هل ذكر بولس في القران
كتب الاخ : متعلم
الشبهة :
الرسول العظيم بولس ..
يحظى بالنصيب الاكبر من عداوة ابليس وعملائه
نتيجة لمجهوداته الجبارة التي اوصلت كلمة الرب الخلاصية الى ارجاء
الارض ...
وهذا الرسول بالذات من يقلق راحة المسلمين
.. فراحوا يعادونه باشد العداوة , وملقين عليه كل تهمة باطلة وفرية
ساقطة .. محاولين النيل من المسيحية وعقائدها عن طريق الطعن
بالرسول بولس ..ولان جميع اعتراضات المسلمين على هذا الرسول الجبار
قد تمت مناقشتها والرد عليها في كل مناسبة .. لهذا فموضوعي هنا ليس
لهذه الغاية .. انما لاثبت للمسلمين ومن واقع كتبهم ومصادرهم ..
كون الرسول بولس رسول حقيقي من عند الله !! .. واذا ما تبين لهم
هذا ستسقط جميع اعتراضاتهم سقوطاً مدوياً الى الابد..
لنبدأ بالقران :
جاء في سورة يس جانب من قصة اعمال الرسل اي
رسل وتلاميذ المسيح له كل المجد ..
{ واضرب لهم مثلاً اصحاب القرية اذ جاءها
المرسلون . اذ ارسلنا
اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا
انا اليكم مرسلون } ( سورة يس :13-14).
وجاء بعدها : { وجاء من اقصا المدينة رجل
يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين } ( يس : 20)
{ اتبعوا من لا يسالكم اجراً وهم مهتدون } (
يس :21).
والان .. من هم اولئك الرسل .. ؟؟
وكانوا رسل من ...؟؟؟!!!
والسؤال الاهم :
من كان الرسول الثالث الذي عززهم به الله
؟؟؟!!!!
وللاجابة سنقوم بالرجوع الى التفسير ..
وسابدا بابن كثير .. اذ نقل تفسيراً لسورة يس :13 و14 ما يلي :
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ
فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا
إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ
وَقَوْله تَعَالَى : " إِذْ أَرْسَلْنَا
إِلَيْهِمْ اِثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا " أَيْ بَادَرُوهُمَا
بِالتَّكْذِيبِ " فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ " أَيْ قَوَّيْنَاهُمَا
وَشَدَدْنَا أَزْرهمَا بِرَسُولٍ ثَالِث . قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ
وَهْب بْن سُلَيْمَان عَنْ شُعَيْب الْجِبَابِيّ قَالَ كَانَ اِسْم
الرَّسُولَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ شَمْعُون وَيُوحَنَّا وَاسْم
الثَّالِث بولُص وَالْقَرْيَة أَنْطَاكِيَّة " فَقَالُوا " أَيْ
لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَة " إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ " أَيْ
مِنْ رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ يَأْمُركُمْ بِعِبَادَتِهِ
وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَزَعَمَ
قَتَادَة أَنَّهُمْ كَانُوا رُسُل الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام
إِلَى أَهْل أَنْطَاكِيَّة .
http://quran.al-islam.com/Tafseer/D...Sora=36&nAya=13
ارايتم ! .. بالحرف الواحد يقول المفسر بان
الرسول الثالث هو : بولس ..!!
وجاء في تفسير الجلالين : بان هؤلاء الرسل
هم رسل المسيح !
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ
الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ
"وَاضْرِبْ" اجْعَلْ "لَهُمْ مَثَلًا"
مَفْعُول أَوَّل "أَصْحَاب" مَفْعُول ثَانٍ "الْقَرْيَة"
أَنْطَاكِيَّة "إذْ جَاءَهَا" إلَى آخِره بَدَل اشْتِمَال مِنْ
أَصْحَاب الْقَرْيَة "الْمُرْسَلُونَ" أَي رُسُل عيسى
http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?
l=arb&taf=GALALEEN&nType=1&nSora=36&nAya=13
والنص القراني يقول بان الله هو من ارسلهم ! .. " اذ ارسلنا " ! ..
" فعززنا بثالث " ..!
هذا من القران والتفسير ..
اما من اقوال محمد , فاقتبس من اوثق كتاب
سيرة وهو السيرة النبوية لابن هشام
( ابي محمد عبد الملك بن هشام بن ايوب
الحميري المعافري , المتوفي سنة 213 هجرية طبعة دار الكتب
العلمية بيروت - لبنان ) ..
بالتحديد من فصل : ( خروج رسل رسول الله الى
الملوك ص 870) ما يلي :
{ ان رسول الله خرج على اصحابه فقال لهم :
ان الله بعثني رحمة وكافة , فادوا عني يرحمكم الله ,ولا تختلفوا
علي كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم , قالوا : وكيف يا رسول
الله كان اختلافهم ؟ قال : دعاهم لمثل ما دعوتكم له , فاما من قرب
به فاحب وسلم . واما من بهد فكره وابى , فشكا ذلك عيسى منهم الى
الله , فاصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وُجه اليهم .
قال ابن اسحق : وكان من بعث عيسى ابن مريم عليه السلام من
الحواريين والاتباع الذين كانوا بعدهم في الارض : بطرس الحواري ,
ومعه بولس , وكان بولس من الاتباع ولم يكن من الحواريين الى رومية
, واندرائس ومنتا الى الارض التي ياكل اهلها الناس , وتوماس الى
ارض بابل من ارض المشرق , وفيلبس الى ارض قرطاجنة وهي افريقية ,
ويحنس الى افسوس قرية الفتية اصحاب الكهف ,ويعقوبس الى اورشلم وهي
ايلياء قرية بيت المقدس , وابن ثلماء الى الاعرابية وهي ارض الحجاز
, وسيمن الى ارض البربر , ويهوذا ولم يكن من الحواريين جعل مكان
يودس }.
انتهى مقتبساً من كتاب : السيرة النبوية لابن هشام باب : خروج رسل
رسول الله الى الملوك ص 870).
http://sirah.al-islam.com/display.asp?f=hes2713.htm
وذات التفاصيل وذكر بولس كرسول للمسيح ورد
في " الروض الانف " للسهيلي
http://sirah.al-islam.com/display.asp?f=rwd4233.htm
ونتيجة ما اوردنا اعلاه نتوصل الى هذه
الحقائق السبعة :
1- تكلم القران عن رسل المسيح وكانهم رسل الله !
2- ذكر ابن كثير رسولان هما : شمعون ويوحنا
ارسلا الى انطاكية.
3- والرسول الثالث الذي عززهما الله وقواهم
بارساله هو بولص ! كما ذكر صراحة ابن كثير.
4- وصف القران حواريي المسيح بانهم : رسل ,
ومرسلون !! وهذا يعني ان بولس هو رسول المسيح الى الناس .
5- وصف رسل المسيح الثلاثة بانهم : لا
يسالوا اجراً وهم مهتدون ! ويعني ان الرسول بولس مهتدي ويدعو الى
الهداية ..
6- ذكر عن محمد في السيرة النبوية لابن هشام
: بانه حكى عن ارسالية المسيح للحواريين الى ارجاء الارض وانهم
تكلموا بالسنة ولغات اخرى بحسب الشعوب والامم التي ارسلوا اليها
..!!
7- ذكر نفس المصدر بان الرسول بولس قد ارسل
مع بطرس الى رومية من قبل المسيح . وكان من التابعين .
فهل بعد كل هذا ياتي مسلم ويطعن في الرسول
بولس وفي رسوليته ...؟؟!!!!
