III ABO_IS7Q_SALAFY III
18.07.2011, 22:55
الْحَمد لله الَّذِي أوضح وُجُوهَ معالمِ الدّين ، وأفضح وُجُوه الشَّك بكشف النقاب عَن وَجه الْيَقِين ، بالعلماء المستنبطين الراسخين ، والفضلاء الْمُحَقِّقين الشامخين ، الَّذين نزهوا كَلَام سيد الْمُرْسلين ، مميزين عَن زيف المخلطين المدلسين ، وَرفعُوا مناره بِنصب العلائم ، وأسندوا عماده بأقوى الدعائم ، حَتَّى صَار مَرْفُوعاً بِالْبِنَاءِ العالي المشيد ، وبالأحكام الموثق المدمج الْمُؤَكّد ، مسلسلا بسلسة الْحِفْظ والإسناد ، غير مُنْقَطع وَلَا واهٍ إِلَى يَوْم التناد ، وَلَا مَوْقُوف على غَيره من المباني ، وَلَا معضل مَا فِيهِ من الْمعَانِي .
وَالصَّلَاةُ على من بُعِثَ بِالدّينِ الصَّحِيحِ الحسنْ ، وَالْحق الصَّرِيح السّنَن ، الْخَالِي عَن الْعِلَل القادحة ، والسالم من الطعْن فِي أدلته الراجحة ، مُحَمَّد المستأثر بالخصال الحميدةِ ، والمجتبىَ الْمُخْتَص بالخلال السعيدةِ ، وعَلى آله وَصَحبه الْكِرَامِ ، مؤيدي الدّين ومظهري الْإِسْلَامِ ، وعَلى التَّابِعين بِالْخَيرِ وَالْإِحْسَانِ ، وعَلى عُلَمَاء الْأمة فِي كل زمَانِ ، مَا تغرد قِمْرٌ على الْورْدِ و البانِ ، وناح عندليبٌ على نور الأقحوان .
أما بعد ،
فهذه رسالة متواضعة فيما اختُلِفَ فيه فى طلاق أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضى الله عنها ، وقد نشطتُ لأخُطها بعد أن تناقشنا مع مجموعة من فضلاء إخواننا فقال أحد فضلائهم أن النبى عليه السلام ما طلقها قولاً واحداً ! فاستوقفنى ذلك طويلاً ، فقد أعلمُ أن هذا منثور فى كتب الفقه والتفسير وغيره ، حتى أدخله بعضُ الأحناف فى جملة ما أُجْمِعَ عليه ! .
فقد استعنت بالله ونشطتُ فى تسويد هذه الرسالة القصيرة على عجالة ، راجياً من الله التوفيق والسداد ، فما كان فيها من خطأ وزلل فمن الشيطان ومنى ، وما كان فيها من توفيق ، فما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم .
- من المعلوم المتفق على صحته وقبوله ، أن سودة قد وهبت يومها لعائشة رضى الله عنهما فقد أخرج البخارى فى صحيحه (7/33/5212) قال حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ» وأخرجه مسلم فى الصحيح (2/1085/1463) قال حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ، جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، «فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ»
- قلت : هذا هو القدر المتفق عليه عندنا ، أن سودة قد تنازلت عن قسْمها لأختها عائشة حب رسول الله ، و الذى اختُلِف فيه العلةُ من ذلك ؟ فقيل قد فعلته بعد أن طلقها خطباً لوده ، وقيل لأنه هم بتطليقها فأرادت أن تحشر فى زمرة أزواجه ، وقيل أنها ظنت منه ذلك فخشيت من نشوزه و إعراضه ، وقيل أرادت بذلك إرضاء فؤاده لما علمته من مكانة عائشة فى قلبه فخطبت وده بذلك ، وقيل أيست من الرجال بعدما أسنت، فهذه خمسة أوجه فيها ولكل قولٍ منهم مستندٌ استند عليه فى قوله لذلك سنورد الأدلة ونناقشها تباعاً ثم نخرج بما دل عليه الدليل فنقول به وندين ، وعلى وجه الإجمال يمكن جمع الوجهين الرابع والخامس فى وجه واحد يأتى فى مكانه ، والله المستعان .
الوجه الأول : أنها قد وهبت يومها لعائشة بعد أن طلقها النبى عليه السلام .
فأنكر بعضهم هذا فقال الحافظ لم أَقف فِي خبر قطّ أَن سَوْدَة طلقت إِلَّا مَا رَوَاهُ العطاردى فِي زيادات السِّيرَة عَن حَفْص بن غياث ثم أورد حديث هشام بن عروة عن أبيه فى هذا الخبر مرسلا ، وبمثله الزيلعى " مَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ عليه السلام طَلَّقَ سَوْدَةَ، وَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ ".
