القاديانية
السيد محمد حسن آل الطالقاني


تمهيد
تنسب «القاديانية‏» إلى ميرزا غلام أحمد (     1839  م / 1908 م )، من بلدة قاديان ‏في الهند، الواقعة في إقليم البنجاب، نشأ مسلما، وشغف بالتصوف. ثم، ادعى أنه النبي المعني بالآية ‏الكريمة: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) [الصف/6]، ثم أعلن أن نبوته «ظلية‏»، أى أنها انعكاس لنبوة محمد (ص)، لاعتقاده بالحلول والتناسخ ووحدة الوجود، فكمالات الأنبياء، كما يزعم ،تجمعت في شخص النبي محمد (ص) وانعكست ظليا فيه.
والحقيقة أن هذه الدعوة ليست من الإسلام في شى‏ء، وانما هي بدعة ضالة مضللة، وظفت في خدمة ‏المشروع الاستعماري البريطاني لها، ومنها أيضا قول القادياني نفسه: «أقول مدعيا: أنا اكثر المسلمين‏ إخلاصا للحكومة الانكليزية...»، وهو يرد هذا الإخلاص إلى تربية والدة الذي كان من صنائع هذه ‏الحكومة وإلى أيادى المستعمرين البريطانيين البيضاء عليه، وإلى إلهام من اللّه تعالى)). واستنادا إلى هذا الإلهام الذي يزعمه كان يرى هذه الحكومة رحمة للهند وبركة.
و منذ سنين طويلة وأنا اقرأ عن البهائية والقاديانية وغيرها من المذاهب المبتدعة، إلا أن ‏قراءاتي على كثرتها كانت عابرة في الغالب، ولم يكن القصد من ورائها غير التعرف على الأفكارالحديثة التي اكتسبت صفة الأديان والأباطيل والخرافات التي رفعها أصحابها إلى مصاف الشرائع ‏السماوية.
ولم تكن تلك القراءات الخاطفة لتبعث في نفسي الرغبة الى التوفر على دراستها أو التعمق فيها، إلا انني‏خصصت القاديانية ببعض العناية، وانصرفت الى دراستها وفحصها والتعرف على خصائصها ودخائلهابعض الوقت، ويعود الفضل في ذلك إلى صديقي الدكتور حسين علي محفوظ، فقد دعي في سنة‏1375ه، 1956م لحضور بعض المؤتمرات في امريكا وكتب لي من هناك رسالة في الخامس من تموزعام 1956 جاء فيها ما يلي:
«والذي أردت أن تعلمه انت ومن معك من الذين يبتغون نصر الحق واخلاد اهله، ان «القاديانية‏»وهم الذين... بنوا مسجدا في مدينة «بوستن‏» يولي كثير من الجاهلين وجوههم شطره، ولهم مثله في‏«واشنطن‏» وغيرها من امهات بلدان امريكا والغرب، وقد طبعوا القرآن مفسرا، وفاق اعتقادهم‏بالانكليزية والالمانية وغيرهما، وهم يحاولون الان نشر ما زخرفوه بالفرنسية!!؟ يا للعار... الخ‏».
وقد ساءني للغاية ما اخبرني به الصديق محفوظ، مع انني كنت قد احطت علما ببعض ما تقوم به‏القاديانية في القارتين الاوروبية والامريكية من دعوة وتبشير، لكنني لم اكن لاتصور بان نشاطهم قدبلغ هذا الحد، وان دعوتهم تركض وتنتشر في القارات البعيدة بهذه السرعة.
وفي خلال ذلك قرأت مقالا لصديق آخر هو العلامة الدكتور محمد يحيى الهاشمي رئيس جمعية ‏الأبحاث العلمية في حلب، ومؤلف كتاب «الامام الصادق ملهم الكيمياء» تحدث فيه عن ترجمة القرآن ‏باللغة الالمانية، وذكر ان الدكتور «اوتوبو خنيگر» الذي زار الشرق وتغلغل في قلبه والقى محاضرات‏عنه قد نبهه على التحريف والتشويه الذي ضمته الترجمة، مما يدعم دعوة القاديانية الى المسيح‏المزعوم «أحمد» ويخالف المعتقدات الاسلامية، ويضر بتفاهم الامم والشعوب مع بعضها بعضا، ولايوقظ روح المودة والاخاء في الاوساط المسيحية. وقد حمل الدكتور الهاشمي الغيارى من المسلمين‏عب‏ء المسؤولية عن اخراج ترجمة صحيحة للقرآن، تتسم بالضبط والدقة وتظهر حقيقة الاسلام الذي‏سي‏ء فهمه في الغرب.
وقد فكرت في الموضوع طويلا، وعجبت لسكوت علماء المسلمين عن هذه الزمر الضالة المضلة التي ‏ابتلي الاسلام بها يوم راحت تنطق باسمه، وتزور حقيقته، وتلبسه غير ثوبه، وتدخل فيه ما ليس منه...وقررت أن أكتب رداًعلى القاديانية، فاكشف زيفها للملأ، وأعلن عن بطلانها من أساسها، وأنها ليست ‏من الاسلام في شي‏ء مطلقا، فما زلنا لا نحسن اللغات الأجنبية لنقف على تراجم القرآن ونرد على الزيف ‏والبهتان، فلنرد على أصحاب الدعاوى الباطلة والمذاهب المستحدثة، وذلك أضعف الإيمان.
وهكذا قررت بالرغم من كثرة أعمالي وتعدد المواضيع التي كنت مشغولاً بإعدادها وإخراجها، وبدأت أ جمع المصادر، ولكنني كنت في قرارة نفسي أتمنى أن يقوم بهذا العمل غيري لينصرف إليه بكله، ويفرغ له جهده، ويعطى البحث حقه، ويشبعه تحقيقا وتمحيصاً... ولما كانت النية خالصة فقد حقق اللّه تلك الامنية، اذ تلقيت هدية من العلامة الكبير الشيخ  (( سليمان ظاهر النباطى ))  ، وهي الجزء الأول من‏ديوان شعره (( الإلهيات‏)) وقرأت في ثبت مؤلفاته المخطوطة المنشور على الغلاف (( الرد على‏القاديانية‏ )).
وكانت فرحتي بذلك كبيرة لأن صديقنا المرحوم ظاهر من كبار العلماء والأدباء، ولا شك في أن مايكتبه هو الغاية في بابه، وهو فصل الخطاب، وقر رأيي على نشر كتابه، فكتبت إليه أطلب منه إرساله‏ إلي لأتولى نشره، فأجابني رحمه اللّه بأن العلامة الشيخ موسى عز الدين من جويا بلبنان قد استعاره ‏منه للإطلاع عليه ومضت عليه وهو عنده ستة شهور، وأنه سيسترجعه ويبعث به إلي لوضعه تحت ‏تصرفي.
ومضت فترة طويلة شغلت خلالها عن الموضوع بالمرة، وحصلت بعض الموانع التي جرت العادة أن ‏تحول دون أعمال الخير، وتقف حاجزا في طريق المصالح العامة والخدمات الكبيرة، وبين الرجال ‏وأمانيهم الغالية وأهدافهم الجسام. وهكذا نسيت الموضوع أو تناسيته، وانتقل الشيخ سليمان إلى رحمة ‏ربه، ومرت سنوات لم أحاول خلالها التفكير في الموضوع أو الرجوع إليه.
وفي أواسط عام 1961 وجهت إلي حكومة المانيا الاتحادية دعوة لزيارتها فلبيتها في شهر آب،وتجولت في عدد من مدنها المهمة كبرلين وميونيخ، وهامبورغ وفرانكفورت، وبون وكولونيا، وآخن ‏وسباير، ولوبيك وهايدلبرغ، وغيرها. ورأيت للقاديانيين هناك مساجد ونشاطا ظاهراً، والدعوة ‏والتبشير بشكل نتمناه للإسلام الصحيح وتعاليمه الحقة، فاستأت إلى أبعد حد، ونقمت على قومي بل ‏احتقرتهم في قرارة نفسي، إذ رأيتهم أمواتا لا حياة لهم، فالباطل يصول ويجول في العالم المتمدن، ويغوي ‏ويضل السذج والبسطاء، ونحن قابعون في زاوية مظلمة، وقد ضربنا حولنا سياجا وبقينا نعتقد ان ‏الإسلام وتعاليمه في مأمن كما أراده اللّه ورسوله، ما زالت مظاهره الشكلية محفوظة داخل‏السياج.
