المساعد الشخصي الرقمي

اعرض النسخة الكاملة : ‏تكريم الإسلام للنفس الإنسانية – د. راغب السرجاني


بن الإسلام
19.01.2011, 10:46
التعامل النبوي مع غير المسلمين‏


لعل من المهم أن ندرك طبيعة النظرة الإسلامية إلي النفس الإنسانية بصفة عامة‏ ;‏ لندرك كيف تناول المنهج الإسلامي قضية غيرالمسلمين وكيفية التعامل معهم ‏.
وقد فصلت هذا الموضوع في كتابي ‏(‏ فن التعامل النبوي مع غير المسلمين‏) .‏

إن النفس الإنسانية بصفة عامة مكرمة ومعظمة ‏..‏ وهذا الأمرعلي إطلاقه ‏,‏ وليس فيه استثناء بسبب لون أو جنس أو دين‏ ,‏ قال تعالي في كتابه ‏: [‏ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا ‏] [‏ الإسراء‏:70] .‏
وهذا التكريم عام وشامل للمسلمين وغير المسلمين ‏;‏ فالجميع مفضل علي كثير من خلق الله عز وجل‏ ,‏ وقد انعكس هذا التكريم العام علي كل بند من بنود الشريعة الإسلامية ‏,‏ وهذا واضح في آيات القرآن الكريم‏ ,‏ وفي حياة الرسول صلي الله عليه وسلم‏ ,‏ وما أروع الموقف الذي علمنا إياه رسول الله‏ -‏ صلي الله عليه وسلم ‏-‏ عندما مرت به جنازة يهودي‏!!‏
فقد روي الإمام مسلم أن قيس بن سعد وسهل بن حنيف كانا بالقادسية‏ ,‏ فمرت بهما جنازة‏ ,‏ فقاما‏ ,‏ فقيل لهما‏ :‏ إنها من أهل الأرض ‏(‏ أي‏:‏ من مجوس فارس‏) .‏ فقالا‏ :‏ إن رسول الله ‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏ -‏ مرت به جنازة فقام ‏,‏ فقيل ‏:‏ إنه يهودي ‏,‏ فقال‏ :'‏ أليست نفسا‏'.‏ ألا ما أروع هذا الموقف حقا‏!!‏
فقد زرع رسول الله ‏-‏ صلي الله عليه وسلم ‏-‏ بهذا الموقف في نفوس المسلمين التقدير والاحترام لكل نفس إنسانية علي الإطلاق ‏;‏ لأنه فعل ذلك وأمر به‏ ,‏ حتي بعد علمه أنه يهودي‏ ,‏ رغم أن اليهود رأوا الآيات ثم لم يؤمنوا ‏,‏ بل إنهم اعتدوا عليه ‏-‏ صلي الله عليه وسلم ‏-‏ بشتي أنواع الاعتداءات المعنوية والمادية ‏,‏ ومع هذا فإن رسول الله ‏-‏ صلي الله عليه وسلم ‏-‏ يقف لجنازة رجل منهم ليس له فضيلة معينة‏.‏ إنه الاحترام الحقيقي للنفس البشرية‏..‏
ثم إن المسلم يعتقد أن الاختلاف بين الناس أمر حتمي ‏!‏ يقول تعالي ‏: [‏ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ‏] [‏ هود‏:118].‏
وإذا علمت أن المسلم يعتقد أن الحساب يوم القيامة بيد الله‏ -‏ عز وجل ‏-‏ وحده ‏,‏ أدركت أن المسلم لا يفكر مطلقا في إجبار الآخرين علي اعتناق الإسلام‏ ,‏ قال تعالي‏ : [‏ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين ‏] ,‏ يونس‏ : 99].‏
فمهمة المسلم ببساطة أن يصل بدعوته نقية إلي غير المسلمين ‏,‏ أما ردود أفعالهم تجاه هذه الدعوة فلا يسأل عنها المسلم ولا يحاسب عليها ‏..‏ قال تعالي ‏: [‏ وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون ‏*‏ الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ‏] [‏ الحج‏:69,68].‏
من هذا المنطلق‏ ,‏ جاءت أوامر الشريعة الإسلامية الخاصة بالعدل والرحمة والألفة والتعارف ‏,‏ وفضائل الأخلاق ..‏ جاءت عامة تشمل المسلمين وغير المسلمين‏ .‏
ففي شريعتنا الإسلامية تجد قول الله عز وجل ‏: [‏ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ‏] [‏ الأنعام‏:151] ,‏ والنهي هنا عام ‏,‏ يشمل نفوس المسلمين وغير المسلمين ‏;‏ فالعدل في الشريعة مطلق لا يتجزأ‏ .‏
وفي مسألة العفو قال الله‏ -‏ عز وجل ‏: [‏ وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ‏] [‏ آل عمران‏:134,133] . ‏فالعفو من صفات المؤمن‏ ,‏ وهو عفو واسع يشمل‏ '‏ الناس‏'‏ كما ذكر ربنا سبحانه وتعالي‏.‏
بل أكثر من كل ذلك ‏;‏ أنه عندما ذكر سبحانه وتعالي أمر العدل المأمور به في الإسلام حض وأمر أن يكون العدل حتي مع من نكره من الناس ‏!!‏
قال تعالي‏:[‏ ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون‏][‏ المائدة‏:8].‏
هذه النظرة غير المتناهية في الأخلاق تفسر لنا الأخلاق النبيلة التي كان عليها رسولنا‏ -‏ صلي الله عليه وسلم ‏- ..‏ فقد كان متبعا للشرع في كل خطوة من خطوات حياته مع أنه في زمان ندرت فيه أخلاق الفرسان‏ ,‏ وعزت فيه طبائع النبلاء ‏.‏
ومع النظرة الإسلامية المتقبلة للاختلاف فإن الرسول ‏-‏ صلي الله عليه وسلم ‏-‏ كان يرجو الإسلام حتي لألد أعدائه ‏,‏ برغم شرورهم ومكائدهم ‏;‏ فيقول ‏:'‏ اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك ‏:‏ بأبي جهل ‏,‏ أو بعمر بن الخطاب ‏' ,‏ فكان أحبهما إلي الله عمر بن الخطاب ‏.‏
إن التاريخ الطويل من الصد عن سبيل الله‏ ,‏ وفتنة المسلمين عن دينهم‏ ,‏ لم يورث قلب رسول الله ‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏ -‏ شعورا بالانتقام ‏,‏ أو الكيد أو التنكيل ‏,‏ وإنما شعر بأنهم مرضي يحتاجون إلي طبيب ‏;‏ فجاءت هذه الدعوة لهم بالهداية وبالعزة والنجاة ‏;;‏ لذا كان يحزن حزنا شديدا إذا رفض إنسان أو قوم الإسلام‏ ,‏ حتي وصل الأمر إلي أن الله ‏-‏ عز وجل‏ -‏ نهاه عن هذا الحزن والأسي ‏..‏
قال تعالي يخاطبه ‏-‏ صلي الله عليه وسلم ‏-: [‏ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ‏] [‏الشعراء‏:3] .‏ ويقول أيضا ‏: [‏ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ‏] [‏ فاطر‏:8] .‏
ومع شدة هذا الحزن إلا أن الرسول ‏-‏ صلي الله عليه وسلم ‏-‏ لم يجعله مبررا للضغط علي أحد ليقبل الإسلام ‏,‏ وإنما جعل الآية الكريمة‏ : [‏ لا إكراه في الدين‏ ] [‏ البقرة‏:256]‏ منهجا له في حياته ‏,‏ فتحقق في حياته التوازن الرائع المعجز ‏;‏ فيدعو إلي الحق الذي معه بكل قوة‏ ,‏ ولكنه لا يدفع أحدا إليه مكرها أبدا‏ .‏
إنها نظرة الرحمة والرعاية لا القهر أو التسلط ‏..‏ وسبحان الذي رزقه‏ -‏ صلي الله عليه وسلم ‏-‏ هذا الكمال في الأخلاق ‏!‏