قلت : هذا فيه نظر ، فقد أخرجه عبد الرزاق فى المصنف (6/239/10657) وعنه الطبرانى فى المعجم الكبير (24/33) وعنه شمس الدين الدمشقى فى عوالى أبى حنيفة (صـ75/20) وابن المبرد فى الأربعين من أحاديث أبى حنيفة (صـ41/33) عن أبى حنيفة عن الهيثم أو أبى الهيثم – شك أبو بكر - «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ سَوْدَةَ تَطْلِيقَةً، فَجَلَسَتْ لَهُ فِي طَرِيقِهِ، فَلَمَّا مَرَّ سَأَلَتْهُ الرَّجْعَةَ، وَأَنْ تَهَبَ قَسْمَهَا مِنْهُ لِأَيِّ أَزْوَاجِهِ شَاءَ، رَجَاءَ أَنْ تُبْعَثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَوْجَتَهُ، فَرَاجَعَهَا وَقَبِلَ ذَلِكَ»
- قلت : مرسل ، ضعيف والهيثم أو أبو الهيثم هو الهيثم بن حبيب وهو الهيثم بن أبى الهيثم الصيرفي الكوفي، أخو عبد الخالق بن حبيب وهو صدوق من السادسة ولم يثبت له لقاء أحد من الصحابة ، وهو غير الْهَيْثَم بن حبيب الذى يروى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة خَبَر بَاطِل فِي الْمهْدي هُوَ الْمُتَّهم بِوَضْعِهِ وهو شيخ لمحمد بن رزيق شيخ الطبرانى متروك فرق بينهما ابن حجر وغيره ، وقال الهيثمى فى المجمع فى إسناده ضعف وهو كما قال ، فمدار الرواية – مع إرسالها – على أبى حنيفة وهو إمام عالم متقن ورع إمام فى الزهد والفقه له المصنفات الطوال وأفردت له ترجمة فى مطولات ومصنفات وله مذهب مشهور ، ضعيف فى الحديث عند المحدثين والله المستعان .
- وله طريق آخر أخرجه ابن سعد فى الطبقات (8/43) قال أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ التَّيْمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: اعْتَدِّي . فَقَعَدَتْ لَهُ عَلَى طَرِيقِهِ لَيْلَةً فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي حُبُّ الرِّجَالِ وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُبْعَثَ فِي أَزْوَاجِكَ فَارْجِعْنِي . قَالَ: فَرَجَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قلت : إسناده ساقط بمرة ، فيه محمد بن عمر هو الواقدى متروك ، وحاتم بن إسماعيل المدنى أبو إسماعيل صدوق يهم ، صحيح الكتاب .
- وقد وجدت له شاهد آخر من حديث أبى هريرة أخرجه البيهقى فى الكبرى (7/561/15006) من طريق أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ أَبُو عُتْبَةَ، نا بَقِيَّةُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: " اعْتَدِّي " , فَجَعَلَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَهُوَ أَمْلَكُ بِهَا .
قلت : ضعيف جداً ، فأحمد بن الفرج هو بن سليمان أبو عتبة الكندى الحمصى ويعرف بالحجازى قد اختلف فيه توثيقاً وتجريحاً فأورده ابن حبان فى ثقاته وقال كان يخطئ وحكى أبو أحمد الحاكم أن أهل العراق كانوا حسنى الرأى فيه وذكر أن أَبا جعفر مُحَمَّد بْن عوف بْن سُفْيَان الطائي و أَبَا الْحَسَن أَحْمَد بْن عمير كانوا يضعفونه ، وقال ابن أبى حاتم محله عندنا محل الصدق .
وهو عندى إلى الضعف أقرب – وهذا الذى ذهب إليه غير واحد من أهل العلم كابن عبد الهادى وغيره - وذلك لما أورده الخطيب فى تاريخه بسنده إلى محمد بن عوف قوله " والحجازي كذاب، كتبه التي عنده لضمرة وابن أَبِي فديك من كتب أَحْمَد بْن النضر وقعت إليه، وليس عنده فِي حديث بقية بْن الوليد الزبيدي أصل، هو فيها أكذب خلق اللَّه، إنما هي أحاديث وقعت إليه فِي ظهر قرطاس كتاب صاحب حديث فِي أولها مكتوب، حَدَّثَنَا يَزِيد بْن عَبْد ربه، قَالَ: حَدَّثَنَا بقية، ورأيته عند بئر أَبِي عبيدة فِي سوق الرستن وهو يشرب مع فتيان ومردان وهو يتقيأها، يَعْنِي الخمر، وأنا فِي كوة مشرف عَلَيْهِ فِي بيت كَانَ لي فيه تجارة، سنة تسع عشرة ومائتين، وكأني أراه وهو يتقيأها وهي تسيل على لحيته، وَكَانَ أيام أَبِي الهرماس يسمونه الغداف " فهذا جرح مفسر فيه والله أعلم
وفيه كذلك بقية وهو ابن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز الكلاعي الحميري الميتمي ، أَبُو يحمد الحمصي وهو ضعيف يروى عمن هب ودب ومدلس وقد عنعن فى روايتنا وحاله يغنى عن الإطناب فيه والتبيان والله المستعان ، وهذه الرواية لا تعرف من حديث أبى هريرة ، فلعل أحمد بن الفرج قد أخطأ فيها وعليه يُحمل اللوم ، والله أعلم .