هل هناك من مسلم يخبرنا :
لماذا لم يحذر محمد رسول الاسلام الناس من
بولس .. وبانه هو من حرف ديانة المسيح ..
او انه من افسد عقائدها .. الى اخر تلك
الدعاوى العريضة التي يشيعها مسلمي العصور الاخيرة ...؟؟؟؟؟!!!!!!
امام المسلم الان .. امرين لا ثالث لهما ..
إما :
- بولس رسول صادق من عند الله !
- او ان محمد لم ينتقده , جهلاً منه او كذباً
!
الرد على هذه الشبهة :
" بولس رسول الله فى القرآن " ! .. كذب ـ عمداً أو خطئاً ـ من قال
هذا أو ادعاه !
يحاول كثير من النصارى أن يلتمسوا سنداً لصحة بعض معتقداتهم من
آيات القرآن ، وحسبك بهذا تهافتاً وضعفاً !
استندوا على ما جاء فى كلام الرحمن ، من ذكر
القرية إذ جاءها المرسلون ، فى سورة يس .
وجدوا فى كلام منقول عن بعض علماء المسلمين
، أن المرسلين المذكورين فى القصة هم أصحاب عيسى عليه السلام ،
أرسلهم لدعوة أنطاكية إلى توحيد الله بلا شريك .. فتمسكوا بهذا
القول ، وعضوا عليه بالنواجذ .
ولما تعثروا فى اسم بولس بين أقوال هؤلاء
العلماء ، لم تثبت قلوبهم من الفرح ، واهتزت أنفسهم طرباً ، لما
ظنوا أن فى ذلك إعلاء من شأن شاول اليهودى .
فنقول والله المستعان :
لعلماء المسلمين ومفسريهم فى تعيين هؤلاء الرسل المذكورين قولان
مشهوران ..
القول الأول وهو الراجح : أن هؤلاء الرسل هم
من الله ابتداء ، وليسوا رسل المسيح عليه السلام ..
القول الثانى المرجوح لانعدام الدليل : أن
هؤلاء الرسل هم رسل عيسى عليه السلام ..
وسنبين فيما بعد ـ بمشيئة الله ـ أن القول
الأول هو المعتبر ، وأن القول الثانى لا دليل عليه ، بل تآزرت
الأدلة على نفيه .
ثم إننا نتنزل ونقول : حتى على افتراض أن
المراد من قوله تعالى هم رسل عيسى عليه السلام ، فليس فى ذلك ما
يعلى من شأن بولس مثقال ذرة ؛ لأن بولس ليس من حواريى عيسى أو
أصحابه ، بل لم يره مرة واحدة فى حياته ، فيكون المراد بالرسل
المذكورين فى الآية ـ على فرض التنزل ـ : الحواريون ، ومعلوم أن
بولس ليس داخلاً فيهم ، لأنه محروم من هذا الشرف بإجماع العالمين !
وهذا على سبيل التنزل فقط كما أسلفنا ..
وإلا فظاهر الآيات واضح ، وهو المراد ، وعليه تضافرت الأدلة ، من
داخل النص القرآنى ، ومن خارجه ، والقول المتنزل إليه حُرم دليل
الإثبات ، ومردود بالأدلة الواضحة ، كما سنبين إن شاء الله .
إذن .. خلص للنص القرآنى سلامته من ذكر بولس
، سواء قلنا : إن الرسل المذكورين هم رسل الله ، أو قلنا : إنهم
رسل عيسى عليه السلام .. على كلا القولين ، ليس لبولس نصيب فيهما .
ولكن لبولس نصيب آخر ، ليس فى آيات الرحمن
فهيهات ، ولكن فى أقوال بعض علماء المسلمين .. وذلك أن الذين أخذوا
بهذا القول الثانى المرجوح ، من علماء المسلمين ومفسريهم ، اختلفوا
فى تعيين أسماء هؤلاء الرسل ، بعدما اتفقوا على أنهم رسل رسول الله
عيسى عليه السلام .. وفى اختلافهم هذا لم يجتمعوا على أن بولس هو
أحدهم ، ولكن منهم من جعل بولس أحدهم ، ومنهم من لم يذكره من
الثلاثة .. ثم إن هؤلاء الذين جعلوه واحداً من الثلاثة اختلفوا ،
منهم من جعله أحد الرسولين الأولين ، ومنهم من جعله الثالث .
ماذا فعل باحثنا الهمام ؟!
ترك القول الراجح والمؤيد بالأدلة من الآية
.. وعدل عنه إلى القول الواهن ..
لكنه وجد أن أصحاب القول الواهن لا يجتمعون
على تعيين بولس من الثلاثة المذكورين ، فترك من أهملوا بولس ، وذكر
الرواية التى عينت بولس من الرسل ، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً .
إن من ظن أن هذا التعيين من بعض علماء
المسلمين ، يخدمه فى محاولة رفع قدر بولس ، فهو واهم يتكلم بغير
علم .
وإنما هذا الظن الجاهل قاد إليه الجهل
بمسألتين عظيمتين .. الأولى : أن المسلم لا يعتقد بعصمة علمائه ،
وعلماؤه هم الذين لقنوه ذلك .. والثانية : أن المسلم لا يحتاج إلى
تعيين ما لم يعينه القرآن ، لأن غرض القصة يتحقق دون ذكر هذا
التعيين .
المسألة الأولى ..
المسلم لا يعتقد بأن كل قول لعالم من المسلمين يجب الأخذ به ، أو
أنه يلزمه فى دينه ، وإنما الذى يلزمه به ، ولا يخلص له إيمانه إلا
به ، هو كلام الرحمن جل وعلا ، وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام .
وأما كلام العلماء فهو كلام من ليس بمعصوم ،
وإنما العصمة فى اجتماعهم ، لأن أمة محمد عليه الصلاة والسلام لا
تجتمع على ضلالة ، فالذى أجمع عليه العلماء يلزم المسلم فى دينه ،
وأما ما اختلفوا فيه من المسائل الخبرية والتشريعية ، فللمسلم أن
يأخذ بالقول الذى يوافق الكتاب والسنة ، وله أن يضرب بما خالف
الكتاب والسنة عرض الحائط ، نصحنا علماؤنا أنفسهم بذلك !
وما قررناه سابقاً غير مستساغ لغير المسلم ،
لأنه يغالى فى تعظيم سادته وكبرائه ، ويفرط فى اتباع أحباره
ورهبانه ، وهذا يفسر لنا سر إنكار البعض على المسلمين عدم تمسكهم
بكل قول للعلماء ، لأنهم تصوروا أن المسلم يعامل " علماءَ " دينه ،
كما يعامل غير المسلم " رجالَ " دينه !
والجهل بهذه المسألة .. الجهل بأن المسلم لا يلتزم بكل قول لعالم ،
هو الذى قاد إلى الظن بأن القول المنقول عن بعض علماء المسلمين
يلزم المسلم ، ويُحسب على القرآن .. فإذا قال بعض علماء المسلمين :
إن بولس هو أحد الرسل المذكورين فى سورة يس ، لزم ذلك المسلم ،
ولزم ذلك القرآن ، فيكون القرآن هو الذى قال إن بولس رسول الله !
.. وقد بينا ما فى هذا الظن الخاطئ من خطل ، وبينا سبب الجهل الذى
قاد إليه ، وأوقع فيه .. فكن من ذلك على بينة .
المسألة الثانية ..
يبهم القرآن كثيراً من أسماء شخصياته ، فى قصصه العظيم ، ولا يؤثر
ذلك عند المسلم فى فهم القصة ، لأن ما أبهمه القرآن لا يقف الجهل
به عائقاً أمام فهم أحداث القصة الرئيسية ، التى يريد القرآن
إيصالها للمتلقى ، وصولاً به إلى استخلاص العبر الحكيمة والعظات
الجليلة .