وقد رأيت المسلمين في المانيا ينقمون بشدة على تلك الزمر الضالة ويضيقون بها ذرعا، وعلى رأسهم ‏العلامة الكبير الشيخ محمد المحققي الأستاذ في جامعة طهران سابقا، وممثل المرجع الديني العام السيد حسين البروجردي في هامبورغ، ورئيس (( الجمعية الاسلامية‏ )) هناك، فقد رأيته ناقما لدرجة أنه طلب ‏مني الا استقبل أحدا من علماء القاديانية عندما علم بأن بعضهم قد طلب موعدا لزيارتي في (( فندق‏الاطلنطي ‏)) الذي أنزل فيه فحددت له الساعة الخامسة بعد الظهر، ونزلت عند رغبة الشيخ فأبدلت ‏منهجي الرسمي بالخروج معه في نزهة على ساحل البحر.
وعدت إلى العراق وحللت في وطني النجف وأنا أحمل حقائبا من الآلام والأمال، فقد رأيت العالم الغربي ‏بعيني، ووقفت على مدى حبه للاستطلاع واهتمامه للوقوف على حقيقة الإسلام دين الحق والحرية ‏والعدالة وكيف يتعشقون تعاليمه ونظمه ويتسابقون إلى إعتناقه... نعم عدت إلى مقبرة الأحياء النجف وأنا أتصور أنني سأرى التبدل والتطور قد شملها فرعا لقدم، لقد خيل لي أنها وعت وشعرت ‏بواجبها خلال الفترة القصيرة التي بعدت عنها، إلا أنني رأيتها هي هي في مكانها وعلى وضعها، لم تتقدم ‏خطوة واحدة ولم تتغير قيد أنملة...
وهكذا عدت إلى التفكير في الموضوع من جديد، فكتبت إلى الأستاذ الشاعر (( أحمد سليمان ظاهر )) في‏النبطية بلبنان وأعلمته بما دار بيني وبين المرحوم والده حول الكتاب، فما كان منه إلا أن طلبه من أخيه ‏الأستاذ محمد في بيروت وبعث به إلي.
وقد صرت أمام مشكلة جديدة، وهي مسألة نشره، فقد كنت يوم طلبته من مؤلفه قادرا على الإنفاق ‏لإخراجه، أما اليوم فأنا لا أملك تلك المقدرة، لأنني مثقل بعب‏ء بعض الآثار التي أخرجتها، والمفروض في مثل هذه الحالة أن ألجا إلى الزعامة الدينية في النجف واستعين بها على انجاز مشروع هو من واجبها في الصميم، لكنني رأيت ذلك يجرني إلى ما لا أرتضيه لنفسي، لأنني أعلم بان تلك الجهة لاتقدم على مثل هذا العمل ما لم يسبغ ظلها عليه، وتقدم لها التزلفات، والادعاء بانها الحامية للإسلام ‏والمتصدية لخصومه... وفي ذلك من المتاجرة بديني وقلمي وكرامتي ما لم أسمح به لنفسي في ماضي أايامي، ويستحيل علي أن أقدم عليه بعد أن قدمت في حياتي العملية أمثلة يعرفها المقربون من إخواني ‏والعارفون من قرائي، فقد ضحيت بالمصالح الخاصة والمنافع الشخصية التي يتهالك عليها الاخرون من أجل أن لا أكون داعية أو مطية للغير، وإذا كان هذا حال الجهة التي يفترض فيها أن تكون الفرد الأكمل في المجتمع، فكيف بالتجار والوجهاء وأمثالهم؟ وإذا كان الدافع الحقيقي والهدف الأساسي هو التقرب إلى اللّه تعالى ونصرة دينه طمعاً في الجزاء الأخروي، فالأجدر أن لا أجعل للرياء سبيلا إليه، وأن لا أشرك معي فيه جهة تنتظر الاطراء أوتشترط الثناء، وأن أقوم به منفردا ومتوكلاً على اللّه، وهكذا كان.
واليوم وحين أوفق إلى إخراجه ابتهل الى اللّه تعالى أن يتغمد روح مؤلفه بالرحمة والرضوان، ويجزيه ‏خير جزاء المحسنين، وأن ينفع به ويجعل عملي فيه خالصا لوجهه، وأن يوفقني ما حييت، لما ينفع الناس‏ ويمكث في الارض ويرضي الرب، واللّه تعالى هو الموفق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(  1 )
إن شبه القارة الهندية من دول آسيا الكبرى والمهمة، احتل الفرس واليونان اجزاء منها في القرن الرابع‏قبل الميلاد، وازدهرت على شواط‏ى‏ء نهر السند فيها حضارة عظيمة بلغت ذروتها في القرن الثالث الى‏القرن الاول قبل الميلاد، وتعاقبت على احتلالها شعوب
عديدة، وأسس المسلمون في أنحائها دولاً مستقلة، كما أسس المغول إمبراطورية شملت الهند بأسرها، وقد اطلق الجغرافيون الأقدمون اسم الهندعلى البلاد التي لم يبلغها المسلمون، والهند أقدم ما عرف في التاريخ من بلاد اللّه
وهي من أغرب البلاد حقا، ففي الوقت الذي قدمت فيه للبشرية نماذج من العقول الجبارة والأدمغة‏الكبيرة  التي أحلت الحضارة الشرقية محلها الرفيع في أنظار الأوروبيين وغيرهم، وانتزعت اعترافات ‏الجمعيات العلمية الكبرى في العالم الغربي... أقول في الوقت الذي قدمت فيه الهند تلك العقول ‏النيرة والبصائر النافذة التي بهرت البشرية في مختلف مجالات الحياة القديمة والحديثة، نراها قد ضمت أوتضم حتى اليوم العقول المتعفنة، والديانات السخيفة، والمعتقدات الخرافية التي يترفع عنها الإنسان،ويعافها كل ذي ذوق وعاطفة ووجدان، كالبرهمية، والجايناسية، والبوذية والباربسيسية، والسيخية،والمهدوية، والدنيا إلهية، والأغاخانية، والقاديانية، والنيجرية وأمثالها من الأساطير التي تهبط بالإنسان ‏من عليائه إلى أسفل دركات الجهل والضلالة، والغواية والضحالة، فكيف يرضى الإنسان لنفسه أن يعبد البقرة كرب، ويتبرك ببولها فيلوث به جبهته التي هي أشرق مكان في جسمه...؟ وكيف يطيق حرق‏المرأة حية مع زوجها إذا مات...؟ فأي شريعة سمجة سنت تلك القوانين؟! وأي بشر يدين بها؟! وأتذكر أني قرأت كتاباً  لبعض أدباء مصر عن (( الأغاخانية ‏)) نسيت إسمه وإسم مؤلفه، وقد ذكر فيه أن ‏صلته ب‏(( أغاخان‏ )) قد توثقت حتى صار يفضي إليه بكل كبيرة وصغيرة من أصول ديانة أتباعه،ويُجيبه عن كل سؤال يطرحه عليه، وأنه قال له يوما:
أريد أن  أسالك عن أمر تهمني معرفته لكنني ‏أخشى أن يغيظك، فوعده بأن لا يغضب مهما كان سؤاله، فقال له: كيف ترضى لأتباعك  أن يعبدوك ‏كرب مع ثقافتك العالية وتضلعك في المعرفة؟ فأرخى ربطة عنقه وضحك طويلاً وقال: هذا السؤال ‏الذي خفت أن يغيظني؟ قال: نعم، فقال له: أأنا أفضل أم البقرة؟؟ إن هؤلاء الهنود رضوا بالبقرة ربا فعبدوها وأنا أفضل منها بدون شك!! وإن الإنسان ليأسف حقاًً  أن يرى في بني جنسه من هو بهذه الدرجة من الغباء بالنسبة للعابد، ومن‏الدجل والشعوذة بالنسبة للمعبود!! لقد ملكت الأسرة التيمورية المغولية بلاد الهند زمنا طويلاً، فقد ظهر تيمورلنك التتري وملك الهند في أايام السلطان بايزيد بن مراد الأول آل عثمان الذي توفي في اسر تيمور سنة 805ه، 1402م وحكم العديد من أولاده واحفاده في عواصم مختلفة كما قامت دول شيعية اتخذت لها عواصم‏اخرى ذكر منها الشيخ عبد العزيز الجواهري ثلاث دول:
1 العادل شاهية في بيجابور.