- وله شاهد فيما أخرجه ابن سعد فى طبقاته (8/43) و ابن كثير فى تفسيره (2/427)من حديث مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ بِطَلَاقِهَا، فَلَمَّا أَنْ أَتَاهَا جَلَسَتْ لَهُ عَلَى طَرِيقِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ لَهُ: أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ كَلَامَهُ [ كتابه ] وَاصْطَفَاكَ عَلَى خَلْقِهِ [ لم طلقتنى ، ألموجدة وجدتها فى ؟ قال لا ، قالت فإنى أنشدك بمثل الأولى أما راجعتنى وقد كبرت ] لَمَا رَاجَعْتَنِي، فَإِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَلَا حَاجَةَ لِي فِي الرِّجَالِ، لَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُبْعَثَ مَعَ نسائك يوم القيامة، فراجعها فقالت:فإني جَعَلْتُ يَوْمِي وَلَيْلَتِي لِحِبَّةِ [ لعائشة حبة ] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قال ابن كثير وَهَذَا غريب مرسل .
قلت : سنده صحيح ورجاله ثقات على إرساله لا تقوم به حجة عندنا .
وله شاهد أخر أخرجه البيهقى فى الكبرى (7/118/13435) من رواية حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " طَلَّقَ سَوْدَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْسَكَتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَتْ: مَالِي فِي الرِّجَالِ مِنْ حَاجَةٍ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِكَ قَالَ: فَرَجَعَهَا وَجَعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَكَانَ يَقْسِمُ لَهَا بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ "
قلت : ضعيف حفص بن غياث خالف فيه معمر ، لما أخرجه عبد الرزاق فى مسنده (6/238/10655) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنْ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ» وليس فيه ذكرٌ لطلاقها وكذلك فقد وافقت رواية معمر رواية سفيان فيما أخرجه الشافعى فى مسنده (2/28/85) قال أخبرنا سُفيانُ، عن هشامٍ، عن أبيهِ:أنَّ سوْدَةَ وهبتْ يومها لعائشةَ.
وكذلك رواية جعفر بن عون فيما أخرجه أبو عوانة فى مستخرجه (3/135/4478) حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ، قَثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ «سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَ سَوْدَةَ» وهو موافق لما جاء فى رواية معمر وسفيان ومخالف لرواية حفص لكن الذى يظهر أن العلة فيه ليست من حفص ، إنما هى من أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عمير العطاردى أبو عمر الكوفى ضعيف ، وكلها مراسيل ، و به فلا يثبت فى هذا الوجه ما تقوم به الحجة .
الوجه الثانى : أنها وهبت يومها لأن النبى هم بتطليقها .
أخرج عبد الرزاق فى مصنفه (6/239/10658) عن مَعْمَرٌ أنه قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَرَادَ فِرَاقَ سَوْدَةَ فَكَلَّمَتْهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي عَلَى الأَزْوَاجِ حِرْصٌ وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَبْعَثَنِيَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَوْجًا لَكَ .
وتابعه مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْعَبْدِيُّ به عنه ، فيما أخرجه ابن سعد فى الطبقات (8/43) .
وله شاهد عند الطبرى فى تفسيره (9/281) قال حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وأحضرت الأنفس الشح"، قال: تطّلع نفسها إلى زوجها وإلى نفقته. قال: وزعم أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سودة بنت زمعة: كانت قد كبرت، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلِّقها، فاصطلحا على أن يمسكها، ويجعل يومها لعائشة، فشحَّت بمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت : فيهما انقطاع ، ومحمد بن حميد العبدى لعله أبو سفيان محمد بن حميد البصرى المعمرى ، واشتهر بذلك لارتحاله إلى معمر باليمن وهو من أوثق من روى عنه حتى أنه قُدِّم على عبد الرزاق فيه .
وأخرج عبد الرزاق فى مصنفه (6/238/10656) وعنه الطبرانى فى أكبر معاجمه (24/32) عن عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: " أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَاقَ سَوْدَةَ فَدَعَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لِيُشْهِدْهُما عَلَى طَلَاقِهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بِي رَغْبَةٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لَأُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَزْوَاجَكَ، فَيَكُونَ لِي مِنَ الثَّوَابِ مَا لَهُنَّ "
قلت : إسناده هالك فيه جابر هو بن يزيد بن الحارث الجعفى أبو عبد الله ضعيف رافضى من أكابر علماء الشيعة تركه الحفاظ إلا شعبة وثقه فشذ بذلك .
وأخرج الطبرانى فى المعجم الكبير (24/31) من طريق سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، و أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ، و أَبُو بِلَالٍ الْأَشْعَرِيُّ، قَالُوا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يُطِيفُ بِنَا وَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنَّا مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا، فَلَقَدْ قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَكَانَتْ قَدْ يَئِسَتْ فَأَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهَا فَقَالَتْ: يَوْمِي مِنْكَ وَنَصِيبِي لِعَائِشَةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا "، فَفِيهَا نَزَلَتْ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} .