لكن غير المسلم تعود من كتابه غير ذلك .. تعود الإغراق فى
التفصيلات النافعة وغير النافعة .. لم يتعود على أسلوب القرآن فى
تنقية القصة مما يشتت ذهن المتلقى عن موطن العبر والعظات ..
وبالتالى يستنكر بشدة أن يغفل القرآن ذكر بعض التفصيلات ، التى لا
يضره إغفالها لو فقه وتدبر .
ثم يغتر بما يذكره المفسرون فى كتبهم ، من مرويات عن بنى إسرائيل
وغيرهم ، تذكر كثيراً من هذه التفصيلات التى أهملها القرآن ، فلا
يفهم هذا الصنيع من المفسرين ، فيظن أنهم يريدون تكملة ما " نقص "
من القرآن ، ولم يعلم أنهم يدركون كمال القرآن ، ويدركون أن فيما
ذكره الكفاية .. لكنه الثراء العلمى ، والأمانة العلمية ، ومحاولة
الاستئناس بما لا يضر إغفاله .
لكنه لم يفطن إلى سر صنيع مفسرينا الكرام ،
فيظن أن فيما ذكروه من تفصيلات يُحسب على القرآن ، فيكون بمثابة أن
القرآن قاله ، لأن القرآن لم يصرح به لكن ذكره المفسر عند تفسير
الآية ، فيظن أن قول المفسر فى منزلة نص القرآن ، من جهة إلزام
المسلم فى دينه .. فيكون على ذلك عنده ، أنه إذا ذكر بعض المفسرين
أن بولس من هؤلاء الرسل الثلاثة ، يكون ذلك موضحاً لما أبهمه
القرآن ، فيكون " تكميلاً " للقرآن ، وبالتالى له حجية القرآن فى
نفس المسلم ، فيلزمه الأخذ به .
فالجهل بهذه الخصيصة ، لأسلوب القرآن فى
قصصه العظيم ، يقود إلى الظن بأن بعض أقوال المفسرين تلزم المسلم
فى دينه .. وقد بينا عوار هذا الظن ، وخطل ما بنى عليه من جهل .
والمقصود .. أن الظن بأن ما ذكره بعض المفسرين ، من تعيين بولس
رسولاً فى قصة يس ، يلزم المسلم فى دينه ، هو ظن خاطئ بنى على
الجهل .. فإن قائله جهل أن المسلم لا يعتقد بعصمة علمائه ، فظن أن
أى قول لأى عالم يلزم المسلم ، وهذا من الخطأ بمكان عظيم كما بينا
.. ثم إنه جهل خصيصة للإعجاز القرآنى فى قصصه ، وهى إبهامه
واختصاره لما لا يضر إغفاله ، فتوهم النقص فى ذلك ، واغتر بذكر
المفسرين لبعض التفصيلات ، فحسب أن فى ذكر بعض المفسرين لتعيين
بولس بين الرسل فى قصة يس .. حسب أن فى ذلك إلزام للمسلم فى دينه
.. وقد بينا خطأ هذه المسألة كأختها .. ولله الحمد والمنة .
والحاصل أن من توهم أن تعيين بعض علماء
المسلمين لبولس بين رسل المسيح ، يخدمه فى محاولة الرفع من شأن
بولس ، هو واهم يتكلم بغير علم ، أوقعه فى وهمه الجهل بمسألتين
جليلتين .
فإن هذا القول لبعض علماء المسلمين لا يلزم المسلم فى دينه أبداً ،
ليس فقط لأنه قول مرجوح مردود بالأدلة ، وليس فقط لأن فيه خلاف حتى
بين الفريق القائل به ، ولكن لأنه أيضاً مبنى على الظن بإلزام كل
قول عالم للمسلم ، ومبنى على الظن بأن ما أغفله القرآن يحتاج إليه
المسلم ، وكلا الظنين خطأ وباطل ، وما بنى عليهما باطل .
لكن ها هنا مسألة لطيفة .. فقد يقال : حسناً
.. ما قدمتموه يبين عدم إلزام هذا القول للمسلم ، لكن ألا يدل هذا
القول من هؤلاء العلماء ، على أن بولس عندهم ليس كذاباً ، وإلا ما
عدوه ضمن رسل المسيح عليه السلام ؟
فنقول وبالله التوفيق :
أولاً ..
لم ترد رواية واحدة بسند صحيح عن أحد هؤلاء العلماء ، لا من
التابعين ولا من غيرهم ، فيها النص على اسم بولس ، وإنما الروايات
كلها ضعيفة السند ، لكنها اشتهرت بالمعنى المجمل لها عن هؤلاء
العلماء ، وهذا الذى نال الشهرة حتى قبلنا مناقشته ، هو أن هؤلاء
الرسل هم رسل المسيح عليه السلام ، هذا هو القدر المشهور فقط ،
والذى يحتج به على هؤلاء العلماء ، وأما تعيين أسماء الرسل أنفسهم
ـ ومن بينهم بولس ـ فلم ينل هذه الشهرة ، وبالتالى لا حجة فيه
عليهم .
وهذا يفسر لك سبب الاضطراب فى تعيين أسماء
هؤلاء الحواريين ، لأن هذا التعيين لم ينل من الشهرة القدر الكافى
عن هؤلاء العلماء ، وإنما الذى نال الشهرة هو قولهم إن رسل يس هم
أصحاب عيسى عليه السلام ، دون النص على أسمائهم .
من أجل ذلك لا يصح الاحتجاج بذكر بولس بين الروايات ، على أنه
معتبر عندهم ، لعدم صحة سند ذلك عن هؤلاء العلماء ، ولا يعتبر ضعف
السند مانعاً من قبول مناقشة الرأى المرجوح ، لأنه اشتهر بمعناه
المجمل .
ثانياً ..
من أين استقى هؤلاء العلماء النص على أسماء
هؤلاء الحواريين ؟ .. يخطئ من ظن أنهم استقوه من النبى عليه الصلاة
والسلام ، فإنه ليس هناك رواية واحدة فيها ذكر بولس هذا ، اللهم
إلا رواية واحدة فقط ، تذكر هذا الرسم " بولس " كاسم واد فى جهنم !
.. على أن هذه الرواية لا يعتد بها !
فمن أين استقى هؤلاء العلماء معلوماتهم ؟ .. لقد كانوا يروون ما
رواه لهم أهل الكتاب ، ولا شك أن ليس كل ما كان يروى لهم حقاً
وصدقاً ! .. ولا يتضرر المسلم عموماً من ذكر أقوال أهل الكتاب ،
لأنه يعلم أنه لا حجة فيها البتة ، إنما هى تذكر وتروى لعموم إباحة
النبى عليه الصلاة والسلام .. فقط ليس إلا .
والمقصود هنا ، أن الخطأ كان من الكتابى ،
ورواه العالم ـ على فرض ثبوت الرواية تنزلاً ـ مستشفعاً بالأمر
المبيح العام من النبى عليه الصلاة والسلام ، عالماً أن ليس فى ذلك
حجة عليه ولا على أى مسلم ، ناهيك أن يكون فيه حجة على النص
القرآنى .
لهذين الأمرين ، لا يصح اعتبار ورود اسم
بولس عن بعض علمائنا ، فى قولهم المرجوح ، تزكية لبولس منهم ..
