"النقد و النقض"

النقد الإجمالي

   هذا الكتاب الذي بين أيدينا من خلال نظرة عامة إليه قد وضعه مؤلفه بعد كتابه: "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين"؛ كما يظهر من خلال الإهداء في أوله، وهذا يعني أنه جاء بانياً على الأفكار التي قررها المؤلف في كتابه الأول-وفي كتبه الأخرى التي قبله-، ويأتي في الجو الذي خلفه الكتاب الأول سواء في الساحة العامة أو في الساحات الثقافية والعلمية؛ أو حتى في نفسية الكاتب.

وهذا هو الذي يترجم تلك العبارات التي صدر بها المؤلف هذا الكتاب والتي تدل على نفسية مشحونة، وقلم ذي نفس حاد مغامر؛ وكأنه قد عزم على خوض شيء مخوف يترقب في إثره ضجيجاً وصخباً واسعاً حيث قال: (إلى أحبابي الذين التزموا الصمت المطبق، عندما انفجرت براكين الغضب على"فترة التكوين"، أمنحهم فرصة أخرى ليكرروا الموقف ذاته، لأن السكوت حسب منهجهم الجديد من ذهب، ولكنه ذهب مع الريح وهيهات أن يعود)[1].

وذلك أن هذا الكتاب "فترة التكوين" كان قد أثار غضباً عارماً في الأوساط المصرية على وجه الخصوص،  لما اشتمل عليه من أفكار جريئة عن الإسلام، وعن القرآن، وعن النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته في أول الدعوة بكل ما فيها من أحداث، حيث قال في مقدمة ذلك الكتاب: (وهذا الكتاب يقدم رؤية جديدة نزعم أنها غير مسبوقة لحل هذا اللغز الذى ملأ الدنيا وشغل الناس، وقد بدأنا بمحمد[2] قبل أن يلتقي أبوه بأمه، حتى التقطته سيدة قريش[3] بعد أن توسمت فيه ، بفراسة يعز مثلها ، أنه هو القادم المنتظر، ثم قيامها بمعونة سخية من ابن عمها القس بدور لا نجد له في تاريخ الأديان مجرد شبيه، أنها ملحمة خالدة سلخت من عمر الطاهرة والقس[4] عقدًا ونصف العقد من الزمان في الإعداد والتصنيع والتهيئة والتأهيل حتى طرح ذلك العمل الصبور الدءوب المتأني المخطط والمرسوم بدقة متناهية ثمرته الناجحة، وحدثت واقعة غار حراء بصورة فذة معجبة أدهشت حتى فاعليها وهما سيدة نساء قريش، وورقة بن نوفل، لأنها جاءت بصورة لم تخطر لهما على بال، ولا شك أن هذا النجاح يؤوب بنسبة كبيرة إلى موضوع التجربة وهو "محمد[5]" فقد كان عبقريًا لا يفرى فرية أحد، ذلك أن سيرته الذاتية وخبراته الشخصية وملكاته العقلية والنفسية واللسانية كانت ركائز أساسية في فلاح التجربة )[6] آه.

ومما يذكر هنا أن الاسم الأصلي لكتاب "فترة التكوين" الذي أراد مؤلفه أن يسميه به هو: "تصنيع نبي"، ولكن الناشر وهي دار ميريت رفضت الاسم خشية الناس، واتفقوا بعد ذلك على تسميته بالاسم الذي خرج به[7].

ثم يجيء هذا الكتاب: "النص المؤسس" ليشرح فكرة من هذه الأفكار التي عرض لها في "فترة التكوين"، ولكنه هذه المرة: شرح بأدلة هي في نظره أدلة قوية دامغة -مستقاة من الكتب التراثية كما يحلو له أن يسميها-، توضح مصدر القرآن ومنشأه، وأموراً أخرى كثيرة مرتبطة به كما سيجيء تفصيله –إن شاء الله تعالى- .

*الفكرة الرئيسية للكتاب:

يهدف المؤلف من هذا الكتاب إلى تقرير حقيقة يراها؛  وهذه الحقيقة مبنية على مقدمتين؛ هما: أن القرآن الكريم  نصٌّ تاريخيٌّ / وجدليٌّ.