قلت : هذا الإسناد قد وقع فيه – لاشك - تصحيف فى اسم عبد الرحمن فقد جعلوه بدلا من ابن أبى الزناد إلى ابن أبى زياد ويقال ابن زياد وشتان بينهما فالأول إمام و الثانى ضعيف ثم من عدهم الطبرانى فى الرواية عنه ليسوا ممن يروى عنه إنما هم فى عداد الرواة عن ابن أبى الزناد عبد الله بن ذكوان القرشى ورواية العراقيين عنه مضطربة وقد فَصَّلتُ الكلام فيه - فى رسالة بعنوان عمر ومنهجه فى التحديث فليراجع فيه منشور على الشبكة العنكبوتية – إلا رواية الطيالسى عنه مقاربة كما قال ابن المدينى "وقد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمى فرأيتها مقاربة( ) وقد أخرجها الطيالسى فى مسنده من هذا الطريق فقال حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ، يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ بِمَكَانِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فليس فيه ما جاء فى سابقه " فَأَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهَا " فلا يثبت الشاهد وعبد الرحمن من أعلم الناس فى روايته عن أبيه ونقموا عنه روايته عن أبيه كتاب السبعة وفى الجملة فإن حديثه لا ينحط عن رتبة الحسن ، وكذلك أخرجه أبوداود فى سننه(2/242/2135) وعنه البيهقى فى الكبرى (7/118/13434) من حديث أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ [ص:243]، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ، مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا» وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ: حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، قَالَتْ: نَقُولُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي أَشْبَاهِهَا أُرَاهُ قَالَ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} .
قلت : صحيح وهو شاهد للوجه الذى بعده ويُقَوِّم لفظ حديث الطبرانى .
وتابع أبا داود عليه العباسُ بن الفضل الأسفاطى فيما أخرجه الحاكم فى مستدركه (2/68/2353) مختصراً بلفظ أَنَّ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، " جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ وَأَحْسِبُ فِي ذَلِكَ نَزَلَتْ {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} وقال «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ووافقه الذهبى فى التلخيص .
الوجه الثالث : أنها وهبت يومها لعائشة إذ ظنت أن النبى عليه السلام سيطلقها .
أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير (24/32) حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْقَاضِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " خَشِيتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمْسِكْنِي وَلَا تُطَلِّقْنِي، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا جُنَاحَ} [النساء: 128] عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ "
قلت : إسناده واهٍ بمرة ، فإن رواية سماك – فى الجملة لم يترك حديثه أحد وهو من الحفاظ إلا أنه قد عيب عليه أمور منها - عن ابن عباس خاصة مضطربة و قد تغير بأخرة وكان يلقن كما ذكر الحافظ وغيره ، و الراوى عنه هو سليمان بن قرم بن معاذ التميمى الضبى ضعيف فى حفظه يتشيع
الوجه الرابع : أنها وهبت يومها لعائشة تخطب ود قلب النبى عليه السلام .
أخرجه أبوداود فى سننه (2/243/2138) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا، وَلَيْلَتَهَا غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ» .
قلت : صحيح ، وقد جاء عند أحمد (41/353/24860) بسند صحيح من رواية عبد الله بن المبارك عن يونس هو ابن يزيد الأيلى زيادة فى لفظه فقال " تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وفيه الشاهد لوجهنا هذا .
الوجه الخامس : أنها وهبت يومها لعائشة إذ أيست من الرجال لما كبرت فلا تريد ما يريده النساء .
وفيه ما أخرجه مسلم فى الصحيح (2/1085/1463) و البيهقى فى الكبرى (7/118/13433) من حديث جرير و البخارى (7/33/5212) من حديث زهير - سبق فى مطلع الرسالة – و الطبرانى فى المعجم الكبير(24/32) و البغوى فى شرح السنة (9/152/2324) وفى شرح المشكل (6/134/2362) و ابن الجعد فى مسنده (صـ 392/2679) جميعا من حديث زهير بن معاوية عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ، جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، «فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» ، ( لفظ مسلم ) ، وعند ابن ماجة فى سننه (1/643/1972) من حديث عبد العزيز بن محمد ، وعقبة بن خالد ومن طريق الثانى أخرجه كلٌ من ابن أبى عاصم فى الآحاد و المثانى (5/415/3063) ومن طريقه الطبرانى فى المعجم الكبير (24/32) بلفظ «لَمَّا كَبِرَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِ سَوْدَةَ» ( اللفظ لابن ماجة ) وكبرها الذى جاء فى الحديث وهو الطعن فى السن غالباً ما يصحبه عزوف الرجال عن النساء والنساءُ عن الرجال وهذا هو الذى جاء مُصَرَّحاً به فى رواية الطبرانى فى المعجم الكبير (24/31) من حديث حماد بن سلمة ، و عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا " أَنَّ سَوْدَةَ جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَا أُرِيدُ مَا تُرِيدُ النِّسَاءُ " انتهى .