أولاً .. لعدم ثبوت النص على اسم بولس فى الروايات بالسند الصحيح
.. وثانياً .. لأنهم لم يأتوا باسمه ـ إن كانوا قد فعلوا ـ إلا
رواية عن أهل الكتاب ، التى يعلم المسلم مكانتها من الاحتجاج .
ولكن ها هنا مسألة أدق وألطف .. فقد يقال :
قبول هؤلاء العلماء لاسم " بولس " ، على فرض أنهم نصوا عليه ،
يعتبر عدم طعن منهم فيه ، ولو رووا ذلك من باب السكوت عنه ، إذ كان
يلزمهم بيان كذب بولس بحسب اعتقاد أكثر علماء المسلمين .
فنقول وبالله التوفيق :
أولاً .. ليس من الثابت المتيقن أن بولس الذى تذكره الروايات هو
شاول اليهودى ، على الأقل يمكن أن يقال : ليس من الثابت عند هؤلاء
العلماء أن هذا هو ذاك .
ثانياً .. لا يضرنا أن نقر ، عند التنزل ،
أن هؤلاء العلماء جهلوا حال بولس ، فذلك لا يضر المسلم فى شىء ،
ولا يلزمه باعتناق رأيهم ، لأنه قد يظهر لعالم ما لا يظهر لآخر ،
وهذا يؤمن به المسلم ، ولا غضاضة فيه أبداً .
بل إن هذا الإقرار منا ، عند التنزل ، لا
يضر هؤلاء العلماء ولا مقامهم عندنا ، لأنه ليس من شرط رفعة قدر
العالم فى الإسلام ألا يخطئ ، فإنه لا يحيط بعلم هذا الدين إلا
خاتم المرسلين ، بما نزله على قلبه رب العالمين .. وقد كان فى
صحابة رسول الله من يجهل بعض المسائل ، ولم يعلمها إلا بعد موت
النبى عليه الصلاة والسلام ، ولم ينقص ذلك من قدرهم عند الناس ،
ولا عند الله .. فلا يضر هؤلاء العلماء إقرارنا بغياب معلومة عنهم
.. لا ينقص من قدرهم أبداً عندنا .. ولا فى ميزان أحكم الحاكمين
على ضوء ما فات ، نناقش ما كتبه زميلنا "البابلى" تفصيلياً ،
كاشفين عواره ، ومبينين الصواب بإذن الله .
تقول : " بالحرف الواحد يقول المفسر بان
الرسول الثالث هو : بولس " ..
تحسب بذلك أنك توهم قارئك المسكين ، بأن ابن كثير يعتنق رأيك ،
وابن كثير لا يقول أصلاً بأن رسل يس هم حواريي عيسى ، ناهيك عن أن
ينص على بولس ولا غيره .. لكن هذا الإيهام إن راج على المسيحى
المسكين ، فلا يدخل على المسلم المطلع بحال .
يقول ابن كثير فى تفسيره : ج 3 ص 567 :
" يقول تعالى : واضرب يا محمد لقومك الذين
كذبوك مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون .. قال ابن إسحاق فيما
بلغه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبه
: إنها مدينة أنطاكية ، وكان بها ملك ، يقال له : انطيخس ابن
انطيخس بن انطيخس ، وكان يعبد الأصنام ، فبعث الله تعالى إليه
ثلاثة من الرسل ، وهم صادق وصدوق وشلوم ، فكذبهم .. وهكذا روي عن
بريدة بن الخصيب ، وعكرمة ، وقتادة ، والزهري ، أنها : إنطاكية ..وقد
استشكل بعض الأئمة كونها إنطاكية بما سنذكره ، بعد تمام القصة ، إن
شاء الله تعالى "
وبعد تمام القصة وفى ابن كثير بما وعد ،
يقول فى ص 570 :
" وقد تقدم عن الكثير من السلف ، أن هذه القرية هي انطاكية ، وأن
هؤلاء الثلاثة كانوا رسلاً من عند المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة
والسلام .. وفي ذلك نظر من وجوه :
" أحدهما : أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء
كانوا رسل الله عز وجل ، لا من جهة المسيح عليه السلام ، كما قال
تعالى " إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا
إليكم مرسلون .. " إلى أن قالوا " .. ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون
. وما علينا إلا البلاغ المبين " .. ولو كان هؤلاء من الحواريين
لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح عليه السلام ، والله تعالى
أعلم .. ثم .. لو كانوا رسلَ المسيح لما قالوا لهم " إن أنتم إلا
بشر مثلنا " ..
" والثاني : أن أهل انطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم ، وكانوا أول
مدينة آمنت بالمسيح ، ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة
اللاتي فيهن بتاركة .. فإذا تقرر أن انطاكية أول مدينة آمنت ، فأهل
هذه القرية ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله ، وأنه أهلكهم بصيحة
واحدة أخمدتهم ، والله أعلم ..
" الثالث : أن قصة انطاكية مع الحواريين بين
أصحاب المسيح بعد نزول التوراة ، وقد ذكر أبو سعيد الخدري رضي الله
عنه وغير واحد من السلف ، أن الله تبارك وتعالى بعد إنزاله التوراة
لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم ، بل أمر
المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين .. ذكروه عند قوله تبارك وتعالى "
ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى " .. ا.هـ
إذن .. ابن كثير لا يقول بأن بولس من رسل
المسيح ، لأنه أصلاً لا يؤمن بأن رسل يس هم رسل عيسى عليه السلام ،
وإنما يقول بأنهم رسل الله عز وجل ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد .
ثم تستشهد بتفسير الجلالين ، الذى رأى أن
الرسل هم رسل عيسى عليه السلام ، وهو يتابع فى ذلك أصحاب هذا الرأى
دون بينة ، وقد بينا سابقاً رأينا فى موقف المفسرين الأوائل ،
كقتادة وغيره ، وأما من تابعوهم من مفسرينا المتأخرين كالجلالين
وغيرهما ، فنقول مثلما علمونا : كلٌ يؤخذ من كلامه ويرد إلا محمد
عليه الصلاة والسلام ، ولا ينقص هذا من قدرهم عندنا ولا عند الله
.. ثم إن قولهم بأنهم رسل عيسى عليه السلام ، ليس فيه حجة على أن
بولس كان منهم ، فبولس سيخرج خاوى الوفاض من كلا الرأيين كما بينا
سابقاً ، لأنه حُرم شرف صحبة عيسى عليه السلام .
ثم تزعم بعدها أنك ستستشهد على صحة دعواك من
أقوال محمد .. صلى الله عليه وسلم ، ثم تنقل لنا ما يلى من رواية
ابن إسحاق :
" أن رسول الله خرج على اصحابه فقال لهم : ان الله بعثني رحمة
وكافة ، فادوا عني يرحمكم الله ، ولا تختلفوا علي كما اختلف
الحواريون على عيسى ابن مريم ، قالوا : وكيف يا رسول الله كان
اختلافهم ؟ قال : دعاهم لمثل ما دعوتكم له ، فاما من قرب به فاحب
وسلم ، واما من بهد فكره وابى ، فشكا ذلك عيسى منهم الى الله ،
فاصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وُجه اليهم "
أين ذكر بولس على لسان النبى عليه الصلاة
والسلام ؟ .. أين ما ادعيته من الاستشهاد من أقوال النبى عليه
الصلاة والسلام ؟ ..
ولا أناقش هنا سند الرواية ، ولكن تنزلاً
على فرض صحة السند ، هل نص الرسول عليه الصلاة والسلام على بولس
هذا ؟ .. بالطبع كلا .. إن النبى عليه الصلاة والسلام يتكلم عن
الحواريين .. وبولس لم يكن منهم ، إن كان قد بلغك هذا !
