وحسن نظمه، وقالوا تارةً إنه إفك إفتراه وأساطير الأولين، وقالوا تارةً لأصحابهم وأحبابهم لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون. وهذا اسلوب الضعيف الواهي الحجة. فثبت أن القرآن معجز ببلاغته وفصاحته وحسن نظمه. وكيف يتصور أن يكون الفصحاء والبلغاء من العرب كثيرين ، ومشهورين بغاية العصبية والحمية الجاهلية، وماعرف عنهم من حب المباراة والمباهاة، والدفاع عن الأحساب. فيتركون الأمر الأسهل الذي هو الإيتان بمقدار أقصر سورة ويختارون الأشد الأصعب مثل الجلاء وبذل المال والأرواح.

ولو كانوا يظنون أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم استعان بغيره، لأمكنهم أيضاً أن يستعينوا بغيرهم فلما لم يفعلوا ذلك وآثروا التسليم بالهزيمة على محاولة المعارضة والقتال والجلاء على محاولة الإتيان بمثله ؟؟.

 

ثالثا" : ): كون القرآن منطوياً على الإخبار عن الحوادث الآتية، فوجدت في الأيام اللاحقة على الوجه الذي أخبر.

1-  كقوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون}.فوقع كما أخبر، ودخل الصحابة المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين غير خائفين.

 2- وكقوله تعالى: {وعد اللّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً}.  فكان اللّه وعد المؤمنين بأن تسلطوا في جانب الغرب إلى أقصى الأندلس والقيروان، وفي جانب الشرق إلى حد الصين، ففي مدة ثلاثين سنة تسلط أهل الإسلام على هذه الممالك تسلطاً تاماً، وغلب دين اللّه المرضي على سائر الأديان في هذه المماليك فكانوا يعبدون اللّه آمنين غير خائفين.
3-
 وكقوله تعالى: {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون}. ووقع كما أخبر لأن المراد بقوم أولي بأس على أظهر الوجوه وأشهرها، بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب والداعي الصديق الأكبر رضي اللّه عنه.
4-
 وكقوله تعالى: {إذا جاء نصر اللّه والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين اللّه أفواجاً}. والمراد بالفتح فتح مكة،فهذه السورة نزلت قبل فتح مكة ، فحصل فتح مكة ودخل الناس في الإسلام فوجاً بعد فوج من أهل مكة والطائف وغيرها في حياته صلى اللّه عليه وسلم.
 5-
 وكقوله تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون}. وقد وقع كما أخبر فصاروا مغلوبين.
6-
 وكقوله تعالى: {واللّه يعصمك من الناس}. وقد وقع كما أخبر مع كثرة من قصد ضره فعصمه اللّه تعالى، حتى انتقل من الدار الدنيا إلى منازل الحسنى في العقبى.
7-
 وكقوله تعالى: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض} أي أرض العرب {وهم} أي الروم {من بعد غلبهم سيغلبون} أي الفرس {في بضع سنين} أي ما بين الثلاث والعشر {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. وعد اللّه لا يخلف اللّه وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون}.

8- وكقوله تعالى: {أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر}.

 

(الأمر الرابع) ما أخبر من أخبار القرون السالفة والأمم الهالكة، وقد علم أنه كان أمياً ما قرأ ولا كتب .
(الأمر الخامس) ما فيه من كشف أسرار المنافقين حيث كانوا يتواطئون في السر على أنواع كثيرة من المكر والكيد، وكان اللّه يطلع رسوله على تلك الأحوال حالاً فحالاً، ويخبره عنها على سبيل التفصيل، فما كانوا يجدون في كل ذلك إلا الصدق.

(الأمر السادس) جمعه لمعارف وعلوم لم تعهدها العرب مثل علم الشرائع وطرق الحجج فمن التنبيه على الدلالات العقلية كمثال قوله تعالى: {أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} وكقوله تعالى: {يحيها الذي أنشأها أول مرة} وكقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا} .

(الأمر السابع) كونه بريئاً عن الاختلاف والتفاوت مع أنه كتاب كبير مشتمل على أنواع كثيرة من العلوم، فلو كان ذلك من عند غير اللّه لوقعت فيه أنواع من الكلمات المتناقضة.