ومن الذى سبق عرضه نخلص إلى بطلان الوجه الأول و الثانى والثالث لعدم قيام الدليل المنتهض لإثبات الدعوى فأدلتهم بين ضعفٍ ساقط أو مرسلٍ لا يُحتجُ بمثله أو بلاغةٍ هى شبهُ الريح ، وأن الذى دل عليه الدليل وثبتت به الآثار والأخبار هو ما جاء فى الوجهين الرابع والخامس ويمكن جمعهما معاً بأن يُقال أن سودةَ بنت زمعة رضى الله عنها لما كبرت [ بكسر الباء وفتحها لغتان مشهورتان ] عزفت عن الرجال فخشيت نشوز النبى أو إعراضه فأرادت أن تخطب ود قلبه فنظرت فى نساءه أيهن أحب إليه فما وجدت من يضاهى عائش ، فأهدته لحبة قلبه فكان ذاك ، هذا والله تعالى أعلى وأعلم وإيكال العلم إليه أولى وأسلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
تمت
وكتب أبو إسحاق السِلَفىِّ
أحمد بن عبد المولى آل عثمان القطعانى
وَالصَّلَاةُ على من بُعِثَ بِالدّينِ الصَّحِيحِ الحسنْ ، وَالْحق الصَّرِيح السّنَن ، الْخَالِي عَن الْعِلَل القادحة ، والسالم من الطعْن فِي أدلته الراجحة ، مُحَمَّد المستأثر بالخصال الحميدةِ ، والمجتبىَ الْمُخْتَص بالخلال السعيدةِ ، وعَلى آله وَصَحبه الْكِرَامِ ، مؤيدي الدّين ومظهري الْإِسْلَامِ ، وعَلى التَّابِعين بِالْخَيرِ وَالْإِحْسَانِ ، وعَلى عُلَمَاء الْأمة فِي كل زمَانِ ، مَا تغرد قِمْرٌ على الْورْدِ و البانِ ، وناح عندليبٌ على نور الأقحوان .
أما بعد ،
فهذه رسالة متواضعة فيما اختُلِفَ فيه فى طلاق أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضى الله عنها ، وقد نشطتُ لأخُطها بعد أن تناقشنا مع مجموعة من فضلاء إخواننا فقال أحد فضلائهم أن النبى عليه السلام ما طلقها قولاً واحداً ! فاستوقفنى ذلك طويلاً ، فقد أعلمُ أن هذا منثور فى كتب الفقه والتفسير وغيره ، حتى أدخله بعضُ الأحناف فى جملة ما أُجْمِعَ عليه ! .
فقد استعنت بالله ونشطتُ فى تسويد هذه الرسالة القصيرة على عجالة ، راجياً من الله التوفيق والسداد ، فما كان فيها من خطأ وزلل فمن الشيطان ومنى ، وما كان فيها من توفيق ، فما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم .
- من المعلوم المتفق على صحته وقبوله ، أن سودة قد وهبت يومها لعائشة رضى الله عنهما فقد أخرج البخارى فى صحيحه (7/33/5212) قال حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ» وأخرجه مسلم فى الصحيح (2/1085/1463) قال حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ، جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، «فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ»
- قلت : هذا هو القدر المتفق عليه عندنا ، أن سودة قد تنازلت عن قسْمها لأختها عائشة حب رسول الله ، و الذى اختُلِف فيه العلةُ من ذلك ؟ فقيل قد فعلته بعد أن طلقها خطباً لوده ، وقيل لأنه هم بتطليقها فأرادت أن تحشر فى زمرة أزواجه ، وقيل أنها ظنت منه ذلك فخشيت من نشوزه و إعراضه ، وقيل أرادت بذلك إرضاء فؤاده لما علمته من مكانة عائشة فى قلبه فخطبت وده بذلك ، وقيل أيست من الرجال بعدما أسنت، فهذه خمسة أوجه فيها ولكل قولٍ منهم مستندٌ استند عليه فى قوله لذلك سنورد الأدلة ونناقشها تباعاً ثم نخرج بما دل عليه الدليل فنقول به وندين ، وعلى وجه الإجمال يمكن جمع الوجهين الرابع والخامس فى وجه واحد يأتى فى مكانه ، والله المستعان .
الوجه الأول : أنها قد وهبت يومها لعائشة بعد أن طلقها النبى عليه السلام .
فأنكر بعضهم هذا فقال الحافظ لم أَقف فِي خبر قطّ أَن سَوْدَة طلقت إِلَّا مَا رَوَاهُ العطاردى فِي زيادات السِّيرَة عَن حَفْص بن غياث ثم أورد حديث هشام بن عروة عن أبيه فى هذا الخبر مرسلا ، وبمثله الزيلعى " مَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ عليه السلام طَلَّقَ سَوْدَةَ، وَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ ".
