شبهتمونا بالحمير والكلاب
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله
نرى النصارى كل يوم وعلى مواقع الانترنت وهم يطبلون ويزمرون على أنهم أتوا بشبهات
جديدة ، وهم يعتقدون أنهم بذلك قد استطاعوا أن يهدموا الأسلام الحنيف ، ولكن ولله
الحمد والمنة كل هذه الشبهات قديمة أكل وشرب الدهر عليها وقتلها علمائنا بحثاً
وردوا عليها بالحجة والدليل ، فحبطت آمال النصارى وأرتدوا على أعقابهم خاسئين .
ومن بينها أن هناك تعارضاً في الأحاديث وتناقضاً وضربوا مثلاً على ذلك لما ورد من
قول لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سمعت بحديث لرسول الله صلى الله عليه
وسلم ذكر فيه أن المرأة والكلب والحمار يقطعون الصلاة ، وسأذكر الحديث الذي قاله
النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم قول عائشة
حدثنا اسحق بن ابراهيم اخبرنا المخزومي حدثنا عبد الواحد وهو ابن زياد حدثنا عبيد
الله بن عبد الله الاصم حدثنا يزيد بن الاصم عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل
صحيح مسلم – 790
حدثنا عفان حدثنا شعبة اخبرني حميد هلال سمع عبد الله بن الصامت عن ابي ذر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع صلاة الرجل اذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل
المرأة والحمار والكلب الاسود من الاحمرقال ابن اخي سألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم كما سألتني فقال الكلب الاسود شيطان
مسند احمد – 20360
وأحتج النصارى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة بين يديه وهذا ينقض ما
ذكره بأن المرأة تقطع الصلاة !
حدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن ابي بكر بن حفص عن عروة بن
الزبير قال قالت عائشة: ما ((( يقطع الصلاة))) قال فقلنا: المرأة والحمار.فقالت: إن
المرأة لدابة سوء لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض
الجنازة وهو يصلي.
صحيح مسلم / الصلاة/ الاعتراض بين يدي المصلي
وهذا حديث آخر
حدثنا عمرو الناقد وأبو سعيد الاشج قالا حدثنا حفص بن غياث قال وحدثنا عمر بن حفص
بن غياث واللفظ له ابي حدثنا الاعمش حدثني ابراهيم عن الاسود عن عائشة قال الاعمش
وحدثني مسلم عن مسروق عن عائشة
"وذكر عندها ما ((( يقطع الصلاة))) الكلب والحمار والمرأة فقالت عائشة قد شبهتمونا
بالحمير والكلاب والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير
بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأنسل من عند رجليه.
صحيح مسلم/الصلاة/ الاعتراض بين يدي المصلي.
وللرد على ذلك :
الحديث الثالث والحديث الرابع يفيدان ان عائشة كانت مضطجعة ، ( لقد رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة ) وكذلك ( لقد
رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصل)
فنسنتج من فعل النبي عليه السلام ان المرأة تقطع الصلاة اذا مرت بين يدي المصلي الا
اذا كانت مضطجعة فانها لا تقطعها .
قول العالم الفقيه ابن حزم في هذه المسألة :
(ويقطع صلاة المصلي كون الكلب بين يديه , مارا أو غير مار , صغيرا أو كبيرا , حيا
أو ميتا , أو كون الحمار بين يديه كذلك أيضا , وكون المرأة بين يدي الرجل , مارة أو
غير مارة , صغيرة أو كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة فقط , فلا تقطع الصلاة حينئذ
) المحلى ،كتاب الصلاة .
وبعد ان ذكر حديث عائشة الذي فيه (فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله )
اضاف اضاف ابن حزم قائلا : (فقد فرقت أم المؤمنين بين حال جلوسها بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يصلي , فأخبرت بأنه أذى له , وبين اضطجاعها بين يديه وهو
يصلي فلم تره أذى ) المصدر نفسه.