(الأمر الثامن) كونه معجزة باقية متلوّة في كل مكان مع تكفل اللّه بحفظه، و أن قارئه لا يسأمه وسامعه لا يمجه، وتيسيير حفظه لمتعلميه .


جاء في كتاب حوار مع صديقي الملحد :
لا نقول إن القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة
والسلام.. لأن القران بشكله وعباراته وحروفه وما احتوى عليه من علوم ومعارف وأسرار وجمال بلاغى ودقة لغوية هو مما لا يدخل فى قدرة بشر أن يؤلفه.. فإذا أضفنا الى ذلك أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان أميا، لا يقرأ ولا يكتب ولم يتعلم فى مدرسة ولم يختلط بحضارة، ولم يبرح شبه الجزيرة العربية، فإن احتمال الشك واحتمال إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيلا.. والله يتحدى المنكرين ممن زعموا أن القرآن مولف.
"
قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله" استعينوا بالجن والملائكة وعباقرة الإنس وأتوا بسورة من مثله ومازال التحدى قائما ولم يأت أحد بشىء... إلا ببعض عبارات مسجوعة ساذجة سموها "سورة من مثله"... أتى بها أناس يعتقدون أن القرآن مجرد كلام مسجوع.. و لكن سورة من مثله.. أي بها نفس الإعجاز البلاغي و العلمي..
وإذا نظرنا إلى القرآن في حياد وموضوعية فسوف نستبعد تماما أن يكون محمد عليه الصلاة والسلام هو مؤلفه.
أولا: لأنه لو كان مؤلفه لبث فيه همومه وأشجانه، ونحن نراه فى عام واحد يفقد زوجه خديجة وعمه أبا طالب ولا سند له فى الحياة غيرهما.. وفجيعته فيهما لا تقدر.. ومع ذلك لا يأتي لهما ذكر فى القرآن ولا بكلمة.. وكذلك يموت ابنه إبراهيم ويبكيه، ولا يأتى لذلك خبر فى القرآن.. القرآن معزول تماما عن شخصية وذات الرسول عليه الصلاة والسلام.

بل إن الاية لتأتى مناقضة لما يفعله محمد وما يفكر فيه.. وأحيانا تنزل الاية معاتبة له كما حدث بصدد الأعمى الذى انصرف عنه النبى إلى أشراف قريش:
"
عبس وتولى. أن جاءه الأعمى. وما يدريك لعله يزكى. أو يذكر فتنفعه الذكرى، 1- 4 عبس
وأحيانا تنزل الاية فتنقض عملا من أعمال النبى:
"
ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم. لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم" 67- 68- الأنفال
وأحيانا يأمر القرآن محمد بأن يقول لأتباعه ما لا يمكن أن يقوله لو أنه كان يؤلف الكلام تأليفا:
"
قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم" 9- الأحقاف
لا يوجد نبى يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لأتباعه لا أدرى ما يفعل بي ولا بكم.. لا أملك لنفسى ضرا ولا نفعا.. ولا أملك لكم ضرا ولا نفعا. فإن هذا يؤدى إلى أن ينفض عنه أتباعه.
مثل
هذه الآيات ما كان يمكن أن يؤلفها النبي لو كان يضع القرآن من عند نفسه.
ثانيا: لو نظرنا بعد ذلك فى العبارة القرآنية لوجدنا أنها جديدة منفردة فى بنائها ومعمارها ليس الا شبيه فيما سبق من أدب العرب ولا شبيه فيما أتى لاحقا بعد ذلك.. حتى لتكاد اللغة تنقسم إلى شعر ونثر وقرآن.. فنحن أمام كلام هو نسيج وحده لا هو بالنثر ولا بالشعر.