وأنتهز الفرصة وأنبه على أن من يتصدى لمثل
أمرنا ، لا بد أن يعد عدته ، ولا يهجم على ما لا يعلم .. أما أن
يأتينا أحدهم بمسائل ، ولا يعرف كيف ينسب القول لصاحبه ، فعلى
الدنيا السلام ! .. ولنا أن نسائله : هل إيمانه مبنى بمثل هذه
الطريقة الرائعة ؟ .. هل جرى فى إثبات عقيدته على هذه القواعد
العلمية المحكمة ؟!
إن من لا يفقه التفرقة بين أقوال الشخص وقول
غيره ، حرى به أن يكفينا شره ، ولا نسمع منه بعد ذلك أنه يصحح
عقائد الآخرين أو يتكلم عنها .. عليه أن ينشغل بنفسه أولاً ، عليه
أن يراجع معتقده ، إن كان قد بناه بهذه الطريقة الفاضلة !
ثم تورد قول ابن إسحق :
" وكان من بعث عيسى ابن مريم عليه السلام من
الحواريين والاتباع الذين كانوا بعدهم في الارض : بطرس الحواري ،
ومعه بولس ، وكان بولس من الاتباع ولم يكن من الحواريين الى رومية
.. "
ولا أدرى .. هل تعتقد فعلاً أن عيسى عليه
السلام بعث " بولسك " المعروف فى حياته ؟ .. بالطبع كلا ، وأنت
تخطئ ابن إسحق فى قوله هذا ، وأنا معك أعتقد أيضاً بخطأ القول فى
نفسه ، لو عنى به بولسنا الشهير .. ولكن هل يتحمل ابن إسحق خطأ
القول كاملاً ؟ أم يشترك معه أحد فى تحمله ؟ أم ينجو ابن إسحق من
تحمله ؟ .. هذه مسألة أخرى لا تعنينى هنا .. فعلى كل الأحوال لا
يلزمنى هذا القول فى دينى كما بينت سابقاً .
وعلى جرفك الهار هذا ، بنيت سبعة " حقائق "
كما تتوهم !
تقول :
" ( 1 ) .. تكلم القران عن رسل المسيح
وكانهم رسل الله ! " ..
كذبت ـ عمداً أو جهلاً ـ فى هذا ، فإن
القرآن لم يسمى الحواريين رسل الله أبداً ، لا فى سورة يس كما بينا
، ولا فى غيرها .
" ( 2 ) .. ذكر ابن كثير رسولان هما : شمعون
ويوحنا أرسلا الى انطاكية "
لم يذكرها ابن كثير على أنه يعتقد ذلك فعلاً
، وإنما يظن ذلك من لا خبرة له بالتفاسير ، والأولى ألا يهجم
الإنسان على ما لا يعلم ، وأن يدع الأمر لأهله .. فابن كثير إنما "
حكى " ذلك عن رواية مذكورة عن شعيب الجبائى ، ولا يلزم من ذلك
إيمانه بثبوت الرواية فعلاً عن الجبائى ، ولا يلزم اعتقاده فعلاً
بأنهما كانا شمعون ويوحنا فعلاً ، لأنه لا يعتنق أصلاً الرأى
القائل بأن رسل يس هم رسل عيسى عليه السلام ، كما بينا .. ولله
الحمد والمنة .
" ( 3 ) .. والرسول الثالث الذي عززهما الله
وقواهم بارساله هو بولص ! كما ذكر صراحة ابن كثير "
لا داعى لتعجبك وإظهاره بعلامة ! .. وابن
كثير لم يعترف بجريمة قتل حتى تؤكد أنه " ذكر صراحة " ! .. ابن
كثير رحمه الله يعرف ما يفعله .. الرجل ينقل رواية اشتهرت من باب
الأمانة العلمية ،
" ( 4 ) .. وصف القران حواريي المسيح بانهم
: رسل ، ومرسلون !! وهذا يعني ان بولس هو رسول المسيح الى الناس "
نتيجة باطلة بنيت على مقدمة خاطئة ! .. لم
يصف القرآن الحواريين بأنهم رسل الله ، لا فى هذه الآيات ولا فى
غيرها .. أرجو ألا تتعشم فى ذلك كثيراً ! .. ثم إن بولس ليس من
الحواريين !
" ( 5 ) .. وصف رسل المسيح الثلاثة بانهم :
لا يسالوا اجراً وهم مهتدون ! ويعني ان الرسول بولس مهتدي ويدعو
الى الهداية "
للأسف .. خيب القرآن ظنك .. أعتذر عن هذا
بشدة ! .. لم يكن الوصف للحواريين رضى الله عنهم ، ثم إن بولس لم
يكن من الحواريين أصلاً .
" ( 6 ) .. ذكر عن محمد في السيرة النبوية
لابن هشام : بانه حكى عن ارسالية المسيح للحواريين الى ارجاء الارض
وانهم تكلموا بالسنة ولغات اخرى بحسب الشعوب والامم التي ارسلوا
اليها ."
هل تحققت من سند الرواية التى تريد
الاستشهاد بها ؟ .. أم أن مسألة " التثبت " هذه غريبة عليك لم
تتعودها ؟ .. حاول دوماً أن تتعود على التثبت من الأخبار .. خاصة
فى المعتقد !
ثم إن الرواية ـ لو صح سندها ـ فليس فيها
نصيب لبولس ! ..
" ( 7 ) .. ذكر نفس المصدر بان الرسول بولس
قد ارسل مع بطرس الى رومية من قبل المسيح . وكان من التابعين "
بينا من قبل أن هذا لا يحسب على القرآن أو
السنة ، وإنما هو من رواية ابن إسحاق ، ثم إننا لا نسلم بتحمل ابن
إسحاق للمسئولية كاملة ، لما قدمناه ، ولا يعنينا هنا تحملها أم لا
، الذى يعنينا أن المسلم غير ملزم بكلام ابن إسحاق ، وكلامه لا
يحسب على القرآن أو السنة .. وإنما يظن ذلك الجاهل بدين الإسلام
فقط .. والأحرى بالإنسان أن يقرأ قليلاً عن الدين الذى يريد أن
يتكلم عنه ، وإلا فليسكت وليترك المطلعون يتكلمون حتى لا يفضح نفسه
.
هذا عن أصل المبحث .. ثم تطرقت إلى مسألة
أخرى ، لا بأس بأن نعلق عليها ..
تقول : " لماذا لم يحذر محمد رسول الاسلام
الناس من بولس ، وبانه هو من حرف ديانة المسيح ؟ "
هذا سؤال من لا يعلم شيئاً عن القرآن ، ولا
يفقه كتابه !
أولاً ..
هل تتخيل أن الكتب السماوية تنزل بما تريده
أنت من تفصيلات ؟ .. إن وحى ربك ليس على هواك كما تتوهم !
إن المسلم لا يحتاج من القرآن أن ينص له على أن بولس هو الذى حرف
ديانة المسيح عليه السلام ، لا يحتاج ذلك من القرآن ولا من السنة ،
بل لا يهم المسلم إن كان بولس قد فعل ذلك فعلاً أم لا ! .. الذى
يهم المسلم هو : هل حرفت ديانة المسيح أم لا ؟ .. وشتان ما بين
الأمرين !