2 النظام شاهية في احمدنكر.
3 القطب شاهية في كولكندة وحيدر آباد
وكانت في قبال الدول الاسلامية دويلات هندوسية متناثرة في أرجاء تلك البلاد الواسعة.
وقد بدأ الانكليز يفدون على شبه القارة الهندية بعد اكتشاف «رأس الرجاء الصالح‏» ويفتحون محلات ‏تجارية يتخذون منها ذريعة للتدخل في شؤون البلاد الداخلية، ثم وحدوها في سنة 1009ه، 1600م ‏باسم (( شركة الهند الشرقية الانكليزية للتجارة‏ ))  ورسخت أقدامهم، واستمروا في تزايد وقوة بالتدريج.
وقد امعنوا في إذلال الجنود واحتقارهم لعقائدهم في داخل الثكنات العسكرية، سواء أكانوا من ‏المسلمين أم من الهندوس، ومن أمثلة ذلك  البسيطة أنهم كانوا يدهنون الخراطيش بشحم البقروالخنازير، وعندما تتجمد يأمرون الجنود بإزالتها  بأسنانهم عمداً، فيتذمرون ويعلنون مخالفة ذلك ‏لعقائدهم الدينية فالبقر محرم عند الهندوس والخنازير محرمة عند المسلمين إلا أن القواد الانجليز كانوا يجبرونهم على الطاعة ويعاقبون المخالفين، فخرج رهط على تنفيذ الأوامر، فأصدرت المحاكم في‏حقهم أحكاماً قاسية في 15 شهر رمضان سنة 1273 ه، 9 مارس 1857م، فاحتدم الجيش غيظا ووثب الجنود على قوادهم الانكليز فقتلوهم في داخل الثكنات، واندفعوا نحو العاصمة (( دلهي‏ ))  وجرت‏ دماء القوة الانجليزية التي حالت دون وصولهم أنهارا، وقام أحرار الهند من المسلمين والهنادك ‏بثورة عارمة، فألحقوا بالانكليز خسائر فادحة في الأرواح، لكن الانكليز انتصروا على الثورة وفعلوا بالثوار ما لا يتصوره العقل من وحشية وجرائم أدت إلى براءة الكثير من عقلائهم مما حصل.
وتحمل المسلمون العب‏ء الأكبر من الإضطهاد قبل الثورة، ومن التنكيل والإنتقام بعدها ما لم يتحمله‏ غيرهم، ونصبت لهم المشانق في شوارع (( دلهي‏ ))  وأعدموا ثلاثة آلاف رجل، ودخلوا مسجدها بخيولهم، وكلما وجدوا رجلا طويل اللحية ظنوه مسلما فقتلوه، وكانوا يشدون البعض على أفواه المدافع ويطلقون ‏قذائفها فتتناثر أجزاؤهم في الفضاء، كما كتبه الضابط الانكليزي (( روبرت‏ ))  في رسالة إلى أمه، وبلغ عدد قتلاهم في (( دلهي‏ )) وحدها سبعة وعشرين ألفاً ، وكتب (( ونكلسون‏ ))  إلى (( ادوارد)) : (( علينا أن نسن‏ قانونا يبيح لنا إحراق الثوار وسلخ جلودهم وهم أحياء، لأن نار الإنتقام التي تأججت في صدورنا لاتخمد بالشنق وحده‏ ))، وقد فعلوا ذلك أيضاً، فقد كتب المستر (( دي لين‏ ))  مدير جريدة (( تايمز إن إنديا )): إن المسلمين كانوا يخاطون بجلود الخنازير ثم يدلكون بشحومها وتخاط عليهم ويحرقون وهو أحياء )) ،وكتب مثل ذلك المستر (( گربر)) المشرف على القوات الانكليزية في شمال الهند، وكتب (( ونكلسون‏ )) و(( لورنس‏ ))  و(( مونتجمري‏ ))  فضائح أخرى.
وفي سنة 1275 ه، أول تشرين الثاني سنة 1858م أصدرت الملكة (( فكتوريا ))  قراراً بنقل حكم الهند 15 منه  وقد رغبت في التوسع في هذا التمهيد لأُعطي القارى‏ء فكرة تامة عن حالة البلاد والشعب اللذين ولدت ‏فيهما هذه الدعوة، فمعرفة تاريخهما وظروفهما، ومعرفة البيئة وما فيها من ملابسات، مما يساعد على فهم‏العوامل التي شجعت القادياني على إعلان دعوته، فالحالة الاجتماعية والاقتصادية وما داخلهما من جهل‏ وفقر، كانت من الدوافع التي حدت بفئة ساذجة من ذلك الشعب المسحوق المضطهد إلى الإيمان ‏بالدعوة الجديدة والركض وراءها من غير هدى. أقول:
كنت أفضل التوسع لولا أنني خشيت أن يحكم ‏القارى‏ء على أنه سرد تاريخي لا دخل له بالموضوع، وأنه أوسع مما تقتضيه طبيعة تمهيد لفكرة، فنحن ‏نحيل القارى‏ء على مجلة (( العروة الوثقى‏ )) التي كان يصدرها في باريس السيد جمال الدين الأفغاني ‏والشيخ محمد عبده، والكتب الخاصة التي كانا يصدرانها كملاحق وينشران فيها تفاصيل السياسة‏الانكليزية في الهند، وكانت جريدة (( أخبار دار السلطنة‏ ))  التي تطبع في كلكته، وجريدة (( مشير قيصر )) التي كانت تصدر في لكنهو تترجمان مقالاتها من العربية الى الأردوية لإطلاع عموم الشعب الهندي على‏ ما كان ينشر دفاعا عنه.

( 2 )
القادياني والقاديانية:
القاديانية والأحمدية اسمان لجماعة واحدة تنسب إلى الميرزا غلام أحمد بن غلام مرتضى بن عطا بن‏الميرزا گل محمد القادياني.
ولد في قرية (( قاديان ‏)) في مديرية «جورداسبور» في اقليم (( البنجاب ‏)) سنة   1839م، وتلقى‏ دروسه في منزل أبيه على الطريقة القديمة وكان والده طبيبا، وقد جلب لولده المعلمين، فتعلم القراءة ‏والكتابة، وقرأ القرآن ودرس النحو والصرف والمنطق والحكمة، ودخل (( الكلية الشرقية‏ )) في البنجاب ،وعين كاتبا في محكمة مدينة (( سيالكوت ‏)) وشغل وظائف أخرى حرة مدة أربع سنوات ثم‏تركها.
وكان ذا شغف بالقراءة والمطالعة منذ نشاته يقضي فيها معظم وقته، وقد تفرغ لدراسة الكتب الدينية‏والصوفية، وغلبت عليه نزعة التصوف، وكانت سائدة يومئذ بين كثير من علماء المسلمين في الهند،وكان لها طرقها ورجالها ومؤلفاتهم، كما كان لهم خصومهم الذين يتظاهرون بنقدهم‏ومعارضتهم.