وهو ان المصلي جائز له ان يضع شئ ( عصا مثلا او شجرة او سيارة الخ ) يكون فاصلا
بينه وبين ما يمر امامه ، وعندئذ لا يضر المرور بين يديه ، وهذا ما يسمى بالسترة
امام المصلي
قال الحافظ زين الدين العراقي في كتابه طرح التثريب ،كتاب الصلاة :
(كان السرير الذي عليه عائشة هو السترة وكأن عائشة من وراء السترة لأن قوائم السرير
التي تلي النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها والدليل على ذلك ما اتفق عليه
الشيخان من رواية الأسود عن عائشة { لقد رأيتني مضطجعة على السرير فيجيء النبي صلى
الله عليه وسلم فيتوسط السرير فيصلي } الحديث وعلى هذا فلا يكون في حديث عائشة ما
ينافي حديث أبي ذر وأبي هريرة في قطع المرأة الصلاة لوجود السترة هنا )
صحيح مسلم ، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي :
عن موسى بن طلحة عن ابيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اذا وضع احدكم
بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك)
آخرة الرحل: وهي العود الذي في آخر الرحل
والرحل هو مركب البعير
قال الحافظ الفقيه الامام النووي في شرح هذا الحديث :
(وفي هذا الحديث الندب إلى السترة بين يدي المصلي وبيان أن أقل السترة مؤخرة الرحل
وهي قدر عظم الذراع , هو نحو ثلثي ذراع , ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه هكذا )
قال الامام ابن قدامة في المغنى:
(يستحب للمصلي أن يصلي إلى سترة , فإن كان في مسجد أو بيت صلى إلى الحائط أو سارية
, وإن كان في فضاء صلى إلى شيء شاخص بين يديه , أو نصب بين يديه حربة أو عصا .)
وقال الامام الصنعاني في سبل السلام ، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي :
(وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا صلى أحدكم فليجعل
تلقاء وجهه شيئا , فإن لم يجد فلينصب عصا , فإن لم يكن فليخط خطا , ثم لا يضره من
مر بين يديه } أخرجه أحمد وابن ماجه , وصححه ابن حبان ........... وفي قوله : " ثم
لا يضره شيء " ما يدل أنه يضره إذا لم يفعل إما بنقصان من صلاته أو بإبطالها على ما
ذكر أنه يقطع الصلاة )
منقول بتصرف من رد الأخ bilal_41
رد اخر
فنقول للأخت السائلة هنيئا لك أن هداك الله للإسلام، فهو دين الله الحق الذي لا
يقبل ديناً سواه، قال سبحانه: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في
الآخرة من الخاسرين)[آل عمران: 85] واعلمي أن أعظم نعم الله على الإنسان هدايته
للإسلام، كما قال سبحانه: (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان)[الحجرات: 17] كما
ينبغي أن تعلمي أن الشيطان وحزبه لا يرضون لأحد أن يفوز بهذه النعمة دونهم، فقد أخذ
الشيطان على نفسه عهداً أنه سيقعد للناس على الطريق يصدهم عن سبيل الله، كما قال
سبحانه عنه: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن
أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) [الأعراف:17]
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام
فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة
فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟! فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد… إلى أن قال
صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك -أي عصى الشيطان في كل مرة- كان حقاً على الله عز
وجل أن يدخله الجنة" رواه النسائي
وللشيطان وأعوانه طرق في صد الناس عن دين الله تتغير بتغير الظروف والبيئات، وتتلون
بتلون الثقافات والمجتمعات،
ومن ذلك ما يثار من شبهات حول الإسلام وتشريعاته، وعلى المسلم أن يكون على حذر من
مكايد الشيطان وأعوانه، ولقد أحسنت الأخت السائلة لما أرجعت الأمر إلى أهله،
واستعانت بمن يزيل عنها هذه الشبهة، وهذا هو الواجب في مثل هذا المقام، وما أكثر
الشبه، ولكن ما أسرع أن تذهب جميعاً في أدراج الرياح، ومن هذه الشبه موقف الإسلام
من المرأة، وإليك أيتها الأخت كلاماً مختصراً، بل في غاية الاختصار عن تكريم
الإسلام للمرأة:
فالقرآن مملوء بالآيات التي تتحدث عن المرأة، تتلى هذه الآيات في المساجد والبيوت
إلى يوم القيامة، وفي القرآن سورتان يقال لهما: سورتا النساء، وإحداهما ست وسبعون
ومائة آية، والأخرى اثنتا عشرة آية، وقد اشتملت السورتان على كثير من الأحكام
الخاصة بالمرأة، مزوجة ومطلقة، وكيف ينفق عليها؟ وماذا يجب لها؟ وكيف يسلم إليها
حقها؟ ومتى يحل نكاحها ويحرم؟ وفي سورة البقرة إحدى وعشرون آية متتابعة تتحدث عن
المرأة، وكذلك سورة النور، والأحزاب، والتحريم، أكثر آياتها في المرأة.
