هل لله روح
؟
هذا السؤال حديث وورد للشيخ محمد بن
صالح المنجد - وذكرنى هذا بنقاش موضوع احد الأعضاء بخصوص روح الله ، وقد اجاب واورد
بعض اللآيات كدليل لفهمه او فهم احد المفسرين ، وهذا تفسير آخر وهو الأدق ربما فى
ضوء عقيدة اهل السنة :
السؤال:
أجادل مسيحيا فيقول لي : إن لله روحا
. فسؤالي هل لله روح ؟ ( روح كروح الإنسان والملائكة وسائر الخلق ) وهل الروح شئ
مخلوق أم ماذا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
ليس لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما
وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا أحد أعلم بالله من
الله تعالى ، ولا مخلوق أعلم بخالقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الله
تعالى : ( قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ) البقرة/140. ( وَلا تَقْفُ مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ
كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء/36 .
والروح ليست من صفات الله تعالى ، بل
هي خلق من مخلوقات الله تعالى . وأضيفت إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافة ملك
وتشريف ، فالله خالقها ومالكها ، يقبضها متى شاء ، ويرسلها متى شاء .
فالقول في الروح ، كالقول في (بيت
الله) و (ناقة الله) و (عباد الله) و (رسول الله) فكل هذه مخلوقات أضيفت لله تعالى
للتشريف والتكريم .
ومن النصوص التي أضيفت فيها الروح إلى
الله : قوله تعالى : ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِه ) السجدة/9 .
وهذا في حق آدم عليه السلام .
وقال سبحانه وتعالى عن آدم أيضاً : (
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ )
الحجر/29 .
وقال تعالى : ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ
دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً
سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً *
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً ) مريم/17- 19
.
فالروح هنا هو عبد الله ورسوله جبريل
الذي أرسله إلى مريم . وقد أضافه الله إليه في قوله (رُوحَنَا) فالإضافة هنا
للتكريم والتشريف ، وهي إضافة مخلوق إلى خالقه سبحانه وتعالى .
وفي حديث الشفاعة الطويل : (
فَيَأْتُونَ مُوسَى ، فَيَقُولُ : لَسْتُ لَهَا ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى ،
فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ ) رواه البخاري (7510) ومسلم (193) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
: " فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له ، بل قد يضاف
إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق ، كقوله
تعالى (بيت الله) و (ناقة الله) و(عباد الله) بل وكذلك روح الله عند سلف المسلمين
وأئمتهم وجمهورهم . ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره مثل كلام الله
وعلم الله ويد الله ونحو ذلك كان صفة له " انتهى من "الجواب الصحيح" (4/414) .
وهذه القاعدة ذكرها شيخ الإسلام في
مواضع ، وحاصلها أن المضاف إلى الله نوعان :
1- أعيان قائمة بذاتها ، فهذه الإضافة
للتشريف والتكريم ، كبيت الله وناقة الله ، وكذلك الروح ، فإنها ليست صفة ، بل هي
عين قائمة بنفسها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب
الطويل في وفاة الإنسان وخروج روحه : ( فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ
الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ) ( فَيَأْخُذُهَا (يعني يأخذ ملك الموت الروح )
فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا (يعني الملائكة) فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ
حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ
) (وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ
قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا ) . انظر روايات الحديث في "أحكام الجنائز" للألباني (ص
198) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ
الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ) رواه مسلم (920) أي : إذا خرجت الروح
تبعها البصر ينظر إليها أين تذهب . فهذا كله يدل على أن الروح عين قائمة بنفسها .
2- صفات لا تقوم بنفسها ، بل لا بد
لها من موصوف تقوم به ، كالعلم والإرادة والقدرة ، فإذا قيل : علم الله ، وإرادة
الله ، فهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف .
قال ابن القيم رحمه الله في كتاب
"الروح" :
" المسألة السابعة عشرة : وهي هل
الروح قديمة أو محدثة مخلوقة ؟
ثم قال : فهذه مسألة زل فيها عالَمٌ ،
وضل فيها طوائف من بنى آدم ، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين ، والصواب
المستبين ، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة
مربوبة مدبَّرة ، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، كما
يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث ، وأن معاد الأبدان واقع ، وأن الله وحده
الخالق وكل ما سواه مخلوق له " ثم نقل عن الحافظ محمد بن نصر المروزي قوله : " ولا
خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم كلها
مخلوقة لله ، خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر
خلقه قال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
جَمِيعاً مِنْهُ ) الجاثـية/13 "
انتهى من "الروح" (ص144) .
وربما أشكل على بعض الناس قوله سبحانه
في شأن عيسى عليه السلام : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ
اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) النساء/171 .
فظنوا كما ظنت النصارى أن (مِِْن) للتبعيض ، وأن الروح جزء من الله . والحق أن
(مِِْن) هنا لابتداء الغاية ، أي هذه الروح من عند الله ، مبدأها ومنشأها من الله
تعالى ، فهو الخالق لها ، والمتصرف فيها .
قال ابن كثير رحمه الله :
" فقوله في الآية والحديث : ( وَرُوحٌ
مِنْهُ ) كقوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
جَمِيعاً مِنْهُ ) أي من خلقه ومِنْ عنده ، وليست (مِنْ) للتبعيض كما تقوله النصارى
عليهم لعائن الله المتتابعة ، بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى ، وقد قال
مجاهد في قوله : (وروح منه) أي ورسول منه ، وقال غيره : ومحبة منه ، والأظهر الأول
، وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة . وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف ، كما
أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله : ( هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ ) الأعراف/73 ،
وفي قوله : ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ) الحج/26 . وكما روي في الحديث
الصحيح : ( فأدخل على ربي في داره ) أضافها إليه إضافة تشريف ، وهذا كله من قبيل
واحد ونمط واحد " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/784) .
وقال الألوسي رحمه الله : : حكي أن
طبيبا نصرانيا حاذقا للرشيد ناظر على بن الحسين الواقدى المروزى ذات يوم فقال له :
إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى ، وتلا هذه الآية : (
إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) فقرأ الواقدي قوله تعالى : ( وَسَخَّرَ
لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) الجاثـية/13 .
فقال : إذاً يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءاً منه سبحانه وتعالى علوا كبيرا ،
فانقطع النصراني فأسلم ، وفرح الرشيد فرحا شديدا " .
وقال رحمه الله : " لا حجة للنصارى
على شيء مما زعموا في تشريف عيسى عليه السلام بنسبة الروح إليه ؛ إذ لغيره عليه
السلام مشاركة له في ذلك ، ففي إنجيل لوقا : قال يسوع لتلاميذه : إن أباكم السماوي
يعطي روح القدس الذين يسألونه .
وفى إنجيل متى : إن يوحنا المعمداني
امتلأ من روح القدس وهو في بطن أمه .
وفى التوراة : قال الله تعالى لموسى
عليه السلام : اختر سبعين من قومك حتى أفيض عليهم من الروح التي عليك .
وفيها في حق يوسف عليه السلام : يقول
الملك : هل رأيتم مثل هذا الفتى الذي روح الله تعالى عز وجل حال فيه .
وفيها أيضا : إن روح الله تعالى حلت
على دانيال . . . إلى غير ذلك " انتهى من "روح المعاني" (6/25) .
وجاء في إنجيل لوقا (1/41) : (
وامتلأت الياصبات من الروح القدس ) .
وقوله (1/25، 26) : ( وكان في أورشليم
رجل صالح تقي اسمه سِمعان ، ينتظر الخلاص لإسرائيل ، والروح القدس كان عليه ، وكان
الروح القدس أوحى إليه أنه لا يذوق الموت قبل أن يرى مسيح الرب . فجاء إلى الهيكل
بوحي من الروح ) فهذا صريح في أن الروح ملَك يأتي بالوحي ، وصريح أيضا في أن عيسى
عليه السلام (مسيح الرب) فهو عبد لله تعالى ، والله هو الذي مسحه ، وجعلها مسيحا .
منقول عن :
الإسلام سؤال وجواب
(www.islam-qa.com)