الفصل الثالث

 

 


وكان مما اعترض به أيضاً أن ذكر قوله عز وجل ( قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين ) إلى منتهى قوله فى الآية نفسها ( وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين ) [فصلت 10] . قال : فذكر فى هذه الآية خلق الأرض فى يومين ، وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام ، فهذه ستة أيام . ثم ذكر قوله تعالى ( ثم استوى إلى السماء وهى دخان ) [ فصلت 11] إلى منتهى قوله تعالى ( فقضاهن سبع سموات فى يومين ) [فصلت 12] . ثم ذكر قوله تعالى ( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ) [ق 38] .

قال أبو محمد : والقول فى هذه الآية كالقول فى التى مضى فيها الكلام ، ولا فرق ، وهى أنها تكتفى بظاهرها عن تكلف تأويل لها ، وأنه لا يظن فى شىء من هذا كله اختلافاً إلا عديم العقل ، سليب التمييز ، مطموس عين القلب ، ظليم الجهل .

لأنه تعالى إنما ذكر خلق الجميع من السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ، فسر لنا تعالى تلك الأيام الستة : فمنها يومان خلق فيهما الأرض ، ومنها أربعة أيام قدر فى الأرض أقواتها ، وأنه تعالى قضى السموات سبعاً فى يومين ، وقد صح بما تلونا قبل أن تسويته تعالى السموات سبعاً كان بعد خلقه لما فى الأرض جميعاً ، فاليومان اللذان خلق الله تعالى فيهما السموات سبعاً هما اليومان الآخران من الأربعة الأيام التى قدر فيها أقوات الأرض ؛ لأن التقدير هو غير الخلق ، لأن الخلق هو الاختراع والإبداع وإخراج الشىء من ليس إلى أيس ، بمعنى من لا شىء إلى أنه يكون شيئاً موجوداً ، وأما التقدير فهو الترتيب وإحكام الأشياء الموجودات بعد إيجادها .

وهذه معان لا يعلمها إلا من أعز الله تعالى نفسه من ذوى الهمم الرفيعة ، المترفعة عن مهانة الإساءة ودناءة المعايش ، القاصدة إلى طلب المعانى الفاضلة والحقائق المؤدية إلى معرفة الله تعالى ، ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والدخول فى ظل الإسلام والملة الحنيفية المصحبة من الله تعالى السعد فى الدنيا والنصرة والعزة ، المتكفل لها فى الآخرة بالفوز بالجنة والقبول والرضوان والريحان ، والحمد لله رب العالمين الذى جعلنا من أهلها ، وإياه تعالى نسأل أن يميتنا عليها حتى نلقاه وهو راض عنا .. آمين . وأما من لم يقطع دهره إلا بالسرقة ، ولا أفنى عمره إلا بالخيانة والغش ، فبعيد عن إدراك هذه المعانى وفهمها .

* * * * *


وليت شعرى أين كان هذا الخسيس المائق إذ اعترض بهذا الاعتراض على هذه الأنوار الساطعة والحقائق الظاهرة عن التفكير فيما يقرأونه فى هذيانهم المخترع وزورهم المفتعل الذى يسمونه ( التوراة ) إذ يقولون : إن الله تعالى خلق الخلق فى ستة أيام ، واستراح فى اليوم السابع ؟ وهل تكون الراحة إلا لتعب ونصب قد خارت قواه وضعفت طبيعته ؟!

فمثل هذا وشبهه من دينه الخسيس الذى يستسر به لو تهمم بالفكرة فيه ثم بادر على التوبة منه والدخول فى دين الله تعالى الذى لا دين له سواه ، الذى به بدا الملك على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله رب العالمين

 

عوده