 ومعنى كونه نصّاً تاريخياً: أنه نص بزغ وخرج[8] في زمن معين، ووسط بيئة محددة، وفي ظروف حضارية وبيئية واقتصادية وثقافية معينة، ولأجل ذلك: لا يمكن أن تنزع الأحكام القرآنية و الإسلامية عموماً من تلك الخلفية الاجتماعية المحيطة بالقرآن -أول نزوله- لكي تطبق في بيئات مختلفة؛ ذات ظروف حضارية وثقافية واقتصادية مختلفة أيضاً.

 ولأجل ذلك المعنى فالقرآن الكريم العبرة في نصوصه بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، وعليه فلا تصلح الشريعة الإسلامية للتطبيق في هذا العصر ووسط هذه الظروف.

ومعنى كونه نصّاً جدلياً: أي أنه نصٌّ جاء نتاجاً لأحداث ووقائع محيطة بالنبيr وبأصحابه، استلزمت وضع القرآن وتأليفه..فخرج القرآن بوصفه عملاً أدبياً بإسهامٍ إنسانيّ يمثل أرقى إنتاج إنساني متطور عبر العصور، لأنه لم يُؤَلَّف دفعة واحدة أو بقلم واحد، بل مرَّ بمراحل تطور تاريخية وأدبية يمكن رصدها وتحليلها.

وكان اعتماده في تلك النظرة على علم أسباب النزول للآيات القرآنية، حيث جعلها منطلقاً لإثبات تلك الفكرة.

ومن هنا جاء التأكيد-عند المؤلف- على أن القرآن الكريم لم ينزل مثل التوراة والإنجيل دفعة واحدة، وإنما نزل منجماً على مدى ثلاث وعشرين سنة؛ وأيضاً هو لم يكتب خلال تلك الفترة ولا خلال العصور الراشدية بعده مما يعني أنه كان طازجاً أبوابه مفتوحة للتغيير.. ثم كتب بعد ذلك في عصر عثمان بن عفان رضي الله عنه،فتحول من نص محفوظ طازج[9] إلى كتاب مقدس.

وهذا الفكرة كلها تشتمل على سلسلة من المجازفات التاريخية والعلمية الكبيرة؛ التي سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى عند الرد التفصيلي، ولكن يرد هنا سؤال مهم لا بد من الإجابة عليه قبل الانتقال إلى ما بعده:

 ما الذي دعا المؤلف وأضرابه إلى هذه  المآزق العلمية والمنهجية التي أوقعوا أنفسهم فيها ولم يجدوا منها مخرجاً، و لا عنها محيداً ولا مخلصاً؟

ققدمة واحدة قامت في أذهانهم؛ دعتهم إلى تقحُّم مزالق كبيرة[10]؛ للبحث عما يؤيد تلك المقدمة؛ وهي: أن القرآن الكريم ليس من عندالله تعالى.

(وتتوالى سلسلة الفساد التي بدأت من تلك المقدمة الفاسدة المتعسّفة؛ لتضرب كل قاعدة اتخذوها أساساً لنقدهم،فقد ألزمهم نفي كون القرآن كلام الله؛ اتباع ما يلي:

(1)   الشك في الراوي: محمدr ، الذي يؤكد أن القرآن وحي أوحي إليه من الله تعالى وما دام الأمر ليس كذلك( كما يقرره المنهج وكما يزعمون) فلابد من اختلاق الأكاذيب حول سيرته وأخلاقه وغايته، وجمع كل المفتريات في القديم والحديث وحشدها للقدح في ذلك كله، وبذر بذور الشك في نبوته صلى الله عليه وسلم.

(2)    طالما أن النص من صنع بشر – كما يزعمون – فلابد من حصره في حدود الطاقات والتصورات البشرية، وما يخرج فيه عن دائرة قدرة العقل البشري والمدركات الحسية يدخل في نطاق الأسطورة ويصبح من حق الباحث – اعتماداً على عقله وحواسه وعلى أصول المنطق والمعرفة المتراكمة التاريخية والعلمية – أن يرفض أي حقائق تتجاوز الواقع المادي المحسوس ، كالغيبيات والعقائد، ويبدو كل ما يتجاوز الواقع المادي خرافة غير قابلة للتصديق. وهذا يعني الطعن في ما ورد بالقرآن من غيب كالمسائل : الألوهية([11]) والوحي والملائكة واليوم الآخر والجنة والنار ، وما يخرج عن نطاق التاريخ الإنساني المدون..إلخ.