وكانت يومذاك أيضا حركة تجديدية هندوكية باسم (( آريه سماج‏ ))  وكان لها زعماء بارزون وعلماء ينطقون باسمها، وقد كثرت المناظرات بينها وبين خصومها، كما كانت بعثات تبشيرية تتألف من القسس ‏والرهبان، وكان الصراع على أشده بينهم وبين علماء المسلمين، فظهر القادياني على الساحة في تلك ‏الفترة، وعد في النابهين من المسلمين، وكانت له مع كبار المناظرين من الفئتين مواقف مشهورة وتفوق‏ بارز إعترف به علماء عصره، فقد قال السيد عبد الحي الحسني:
(( ... واشتغل بالكلام وكان يباحث احبار الارية والنصارى ويفحمهم في مباحثاته، ويصرف اوقاته‏كلها في الذب عن الحنفية البيضاء، ويصنف الكتب في ذلك، وكانت مساعيه مشكورة عند أهل الملة ‏الإسلامية...)) و(( قد أورد في كتابه (براهين أحمدية) على إحقاق الإسلام ثلاثمئة دليل عقلي‏ )). وقد واصل مطالعة كتب العرفان والتصوف والفلسفة، وثقف نفسه ثقافة عالية اهلته للصدارة‏والتاليف، فانتج آثارا قيمة قوبلت بالاعجاب والاكبار من قبل الطبقات المتنورة، ولم يكن لما اشاعه‏ عنه خصومه وكتبه عنه البعض من أنه كان محدود الذكاء وأنه رسب في امتحان (( مولوي فاضل ‏)) الذي ‏يعادل الصف الثاني من الكلية نصيب من الصحة، وكذلك ما كان يقال عنه من أنه مصاب بنوع خطيرمن (( الهستيريا )) و(( القطرب‏ ))
إدعاءاته:
وبعد فترة ادعى انه «مجدد» للاسلام لما اشاع بين المسلمين من ان اللّه يبعث مجددا على راس كل مئة‏سنة، وهو مجدد القرن الرابع عشر الهجري، وظل يؤكد ذلك في تصريحاته وخطبه ومؤلفاته فترة، ثم‏ادعى انه المهدي المنتظر والمسيح الموعود في وقت واحد، استنادا الى ما رواه ابن ماجة من‏حديث «لا مهدي إلا المسيح‏» واستمر يبرهن على ذلك ويؤكد أن العلامات التي ذكرت لظهور المهدي‏منطبقة على زمانه، وان له شبها كبيرا بالمسيح، واخذ يتكلم في المغيبات والمنامات وتفسير بعض‏الاخبار والايات القرآنية بما ينطبق عليه ويقرب ذلك الى الاذهان الساذجة، وادعى انه ملهم ،ومن تصريحاته الخطيرة في هذه المرحلة قوله:
(( أنا مهدي وافضل من الانبياء ))
وقد كانت ولاية (( البنجاب‏ )) في معزل عن مراكز الثقافة في الهند، أكثر من غيرها، وكانت الخرافات ‏والأوهام والأساطير تعشعش فيها، والدهماء عادة يتقبلون الأمور الغريبة وخوارق العادات، وما يظهرمن شطحات الصوفية ويدعونه من الهامات، وكان للقادياني قبل ذلك رصيد علمي وشهرة كبيرة‏وأتباع عديدون، ولذلك بادر الكثير من أهلها الى الاستجابة لدعوته، وشكلوا الأغلبية العظمى
لمعتنقي ‏ديانته، فقد بلغ عددهم فيها وحدها إلى ما قبل وفاته بسنة سبعين ألفا، وكان منهم الشقيق الأكبر للشاعر الفيلسوف الدكتور ((  محمد إقبال )) ، في الوقت الذي كان فيه أخوه المذكور من أكبر المحاربين ‏للقادياني.
وقد قوبلت مزاعمه بالاستنكار الشديد، فرحل الى بلدة (( لوديانة‏ )) في البنجاب نفسها، واصدر منشورااعلن فيه أنه (( المسيح المنتظر )) فهب في وجهه العلماء، وكان من بينهم (( المولوي محمد حسين‏ )) صاحب ‏جريدة (( اشاعت سنت‏ ))  فدعا عددا من علماء الهند الى «لوديانة‏» لمناظرته، لكن الوالي الانكليزي في‏تلك المنطقة منع من عقد المناظرة، وارغم  (( المولوي محمد حسين‏ ))  ومن معه من العلماء على مغادرة ‏البلد في اليوم نفسه.
واستمر القادياني على نشر دعوته سنين طوالا، وأكثر من مناقشة المعارضين ومحاججة المستنكرين،وألف في ذلك الكتب ونشرها في البلاد الإسلامية بصورة واسعة، واقتنع بها فريق من الناس‏ فاعتنقوها، وبقي على تلك الحال يواصل الدعوة ولكن لم يرض طموحه ما حصل عليه من إقبال ‏فادعى النبوة وتفاقم الخطب، وأعلنت دنيا الإسلام ولا سيما في الهند استنكارها بمختلف الوسائل،وسادت الفوضى وصار حديث الناس والساعة، فكرست القوى بمختلف أشكالها لتكذيبه وتكفيره ،وأخذ هو وأتباعه يدافعون عن آرائهم واحتدم النزاع.
وكان من ادعاءاته أنه المعني بقوله تعالى :(ومبشرا برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) [الصف/6] وأنه يوحى إليه باللغات العربية والفارسية ‏والأردوية والانكليزية، وأكثر من التأليف في كل تلك اللغات، وان كتابه المقدس في مقابل القرآن هو«الكتاب المبين‏» وأن مما أوحي اليه: (( ان اللّه خاطبني وقال يا أحمدي أنت معي وأنا معك، إذا غضبت‏ غضبت، وكل ما أحببت أحببته، أنا مهين من أراد إهانتك، وإني معين من أراد إعانتك‏ ))  و(( إن اللّه خاطبني وبشرني باكرامي وقبولي في زمن الياس، وقال: يحمدك اللّه في عرشه‏» وغير ذلك من‏التفاهات
ولما رأى ان الحملة عليه شعواء، وأن الاقلام قد اوقفت على محاربته ودحض شبهاته ومزاعمه، وكشف أامره وحقيقته، وإعلان خروجه عن الاسلام، أعلن تمسكه بالشريعة الاسلامية والقرآن والسنة، وأن‏نبوته ظلية حسب تعبيره وهي انعكاس لنبوة الرسول، لاعتقاده بالحلول والتناسخ ووحدة‏الوجود، فهو يرى أن مراتب الوجود دائرة تضم اللّه والانبياء والبشر، فاللّه يحل في الانبياء،وبدوران الوجود داخل النبوة تنتقل الروح من فرد لاخر لا فرق بين سابق ولاحق، ويكون الانبياءنبيا واحدا، وباتصال اطراف هذا الوجود بعضها بالبعض الاخر يكون الانبياء جزءا منها، والانسان‏جزءا آخر من هذه الوحدة التي تضم ملكوت السماء والارض، فكمالات الانبياء المتفرقة قد تجمعت في‏شخص النبي
محمد(ص) وانعكست ظليا فيه.
وقد استفاد من إيمانه ببعض النظريات الفلسفية التي آمن بها، في زعمه الغوص في ذات اللّه والبروز عنه‏الى الارض، والانتهال من علوم الغيب واسرار الكون، وغير ذلك من المزاعم الكاذبة والادعاءات‏الباطلة.
بنى مدرسة لابناء نحلته في «قاديان‏» لئلا يشرف على تعليمهم وتربيتهم غير القاديانيين، كما بنى لهم‏مسجدا خاصا للصلاة، لكن اقاربه المخالفين له في الراي بنوا جدارا جعل اشياعه لا يتمكنون من‏الوصول الى المسجد الا بعد ان يمشوا مسافة طويلة، فرفع عليهم دعوى في المحكمة وقضى حكم‏الانكليز بازالة الجدار، واصدر قانونا يقضي بالا يزوج القاديانيون بناتهم لمن لم يصدق بنبوته، واكثرمن التطاول على المسلمين وشتمهم سواء في ذلك من عارضه او سالمه، لانه كان يقول بكفر من لم‏يؤمن برسالته ويتبعه.