ذكر القرآن لنا ما نحتاجه ، وهو أن دين
المسيح كان على التوحيد ، مثله مثل باقى إخوانه من أنبياء الله
عليهم الصلاة والسلام ، وأنه لم يقل للناس اتخذونى إلهاً ، ولم
يعلمهم تثليثاً ولا غيره ، وأن التبديل فى الدين إنما حصل من بعد
رفعه .. هذا هو ما يحتاجه المسلم .. ولا حاجة به إلى النص على
تأثير بولس أو غيره ، ولا عن مجمع نيقية ولا غيره ، ولا عن كل هذه
التفصيلات ، وإنما يشير إليها القرآن بإجمال فقط ، وغير متعذر على
المسلم ولا على غيره تحصيل التفصيلات إن أراد .
ثانياً ..
أنت تخيلت أن المسلمين يعادون بولس عداوة شخصية ، وليس الأمر كذلك
، وإنما المسلمين الذين يعادون بولس ، إنما عادوه من أجل تحريف دين
رب العالمين ، وليس كل المسلمين يعادون بولس كما توهمت ، وإنما كل
المسلمين يؤمنون بتحريف رسالة المسيح عليه السلام بالتثليث وغيره ،
كل المسلمين مجمعون على هذا ، ولكن هل فعل ذلك بولس أم غيره ؟ ..
لا يغير فى حقيقة الأمر كثيراً عندنا .. المهم أننا نؤمن أن
التحريف وقع ، وأن المسيح لم يقل للناس أبداً اتخذونى إلهاً .
ثم لما بحث بعض علمائنا فى تاريخ المسيحية ، الذى سطرته أيدى
أبناؤها ، وجدوا أن بولس ـ فى نظرهم ـ هو الذى أحل ما حرم الله
للمسيحيين ، فعادوا بولس من أجل ذلك ، وليس من أجل ما لبس به
الشيطان عليك !
الجدير بالذكر أن ليس من المسلمين وحدهم من ناصبوا بولس العداء ،
أو اعتقدوا بأنه غير دين المسيح عليه السلام ، بل قال معهم بذلك
الكثيرون من أبناء الشعوب المسيحية .
[
ثالثاً ..
حتى أساعدك على إزالة الوهم عن عينيك ، أرد
سؤالك عليك .. لماذا لم يذكر الكتاب المقدس شيئاً عن النبى عليه
الصلاة والسلام ؟
لا تتسرع يا عزيزى بإيراد هذه العبارة أو تلك ، متوهماً أنها "
ترمز " إلى النبى العربى الذى سيظهر ، وحاول أن تقرأ أولاً عن
تفنيد علماء المسلمين لمثل هذه العبارات ، وليكن هذا دأبك دائماً ،
أن تحاول الاطلاع أولاً على الرأى الآخر قبل " الهجوم " على موضوعك
الذى تنشد ، فكلها عبارات لا تخدمك ، ولو وافقتك على إسقاطها على
النبى لأوقعت كتابك فى مشاكل لا تنقصه أبداً .
عموماً .. لن أتطرق إلى ذلك .. لكن يبقى أن
الكتاب المقدس لم يذكر شيئاً عن ظهور النبى الكذاب محمد بوضوح ..
صلوات ربى وسلامه عليه .. على الأقل لم يذكر ظهوره صراحة ، مع
خطورة أمر هذا النبى .
فإن نص الكتاب المقدس على ظهور النبى محمد ،
أولى من نص القرآن على بولس ، مع أننا قد بينا أننا لسنا فى حاجة
إلى ذكر بولس وتحريفه للديانة ، وإنما الحاجة فى ذكر تحريف الدين
فقط .
وذلك .. أن حال بولس ـ على فرض ثبوت كلامه
له ! ـ لا يخفى ، ولا شبهة فيه ، فإن المسيحى كان يتبع المسيح عليه
السلام ، فإذا جاءه بولس أو غيره ليقول له إنى أنسخ ديانة المسيح ،
فلا شبهة فى ذلك على المؤمن أبداً ، لأنه يعلم أن نسخ الرسالات
إنما يكون من الرسل لا من أتباعهم ، وأن المسيح لو أراد لفعل ما
شاء فى حياته هو من التحليل والتحريم .
أما حال محمد عليه الصلاة والسلام ، فلو كان نبياً كذاباً ، لكانت
مصيبة ! .. لأن هذا النبى لم يدعِ أنه تابع للمسيح ولا لغيره ،
وإنما ادعى أعظم دعوى يمكن أن يدعيها بشر ، ادعى أنه مرسل من عند
الله ابتداء ، وأن الله يوحى إليه ، ثم ادعى أن مخالفيه لو ماتوا
بعدما سمعوا به فمصيرهم إلى النار ، وادعى أن مخالفيه فى الدنيا لو
حاربوه فحل له سبى نسائهم وذراريهم وأخذ أموالهم ، وقد جهر هذا
النبى بكل هذه الدعاوى ولم يستخف بها ، وعلم ذلك المؤمن به والكافر
.. ثم إن الله عز وجل أيد هذا النبى بالمعجزات والخوارق ، ورأتها
الجموع العظيمة وشهدت بذلك ، وتحدى العرب أن يأتوا بمثل قرآنه أو
بعضه ، فأعجزهم الله أن يأتوا بشىء من ذلك .. وفى هذا من الفتنة ـ
لو كان نبياً كذاباً ـ ما فيه ! .. ثم إن هذا النبى ما يدعو على
أحد إلا وتستجاب دعوته .. ثم إن الله يؤيده وينصره ، بالحجة
والبيان ثلاثة عشر عاماً فى مكة ، لا يستطيع مخالف له أن يعلو عليه
بالحجة ، مع أنهم استعانوا عليه بعلماء أهل الكتاب فلم يقدروا ..
ثم إن الله أيده ونصره بالسيف بعد ذلك ، وكتب له الظهور على أعدائه
، ونصرة دينه ، وتثبيت دعائمه ، وبناء أركان مجتمعه ، وترسية
أعمدته .. ثم إن هذا النبى ادعى أنه لن يموت حتى يبلغ دينه كاملاً
غير منقوص ، وأن الله سيعصمه من أعدائه حتى يفعل ، ثم كتب الله
لهذا النبى نجاح ما ادعاه ، ولم يمت إلا بعد أن بلغ " فاليوم أكملت
لكم دينكم " ..
كل هذا كان من حال النبى محمد ، فلو كان كذاباً لكان فى ذلك من
الفتنة ما فيه ، فكان الأولى والأجدر بالكتاب المقدس أن يذكر هذا
النبى صراحة وبوضوح ، لأنه سيأتى ليضل الناس عن عقيدة التثليث ! ..
ويصرفهم عن لاهوت السيد المسيح ! .. ولن يكتفى بالقول ، بل سيظهر
على أعدائه بالحجة واللسان ، ثم بالسيف والسنان ، وسيقيم أعظم
حضارة عرفها العالم ، وسيتبعه أكثر الأمم عدداً ، فما تبع نبى
مثلما تبع الناس هذا النبى .
أخشى أن تظننى أتحدث عن بولس أو عن النبى عليه الصلاة والسلام ! ..
إنما أتحدث عن أمر آخر .
المقصود أن سؤالك الذى سألت ، عن عدم ذكر القرآن لبولس ، يرد على
كتابك بأكثر مما يرد على القرآن ، لأن الفتنة بالنبى عليه الصلاة
والسلام أعظم ، لو كان نبياً كذاباً .. مع أننا قد بينا أن المسلم
ليس بحاجة لأن يذكر القرآن بولس ، بعدما ذكر تبديل دين المسيح عليه
السلام عن مسار التوحيد الطبيعى .
رابعاً ..