قلت : هذا فيه نظر ، فقد أخرجه عبد الرزاق فى المصنف (6/239/10657) وعنه الطبرانى فى المعجم الكبير (24/33) وعنه شمس الدين الدمشقى فى عوالى أبى حنيفة (صـ75/20) وابن المبرد فى الأربعين من أحاديث أبى حنيفة (صـ41/33) عن أبى حنيفة عن الهيثم أو أبى الهيثم – شك أبو بكر - «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ سَوْدَةَ تَطْلِيقَةً، فَجَلَسَتْ لَهُ فِي طَرِيقِهِ، فَلَمَّا مَرَّ سَأَلَتْهُ الرَّجْعَةَ، وَأَنْ تَهَبَ قَسْمَهَا مِنْهُ لِأَيِّ أَزْوَاجِهِ شَاءَ، رَجَاءَ أَنْ تُبْعَثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَوْجَتَهُ، فَرَاجَعَهَا وَقَبِلَ ذَلِكَ»
- قلت : مرسل ، ضعيف والهيثم أو أبو الهيثم هو الهيثم بن حبيب وهو الهيثم بن أبى الهيثم الصيرفي الكوفي، أخو عبد الخالق بن حبيب وهو صدوق من السادسة ولم يثبت له لقاء أحد من الصحابة ، وهو غير الْهَيْثَم بن حبيب الذى يروى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة خَبَر بَاطِل فِي الْمهْدي هُوَ الْمُتَّهم بِوَضْعِهِ وهو شيخ لمحمد بن رزيق شيخ الطبرانى متروك فرق بينهما ابن حجر وغيره ، وقال الهيثمى فى المجمع فى إسناده ضعف وهو كما قال ، فمدار الرواية – مع إرسالها – على أبى حنيفة وهو إمام عالم متقن ورع إمام فى الزهد والفقه له المصنفات الطوال وأفردت له ترجمة فى مطولات ومصنفات وله مذهب مشهور ، ضعيف فى الحديث عند المحدثين والله المستعان .
- وله طريق آخر أخرجه ابن سعد فى الطبقات (8/43) قال أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ التَّيْمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: اعْتَدِّي . فَقَعَدَتْ لَهُ عَلَى طَرِيقِهِ لَيْلَةً فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي حُبُّ الرِّجَالِ وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُبْعَثَ فِي أَزْوَاجِكَ فَارْجِعْنِي . قَالَ: فَرَجَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قلت : إسناده ساقط بمرة ، فيه محمد بن عمر هو الواقدى متروك ، وحاتم بن إسماعيل المدنى أبو إسماعيل صدوق يهم ، صحيح الكتاب .
- وقد وجدت له شاهد آخر من حديث أبى هريرة أخرجه البيهقى فى الكبرى (7/561/15006) من طريق أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ أَبُو عُتْبَةَ، نا بَقِيَّةُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: " اعْتَدِّي " , فَجَعَلَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَهُوَ أَمْلَكُ بِهَا .
قلت : ضعيف جداً ، فأحمد بن الفرج هو بن سليمان أبو عتبة الكندى الحمصى ويعرف بالحجازى قد اختلف فيه توثيقاً وتجريحاً فأورده ابن حبان فى ثقاته وقال كان يخطئ وحكى أبو أحمد الحاكم أن أهل العراق كانوا حسنى الرأى فيه وذكر أن أَبا جعفر مُحَمَّد بْن عوف بْن سُفْيَان الطائي و أَبَا الْحَسَن أَحْمَد بْن عمير كانوا يضعفونه ، وقال ابن أبى حاتم محله عندنا محل الصدق .
وهو عندى إلى الضعف أقرب – وهذا الذى ذهب إليه غير واحد من أهل العلم كابن عبد الهادى وغيره - وذلك لما أورده الخطيب فى تاريخه بسنده إلى محمد بن عوف قوله " والحجازي كذاب، كتبه التي عنده لضمرة وابن أَبِي فديك من كتب أَحْمَد بْن النضر وقعت إليه، وليس عنده فِي حديث بقية بْن الوليد الزبيدي أصل، هو فيها أكذب خلق اللَّه، إنما هي أحاديث وقعت إليه فِي ظهر قرطاس كتاب صاحب حديث فِي أولها مكتوب، حَدَّثَنَا يَزِيد بْن عَبْد ربه، قَالَ: حَدَّثَنَا بقية، ورأيته عند بئر أَبِي عبيدة فِي سوق الرستن وهو يشرب مع فتيان ومردان وهو يتقيأها، يَعْنِي الخمر، وأنا فِي كوة مشرف عَلَيْهِ فِي بيت كَانَ لي فيه تجارة، سنة تسع عشرة ومائتين، وكأني أراه وهو يتقيأها وهي تسيل على لحيته، وَكَانَ أيام أَبِي الهرماس يسمونه الغداف " فهذا جرح مفسر فيه والله أعلم
وفيه كذلك بقية وهو ابن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز الكلاعي الحميري الميتمي ، أَبُو يحمد الحمصي وهو ضعيف يروى عمن هب ودب ومدلس وقد عنعن فى روايتنا وحاله يغنى عن الإطناب فيه والتبيان والله المستعان ، وهذه الرواية لا تعرف من حديث أبى هريرة ، فلعل أحمد بن الفرج قد أخطأ فيها وعليه يُحمل اللوم ، والله أعلم .
- وله شاهد فيما أخرجه ابن سعد فى طبقاته (8/43) و ابن كثير فى تفسيره (2/427)من حديث مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ بِطَلَاقِهَا، فَلَمَّا أَنْ أَتَاهَا جَلَسَتْ لَهُ عَلَى طَرِيقِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ لَهُ: أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ كَلَامَهُ [ كتابه ] وَاصْطَفَاكَ عَلَى خَلْقِهِ [ لم طلقتنى ، ألموجدة وجدتها فى ؟ قال لا ، قالت فإنى أنشدك بمثل الأولى أما راجعتنى وقد كبرت ] لَمَا رَاجَعْتَنِي، فَإِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَلَا حَاجَةَ لِي فِي الرِّجَالِ، لَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُبْعَثَ مَعَ نسائك يوم القيامة، فراجعها فقالت:فإني جَعَلْتُ يَوْمِي وَلَيْلَتِي لِحِبَّةِ [ لعائشة حبة ] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قال ابن كثير وَهَذَا غريب مرسل .