(3)    محاولة إبراز أثر البيئة والزعم بتأثير ما راج بين العرب قبل عصر النبوة من مقولات يهودية ونصرانية ووثنية على النص والتدليل على ذلك بأكاذيب شتى واضحة البطلان – كما سنذكر فيما بعد – والتماس المشابهات بين ما ورد بالنص القرآني وكل من التوراة والإنجيل من ألفاظ وقصص. وحين يعييهم البحث عن أي تشابه في الألفاظ يشتطون في الكذب والاختلاق، أما القصص فحين انتابـهم اليأس من العثور على أصول لقصص عاد وثمود في العهد القديم([12]) شك بعضهم في هذه الأقوام أصلاً، بينما ردّها آخرون إلى أثر المرويات الشفوية التي كانت رائجة في البيئة العربية قبل عصر النبوة، ولا دليل لهم عليه.

(4)    النظر إلى الآيات الشريفة بحسبانـها مرتبطة بزمان معين ومشدودة الوثاق بظروف البيئة والعصر الذي نزلت فيه، لا باعتبارها أحكاماً نـهائية مطلقة خارجة عن إسار الزمان والمكان قد اكتسبت صفة الديمومة والخلود.. وقد أدت بـهم هذه النظرة إلى الفشل الذريع الذي منيت به محاولاتـهم المتكررة لتقييد النص القرآني بقيود تاريخية وترتيبه حسب الزمان([13]).

(5)   التحوّط من كل الروايات التي قالها المسلمون والأحكام التي استخلصها علماؤهم، والقدح فيها باعتبارها أقوالاً وأحكاماً منحازة غير محايدة في الموضوع فضلاً عن أنه لا دليل عقلياً عليها. وإنـما يقتصر منها على أجزاء ما بـها[14] من أقوال وأحكام تسند ما يذهبون إليه حتى ولو كانت ظاهرة البطلان، ولكن يعتدّ بها لأنـها إنـما صدرت عن المؤمنين بالقرآن أنفسهم ومؤيّديه.

(6)    وطالما أنه نص من صنع بشر – كما يزعمون – والبشر لابد له أن يستقي أفكاره وتصوراته من مصادر بعينها، فإنه لابد من رد هذه التصورات التي أطلقوا عليها " غرائب تثير الدهشة" و " أساطير" مما ليس له وجود في التوراة والإنجيل والبيئة العربية قبل نزول القرآن إلى روايات من قصص تقليدية توجد في ثقافات الشرق الأدنى، وقد عدّلت لتتطابق مع النظرة العالمية وتعاليم القرآن ([15]). ويضربون لذلك أمثلة لا يمكن- إن لم يكن مستحيلاً-  التأكد بأن لها أصولاً في ثقافات الشرق القديم ، لأن البحث في تلك الثقافات لم يرق إلى درجة اليقين بما كانت تشتمل عليه من تصورات وأفكار.

(7)   وإذا ورد في النص القرآني ما يثبت العلم الحديث حقيقة وقوعه ويقع في دائرة المعطيات الحسية لابد من المبادرة إلى التشكيك فيه حتى لا يترك للقارئ – أو حتى للباحث المبتدئ – مجرد فرصة التفكير في تطابق الحقائق العلمية مع ما ورد بالقرآن الكريم مما يجعله مختلفاً عن التوراة في هذا المجال)[16].

وهذا عينه وذاته؛ هو الذي يقوم عليه فكر ودعوات أمثال "خليل عبدالكريم" بفصِّه ونصِّه؛ من خلال كتبه المنشورة، ومن خلال هذا الكتاب على وجه الخصوص.

 

*جذور هذه الفكرة وأصولها:- 

لم يكن الكاتب صاحب فكرة جديدة –كما أحب هو أن يصور- ، ولم يكن ما طرحه من أفكار وليد دراسة واختبار وتنقير بين بطون الكتب –كذلك: كما أحب هو أن يصور- ، ولكن تلك الأطروحات في جملتها أطروحات سبق الكاتب إلى طرحها من أناس كثير ممن ينتسب إلى الإسلام، وممن هم خارج دائرته.

