miran dawod
09.07.2009, 15:47
:31:
:26:
معنــــــى الاســـــتواء ..... والرد على من أوله بالاستيلاء ...
الكاتب / الأخ فهاد
*** أولاً : أنواع الاستواء الوارد في لغة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم :
هناك نوعان : مطلق ومقيد ..
فالمطلق : ما لم يقيد بحرف .. كقوله تعالى (( ولما بلغ أشده واستوى )) ...
ومعناه : كمل وتم ..
وأما المقيد : فثلاثة أقسام :
الأول : مقيد بــ ( إلى ) ... كقوله تعالى (( ثم استوى إلى السماء )) ...
ومعناه : العلو والارتفاع باجماع السلف ...
الثاني : مقيد بــ ( على ) ...
كقوله تعالى (( لتستووا على ظهوره ))
وقوله تعالى (( واستوت على الجودي ))
وقوله تعالى (( فاستوى على سوقه ))
فهذا معناه : العلو والارتفاع والاعتدال باجماع أهل اللغة ...
الثالث : المقرون بــ ( واو ) المعية ... كقولهم : استوى الماء والخشبة ..
ومعناه : تساوى الماء والخشبة ..
فهذه معاني الاستواء المعقولة ...
*** ثانياً : الاستواء الوارد في القرآن الكريم كصفة للرحمن عز وجل ورد بلفظين :
- اللفظ الأول : (( استوى إلى )) وقد ذكر في موضعين من القرآن :
أحدهما : قوله تعالى (( ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات )) البقرة : 29
والآخر : قوله تعالى (( ثم استوى إلى السماء وهي دخان )) فصلت : 11
قال أبو العالية : (( استوى إلى السماء )) : ارتفع ..
لأنه قال قبل هذه : (( أأنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان )) ( فصلت : 8-11 )
وسورة فصلت مكية .. ثم أنزل البقرة وهي مدنية (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات )) ( البقرة : 29 ) فلما ذكر استواءه إلى السماء كان بعد خلق الأرض وما فيها تضمن معنى العلو ... لأن السماء فوق الأرض فالاستواء إليها الارتفاع إليها ...
وقالت المعتزلة : أن معنى قوله تعالى (( ثم استوى إلى السماء )) أي : قصد إليها بإرادته ومشيئته بعد خلق ما في الأرض ..
وهذا الوجه من أضعف الوجوه وأفسدها .. فإنه قد أخبر سبحانه وتعالى أن العرش كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض .. وثبت ذلك من حديث عمران ابن الحصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كان الله ولم يكن شيء غيره .. وكان عرشه على الماء
وكتب في الذكر كل شيء .. وخلق السماوات والأرض )) ..
فإذا كان العرش مخلوقاً قبل السماوات والأرض .. فكيف يكون استواؤه قصده إلى خلقه له ؟!
- واللفظ الثاني : (( استوى على )) وورد في سبعة مواضع من القرآن الكريم :
1- سورة الأعراف : (( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش )) ..
2- سورة يونس : (( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى علــى العرش )) ..
3- سورة الرعد : (( الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش )) ..
4- سورة طه : (( الرحمن على العرش استوى )) ..
5- سورة الفرقان : (( ثم استوى على العرش )) ..
6- سورة السجدة : (( الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ))
7- سورة الحديد : (( هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ))
ومعنى قوله تعالى (( ثم استوى على العرش )) أي : علا عليه وارتفع ...
وهو منقول عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه .. وعن مجاهد وأبي العالية واسحاق بن راهويه ..
واختاره شيخ المفسرين ابن جرير الطبري ..
وهو قول أهل السنة وأصحاب الحديث ... فإنهم يثبتون استواءه على العرش .. ولا ينفونه ولا يكيفونه كما نقل ذلك عنهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله ..
فنحن نجهل كيفية استواءه سبحانه .. لأننا نجهل كيفية ذاته ..