اسمع هذه الآيات:
"
رب إني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا"4- مريم
وهذه الآيات:
"
طه. ما انزلنا عليك القران لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى. الرحمن على العرش استوى" 1-5- طه

ثالثا: إذا مضينا فى التحليل أكثر فإنا سنكتشف الدقة البالغة
والإحكام المذهل.. كل حرف فى مكانه لا تقديم ولا تأخير.. لا تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة، ولا حرفا مكان حرف.. كل لفظة تم اختيارها من مليون لفظة بميزان دقيق.
وسنرى أن هذه الدقة البالغة لا مثيل لها فى التأليف.
انظر إلى هذه الكلمة "لواقح " فى الآية: "وأرسلنا الرياح لواقح"22- الحجر
وكانوا يفسرونها فى الماضى على المعنى المجازى بمعنى أن الرياح تثير السحب فتسقط المطر فيلقح الأرض بمعنى "يخصبها" ثم عرفنا اليوم أن الرياح تسوق السحب إيحابية التكهرب وتلقى بها فى أحضان السحب سالبة التكهرب فيحدث البرق والرعد والمطر.. وهى بهذا المعنى "لواقح " أيضا، ونعرف الان أيضا أن الرياح تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة فتلقحها بالمعنى الحرفى، ونعرف أخيرا أن المطر لا يسقط إلا بتلقيح قطيرات الماء بذرات الغبار فتنمو القطيرات حول هذه الأنوية من الغبار وتسقط مطرا. كها نحن أولاء امام كلمة صادقة مجازيا وحرفيا وعلميا، ثم هى بعد ذلك جميلة فنيا وأدبيا وذات إيقاع حلو.
هنا نرى منتهى الدقة فى انتقاء اللفظة ونحتها، وفى آية أخرى:
(
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون )188- البقرة كلمة "تدلوا ".
مع أن الحاكم الذى تلقى إليه الأموال فى الأعلى وليس فى الأسفل.. لا، إن القران يصحح الوضع، فاليد التى تأخذ الرشوة هى اليد السفلى ولو كانت يد الحاكم.. ومن هنا جاءته كلمة "تدلوا بها إلى الحكام " لتعبر فى بلاغة لامثيل الا عن دناءة المرتشى وسفله.

 

وفى آية قتل الأولاد من الفقر نراها جاءت على صورتين:
"
ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم" 151- الأ نعام
"
ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم "31- الإسر اء
والفرق بين الآيتين لم يأت اعتباطا، وإنما جاء لأسباب محسوبة.. فحينما يكون القتل من إملاق فإن معناه أن الأهل فقراء فى الحاضر، فيقول: نحن "نرزقكم " وإياهم. وحينما يكون قتل الأولاد خشية إملاق فإن معناه أن الفقر هو احتمال فى المستقبل ولذا تشير الآية إلى الأبناء فتقول نحن "نرزقهم " وإياكم. مثل هذه الفروق لا يمكن أن تخطر على بال مؤلف.

 