ويمكن أن نعيد أطروحات "خليل عبدالكريم" إلى مصدرين، مِنْ آسِنِ فِكْرِهِما شَرِبَ ؛ هما: أ-  المستشرقون:  الذين طوروا منهج نقد النصوص، لنقد ما يسمّى الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) وكتب أخرى تلحق بهما[17]؛ وكان النقد المنهجي للكتاب المقدس قد حقق منذ القرن التاسع عشر حتى وقت قريب نتائج باهرة في نقد العهد القديم ( التوراة وكتب أخرى ملحقة بها) بخاصة ، مما جعل المستشرقين يظنون أن بوسعهم إن عمدوا إلى تطبيق قواعد هذا النقد على القرآن الكريم أن يتوصلوا إلى نتائج مماثلة.

 ومن ثم استندت دراساتـهم للكتاب العزيز على تلك القواعد منذ منتصف القرن التاسع عشر، وكان نقاد ما يسمى الكتاب المقدس من العلماء الألمان بخاصة والأوربيين بعامة قد اعتمدوا في نقدهم للعهد القديم على منهج نقدي أسموه " النقد الأعلى" الذي يـهدف إلى دراسة نصوص ذلك العهد على أنـها نصوص تاريخية على الباحث أن يطبق عليها كل المعايير التي يطبقها على أية نصوص تاريخية أخرى، بصرف النظر عن أنـها نصوص مقدسة.

وقد تبين لهؤلاء العلماء أخيراً، وبعد جهد مضنٍ، أن تلك الأسفار مكتوبة بأقلام اليهود، وتظهر فيها الأفكار والنظم المتعددة التي كانت سائدة لديهم في مختلف أدوار تاريخهم الطويل؛ وطبّق العلماء المنهج نفسه في دراستـهم للأناجيل الأربعة (العهد الجديد) وأضافوا بعداً آخر لابد من الرجوع إليه لتفسير جوانب كثيرة غامضة في النصرانية ، وهو الديانات الوثنية في كل من بابل ومصر وفارس وآسيا الصغرى وسوريا واليونان والهند.

وكانت أول محاولة لتطبيق قواعد النقد هذه على القرآن الكريم هي ما قام به المستشرقون في شأن ترتيبه حسب النـزول . وقد توسع المستشرق الألماني (تيو دور نولدكه) في دراسة النص القرآني لترتيبه زمانياً حسب نزوله، وقد أدرك عدد من كبار المستشرقين عدم جدوى تطبيق قواعد النقد الأعلى والأدنى على النص القرآني..مثل : المستشرق الإنجليزي (آربرى) في مقدمته لترجمة القرآن الإنجليزية[18] ، ومثل: المستشرق السويدي" تور أندريه" صاحب كتاب: " محمد : حياته وعقيدته "[19] .

وكان من أشهر المستشرقين أصحاب دراسات "النقد التاريخي" للنصوص، والذين من دراساتهم استقى "خليل عبدالكريم"  طريقته في دراساته –إن صح تسميتها دراسات- الأسماء التالية:-

1-ريتشارد سيمون     2- يوهان سملر       3- القس الألمانى تلننج برنارد فيتر

4- جان استروك      5- كارل دافيد إيلجن      6- دى فيته      7- هيرمان هونفلد 8- تيودور نولديكه      9- فلهاوزن[20] .

ب - الفكر الماركسي : يقول أحد الكتاب الذين تناولوا كتاب "النص المؤسس" بالنقد مؤكداً على أن المؤلف تأثر في دراسته هذه بالفكر الماركسي الذين يقول إن الأديان من صنع البشر أنفسهم وليس وراء ذلك ربٌّ يعبد؛ قال: (من هنا كان لا بد ـ للماركسيين وتلامذتهم من الملاحدة ـ من إثبات ذلك على الأديان جميعها ، من كل سبيل ، صح أم لم يصح..
بدون ذلك ـ قارئي الكريم ـ لن تستطيع تفسير كثير من مقولات عبد الكريم المضحكة ! .. لأن رد جميع مقولاته إلى الإلحاد العام لا يكفى ، بل لا بد لك من تلمس آثار ماركس بين ألفاظ عبدالكريم ، مثال ذلك:
بغض عبد الكريم للعرب ، متمثل في الصحابة رضى الله عنهم، لو رددت ذلك الكمد والغيظ لديه إلى مجرد الإلحاد لما كفى ذلك ، ولما أنصفت الرجل ، بل لا بد لك من التعرف على أحد معالم الفكر المادي ، صاحب دعوى الجدلية التاريخية .
وذلك أنهم يعتبرون الزراعة هي الأصل ، والمزارعين طيبي النية .. أما الرعاة فهم متوحشون همجيون ، يريدون التسلط والتملك لأدوات الإنتاج .. وما ذاك لشيء إلا لأن هؤلاء رعاة وأولئك مزارعون ،ثم إنهم يصنفون الصحابة في بند الرعاة ولا بد ، وأقباط مصر في بند المزارعين ولا بد .. وقد عدى الرعاة ـ المتوحشون طبعاً ! ـ على المزارعين ـ طيبي النية كما تتوقع ! ـ وتعدوا على أراضيهم !)[21] اهـ.