وفي سنة 1323 ه، 1905م زعم انه اوحي اليه بان اجله قد قرب والف كتاب «الوصاية‏» الا انه عاش‏بعد ذلك... وفي السنة نفسها زعم انه اوحي اليه انشاء مقبرة خاصة في «قاديان‏» وفرض على من يريدالدفن فيها ان يهب لخزينة «القاديانية‏» ربع ماله، وبناها وقدمت له المبالغ، ومنذ ذلك التاريخ فرض‏على كل قادياني ان يقدم الى خزينتهم الدينية ربع ماله واستمر الى الان.
وفاته:
أصيب بالهيضة الوبائية وهو في لاهور، ومات سنة 1326 ه، الساعة العاشرة والنصف صباحا يوم(26) مارس سنة 1908م ونقلت جثته الى قاديان التي تبعد عن لاهور ستين ميلا، ودفن في المقبرة‏التي سماها (( بهشتي مقبرة ‏)) : (( مقبرة الجنة‏ )) وكتب على قبره (( ميرزا غلام أحمد الموعود ))  وأنزله أتباعه ‏منزلة الأنبياء واتخذوا قبره بمثابة ضريح رسول اللّه (ص) وصرحوا بأن زيارته تعدل زيارة‏الرسول(ص) وقالوا: (( ان اللّه بارك ثلاثة أمكنة وجعلها مقدسة وهي مكة والمدينة وقاديان حيث ‏تلوح تجلياته سبحانه‏ )).
وكان قد ضاقت به الدنيا لشدة مقاومة «المولوي ثناء اللّه له‏» فكتب له دعاء جاء في آخره: (( يا مرسلي إاني أدعوك بحظيرة القدس ان تفصل بيني وبين المولوي ثناء اللّه، ومن كان منا مفسدا في نظرك كاذباعندك فتوفه قبل الصادق منا... الخ‏» وكان صدور الدعاء في اليوم الاول من ربيع الاول سنة 1325 ه،25 نيسان سنة 1907م، فمات القادياني بعد التاريخ بسنة وعاش ثناء اللّه بعد ذلك سنين ‏طويلة.
وكان للقادياني صديق قديم ذهب اليه في قريته (( قاديان‏ ))  وناظره فانتصر عليه، ثم اتفقا على مباهلة ‏مؤداها أن يموت الكاذب منهما
خلال ثلاثة أيام، فمات القادياني خلال تلك المدة.
وقد أوصى ان يتألف مجلس من أتباعه لاختيار خليفة له، فانتخب (( المولوي حكيم نور الدين‏ )) أول‏خليفة له، ولما مات في سنة 1333 ه، 1914م انتقلت رئاسة الاتباع إلى ولده (( بشير أحمد ))  المسمى‏عندهم بالخليفة الثاني، ولما مات انتقلت الى حفيده (( بشير الدين‏ ))  بن بشير أحمد بن غلام أحمدالقادياني وسمي بالخليفة الثالث.
( 3 )

إختلاف أتباعه بعد وفاته:
وكان أتباعه قد انقسموا بعد موته فريقين، رأس أحدهما (( بشير احمد ))  كما قلنا، وهذا الفريق يؤيد نبوته‏ويكفر جميع المسلمين الذين لا يدينون بعقيدتهم، اما الفريق الثاني فقد راسه «الخواجه كمال الدين‏»ونائبه  (( الشيخ محمد علي اللاهوري‏ ))  الذي فسر القرآن باللغة الانكليزية، وقد اقتصرت عقيدة هذاالفريق على أن القادياني مجدد مصلح لا مهدي ولا نبي، وقد أطلق عليهم اسم (( اللاهورية‏ )).
وقد ظل الصراع بينهم وبين المسلمين قائما في الهند وباكستان وغيرهما من البلاد التي وصلت دعوتهم‏ إليها، وكان كبار العلماء والجمعيات الدينية في الباكستان يقاومونهم بشدة وباستمرار في خطبهم في‏المساجد والنوادي ومقالاتهم في الصحف، ويصدرون الفتاوى والنشرات والكتب بتكفيرهم، وقد ذكر السيد عبد الحي الحسني مجموعة من تلك الكتب بالعربية والفارسية والاردوية وقد حملواالسلطات على محاكمتهم، وبعد مشاحنات طويلة استمرت سنتين اصدرالقاضي «محمد اكبر خان‏»حاكم «بهاولبور» في سنة 1354 ه، 1935م حكما بتكفيرهم وعدم جواز تزوج المسلمات بهم.
آثاره العلمية:
ألف «القادياني‏» منذ كان مسلما يحارب أعداء دينه حتى اواخر أيامه، وبعد ان انحرف عن مبادئه ‏ومعتقداته وارتد عن الاسلام ووقف في صف أعدائه المخربين الف ما يقرب من ثمانين كتابا باللغات‏العربية والفارسية والاردوية والانكليزية، وبعضها في عدة اجزاء. ولم نقف الا على عدد يسير منها يعد بالأصابع، ويعود الفضل في ذلك الى كل من العلامة الاديب السيد حيدر عباس اللكنهوي، والفاضل‏السيد حكمة الهندي نزيل «المدرسة الهندية‏» في النجف، فقد جلبا لي ذلك من الهند بواسطة بعض ‏معارفهما هناك، كما يعود الفضل الى أولهما في ترجمة نبذ مما هو محل الحاجة من آرائه للاستشهاد من‏الانكليزية والاردوية، وذكر له الحسني ثلاثة عشر كتاب، والى القارى‏ء أسماء ما وقفنا عليه‏ وذكره الحسني:
1- آئينة كمالات اسلام، فارسي.
2- إزالة اوهام.
3- إعجاز المسيح.
4- اعجاز احمدي.
5- انجام اتهم.
6- البراهين الاحمدية (خمس مجلدات).
7- البرية.
8- تبليغ الرسالة.
9- تجليات الاهية.
10- تحفة الندوة.
11- التذكرة.
12- ترياق الفاروق.
13- ترياق القلوب.
14- توضيح مرام.
15- جشمه مسيحي.
16- جشمه معرفت، فارسي.
17- حقيقة الوحي.
18- الخطاب الجليل في الاصول الاسلامية.
19- الخطبة الالهامية.
20- دافع البلاء.
21- در ثمين.
22- دين الحق.
23- رسالة احمدي.
24- رسالة ختم النبوة.
25- رسالة قيصر.
26- سر الخلافة.
27- سر جشمه آرية، بالاردو.
28- سفينة نوح.
29- فتح الاسلام.
30- القصيدة الاعجازية.
31- كتاب الاربعين.
32- كتاب البرية.
33- الكتاب المبين.
34- كتاب الوصية.
35- عين المعرفة.
36- معيار الاخبار.
37- مكتوب احمد.
38- الملفوظات الاحمدية.
39- من خطاب سيكلوت.
40- المهدي.
41- مواهب الرحمن.
42- نزول المسيح.
43- نور الحق.

( 4 )
نشاط القاديانية في الباكستان:
كان القاديانية يحلمون بأن تصبح البلاد الهندية على سعتها قاعدة لهم، ولذلك مجدوا شخصيات ‏الهندوس الدينية، وأقاموا علاقات مع زعماء السياسة، وخطبوا ود (( نهرو ))  وأغروه حتى أُعجب بهم،وأشيع في الأوساط الإسلامية أنه إعتبرهم أحسن طوائف المسلمين، لأن نبيهم ينحدر من الجنس ‏الهندي ولهم مركز مقدس (( قاديان‏ )) في الهند.
وانطلاقا من هذه المطامع السياسية حبذوا فكرة وحدة الهند وعارضوا قيام دولة الباكستان، ولما قامت ‏صرفوا جهدهم للنيل من مسلمي الباكستان، واستفادوا من رعاية الانكليز في ترسيخ أقدامهم في‏مختلف دوائر الدولة الفتية ونالوا مناصب كبيرة.