ثم الدقة والخفاء واللطف فى الإعراب. انظر إلى هذه الآية:
"
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"9- الحجرات
مرة عوملت الطائفتان على أنهما جمع "اقتتلوا" ومرة على أنهما مثنى "فأصلحوا بينهما" والسر لطيف.
فالطائفتان فى القتال تلتحمان وتصبحان جمعا من الأذرع المتضاربة.. فى حين أنهما فى الصلح تتفصلان إلى اثنين.. وترسل كل واحدة عنها مندوبا، ومن هنا قال:
وإن طائفتان من المؤمنين "اقتتلوا" فأصلحوا "بينهما"!
حتى حروف الجر والوصل والعطف تأتى وتمتنع فى القرآن لأسباب عميقة، وبحساب دقيق محكم. مثلا تأتي كلمة "يسألونك " فى أماكن عديدة من ا لقرآن:
"
يسألونك ماذا ينفقون قل العفو"219- البقرة
"
يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى"85- الإسراء
"
يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج "189- البقرة
دائما الجواب بكلمة "قل ".. ولكنها حين تأتى عن الجبال:
"
ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا"105- طه
هنا لأول مرة جاءت "فقل " بدلا من "قل ".
والسبب ان كل الأسئلة السابقة كانت قد سئلت بالفعل، اما سؤال الجبال فلم يكن قد سئل بعد، لأنه من أسرار القيامة، وكأنما يقول الله: فإذا سألوك عن الجبال "فقل ".. فجاءت الفاء زاندة لسبب محسوب.
أما فى الآية:
" )
وإذا سألك عبادى عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع " 186- البقرة
هنا لا ترد كلمة "قل " لأن السؤال عن ذات الله.. والله أولى بالإجابة عن نفسه..
كذلك الضمير أنا ونحن.
يتكلم الله بضمير الجمع حيثما يكون التعبير عن "فعل " إلهى ينفرد به الله تعالى كالخلق، وإنزال القرآن وحفظه:
"
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون،" 9- الحجر
"
نحن خلقناكم فلولا تصدقون" 57- الواقعة
"
إنا أنزلناه فى ليلة القدر" 1- القدر
"
أفرأيتم ما تمنون. أأنتم تخلقونه أم نحن الحالقون"58- 59- ا لواقعة
"
نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالم تبديلا" 28- ا لإنسان
أما إذا جاءت الآية فى مقام مخاطبة بين الله وعبده كما فى موقف المكالمة مع موسى.. تأتي الآية بضمير المفرد
"
إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكرى" 14- طه
الله يقول: "أنا" تنبيها منه سبحانه على مسألة التوحيد والوحدانية فى العبادة.
ونجد مثل هذه الدقة الشديدة فى آيتين متشابهتين تفترق الواحدة عن الأخرى فى حرف اللام.
لاحظ "اللام " فى الآيتين عن إنزال المطر وإنبات الزرع:
"
أفرأيتم الماء الذى تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون. لو نشاء جعلناه أجاجا"، "أى مالحا" 68- 70- الواقعة وفى آية ثانية:
"
أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون. لو نشاء لجعلناه حطاما" 63- 65- الواقعة فى الآية الأولى "جعلناه " أجاجا.. وفى الآية الثانية "لجعلناه " حطاما واللام جاءت فى الثانية لضرورة التوكيد، لأن هناك من سوف يدعى بأنه يستطيع أن يتلف الزرع كما يتلفه الخالق، ويجعله حطاما. فى حين لن يستطيع أحد من البشر أن يدعى أن فى إمكانه أن ينزل من سحب السماء مطرا مالحا فلا حاجة إلى توكيد باللام.
ونفس هذه الدقة نجدها فى وصف إبراهيم لربه فى القرآن بأنه: "الذى يميتنى ثم يحيين" 81- الشعراء
"
والذى هو يطعمنى ويسقين"79- الشعراء.
فجاء بكلمة"هو" جينما تكلم عن "الإطعام " ليؤكد الفعل الإلهى، لأنه سوف يدعى الكل أنهم يطعمونه. ويسمقونه، على حين لن يدعى أحد بأنه يميته ومجييه كما يميته الله ويجييه.
ونجد هذه الدقة القرانية مرة أخرى فى تناول القرآن للزمن.. فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض.. فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض:
"
ونفخ فى الصور"99- الكهف
"
وانشقت السماء فهى يومئذ واهية"16- الحاقة
والسر فى ذلك أن كل الأحداث حاضرها ومستقبلها قد حدثت فى علم الله وليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان، والذا نقرأ العبارة القرآنية أحيانا فنجد أنها تتحدث عن زمانين نحتلفين، وتبدو فى ظاهرها متناقضة مثل:
"
أتى أمر الله فلا تستعجلوه"1- النحل
فالأمر قد أتى وحدث فى الماضى. لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كا لو كان مستقبلا لم يحدث بعد.. والسر كما شرحنا أنه حدث فى علم الله، لكنه لم يحدث بعد فى علم الناس، ولا تناقض.. وإنما دقة وإحكام، وخفاء واستسرار، وصدق فى المعافى العميقة.
هذه بعض الأمثلة للدقة البالغة والنحت المحكم فى بناء العبارة القرآنية وفى اختيار الألفاظ واستخدام الحروف لا زيادة ولا نقص، ولا تقديم ولا تأخير، إلا بحساب وميزان، ولا نعرف لذلك مثيلا فى تأليف أو كتاب مؤلف، ولا نجده إلا فى القرآن.


رابعا" بعض من صفات الرسول عليه الصلاة والسلام:

 

الكرم :

ومن جميل صفاته صلى الله عليه وسلم كرمُه الفياض

وصفه ابنُ عمهِ ابنُ عباس فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسُه القرآن، فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة). البخاري ح (6) ، مسلم ح ( 2308).

 

هذا بعض خلقه e ، يقول عنه جابر رضي الله عنه : ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم  عن شيء قط؟ فقال: لا. البخاري ح (6034)، ومسلم ح (2311).