*إجمال بعض الملاحظات التي يمكن أن تنتقد على الكتاب إجمالاً:-

1- إهمال الكاتب لاستخدام المصطلحات الشرعية، ومحاولة استبدال التسميات ذات الدلالات الشرعية بتسميات من وضع الكاتب واصطناعه، وهذا أمثلته كثيرة؛ على سبيل المثال: (النازحين=المهاجرين) (بني سخينة=الصحابة وغيرهم من قريش) (بني قيلة=الأوس والخزرج) (اليثاربة=الأنصار) (البطاركة=الأنبياء) (التيمي = أبوبكرالصديق) (العدوي=عمر بن الخطاب)(الغزو الاستيطاني النهبوي[22]=الجهاد في سبيل الله تعالى) (الكَتَبَة[23] =أهل الحديث) (الصحف[24] = القرآن الكريم) (العربان[25] =العرب) (يثرب[26] =مدينة رسول اللهr) (قرية التقديس =مكة) (هيئة المبشرين بالجنة[27] =العشرة المبشرين بالجنة)(الاستدراك[28] = النسخ) ..الخ ؛ مما لا يحصر.

2- الملاحظات المنهجية التي تدل على التذبذب في سلوك مناهج التأليف، وضعف الفنية في ترتيب الكتاب،..إلى ما هنالك؛ فعلى السبيل المثال:-

أ/عدم التزام منهج معين في سوق الحواشي والتعقيبات؛ فمرة يذكر المرجع في حاشية الصفحة، وربما جعل المرجع في صلب الكتاب.

ب/الكتاب يكاد يكون خالياً تماماً من علامات الترقيم، والمواضع التي كتبت فيها علامات الترقيم كانت بخلاف المتبع في كتب الترقيم.

ج/جعلت أبواب السفر الثاني غير مبنية على السفر الأول؛ ففي الحين الذي يوجد فيه(الباب الأول) في السفر الأول، نجد -كذلك- في السفر الثاني تبوبياً جديداً يبدأ من (الباب الأول) مرة أخرى!.

د/ توثيقه المعلومات ونقلها من حواشي الكتب، مع كون هذه الكتب التي نقل عنها بواسطة متوفرة والحصول عليها-لمن كان يهتم بمراجعة كتب الآثار- ميسور[29].

هـ/نقله من كتب ليست هي من الكتب المعتمدة في ذلك العلم، وإهمال النقل من كتب أصول ذلك العلم، و(يزيد الطين بلّة) بأن يزعم أن ذلك الكتاب المغمور الذي نقل عنه من الكتب ذائعة الصيت[30]!.

و/نقله الروابات من كتب معاصرة، مع وجود تلك الروايات في المراجع القديمة المعتمدة، ودون وجود معنى صحيح في نفس النص المنقول[31].

ز/وجود المقرر السابق عند المؤلف، الذي ثبت في ذهنه واستقر فيه ، ثم هو يعمد إلى الكتب التراثية –كما سيميها- لبتتبع ما يمكن أن يستدل به على هذا المعنى الذي قام في ذهنه.

والبحث الذي يبنى على مثل ذلك: يتضح فيه أن الكاتب يشيد جبالاً من الأفكار مستدلاً بأدلة ضعيفة جداً لا تحتمل ما ذكره، وإنما احتمل –هو- ذلك لأجل المقرر السابق .

إلى غير ذلك من الملحوظات المنهجية التي لا حصر لها.

ح/ من عجب: أن الكاتب يكتب كلاماً من إنشائه في الحاشية، ثم يختم كلامه بــ(ا.هـ) وكأن العبارة منقولة وليست من كلامه.