وكان السير (( ظفر اللّه خان‏ )) أول وزير خارجية ‏لباكستان العقل المخطط للقاديانية، وقد اغتنم فرصة وفاة القائد محمد علي جناح فشحن وزارته ‏والمفوضيات خارج الباكستان بالقاديانيين.
وخطوا خطوة أخطر حين تسربوا إلى الجيش والشرطة‏ ومصلحة الطيران وتغلغلوا في المرافق الحيوية الاخرى.
وقد قامت جماعة منهم برئاسة زعيمهم (( بشير الدين‏ ))  فهاجرت الى الباكستان بينما بقي جماعة في‏ مركزهم قاديان في الهند واستطاع المهاجرون بمساعدة النفوذ الانكليزي الحصول من الحكومة على‏مساحة شاسعة من الارض في اقليم (( جنهنك‏ ))  بنوا عليها مدينة خاصة بهم سموها (( ربوة‏ )) .
وفي الحقيقة أن عش القاديانية في الباكستان (( ربوة‏ ))  بمثابة الفاتيكان للمسيحيين، فهي دويلة داخل ‏دولة فيها كل ما للحكومة من دوائر ومكاتب وشعب مستقلة لكل من الشؤون الخارجية والداخلية‏ والاعلام والشؤون العامة، وحرس وطني باسم «هيئة خدام الأحمدية‏» وتنظيم عسكري على شاكلة ‏الميليشيا يتألف من فرقتين منتظمتين، تدعى الاولى (( الهادفة‏ ))  والثانية  (( الفرقان‏ ))  وكلها تمارس نشاطهافي داخل نطاقها المحدود. ولشعبة الامور العامة دائرة مخابرات مهمتها جمع المعلومات عن نشاط‏الحكومة والمنظمات السياسية المناهضة للقاديانية، وتقوم بعثتها في اسرائيل بنشاط كبير، فالمركزان‏(( قاديان‏)) و(( ربوة‏ ))  على اتصال دائم بها، ويجري بينهما تبادل الاشخاص بين الحين والاخر عن طريق ‏بعض الدول الافريقية التي تتعاون معها وتصدر لمبعوثيها جوازات السفر، ولذلك وغيره فان مسلمي ‏الباكستان في قلق دائم من تحركاتهم المشبوهة، وحيطة وحذر من نشاطهم الهدام وتخطيطهم‏الخطر.
وفي سنة 1371 ه، 1951م اشتركوا في الانقلاب الفاشل، ولولا رحمة اللّه بتلك الدولة الناشئة لكان ‏مصيرها دولة قاديانية.
وفي جمادى الثانية سنة 1372 ه آذار 1952م دعي شيخنا الامام شيخ الاسلام الشيخ محمد الحسين ‏آل كاشف الغطاء لحضور المؤتمر الاسلامي في كراچي وكان لي شرف توديعه واستقباله في مطارالبصرة تطرق بعد عودته في حديثه عن المؤتمر الى وضع القاديانيين ونشاطهم التخريبي، ووضعهم ‏لبعض العراقيل في طريق المؤتمر بسبب عدم السماح لهم بحضوره.
وبالنظر لخطورة الموقف واستفحال أمر القاديانية اجتمع قادة المسلمين من الشيعة والسنة وزعماء(( الجمعية الاسلامية‏ ))  في كراچي في سنة 1373 ه، كانون الثاني عام 1953م، وعكفوا على دراسة ‏الوضع السائد ووجوب اتخاذ الوسائل الكفيلة لمجابهة دسائس القاديانية وخطرها على الامة ‏الاسلامية، وأصدروا بيانا أعلنوا فيه ان القاديانيين خارجون عن الاسلام، وطلبوا من الحكومة إصدار قرار ينص على أنهم أقلية غير مسلمة كالهندوس والمسيحيين، وان تعطيهم ما يستحقونه من الحقوق‏ حتى في البرلمانات المحلية والمركزية كما هو الحال بالنسبة للاقليات الاخرى، واقصاء (( ظفر اللّه خان‏ )) من وزارة الخارجية وسائر القاديانيين من الوظائف الحساسة. وكان المسلمون ولا يزالون بالرغم‏من مواقفهم الحاسمة والجدية تجاه القاديانيين، يؤكدون على الالتزام بالوسائل السلمية وتجنب العنف،وينهون عن المقاطعة التي يتعرض لها افراد من القاديانيين كقطع الماء او منع الطعام عنهم، ويعارضون‏ذلك بشدة لانه يخالف التعاليم الاسلامية الانسانية.
وفي السنة نفسها ثار المسلمون الباكستانيون على القاديانيين ثورة عنيفة، وصاحبت ذلك اضطرابات ‏أدت الى مذابح قتل فيها عدد كبير من الجانبين، واعلنت الدولة الحكم العرفي العسكري ووقفت موقفامنحازا، واستشهد مئات المسلمين برصاص الجيش والشرطة. واعتقل المسلمون بما فيهم زعماء الدين ‏الذين قادوا الثورة، ومنهم الشيخ ((  أبو الاعلى المودودي )) زعيم الجماعة الاسلامية يومذاك. بسبب تأليفه‏ كتاب (( المسالة القاديانية‏ )) الذي كشف فيه حقيقة القاديانية من النواحي الدينية والسياسية وما يكمن ‏فيها من أخطار إجتماعية على الشعب الباكستاني المسلم، وصدر الحكم عليه وعلى غيره بالاعدام ثم‏خفف إلى أربع عشرة سنة، وأطلق سراح الجميع بعد سنوات.

(5 )
عمالته المكشوفة للانكليز:
كانت أسرة القادياني على وئام تام وعلاقة صميمة مع «السيخ‏» ايام حكمهم على «البنجاب‏» على‏العكس من المسلمين المضطهدين وما ان دخل الانكليز وسيطروا على البلاد حتى بادرت الى انشاءالصلة بهم وانضمت الى صفوفهم، وكانت من اتباعهم علانية بسبب ان جد القادياني «الميرزا غلام‏محمد» كان من الاقطاعيين الكبار في ولاية «البنجاب‏» ولذلك اعلن ولاءه للانكليز وللتاج البريطاني‏منذ بداية الاحتلال، فنال الحب والعطف والرعاية من الولاة، وخلفه ولده «غلام مرتضى‏» فعزز ذلك‏بوقوفه الى جانب الانكليز عندما ثار الشعب الهندي عليهم ثورته المشهورة عام 1273 ه، 1857م‏ومدهم بخمسين مقاتلا فوجهوا له كتب الشكر، كما ساندهم في كل الحركات التي قامت ضدهم، وقبل‏التوظيف في دوائرهم.
ولما جاء دور ولده «الميرزا غلام احمد» سار على نهج ابيه وجده في الاخلاص والولاء، فتوظف في‏دوائرهم وحافظ على صحبتهم، ولما ظهر على الساحة وتبلورت شخصيته وبدا بادعاءاته التجديدفالمهدوية فالنبوة، كانوا وراء ظهره سندا في مختلف المراحل، والا لما استطاع ان يفوه بكلمة واحدة، فقداعلن دعوته بصراحة في بلد فيه عشرات الملايين من المسلمين، وخرق اجماع مئات الملايين من‏المسلمين الذين اجمعت كلمتهم على ختم النبوة، وتحدى علماءهم وشتمهم، وشبههم بالقردة والكلاب‏والشياطين وما شابه ذلك من النعوت، وظل يواصل دعوته وينشر مزاعمه بدون اكتراث،وحقق نجاحا في بلاده وفي البلدان الاسلامية الاخرى، وظل على قيد الحياة متمتعا بالحرية والحصانة‏مع المشايعين لفكرته، ولم يجرا احد على اخماد فتنته بالقضاء عليه، بل كان الاغتيال نصيب الزعيم ‏الهندي (( غاندي‏ )) الذي تمزق جسمه النحيل بالرصاص، لان الانكليز كانوا ضده.