 

وجاءته امرأة ببردة فقالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكَها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم  محتاجاً إليها، فخرج إلينا، وإنها لإزاره، فجسَّها رجل من القوم فقال: يا رسول الله اُكسُنيها. قال: ((نعم)).

 فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع، فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتَها إياه، وقد عَرفتَ أنه لا يرد سائلاً! فقال الرجل: والله ما سألتُها إلا لتكون كفني يوم أموت. البخاري ح (5810).

 

العفو والاخلاق

ومن عظيم أخلاقه وجمل خلاله صلى الله عليه وسلم  عفوه عمن ظلمه، وحِلمه على من جهل عليه.

 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم  سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً. كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ((ما له ترب جبينه)). البخاري ح (6031).

 

سئلت أمُ المؤمنين عائشةُ عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقالت: ((لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئةَ، ولكن يعفو ويصفح). الترمذي ح (2016).

ومن حلمه صلى الله عليه وسلم  أن أعرابياً جهل، فقام يبول في طرف المسجد، فقام إليه الصحابة ينتهرونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ((لا تزرموه، دعوه)) فتركوه حتى بال.

 ثم إن رسول الله e دعاه فقال له: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن))، ثم أمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنه (فصبه) عليه. رواه البخاري ح (221)، ومسلم ح (285)، واللفظ له.

قال النووي: "وفيه الرفق بالجاهل وتعليمُه ما يلزمُه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة استخفافاً أو عناداً". شرح النووي على صحيح مسلم (3/191).

 

الزهد :

 

إن من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم زهادته في الدنيا وإعراضه عنها ترقباً لجزاء الله في الآخرة.

 

قال عمر بن الخطاب: (لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلْتَوي، ما يجد دَقَلاً يملأ به بطنه). مسلم ح (2978) والدقل هو التمر الرديء.

 

عن أنسِ بنِ مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة)).( الترمذي ح (2352).)

 

روى البخاري من حديث أبي هريرة قال: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض). البخاري ح (5374).

ورضي الله عن أم المؤمنين عائشة، إذ تقول لابن أختها عروة : (ابنَ أختي، إنْ كنا لننظرُ إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثةَ أهلَّةٍ في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم  نار). فسألها عروة: يا خالةُ، ما كان يُعيشُكم؟ قالت: (الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم  جيران من الأنصار كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم  من ألبانهم، فيسقينا). البخاري ح (2567)، ومسلم ح (2972).

 

ويُدعى أبو هريرة رضي الله عنه إلى شاة مصلية (مشوية)، فيأبى أن يأكل، ويقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير البخاري ح (5414)

يروي الشيخان في صحيحيهما أن امرأة وابنتاها دخلوا على أم المؤمنين عائشة يشكون الجوع، فماذا وجدوا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم  ؟  تجيبنا أم المؤمنين عائشة، فتقول: فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة، فأعطيتُها إياها، فقسمَتَها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت، فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم  علينا، فأخبرته فقال: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له ستراً من النار"" البخاري ح (1418)، ومسلم ح (2629).

أما أثاث بيت النبي صلى الله عليه وسلم فتصفه أم المؤمنين عائشة وتقول: (كان وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم  التي يتكئ عليها من أدم (جلد مدبوغ)، حشوها ليف). البخاري ح (6456)، ومسلم ح (2082)، اللفظ له.

وأما فراشه فحصير يترك أثراً في جنبيه، يقول ابن مسعود: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم  على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وِطاء (فراشاً) فقال: ((ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها)). الترمذي ح (2377)، وابن ماجه ح (4109)، وأحمد ح (3701).

ودخل عليه عمر رضي الله عنه، فرآه مضطجعاً على حصير قد أثر في جنبه، ونظر ببصره في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، فإذا فيها قبضةٌ من شعير نحو الصاع ، وقبضة أخرى من ورق الشجر في ناحية الغرفة.

 قال عمر: فابتدرتْ عيناي (أي بالبكاء) فقال صلى الله عليه وسلم  : ((ما يبكيك يا ابن الخطاب؟)) قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى! وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنتَ رسولُ الله وصفوتُه، وهذه خزانتك! فقال: ((يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة، ولهم الدنيا؟)) قلت: بلى. البخاري ح (4913)، ومسلم ح (1479) ، واللفظ له

 

التواضع :

في صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم ، فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه)). البخاري ح (3445).

وسُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها : ما كان صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله تعني: خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة)، وفي رواية لأحمد: (كان بشراً من البشر، يَفْلي ثوبه، ويحلِب شاته، ويخدِمُ نفسَه).( البخاري ح (676)، وأحمد ح (25662)).

 

وحين انطلق الصحابة إلى غزوة بدر، كانوا يتعاقبون، كلُّ ثلاثةِ نفرٍ على بعير، وكان صاحبا النبي صلى الله عليه وسلم في الركوب عليٌّ وأبو لبابة قال ابن مسعود: وكان إذا كانت عُقْبَة النبي صلى الله عليه وسلم  (أي إذا انتهت نوبة النبي في الركوب) قالا له: اركب حتى نمشي عنك. فيقول لهما صلى الله عليه وسلم  : ((ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكُما)). رواه أحمد ح (3769).

 

خشوعه في العبادة :

إن من دلائل نبوته وأمارات صدقه صلى الله عليهوسلم ما رأينا من تعبده لله تعالى وخشيته من الله تعالى , ولو كان ممن يدعون النبوة ً لما تعبد لله، ولما أتعب نفسه ، بل لكان صنع ما يصنعه سائر الأدعياء من مقارفة الشهوات واستحلال المحرمات ، ومن ذلك ما فعله مسيلمة الكذاب، فقد أحل لأتباعه الخمر والزنا، ووضع عنهم الصلاة ، فتكاليف الشريعة لا يطيقها الأدعياء، لذا سرعان ما يتخلصون منها.

 

تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حال النبي صلى الله عليه وسلم  في ليله، فتقول: كان النبي e يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم  : ((أفلا أكون عبداً شكوراً)).( البخاري ح (4827)، ومسلم ح (2820).)

وتصف عائشة رضي الله عنها صفة صلاته صلى الله عليه وسلم  ، فتقول: (كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته، يسجد السجدة من ذلك قدرَ ما يقرأ أحدُكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة).( البخاري ح (1123)، و مسلم ح (724)،)

ويصف علي رضي الله عنه حاله صلى الله عليه وسلم في يوم بدر حين تعب الصحابة وأسلموا أعينهم للنوم، فيقول: (ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم  تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح).( أحمد ح (1062).)

 

 

وأما صومه صلى الله عليه وسلم  ، فكان يداوم على صيام يومي الإثنين والخميس تقرباً إلى ربه وابتغاء رضاه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: ((تُعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم))  رواه الترمذي ح (678)، وابن ماجه ح (1730)..

 

فما الكسب الذي جناه النبي صلى الله عليه وسلم من نبوته، فإنه عاش عيشة المساكين التي تمناها ودعا الله بها، فكان طعامُه خشنُ الشعير، ورديءُ التمر، إذا ما تيسر له ذلك، وأما وساده وفراشه صلى الله عليه وسلم  فهما دليلٌ آخرُ على استعلاء النبي صلى الله عليه وسلم على الدنيا التي هجرها صلى الله عليه وسلم  بإرادته، كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم ينصح لأمته، فيقول: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)). البخاري ح (6416)..

 

ويروي الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعاً من شعير. (أحمد ح (2719).

وكما زهد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدنيا زمن حياته، فإنه لم يبتغ جر نفع من منافعها إلى أهله وذويه بعد موته ، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يبتغي أن يجر لأهله شيئاً من زخارفها، لذا قال صلى الله عليه وسلم  : ((لا نورّث، ما تركناه صدقة)). البخاري ح (3094)، ومسلم ح (1757).

 

 

فما الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا حين غادرها؟
يقول عمرو بن الحارث أخو أمِ المؤمنين جويرية قال: (ما ترك رسول الله
صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمَة ولا شيئاً إلا بغلتَه البيضاء وسلاحَه، وأرضاً جعلها صدقة) البخاري ح (2739).



جاء في موسوعة الحضارة :
وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمداً كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقل أن نجد إنساناً غيرة حقق كل ما كان يحلم به.

(موسوعة قصة الحضارة- وول ديورانت–الجزء 13 ص 47 الهيئة المصرية العامة للكتاب.,وعلى الانترنت ص4477 الرابطhttp://www.civilizationstory.com/civilization/).

 

 

 

عوده