3- اعتماد المؤلف لتقوية كثير من أفكاره على التقعر في الكلام والتزيد فيه والقصد إلى العبارات والتراكيب الوحشية ، التي لا يعرف لها مثيل في استخدامات العرب، وإن كانت نفس الكلمة عربية، ولكن استخدامها بهذا التركيب غريب شاذ.وهذه صفة يبغضها الله تعالى، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال: (ألا أخبركم بشرار هذه الأمة؟ الثرثارون المتشدقون المتفيهقون)[32]،  وربما سرد أربع جمل مترادفة في مكان واحد ولاءً..والمعنى واضح[33]؛ لا يحتاج إلى كل هذا الضجيج.

حتى صار الكتاب كتاباً مستغلقاً لا يفهم إلا بعد عناء وتأمل طويل في الكلام، لا لجزالته وقوة عبارته –وإن ظن الكاتب ذلك- ولكن لسوء تركيبه ونفور كلماته عن بعضها، كأنما كلماته قد تخاصمت فحلفت ألا تجتمع كلمتين متناسقتين في جملة واحدة، إلا ما شاء الله.

4- لقد امتلك الكاتب قدراً كبيراً جداً من الشعوبية والبغظ للعرب، أهل رسالة الإسلام، فكثيراً ما يتندر –البائس- بهم، ويتلذذ بنسبة كل قبيح لهم، حتى أنه –يا ويله- نسب لهم ما يعرف المحب والمبغض إذا أنصف أنهم من أبعد الناس عنه كالجبن والبخل..وما شاكلها من الأوصاف التي تنافرها طبيعة العرب، وتركيبة خلقهم، فمن ذلك على سبيل المثال قوله : (..لأن هؤلاء العرب الأجلاف يخبرنا تاريخهم المجيد بل يؤكد أن الجبن طبيعة فيهم والخسة غائرة في حنايا نفوسهم، والنذالة "كذا !" من مقومات تكوينهم، ولا تردعهم إلا القوة، ولا يعملون حساباً إلا للغلبة، فهم يستأسدون ، فهم  لا يستأسدون إلا على النحيف الأعجف المهزول..)[34].

وقال: (وإذ إن ملامسة الحليلة لدى أولئك العربان طقس يومي فشق عليهم وخالفوه..)[35]، وقال : (..كيف لا ومقاربة الزوجات معلم بارز في حياتهم المبرورة..)[36]، وقال: (أولئك العربة "كذا" يجري في دمائهم التعيش من الدخول الريعية التي تأتي دون بذل مجهود..أنهم ارتكزوا في معايشهم على عرق العبدان، بل وعلى ما تدره أفخاذ جواريهم دون أن يشعروا في بأي معرة..)[37].

5- الكاتب جعل من أوائل مقاصده في هذا الكتاب محاولة زعزعة الثقة بالصحابة رضي الله عنهم في نفوس العامة والجهال، وأن المجتمع الذي نزل فيه القرآن لم يكن يختلف كثيراً عن مجتمعاتنا المعاصرة بكل ما فيها من نقص ومخالفات ومعاصي وفسوق وسوء طوية..الخ، ولذلك فهو قد أقام خصومته الصلعاء مع الصحابة رضي الله عنهم مستغلاً كل مناسبة للولوج منها إلى إثبات منقصة لهم، أو التشكيك في مناقبهم.

فالدافع الذي يدفعهم –رضي الله عنهم- للخروج إلى الجهاد مع رسول اللهr عنده هو: السبايا من النساء[38]، وربما حاول أحدهم وطء السبية فور سبيها، و قبل استبرائها[39] ، فهم(يتلهفون على مس الصبايا)[40]، وهم يتململون من نزول آيات الأحكام[41].

وعلى سبيل المثال؛ هو جعل لكل صحابي عنده وصف مميز، فــ: عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان رضي الله عنهما= فرَّا يوم أحد وأطلقا أرجلهما للريح[42]، وأوس بن الصامت رضي الله عنه= مولع بالنسوان ولذلك ظاهر من زوجته حتى ينكح جارية صبية يمتع(...)بها[43]، وزينب بنت جحش رضي الله عنها= تدبر خطة محكمة لتظهر أمام رسول اللهr بثياب البيت حتى ينكحها[44]..، إلى غير ذلك مما لو عرضته لما قام في نفس الجاهل لأحد من الصحابة أدنى تقدير.