ولو لم يصرح «القادياني‏» بعمالته للانكليز، لما كانت تخفى على أحد من ذوي البصائر، لان العمل الذي‏قام به مما لا يقوى عليه رجل بمفرده كل بضاعته الكذب والدجل والافتراء، وانما كان له رصيد قوي‏ودعم كبير، من جهة عليا تحميه وتسدده وتسخر امكانياتها لدعمه، وبذلك استطاع الاستمرار في‏دعوته مبلغا وخطيبا وناشرا، وتمكن ان يجمع حوله زمرا من السذج والمنتفعين والمنافقين... اقول لو لم‏يصرح بعمالته لما غمض على احد امره، فكيف وقد ملا كتبه بالاعترافات الصريحة والاعلان‏المكشوف، وفيما يلي نموذج من تلك التصريحات:
«فقد ساعدهم (الانكليز) والدي مساعدة كبيرة في قمع تمرد 1857 (يقصد ثورة الشعب الهندي على‏البريطانيين الغزاة) ومدهم بخمسين فارسا مسلحا لضرب الثورة، لذلك تدفقت على والدي رسائل‏الشكر والامتنان من قبل الحكام، وكذلك ساندهم والدي في المعارك الاخرى التي خاضها المتمردون(يقصد الوطنيين الاحرار)» «ولما توفي والدي ناب عنه اخي الكبير ميرزا غلام قادر في خدمة الحكومة البريطانية، فشملته هوالاخر بعنايتها، ولما توفي هو الاخر اقتفيت آثارهما وسلكت مسلكهما في اعلان الحب والولاءللحكومة والطاعة لها، وقد عاهدت اللّه منذ ذلك الحين على انني لن اكتب شيئا ضد هذه‏الحكومة‏»
«اقول مدعيا: انا اكثر المسلمين اخلاصا للحكومة الانكليزية، لان هناك ثلاثة امور جعلتني احتل‏الدرجة الاولى في الاخلاص لها.
1- تربية المرحوم الوالد.
2- أيادي الحكومة البيضاء.
- الهام من اللّه تعالى‏»
وقد خاطب اتباعه قائلا: «اسمعوا: ان السلطة الانكليزية رحمة لكم وبركة عليكم، وهي الحصن المنيع‏الذي اقام اللّه لوقايتكم، فعليكم ان تقدروها حق التقدير من سويداء قلوبكم، والانكليز خير لكم الف‏مرة من هؤلاء المسلمين الذين يحاربونكم‏»
وهو يعترف بصراحة بانه لا يستطيع ترويج بضاعته الزائفة، واعلان دعوته الكاذبة ومزاعمه الفاسدة،في اي بقعة اسلامية من العالم، لان ذلك يؤدي الى دق عنقه واراقة دمه، فهو يقول:
«لا يمكن ان احقق ‏دعوتي كل التحقيق في مكة، ولا في المدينة، ولا في الروم يقصد تركيا ولا في الشام، ولا في فارس،ولا في كابل، الا في كنف هذه الحكومة التي ادعو لها دائما بالازدهار والانتصار»
ويقول ايضا: «لقد بسطت هذه الحكومة الانكليزية اياديها البيضاء علينا لحد اننا ان خرجنا من هنا لاتؤوينا مكة ولا قسطنطينية، فكيف يجوز لنا اذن ان نضمر في قلوبنا امرا ضدها». وبعد ان اعلن ولاءه المكشوف بهذا الشكل عاد يستجدي العطف عليه وعلى اتباعه، ويرجو من‏الحكومة الانكليزية ان تنظر اليهم نظر رافة ورحمة وتحميهم من المسلمين، فقد وجه كتابا الى الحاكم ‏الانكليزي في المنطقة يقول فيه: «...
القصد من وراء ذلك الطلب الذي تقدمت به الى حضرتكم،والذي يحتوي على اسماء اتباعي ايضا، هو انني وان كنت استحق رعاية خاصة من الحكومة الانكليزية‏نظرا للخدمات الخاصة التي قمت بها انا واسلافي نحو الحكومة الموقرة بصدق واخلاص وتجردوبتحمس قوي، ارجو من الحكومة السامية ان تجعل هذه الاسرة يعني اسرته التي عرفتها وفية‏موالية لها مؤمنة بها مستميتة في سبيلها بعد تجارب استمرت خمسين سنة مضت، هذه الاسرة التي شهدلها اركان الحكومة الموقرة بانها اول المخلصين لها والقائمين على خدمتها، ارجو من الحكومة السامية ان‏تجعل هذه الاسرة التي هذا شانها، والتي هي عبارة عن غرسها نفسها، ان تجعلها موضع رعاية‏خاصة...»
بهذه الحقارة والوضاعة يستجدي هذا الدني‏ء عطف الغزاة المحتلين لبلاده، والهاتكين لحرمته، والمريقين‏لدماء ابنائه البررة، بهذا الاسلوب الذي يدل بصراحة على تفاهته وهوانه على نفسه، ثم يدعي انه نبي،والافظع ان يدعي ان اللّه الهمه الولاء للمحتلين، ويامر الناس بتصديق اقواله ويلعن من خالفه‏واستخف به. والحقيقة ان هذه الرسالة وثيقة ادانة وعمالة لا غبار عليها، فليس اكثر من ان يدعي ان‏هذه الطائفة من غرس يد الانكليز، واذا ثبت ذلك وهو ثابت فنحن في غنى عن ايراد الادلة‏والاستشهاد بالاقوال.
( 6 )

سبب احتضان الانكليز للقاديانية:
لقد قوبل الانكليز وغيرهم من القوى الاستعمارية الكافرة عند دخولهم البلاد الاسلامية فاتحين ‏بضراوة وعنف وتحطيم وتدمير، وتلقوا من المسلمين ضربات ماحقة اطارت صوابهم وارتهم العجب في‏التضحية والاستبسال، وتقارير ضباطهم الى قياداتهم ومذكراتهم التي كتبوها خلال ايام احتلالهم‏ونشرت تراجمها اكبر شاهد على ما نقول، فقد صرح الجميع واتفقت كلمتهم على غيرة المسلمين على‏اوطانهم ودفاعهم المستميت عنها، وعن حميتهم وتضحيتهم بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على‏ارضهم من دنس الغاصبين.
ومرجع ذلك الى ان الجهاد في سبيل اللّه من الواجبات الدينية باجماع المسلمين، وحكمه حكم فروع‏الدين الاخرى كالصلاة والصيام والزكاة والحج كما نص عليه فقهاء الامة قديما وحديثا، وهو كما تفصله‏المصادر كافة نوعان، احدهما للدعوة الى الاسلام واعلاء كلمته في بلاد اللّه وعباده، والثاني للدفاع عن‏الاسلام والمسلمين وبلادهم، وكذلك عن النفس والمال والعرض. ويشترط فقهاؤنا معاشر الشيعة‏الامامية في النوع الاول وجود الامام او نائبه الخاص اما الثاني فلا يشترط فيه ذلك.
وقد نص القرآن الكريم على ذلك في العديد من الايات، ومنها:
(ان اللّه اشترى من المؤمنين انفسهم‏واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل‏والقرآن ومن اوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم).ومنها: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون في سبيل اللّه باموالهم وانفسهم‏فضل اللّه المجاهدين باموالهم وانفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد اللّه الحسنى وفضل اللّه المجاهدين‏على القاعدين اجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان اللّه غفورا رحيما)
كما حثت عليه السنة النبوية، فقد قال رسول اللّه(ص): «من ترك الجهاد البسه اللّه ذلا وفقرا في معيشته‏ومحقا في دينه‏» وقال امير المؤمنين(ع): «الجهاد باب من ابواب الجنة فتحه اللّه لخاصة اوليائه، وهولباس التقوى ودرع اللّه الحصينة وجنته الوثيقة، فمن تركه البسه اللّه ثوب الذل وشمله‏البلاء...»