قلت : سنده صحيح ورجاله ثقات على إرساله لا تقوم به حجة عندنا .
وله شاهد أخر أخرجه البيهقى فى الكبرى (7/118/13435) من رواية حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " طَلَّقَ سَوْدَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْسَكَتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَتْ: مَالِي فِي الرِّجَالِ مِنْ حَاجَةٍ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِكَ قَالَ: فَرَجَعَهَا وَجَعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَكَانَ يَقْسِمُ لَهَا بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ "
قلت : ضعيف حفص بن غياث خالف فيه معمر ، لما أخرجه عبد الرزاق فى مسنده (6/238/10655) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنْ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ» وليس فيه ذكرٌ لطلاقها وكذلك فقد وافقت رواية معمر رواية سفيان فيما أخرجه الشافعى فى مسنده (2/28/85) قال أخبرنا سُفيانُ، عن هشامٍ، عن أبيهِ:أنَّ سوْدَةَ وهبتْ يومها لعائشةَ.
وكذلك رواية جعفر بن عون فيما أخرجه أبو عوانة فى مستخرجه (3/135/4478) حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ، قَثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ «سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَ سَوْدَةَ» وهو موافق لما جاء فى رواية معمر وسفيان ومخالف لرواية حفص لكن الذى يظهر أن العلة فيه ليست من حفص ، إنما هى من أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عمير العطاردى أبو عمر الكوفى ضعيف ، وكلها مراسيل ، و به فلا يثبت فى هذا الوجه ما تقوم به الحجة .
الوجه الثانى : أنها وهبت يومها لأن النبى هم بتطليقها .
أخرج عبد الرزاق فى مصنفه (6/239/10658) عن مَعْمَرٌ أنه قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَرَادَ فِرَاقَ سَوْدَةَ فَكَلَّمَتْهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي عَلَى الأَزْوَاجِ حِرْصٌ وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَبْعَثَنِيَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَوْجًا لَكَ .
وتابعه مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْعَبْدِيُّ به عنه ، فيما أخرجه ابن سعد فى الطبقات (8/43) .
وله شاهد عند الطبرى فى تفسيره (9/281) قال حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وأحضرت الأنفس الشح"، قال: تطّلع نفسها إلى زوجها وإلى نفقته. قال: وزعم أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سودة بنت زمعة: كانت قد كبرت، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلِّقها، فاصطلحا على أن يمسكها، ويجعل يومها لعائشة، فشحَّت بمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت : فيهما انقطاع ، ومحمد بن حميد العبدى لعله أبو سفيان محمد بن حميد البصرى المعمرى ، واشتهر بذلك لارتحاله إلى معمر باليمن وهو من أوثق من روى عنه حتى أنه قُدِّم على عبد الرزاق فيه .
وأخرج عبد الرزاق فى مصنفه (6/238/10656) وعنه الطبرانى فى أكبر معاجمه (24/32) عن عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: " أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَاقَ سَوْدَةَ فَدَعَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لِيُشْهِدْهُما عَلَى طَلَاقِهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بِي رَغْبَةٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لَأُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَزْوَاجَكَ، فَيَكُونَ لِي مِنَ الثَّوَابِ مَا لَهُنَّ "
قلت : إسناده هالك فيه جابر هو بن يزيد بن الحارث الجعفى أبو عبد الله ضعيف رافضى من أكابر علماء الشيعة تركه الحفاظ إلا شعبة وثقه فشذ بذلك .
وأخرج الطبرانى فى المعجم الكبير (24/31) من طريق سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، و أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ، و أَبُو بِلَالٍ الْأَشْعَرِيُّ، قَالُوا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يُطِيفُ بِنَا وَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنَّا مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا، فَلَقَدْ قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَكَانَتْ قَدْ يَئِسَتْ فَأَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهَا فَقَالَتْ: يَوْمِي مِنْكَ وَنَصِيبِي لِعَائِشَةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا "، فَفِيهَا نَزَلَتْ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} .
قلت : هذا الإسناد قد وقع فيه – لاشك - تصحيف فى اسم عبد الرحمن فقد جعلوه بدلا من ابن أبى الزناد إلى ابن أبى زياد ويقال ابن زياد وشتان بينهما فالأول إمام و الثانى ضعيف ثم من عدهم الطبرانى فى الرواية عنه ليسوا ممن يروى عنه إنما هم فى عداد الرواة عن ابن أبى الزناد عبد الله بن ذكوان القرشى ورواية العراقيين عنه مضطربة وقد فَصَّلتُ الكلام فيه - فى رسالة بعنوان عمر ومنهجه فى التحديث فليراجع فيه منشور على الشبكة العنكبوتية – إلا رواية الطيالسى عنه مقاربة كما قال ابن المدينى "وقد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمى فرأيتها مقاربة( ) وقد أخرجها الطيالسى فى مسنده من هذا الطريق فقال حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ، يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ بِمَكَانِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فليس فيه ما جاء فى سابقه " فَأَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهَا " فلا يثبت الشاهد وعبد الرحمن من أعلم الناس فى روايته عن أبيه ونقموا عنه روايته عن أبيه كتاب السبعة وفى الجملة فإن حديثه لا ينحط عن رتبة الحسن ، وكذلك أخرجه أبوداود فى سننه(2/242/2135) وعنه البيهقى فى الكبرى (7/118/13434) من حديث أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ [ص:243]، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ، مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا» وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ: حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، قَالَتْ: نَقُولُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي أَشْبَاهِهَا أُرَاهُ قَالَ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} .