ويبدو أن هذا الكاتب قد كتب كثيراً من فصول كتابه وهو تحت تأثير الأفلام التي تعرض في الإعلام فهو يسوق الخبر من السيرة وكأنها مسرحية من مسرحيات العصر، تمتلئ بمشاهد العفن والجشع والخسة..و(كل إناء بالذي فيه ينضح).

6-يمكن أنْ يصنف هذا المؤلَّف أنه مؤلَّف ساخر متهكم، أبعد ما يكون في عرضه عن العرض العلني الجادِّ، ولذلك فهو لا يفتأ يذكر الموقف من السيرة، يعرضه عرضاً قبيحاً ممجوجاً، ثم يختم كلامه بعبارة أو بوصف مناقض لما دلَّ عليه عرضه..ولا يحمل ذلك إلا على إرادة التهكم والسخرية.

يتضح هذا بالمثال؛ فهو ينقل قصَّة قتل زيد بن حارثة -رضي الله عنه- أمِّ قرفة بصورة شنيعة، ثم يعقب عليها بوصف رسول الله r ، -الذي بزعمه أمر بتلك القتلة- بأنه : نبيّ الرحمة !!، والصحابة الذين عاثوا في مصر واستنزفوا خيراتها بغزوهم الهمجي: عندما وطئوها بخيلهم المباركة!، والكفرة الذين سيدخلون النار (كذا!!) يخترعون المخترعات العظيمة التي نفعت المسلمين قبل غيرهم..

7-        يتضح من خلال هذا الكتاب أن مؤلفه رجل قد اختلطت في نظره كثير من المسائل الشرعية، فهو لا يحقق القول في مسائل كثيرة، فتأتي كتابته شُنْعَةً ومُثْلَة!، فيخلط بين الجهاد في سبيل الله تعالى في الهدف والغاية وما يسمى بالحروب الدينية التي قامت بين النصارى بجميع أطيافهم، وبين البغض في الله تعالى والعدل مع الكفار وعدم البغي عليهم، في قائمة طويلة من المسائل ا لتي بعضها فيه سوء فهم منه وعِرَضُ قَفَا؛ وبعضها متعمد، ومقصود فيه التغابي والتعامي.

1-    يتضح –كذلك- من طريقة عرض الكاتب للأحاديث النبوية أنه كان شديد الجهل بالحديث النبوي وبمصطلحه؛ ويظهر ذلك في مظاهر؛ منها:-

أ/ لا يفرق عند الاستدلال بين الحديث الصحيح والحسن المقبول و غيره، فهو يسوق كل ما وقع بين يديه بلا تفريق.

ب/يسمي الكاتب (الكتب الستة) بــ: الصحاح الستة؛ وهذه مغالطة ظاهرة[45] ، أراد بها ألا يحوج نفسه –عند الاستشهاد بأي حديث- إلى نقل القول بصحته عن أحد من أهل العلم، وليس ذلك عن جهل منه ولكنه تجاهل؛ فقد ذكر المؤلف في الكتاب علماءَ الحديث وانتقدهم، لأنهم بزعمه يصححون ما شاءوا ويضعفون ما شاءوا، كذا قال.. مما يدل على معرفته بالصحيح وغيره.

ج/ كان يرى أن مجيء الحديث أو الأثر من أكثر من طريق، وفي أكثر من كتاب، أن ذلك دليل ثبوت الخبر -بل القطع!- فكان دائماً يقول بعد سرده بعض أخرج الحديث عبارة مثل: (فثبتت بذلك القصة – فلا مجال للشك في صحة الرواية..) ونحو هذه العبارة، دون اعتبار في ذلك لما يشترطه أساطين الحديث وعلماء الأسانيد.

2-    أثنى الكاتب في غير ما موضع على المعتزلة، ومدحهم بعنايتهم بالعقل، وكأن ذلك لم يعتن به علماء السلف من أهل السنة.

3-    اعتمد الكاتب على أسلوب التمويه والتعمية، فهو إذا أراد الذم: ساق عبراتٍ في المدح الذي يتوصل منه إلى الذم، فيغتر بذلك المدح بعض الجهلة ،  أو يكون ذلك الثناء كخط رجعة بالنسبة إليه إذا حوقق.