طائر السنونو
19.01.2011, 12:24
أحسنت النقل أخي أحسن الله اليك

وجزاك الله والكاتب عنا خير الجزاء

وصلاة الله والملأ الأعلى على الرسول والنبيين وآلهِ الطيبين والصحب و
التابعين ومن تلا بإحسان من المسلمين

الاشبيلي
19.01.2011, 13:28
بارك الله فيك ونفع بك

أمــة الله
19.01.2011, 14:50
بارك الله فيك أخي الفاضل بن الإسلام
وجزى الله دكتور راغب السرجاني خير الجزاء
موضوع رائع جعله الله في ميزان حسناتكما

بن الإسلام
21.03.2012, 15:01
أحسنت النقل أخي أحسن الله اليك

وجزاك الله والكاتب عنا خير الجزاء

وصلاة الله والملأ الأعلى على الرسول والنبيين وآلهِ الطيبين والصحب و
التابعين ومن تلا بإحسان من المسلمين

جزانا واياكم أخى الحبيب د.مصطفى

وفقنا الله واياكم لما يحبه ويرضاه

بن الإسلام
21.03.2012, 15:04
بارك الله فيك ونفع بك



وبارك فيك أخى الحبيب

نفعنا الله واياكم به

بن الإسلام
21.03.2012, 15:07
بارك الله فيك أخي الفاضل بن الإسلام
وجزى الله دكتور راغب السرجاني خير الجزاء
موضوع رائع جعله الله في ميزان حسناتكما


وبارك فيكم أختنا الكريمة

وهذا هو اسلامنا

فأين أصحاب العقول