نبه القرآن على بولس وأمثاله على سبيل العموم ، فقال عز من قائل
مخبراً عن حال أهل الكتاب : " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من
دون الله .. " .. وقد استشكل ذلك على عدى بن حاتم وكان نصرانياً ،
فقال : إنا لسنا كنا نعبدهم .. فقال النبى عليه الصلاة والسلام :
ألم يكونوا يحلون لكم الحرام فتحلونه ؟ ألم يكونوا يحرمون عليكم
الحلال فتحرمونه ؟ .. فتلك عبادتكم إياهم !
فبين أن التحليل والتحريم هو حق خالص لله عز
وجل ، من ادعى أن له شيئاً فيه فقد ادعى نصيباً من الربوبية ، ومن
اتبع حبراً أو قديساً فى تحريم حلال أو حل حرام ، فقد عبده من دون
الله ، واتخذه رباً من دون الله ، إذ أعطاه ما لا يصرف إلا لله عز
وجل من الطاعة والخضوع .
فكل من نسخ حكماً واحداً ، بعد رفع المسيح عليه السلام ، سواء بولس
أو غيره ، فهو داخل فى هذه الآية ولا شك .
صدقنى يا عزيزى .. لا نصيب لبولس فى قرآن
ولا سنة .. أقصد بالحسن ! .. لا ترجو ذلك ولا تأمله .. أخشى أن
يطول انتظارك ، ويخيب رجاؤك !
==================
لعل القارئ لاحظ أنى أهملت ذكر أدلة الرأى
الراجح ، على أن رسل يس هم رسل من الله ابتداء ، والتى بذاتها تنفى
أن يكونوا رسل المسيح عليه السلام ، فضلاً عن أن نتطرق إلى من
كانوا ، وهل كان بولس بينهم أم لا .. أهملت ذكر هذه الأدلة ،
مكتفياً بما ورد فى كلام ابن كثير رحمه الله .. وبما سأورده فيما
يلى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقد كرَّ على الرأى
المرجوح واجتثه من منبته ، جزاه الله عنا خير الجزاء ، وأفضل أن
أترك القارئ وجهاً لوجه ، مع كلام هذا الحبر العلامة فيما يلى ..
يقول ابن تيمية رحمه الله ، فى كتابه :
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح : ج 1 ، ص 251 ط دار الحديث :
" .. ليس في القرآن آية تنطق بأن الحواريين
رسل الله ، بل ولا صرح في القرآن بأنه أرسلهم ، لكن قال في سورة يس
: " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون . إذ أرسلنا
إليهم اثنين فكذبوهما ، فعززنا بثالث ، فقالوا : إنا إليكم مرسلون
. قالوا : ما أنتم إلا بشر مثلنا ، وما أنزل الرحمن من شيء ، إن
أنتم إلا تكذبون . قالوا : ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون . وما
علينا إلا البلاغ المبين . قالوا : إنا تطيرنا بكم ، لئن لم تنتهوا
لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم . قالوا : طائركم معكم ، أئن
ذكرتم ؟ بل أنتم قوم مسرفون . وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى ، قال
: يا قوم اتبعوا المرسلين . اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون
. ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ؟ . أأتحذ من دونه آلهة ،
إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون . إني إذاً
لفي ضلال مبين . إني آمنت بربكم فاسمعون . قيل : ادخل الجنة ، قال
: يا ليت قومي يعلمون . بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين . وما
أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء ، وما كنا منزلين . إن
كانت إلا صيحة واحدة ، فإذا هم خامدون . يا حسرة على العباد ! ما
يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون " ..
" فهذا كلام الله ، ليس فيه ذكر أن هؤلاء
المرسلين كانوا من الحواريين ، ولا أن الذين أرسلوا إليهم آمنوا
بهم ، وفيه أن هؤلاء القوم ـ الذين أرسل إليهم هؤلاء الثلاثة ـ
أنزل الله عليهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون ..
" وقد ذكر طائفة من المفسرين ، أن هؤلاء كانوا من الحواريين ، وأن
القرية : أنطاكية ، وأن هذا الرجل اسمه : حبيب النجار .. ثم إن
بعضهم يقول : إن المسيح أرسلهم في حياته ..
" لكن المعروف عند النصارى ، أن أهل إنطاكية
آمنوا بالحواريين واتبعوهم ، لم يهلك الله أهل إنطاكية ، والقرآن
يدل على أن الله أهلك قوم هذا الرجل الذي آمن بالرسل ..
" وأيضاً فالنصارى يقولون : إنما جاءوا إلى
أهل إنطاكية بعد رفع المسيح ، وإن الذين جاءوا كانوا اثنين ، لم
يكن لهما ثالث ، قيل : أحدهما شمعون الصفا ، والآخر بولص ، ويقولون
: إن أهل إنطاكية آمنوا بهم ، ولا يذكرون حبيب النجار ، ولا مجيء
رجل من أقصى المدينة ، بل يقولون : إن شمعون وبولص دعوا الله حتى
أحيا ابن الملك ..
" فالأمر المنقول عند النصارى ، أن هؤلاء
المذكورين في القرآن ليسوا من الحواريين ، وهذا أصح القولين عند
علماء المسلمين وأئمة المفسرين ، وذكروا أن المذكورين في القرآن في
سورة يس ليسوا من الحواريين ، بل كانوا قبل المسيح ، وسموهم بأسماء
غير الحواريين ، كما ذكر محمد بن إسحاق ، قال سلمة بن الفضل : كان
من حديث صاحب يس ، فيما حدثني محمد بن إسحاق ، عن ابن عباس ، وعن
كعب ، وعن وهب بن منبه ، أنه كان رجلاً من أهل إنطاكية ، وكان اسمه
حبيبا ، وكان يعمل الحرير ، وكان رجلاً سقيماً ، قد أسرع فيه
الجذام ، وكان منزله عند باب من أبواب المدينة يتاجر ، وكان مؤمناً
ذا صدقة ، يجمع كسبه إذا أمسى ـ فيما يذكرون ـ فيقسمه نصفين ،
فيطعم نصفه عياله ، ويتصدق بنصفه ، وكان بالمدينة التي هو بها ـ
مدينة إنطاكية ـ فرعون من الفراعنة ، يقال له : إنطخس بن إنطنخس ،
يعبد الأصنام ، صاحب شرك ، فبعث الله إليه المرسلين ، وهم ثلاثة
صادق وصدوق وشلوم ، فقدم الله إليه وإلى أهل المدينة منهم اثنين
فكذبوهما ، ثم عزز الله بالثالث ..
" وروى الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى " واضرب
لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون . إذ أرسلنا إليهم اثنين
فكذبوهما فعززنا بثالث " : لكي تكون الحجة عليهم أشد ، فأتوا أهل
القرية ، فدعوهم إلى الله وحده وعبادته لا شريك له ، فكذبوهم ،
فأتوا على رجل في ناحية القرية في زرع له ، فسألهم الرجل : ما أنتم
؟ قالوا : نحن رسل رب العالمين ، أرسلنا إلى أهل هذه القرية ،
ندعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، قال لهم : أتسألون على
ذلك أجراً ؟ قالوا : لا ، قال : فألقى ما في يده ، ثم أتى أهل
المدينة ، فقال : " يا قوم اتبعوا المرسلين . اتبعوا من لا يسألكم
أجرا وهم مهتدون " ..
" وهذا القول هو الصواب ، وأن هؤلاء المرسلين كانوا رسلاً لله قبل
المسيح ، وأنهم كانوا قد أرسلوا إلى إنطاكية ، وآمن بهم حبيب
النجار ، فهم كانوا قبل المسيح ، ولم تؤمن أهل المدينة بالرسل ، بل
أهلكهم الله تعالى ، كما أخبر في القرآن ، ثم بعد هذا عمرت إنطاكية
، وكان أهلها مشركين ، حتى جاءهم من جاءهم من الحواريين ، فآمنوا
بالمسيح على أيديهم ، ودخلوا دين المسيح ..