ومن أجل ذلك كان المسلمون يعلنون الثورة على العدو الكافر اذا غزاهم في عقر دارهم، ويهبون‏للجهاد في سبيل اللّه في مقاومته ودحره، وكان على راس الداعين الى الجهاد علماء الدين، فاذا ما افتوابوجوبه وضرورة حفظ البلاد من الغازين لم يتخلف عن الامتثال لاوامرهم احد الا الشيخ الهرم‏والمريض العاجز. ولا يزال العهد بثورة العراق الكبرى عام 1920 قريبا الى الأذهان، فقد هاجمه‏الانكليز فاتحين، وافتى زعيم الثورة الكبير الامام الشيخ محمد تقي الشيرازي وبقية زعماء الدين‏بوجوب الجهاد والمحافظة على البلاد، فهب الشعب العراقي هبة واحدة ولقن الانكليز درسا لن ينسوه‏الى الابد. وقد جاء في «مذكرات مس بل‏» قولها: «رجال الدين من العلماء في النجف وبغداد وكربلاءوالكاظمية وسامراء... كان هؤلاء العلماء شديدي التعصب للاسلام وشديدي الكره لبريطانيا... وكان‏لهم حتى الان اثر كبير على السكان المتدينين في المدن المقدسة...»
ولم تكن حال المسلمين في الهند لتختلف عنها في سائر بلادهم الاخرى، فقد قاوموا التسلط الانكليزي‏والاحتلال الغاشم، وحرضهم علماؤهم على الجهاد في سبيل اللّه، فضاق الانكليز بذلك ذرعا وظل‏القلق يساورهم دوما، وحاولوا التماس وسيلة توقف تلك الانتفاضات عند حدها، وتخنق اصوات‏الاحرار الذين يطالبونهم بالجلاء عن البلاد، ووجدوا ضالتهم عند «القادياني‏» فقد جند نفسه لتلك‏المهمة وبذل كل وسعه وطاقته في ايقاف المد الثوري بفتاواه المتوالية في عدم جواز الجهاد ضد الانكليز، وملأ الأذان بصخبه في ارشاده وخطبه ومؤلفاته وسائر الوسائل الممكنة الاخرى، وامده الانكليز بالمال‏وجندوا في خدمته الرجال، وهو يواصل مسعاه الخبيث وجهده الخائن، لكن ذلك لم يجده ولم يجداسياده فتيلا، اذ لم يكن لفتواه سميع غير قومه، وهم اقل من القليل اذا ما قيسوا بعدد المسلمين في‏مقاطعة البنجاب وحدها، فضلا عما سواها من مقاطعات شبه القارة الهندية.
وكان يفسر الاية الكريمة: (اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الامر منكم) بحسب ميوله الضالة،ويؤكد على ان الانكليز هم اولوا الامر الذين امر اللّه بطاعتهم وحذر من مخالفتهم، لغرض اسقاط فكرة‏الجهاد الاسلامي ضد الكفار، وقد ذكر ذلك مباهيا وافتخر به في غير واحد من مؤلفاته، وكان من‏جملة تصريحاته الوقحة قوله: «اني منذ الصغر الى ان بلغت ستين سنة من عمري كنت احاول في‏محاضراتي ومقالاتي ان اخلق الحب والولاء للانكليز في قلوب المسلمين، وأن أحملهم على التخلي عن‏الجهاد ضد المحتلين الانكليز»، وقوله: «وجب على كل مسلم ومسلمة تقديم الشكر الى هذه‏الحكومة، وحرام على كل مؤمن مقاومتها بنية الجهاد، وما هو جهاد بل هو أقبح أنواع الفساد»وقوله: «لقد خطوت اكبر مرحلة في حياتي في نصرة الدولة البريطانية والدفاع عنها والفت كتبا كثيرة‏احرم فيها الجهاد ضدها، لو جمع كل ما كتبته في هذا الصدد لبلغ خمسين كتابا، ووزعت هذه الكتب‏كلها في جميع أقطار العالم مثل الجزيرة العربية والشام، وكابل ومصر، وبلاد الروم يقصد تركيا »، إلى غير ذلك مما يصعب استقصاؤه.
فهل يحتاج الانسان بعد هذه الصراحة والصلافة الى ما يوضح له اسباب احتضان الانكليز له وتعلقهم‏به في حياته؟ ودعمهم وتمويلهم لاتباعه بعد وفاته؟ ومساعدتهم على الانتشار لتخريب العقائد والديار،فالمسالة في غاية الوضوح، والمساجد والجمعيات الدينية التي يشيدها القاديانيون في مختلف البلاد آولا سيما في الغرب بؤر جاسوسية ومراكز هدم، والواجب على الغيارى من ابناء المسلمين محاربتهاوتقويض اركانها، لا سيما في اوروبا وامريكا فانها اشد ضررا، لانهم في البلاد الاسلامية وديار الشرق‏معروفون ومعزولون من قبل معظم اهلها، لكن الغربيين لا يعرفون اسرارهم ونواياهم وانما ياخذون‏فكرة مشوهة عن الاسلام بواسطتهم، اذ يدسون السم في العسل ويفسرون القرآن حسب مشتهياتهم‏ووفق رغباتهم، مما يضر بتفاهم الامم والشعوب ورسل الاديان، كما مرت الاشارة اليه في التقديم.
( 7 )

شبه القاديانية بالبهائية:
وللقاديانية شبه بالبهائية من حيث التكوين والتطوير فكلاهما من صنائع الاستعمار، فقد غذتهماالايادي الاجنبية التي كانت تعمل للتخريب في البلاد الاسلامية في القرن التاسع عشر، ولخلق الفتنة‏والاضطراب والهاء الشعوب بالخلافات الداخلية، وبديهي انهما لم تصلا الى ما هما عليه اليوم من قوة‏وسعة انتشار في العالمين الشرقي والغربي الا بدعم الاستعمار المادي والمعنوي، فقد كان وراءهما منذالخطوات الاولى.
والملاحظ ان الاستعمار كان ولا يزال يختار لتنفيذ خططه ودسائسه في بلاد الشرق بعض المتلبسين‏بلباس رجال الدين، امثال كعب الاحبار ووهب بن منبه في التاريخ القديم، وراسبوتين وابي الهدى‏الصيادي في التاريخ الحديث، ليسهل اختلاطهم بالعامة وسواد الناس، ويمكن دسهم عن طريق التوجيه‏والوعظ والتاليف الارشاد.
أما البابية فقد غرس بذرتها في ايران «كينيار دالكوركي‏» المترجم ثم الوزير المفوض في السفارة‏الروسية بطهران، فقد اعترف في مذكراته المطبوعة بالدور الذي لعبه في تاسيس هذه الفرقة‏بوحي من الحكومة القيصرية، وذلك لاشغال رجال الدين
المسلمين الذين كانوا على خلاف دائم مع‏الحكومة الروسية.
ولا ننسى شقيقتهما الثالثة «الماسونية‏» فهي أكبر منهما عمرا، لأنها ولدت في بداية القرن الثامن عشر،وقامت على أنقاض تنظيم يهودي يهدف الى السيطرة على العالم، ويدعو الى أممية لا علاقة لها بالأديان ‏والأوطان والقوميات وكل القيم والمثل الأخلاقية العليا، حيث تسحق ذلك جميعا وتحل محله روح‏الالحاد والاباحية، لكنها اعلنت لها اهدافا خادعة هي:
«الحرية، والاخاء، والعدالة، والمساواة‏» لاغراءالناس وترغيبهم في الانتماء اليها.
وهناك سؤال يشكل علامة استفهام كبيرة، وهو لماذا توجد في اسرائيل مراكز لكل من الماسونية ‏والقاديانية والبهائية؟ وهل يعقل أن ذلك محض صدفة؟ والجواب بالطبع: لا. بل ان ذلك تخطيط ‏مدروس، وعمل مقصود، وتنسيق مسبوق، فالكل يدور في فلك الاستعمار ويلتقي عند نقطة واحدة،يجب ان يفكر بها ويعمل لها من بيدهم الحل والعقد في العالم الاسلامي والعربي...