وما أكثر الآيات في بقية السور الدالة على فضل المرأة وعلو شأنها، ووجوب العناية
بها.
ولقد قالت نساء من نساء الصحابة: (لو علم الله فينا خيراً لذكرنا في كتابه كما ذكر
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) فنزل قول الله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات…)[الأحزاب:35] إلى غير ذلك من الآيات الوفيرة في ذكر المرأة،
ولك أن تقارني هذه الوفرة من الآيات القرآنية بتلك النتف اليسيرة في الأناجيل تتحدث
عن بعض أحكام المرأة، يذهبون في تفسيرها وتأويلها -بمراد القساوسة والقديسين- شتى
المذاهب.
والإسلام جعل المرأة قسيمة الرجل في تكوين البشرية والنشأة الإنسانية: ( يا أيها
الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً
ونساءً) [النساء:1]
وأخبرنا القرآن أن المرأة تتساوى مع الرجل في ميادين كثيرة، ومن أهم ذلك: مساواتها
له في الأجر الأخروي، والقرب من الله بالعمل الصالح، فقال سبحانه: (إني لا أضيع عمل
عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)[آل عمران:195]
وأمر الله عز وجل نبيه أن يأخذ البيعة من النساء كما يأخذها من الرجال، وأمره بأن
يجعل للنساء حظاً من دعائه واستغفاره كحظ الرجال، فقال سبحانه: (واستغفر لذنبك
وللمؤمنين والمؤمنات)[محمد:19]
ومدح النساء على الطاعات كمدحه للرجال، فقال سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم
أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون
الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله)[التوبة:71]
والإسلام هو الذي وصى بالإحسان إلى المرأة وإكرامها وتوقيرها في مواقعها المختلفة
أماَّ أو أختاً أو بنتاً أو زوجة.
ويكفيك أيتها المرأة من إحسان الإسلام إليك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في
مرض موته -كما يروى عنه في مصنف عبد الرزاق-: "اتقوا الله في النساء" ويخاف من
التقصير في حق المرأة فيقول: "استوصوا بالنساء خيراً" متفق عليه. والإسلام هو الذي
جعل للمرأة شخصية مالية مستقلة كالرجل، تملك وتتصرف بأنواع التصرفات المالية، كما
قال سبحانه: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ
وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ
مِنْهُ أَوْ كَثُرَ)[النساء: 7] فهل بعد هذا كله يصح لقائل أن يقول: إن الإسلام هضم
المرأة حقها؟! فضلاً عن أن يقول: إنه يساويها بالحيوانات.
وأما ما أوردته الأخت في سؤالها من وجود حديث يساوي المرأة
بالكلب والحمار فنقول:
أولاً: ليس هناك حديث يساوي بين المرأة والكلب والحمار،
ومن فهم هذا فقد أخطأ، وإنما ورد الحديث بذكر حكم شرعي وهو قطع الصلاة أي نقص أجرها
بسبب مرور شيء من الثلاثة أمام المصلي، ثم بين الحديث نفسه سبب قطع الكلب الأسود
للصلاة فقال: "إنه شيطان" وبينت الأحاديث الأخرى سبب قطع المرأة للصلاة، وهو افتتان
المصلي بها واشتغاله بها، بخلاف الرجل فإنه إذا مرَّ أمام الرجل لا يفتتن به، وليس
السبب أن المرأة مساوية للكلب والحمار.
ويدل على هذا أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت أول من
أنكر هذا الحديث، فقالت رضي الله عنها: شبهتمونا بالحُمُر والكلاب، والله لقد رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة"
رواه البخاري.
فدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي والمرأة أمامه، فإما لأنها زوجته
فلا يخاف الافتتان بها، وإما لأنها كانت في ظلام كما يفهم من بعض الروايات، وإما
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أملك الناس لشهوته، وعلى كل الاحتمالات فإن النبي صلى
الله عليه وسلم إنما صلى وعائشة أمامه لعدم الافتتان بالمرأة.
ثانياً : العمل بهذا الحديث وهو قطع الصلاة بمرور المرأة
ليست قضية اتفاق بين علماء الإسلام، بل بينهم خلاف كثير، فقد ادعى كثيرون أن هذا
الحديث منسوخ بحديث عائشة، وهذا القول الأخير هو الصواب، وهو الذي أخذ به أكثر أهل
العلم.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه ..
ا