" ويقال : إن إنطاكية أول المدائن الكبار الذين آمنوا بالمسيح عليه
السلام ، وذلك بعد رفعه إلى السماء ، ولكن ظن من ظن من المفسرين أن
المذكورين في القرآن هم رسل المسيح وهم من الحواريين ، وهذا غلط
لوجوه :
" منها : أن الله قد ذكر في كتابه ، أنه أهلك الذين جاءتهم الرسل ،
وأهل إنطاكية لما جاءهم من دعاهم إلى دين المسيح آمنوا ولم يهلكوا
..
" ومنها : أن الرسل في القرآن ثلاثة ،
وجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى ، والذين جاءوا من أتباع المسيح
كانوا اثنين ، ولم يأتهم رجل يسعى ، لا حبيب ولا غيره ..
" ومنها : أن هؤلاء جاءوا بعد المسيح ، فلم يكن الله أرسلهم ..
" وهذا ، كما أن الله ذكر في القرآن ، أنه أهلك أهل مدين بالظلة ،
لما جاءهم شعيب ، وذكر في القرآن ، أن موسى أتاها ، وتزوج ببنت
واحد منها ، فظن بعض الناس أنه شعيب النبي ، وهذا غلط عند علماء
المسلمين ، مثل ابن عباس والحسن البصري وابن جريج وغيرهم ، كلهم
ذكروا أن الذي صاهره موسى ليس هو شعيباً النبي ، وحُكى أنه شعيب
عمن لا يعرف من العلماء ، ولم يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين ،
كما بسطناه في موضعه ، وأهل الكتاب يقرون بأن الذي صاهره موسى ليس
هو شعيباً ، بل رجل من أهل مدين ، ومنهم من يقول : إنها غير مدين
التي أهلك الله أهلها ، والله أعلم ..
" وكذلك ذكر المفسرون في المرسلين : هل أرسلهم الله ؟ أو أرسلهم
المسيح ؟ قولين : أحدهما : أن الله هو الذي أرسلهم .. قال أبو
الفرج ابن الجوزي : وهذا ظاهر القرآن ، وهو مروي عن ابن عباس وكعب
ووهب بن منبه ، قال : وقال المفسرون في قوله " إن كانت إلا صيحة
واحدة " : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ، وصاح بهم صيحة واحدة ،
فإذا هم ميتون ، لا يسمع لهم حس كالنار إذا أطفئت ، وذلك قوله "
فإذا هم خامدون " أي : ساكنون كهيئة الرماد الخامد .. ومعلوم عند
الناس أن أهل إنطاكية لم يصبهم ذلك بعد مبعث المسيح ، بل آمنوا قبل
أن يبدل دينه ، وكانوا مسلمين مؤمنين به على دينه ، إلى أن تبدل
دينه بعد ذلك ..
" ومما يبين ذلك ، أن المعروف عند أهل العلم
، أنه بعد نزول التوراة ، لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من
السماء يعمهم كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم
، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار ، كما أمر بني إسرائيل على لسان
موسى بقتال الجبابرة ، وهذه القرية أهلك الله أهلها بعذاب من
السماء ، فدل ذلك على أن هؤلاء الرسل المذكورين في يس كانوا قبل
موسى عليه السلام ..
" وأيضاً ، فإن الله لم يذكر في القرآن
رسولاً أرسله غيره ، وإنما ذكر الرسل الذين أرسلهم هو ..
" وأيضاً ، فإنه قال : " إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا
بثالث " .. فأخبر أنه أرسلهم ، كما أخبر أنه أرسل نوحاً وموسى
وغيرهما ..
" وفي الآية " قالوا : ما أنتم إلا بشر
مثلنا ، وما أنزل الرحمن من شيء " .. ومثل هذا هو خطاب المشركين
لمن قال : إن الله أرسله وأنزل عليه الوحي .. لا لمن جاء رسولاً من
عند رسول ..
" وقد قال بعد هذا : " يا حسرة على العباد !
ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون " .. وهذا إنما هو في
الرسل الذين جاءوهم من عند الله ، لا من عند رسله ..
"وأيضاً ، فإن الله ضرب هذا مثلاً لمن أرسل
إليه محمداً ، يحذرهم أن ينتقم الله منهم كما انتقم من هؤلاء ،
ومحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما يضرب له المثل برسول نظيره ،
لا بمن أصحابه أفضل منهم ، فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً أفضل من
الحواريين باتفاق علماء المسلمين ، ولم يبعث الله بعد المسيح رسولاً
، بل جعل ذلك الزمان زمان فترة كقوله " يا أهل الكتاب قد جاءكم
رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل " ..
" وأيضاً ، فإنه قال تعالى : " إذ أرسلنا
إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون .
قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا " .. ولو كانوا رسل رسول ، لكان
التكذيب لمن أرسلهم ، ولم يكن في قولهم " إن أنتم إلا بشر مثلنا
شبهة ؛ فإن أحداً لا ينكر أن يكون رسلُ رسلِ الله بشراً ، وإنما
أنكروا أن يكون رسول الله بشراً ..
" وأيضاً ، فلو كان التكذيب لهما ، وهما رسل الرسول ، لأمكنهما أن
يقولا : فأرسلوا إلى من أرسلنا أو إلى أصحابه ، فإنهم يعلمون صدقنا
في البلاغ عنه .. بخلاف ما إذا كانا رسل الله ..
" وأيضاً ، فقوله " إذ أرسلنا إليهم اثنين "
: صريح في أن الله هو المرسل ، ومن أرسلهم غيره ، إنما أرسلهم ذلك
، لم يرسلهم الله .. كما لا يقال لمن أرسله محمد بن عبد الله :
إنهم رسلُ الله .. فلا يقال لدحية بن خليفة ال***ي : إن الله أرسله
، ولا يقال ذلك للمغيرة بن شعبة ، وعبد الله بن حذافة ، وأمثالهما
ممن أرسلهم الرسول عليه الصلاة والسلام .. وذلك أن النبي أرسل رسله
إلى ملوك الأرض ، كما أرسل دحية بن خليفة إلى قيصر ، وأرسل عبد
الله بن حذافة إلى كسرى ، وأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ،
كما تقدم ذكر ذلك .. ومعلوم أنه لا يقال في هؤلاء : إن الله أرسلهم
، ولا يسمون عند المسلمين : رسل الله ، ولا يجوز ـ باتفاق المسلمين
ـ أن يقال : هؤلاء داخلون في قوله " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات "
.. فإذا كانت رسل محمد عليه الصلاة والسلام لم يتناولهم اسم رسل
الله في الكتاب الذي جاء به ، فكيف يجوز أن يقال : إن هذا الاسم
يتناول رسلَ رسولٍ غيره ؟! ..
" والمقصود هنا : بيان معاني القرآن ، وما أراده الله تبارك وتعالى
بقوله " إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين " .. هل مراد
الله ورسوله محمد : مَن أرسلهم الله ؟ أو من أرسلهم رسوله ؟ ..
" وقد عُلم يقيناً أن محمداً عليه الصلاة
والسلام لم يدخل في مثل هذا ، فمن قال : إن محمداً أراد بذلك من
أرسله رسولٌ فقد كذب على محمد عليه الصلاة والسلام عمداً أو خطئاً
" ا.هـ .ر