الفصل الثاني

 

 

وكان مما اعترض به أيضاً أن ذكر قول الله تعالى ( أم السماء بناها . رفع سمكها فسواها . وأغطش ليلها وأخرج ضحاها . والأرض بعد ذلك دحاها . أخرج منها ماءها ومرعاها . والجبال أرساها ) [النازعات 27ـ32] . قال : فذكر فى هذه الآية أن دحو الأرض وإخراج الماء والمرعى منها كان بعد رفع سمك السماء وبعد بنائها وتسويتها وإحكام ليلها ونهارها ، ثم قال فى آية أخرى : ( هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، وهو بكل شىء عليم ) [البقرة 29] . قال : فذكر فى هذه الآية ضد ما فى الأولى ، وذلك أن هذه التسوية للسماء كانت بعد خلق ما فى الأرض .

قال أبو محمد : والقول فى هذا كالقول فى التى قبلها ، ولا فرق ، وهو أن بظاهر هاتين الآيتين يُكتفى عن تطلب تأويل أو تكلف مخرج .

وهو أنه تعالى ذكر فى الآية التى تلونا أولاً أنه عز وجل بنى السماء ، ورفع سمكها ، وأحكم الدور الذى به يظهر الليل والنهار ، وأنه بعد ذلك أخرج ماء الأرض ومرعاها ، وأرسى الجبال فيها . وذكر تعالى فى الآية الأخرى أن تسويته تعالى السموات سبعاً وتفريقه بين تلك الطوائف السبع التى هى مدار الكواكب المتحيرة والقمر والشمس كان بعد خلقه كل ما فى الأرض .

فلم يفرق هذا الجاهل المائق بين قوله تعالى : إنه سوى السماء ورفع سمكها ، وبين قوله تعالى : إنه سواهن سبع سموات .

فهل بعد هذا العمى عمى ؟ وبعد هذا الجهل جهل ؟

وإنما أخبر تعالى أن تسوية السماء جملة واختراعها كان قبل دحو الأرض ، وأن دحوه الأرض كان قبل أن تقسم السماء على طرائق الكواكب السبع ، فلاح أن الآيتين متفقتان ، يصدق بعضهما بعضاً .

* * * * *


ولكن ليذكر هذا الجاهل على ما يفتتحون به كذبهم المفترى وبهتانهم المختلق الذى يسمونه ( التوراة ) ، إذ يفترون أن الله تعالى خلق إنساناً مثله ، ولم يكن انفرد عنه تعلى إلا بشيئين : علم الشر والخير ، ودوام الخلود والحياة . وأن آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أكل من الشجرة التى فيها علم الخير والشر ، فلما خالفه عظم ذلك عليه ، قال : هذا آدم أكل من الشجرة التى بها يكون علم الخير والشر فسوانا فى ذلك ، فإن أكل من شجرة الحياة حصل على الخلد فكان مثلنا لا فضل لنا عليه ، فجعل يخرجه من الجنة وفى يده سيف يذود به عن شجرة الحياة .

حتى لقد انسخف جماعة من نوكاهم إلى أن قالوا : إن الخالق لآدم كان إنساناً من نوع الإنس الذى نحن منه ، حصل على أكل شجرة الحياة ، فزاد بهاؤه ، وحصل له الخلد !

فلو أن هذا الخسيس الجاهل تبرأ إلى الله تعالى من المظاهرة لهذا الوضع وهذا الاعتقاد الساقط لكان أحظى له ، ولكن يأبى الله تعالى إلا أن يجعل له الخزى والمهانة ، ويؤجل له الخلود بين أطباق النيران المعدة له ولأمثاله ولأشبابهه ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبى الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً .

 

 

عوده