 


 

[1] النص المؤسس، أول صفحة من السفر الأول .

[2] كذا، صلى الله عليه وسلم.

[3] يريد بها : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.

[4] يريد به: ورقة بن نوفل رصي الله عنه.

[5] صلى الله عليه وسلم .

[6]  مقتطفات من كتاب: "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين", عن طريق الشبكة العنكبوتية على الموقع:        

 .

[7] من تحقيق صحفي كتبه الكاتب: محمد عبدالخالق، بعنوان: "مزاعم صناعة الأنبياء التي أغضبت المشايخ: قرار المنع لم ينه الأزمة حول الكتاب"، وهو على الشبكة في العنوان التالي: w

[8] بمثل ذلك التعبير يعبر المؤلف باطراد.

[9] هكذا يعبر المؤلف.

[10] منها ماهو محور الحديث في الرد التفصيلي على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

([11]) انظر ما ورد في دائرة المعارف الإسلامية ، مادة القرآن ، ص 425 عن آية الكرسي، وقول كاتب المادة إن لفظي العرش والكرسي ينطويان على " دلالات أسطورية" ، كما يزعم ، وانظر أيضاً ص 423 كلامه على الشهب المرسلة ونفخ الصور يوم القيامة ، وطوفان نوح.

([12]) فسر الأستاذ عباس العقاد سكوت العهد القديم عن عاد وثمود بأنه محاولة منهم للتعفية على كل رسالة إلهية في أبناء إسماعيل . ( العقاد : إبراهيم أبو الأنبياء ، ص 119).

([13]) وربما كان هذا هو الأساس في زعمهم أن الإسلام " كان حدثاً تاريخياً في حينه لم يكتب له الامتداد في التطبيق الواقعي، أو لم يعد صالحاً للتطبيق " ، محمد قطب : المستشرقون والإسلام ، طبع مصر 1420هـ (1999م) ،ص 60.

([14] )كذا هي في المصدر ولعل الصواب أن يقال: مما اشتملت عليه من أقوال.. الخ.

([15])  دائرة المعارف الإسلامية ، مادة : القرآن ، البحث الخاص بالقصص القرآني.

([16] ) اقتباس بتصرف من بحث محكم بعنوان(أخطاء دائرة المعارف البريطانية)ص18-22.

[17] مدرسة النقد التاريخي في الغرب التي أسسها الكاثوليكي ريتشارد سيمون بكتابه (( التاريخ النقدي للعهد القديم )) عام 1678م .

[18] الطبعة الأولى ، 1955، انظر: أحمد سمايلوفيتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، طبع مصر 1980م ، ص 173 – 174. بواسطة بحث: (              في دائرة المعارف البريطانية) ص 14.

 

[19] بتصرف من بحث: (                   في دائرة المعارف البريطانية) ص 14.

[20] بحث بعنوان: (المستشرقون        ) ص53.

[21]  الرد على النص المؤسس لكاتب مجهول رمز لنفسه بـ(متعلم) على الشبكة: http://arabic.bismikaallahuma.org/radd-nass.htm.

 

[22] النص المؤسس1/96.

[23] المرجع السابق 1/117

[24] المرجع السابق 1/131

[25] المرجع السابق1/199

[26] المرجع السابق1/260

[27] المرجع السابق1/270

[28] المرجع السابق1/272

[29] النص المؤسس1/59،57،56. وانظر الحاشية في 1/120.

[30] النص المؤسس1/57 وكلامه في كتاب (المحبر) لمحمد بن حبيب الهاشمي أبي جعفر .

[31] المرجع السايق1/73-74

[32] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 4/251/4970.

[33] النص المؤسس 1/104

[34] المرجع السابق1/93

[35] المرجع السابق1/131

[36] الموضع السابق.

[37] المرجع السابق1/153، وانظر أيضاً 1/160

[38] المرجع السابق1/140

[39] 1/140

[40] 1/142

[41] 1/170

[42] 1/170-171

[43] 1/159،1161

[44] 1/89

[45] وإن جاءت التسمية بذلك عن بعض أهل العلم كالذهبي وغيره، ولكنهم لم يريدوا من ذلك ما أراد الكاتب، مع العلم أن اصطلاحهم قد استقر على عدم هذه التسمية.

 

عوده