قلت : صحيح وهو شاهد للوجه الذى بعده ويُقَوِّم لفظ حديث الطبرانى .
وتابع أبا داود عليه العباسُ بن الفضل الأسفاطى فيما أخرجه الحاكم فى مستدركه (2/68/2353) مختصراً بلفظ أَنَّ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، " جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ وَأَحْسِبُ فِي ذَلِكَ نَزَلَتْ {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} وقال «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ووافقه الذهبى فى التلخيص .
الوجه الثالث : أنها وهبت يومها لعائشة إذ ظنت أن النبى عليه السلام سيطلقها .
أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير (24/32) حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْقَاضِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " خَشِيتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمْسِكْنِي وَلَا تُطَلِّقْنِي، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا جُنَاحَ} [النساء: 128] عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ "
قلت : إسناده واهٍ بمرة ، فإن رواية سماك – فى الجملة لم يترك حديثه أحد وهو من الحفاظ إلا أنه قد عيب عليه أمور منها - عن ابن عباس خاصة مضطربة و قد تغير بأخرة وكان يلقن كما ذكر الحافظ وغيره ، و الراوى عنه هو سليمان بن قرم بن معاذ التميمى الضبى ضعيف فى حفظه يتشيع
الوجه الرابع : أنها وهبت يومها لعائشة تخطب ود قلب النبى عليه السلام .
أخرجه أبوداود فى سننه (2/243/2138) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا، وَلَيْلَتَهَا غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ» .
قلت : صحيح ، وقد جاء عند أحمد (41/353/24860) بسند صحيح من رواية عبد الله بن المبارك عن يونس هو ابن يزيد الأيلى زيادة فى لفظه فقال " تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وفيه الشاهد لوجهنا هذا .
الوجه الخامس : أنها وهبت يومها لعائشة إذ أيست من الرجال لما كبرت فلا تريد ما يريده النساء .
وفيه ما أخرجه مسلم فى الصحيح (2/1085/1463) و البيهقى فى الكبرى (7/118/13433) من حديث جرير و البخارى (7/33/5212) من حديث زهير - سبق فى مطلع الرسالة – و الطبرانى فى المعجم الكبير(24/32) و البغوى فى شرح السنة (9/152/2324) وفى شرح المشكل (6/134/2362) و ابن الجعد فى مسنده (صـ 392/2679) جميعا من حديث زهير بن معاوية عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ، جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، «فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» ، ( لفظ مسلم ) ، وعند ابن ماجة فى سننه (1/643/1972) من حديث عبد العزيز بن محمد ، وعقبة بن خالد ومن طريق الثانى أخرجه كلٌ من ابن أبى عاصم فى الآحاد و المثانى (5/415/3063) ومن طريقه الطبرانى فى المعجم الكبير (24/32) بلفظ «لَمَّا كَبِرَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِ سَوْدَةَ» ( اللفظ لابن ماجة ) وكبرها الذى جاء فى الحديث وهو الطعن فى السن غالباً ما يصحبه عزوف الرجال عن النساء والنساءُ عن الرجال وهذا هو الذى جاء مُصَرَّحاً به فى رواية الطبرانى فى المعجم الكبير (24/31) من حديث حماد بن سلمة ، و عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا " أَنَّ سَوْدَةَ جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَا أُرِيدُ مَا تُرِيدُ النِّسَاءُ " انتهى .
ومن الذى سبق عرضه نخلص إلى بطلان الوجه الأول و الثانى والثالث لعدم قيام الدليل المنتهض لإثبات الدعوى فأدلتهم بين ضعفٍ ساقط أو مرسلٍ لا يُحتجُ بمثله أو بلاغةٍ هى شبهُ الريح ، وأن الذى دل عليه الدليل وثبتت به الآثار والأخبار هو ما جاء فى الوجهين الرابع والخامس ويمكن جمعهما معاً بأن يُقال أن سودةَ بنت زمعة رضى الله عنها لما كبرت [ بكسر الباء وفتحها لغتان مشهورتان ] عزفت عن الرجال فخشيت نشوز النبى أو إعراضه فأرادت أن تخطب ود قلبه فنظرت فى نساءه أيهن أحب إليه فما وجدت من يضاهى عائش ، فأهدته لحبة قلبه فكان ذاك ، هذا والله تعالى أعلى وأعلم وإيكال العلم إليه أولى وأسلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
تمت
وكتب أبو إسحاق السِلَفىِّ
أحمد بن عبد المولى آل عثمان القطعانى