الفصل السابع

ثم ذكر هذا المائق الجاهل قوله تعالى فى وصف العسل : إن فيه شفاء للناس . فقال : وكيف هذا وهو يؤذى المحمومين وأصحاب الصفاء المحترقة ؟

قال أبو محمد : لو كان مع هذا الجاهل الأنوك أقل معرفة بطبائع الإنسان أو فهم مخارج اللغة العربية لم يأت بهذا البرسام .

أما اللغة ، فإن الله تعالى لم يقل : العسل شفاء لكل علة . وإنما قال تعالى : فيه شفاء للناس . وهذا لا ينكره إلا رقيع سليب العقل والحياء أو موسوس ، لأن منافع العسل وشفاءه فى إسخان المبرودين ، وتقطيع البلغم ، وتقوية الأعضاء ، حتى صار لا يطبخ أكثر الأشربة إلا به ، ولا يعجن جميع اللعوقات إلا به ، وما وصف جالينوس وبقراط ـ وهما عميدا أهل الطب ، طبخ شىء من الأشربة إلا به جملة ، وما ذكرا قط أن يطبخ شراب بسكر .

وكيف ينكر هذا الأنوك أن يكون العسل شفاء محضاً ، وهى أغلب أموره ، فكيف أن يكون به شفاء !

* * * * *


وهم يصفون عن نبى من أنبيائهم أنه شفى أكَلةً فى عضو إنسان بتين مدقوق وجعله عليه .. فإذا كان فى التين شفاء من بعض العلل ، فكيف ينكر هذا الخسيس أن يكون فى العسل أشفية كثيرة ؟

وقد وجدنا فى اختلاطهم الذى يسمونه ( توراة ) عن الله تعالى فى عدة مواضع أنه إذا بلغ الغاية فى مدح أرض القدس التى وعدهم بها قال : إلا أنها أرض تنبع عسلاً ولبناً . ووعدهم فيها بأكل عسل الصخور .

أفترى إذ ليس فى العسل شفاء أصلاً ، إنما وعدهم تعالى بما فيه الداء والبلاء ، لا بما فيه الشفاء ، هذا مع إنكار العيان وجحد الضرورات فى منافع العسل .

 

عوده