والعجز عن درك الادراك ادراك ........................... والبحث في كنه ذات الاله اشراك
وأوّلت المعتزلة ومن حذا حذوهم الاستواء بالاستيلاء .. أي : استولى على العرش
فبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم .. وقولهم هذا معلوم الفساد بالاضطرار من وجوه متعددة :
1- ليس في كلام العرب ألبتة استوى بمعنى استولى .. ولا نقله أحد من أئمة اللغة الذين يحتج بهم ويعول على قولهم والذين لم تتدنس فطرهم بقاذورات الفلسفات الوافدة .. بل المنقول عنهم بالإسناد الصحيح الصريح أنهم أنكروا ذلك غاية الانكار ..
قال ابن الأعرابي أحد أئمة اللغة رحمه الله : أرادني ابن أبي داود أن أطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها (( الرحمن على العرش استوى )) استوى بمعنى استولى .. فقلت له : والله ما يكون هذا ولا وجدته ..
وقد سئل الخليل بن أحمد - رحمه الله - هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى ؟
فقال : هذا ما لا تعرفه العرب .. ولا هو جائز في لغتها ..
وقال ابن الجوزي : وهذا منكر عند اللغويين ..
وقال ابن عبد البر : وقولهم في تأويل استوى استولى فلا معنى له .. لأنه غير ظاهر في اللغة ..
2- وهذا المعنى الفاسد إنما قاله متأخرو النحاةالذين سلكوا سبيل المعتزلة والجهمية .. ومع ذلك لم يقولوه نقلاً .. وإنما قالوه استنباطاً وحملاً منهم لكلمة استوى على استولى مستدلين بقول الشاعر ...
قد استولى بشر على العراق ........................ من غير سيف ولا دم مهراق
والجواب من وجوه :
أ- هذا البيت ليس من شعر العرب .. لأنه لم يأت نقل صحيح أنه شعر عربي .. وهو غير معروف في شيء من دواوين العرب وأشعارهم التي يرجع إليها ..
ب- هذا البيت لا يعرف له أصل في التاريخ .. ولا يعلم قائله مما يدل على أنه مصنوع للاحتجاج به ..
ج- قائل هذا البيت ألا يمكن أن يكون قاله بعد تغير اللسان ؟ لأن كل قول يستدل به على اللغة العربية بعد تغير اللغة العربية فإنه ليس بدليل .. لأن العربية بدأت تتغير حين اتسعت الفتوح ودخل العجم مع العرب فاختلف اللسان .. وهذا فيه احتمال أنه بعد تغير اللسان ..
د- لو صح هذا البيت .. وصح أنه غير محرف لم يكن فيه حجة لهم بل هو حجة عليهم ... لأن بشراً كان أخاً للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان .. وكان أميراً على العراق فاستوى عليها كما هو عادة الملوك أن يجلسوا فوق سرير الملك .. وهذا مطابق لمعنى هذه اللفظة في اللغة كقوله تعالى (( لتستووا على ظهوره )) ..
فهذا البيت يناسب مقام بشر ... ولكن لا يناسب مقام الألولهية ..
هـ- المعتزلة والرافضة الذين تلقفوا هذا البيت وفرحوا به أيما فرح في سبيل الصد والاعراض عن قبول الحق الذي يحرق نوره أبصارهم المتعامية عن آيات الله البينات ... يزعمون في سبيل التملص من مطالبتهم بتوثيق هذا البيت .. أن الأشعار لا تسند ..
ونحن نقول لهم إن كان الأمر كذلك فنحن نحتج عليكم أيضاً بأشعار تدحض جميع حججكم الساقطة التي نفيتم بها علو الله واستواءه فوق عرشه ..
منها قول حسان بن ثابت رضي الله عنه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ..
شهدت بإذن اللــــــــــــه أن محــــمداً .................... رسول الذي فوق السماوات من عــــل
وأن أبـــــــا يحيى ويحي كلاهــــــــما .................... لـــــــه عمل مــــن ربـــــــــه متقبــــل
وأن الذي عادى اليهود ابن مريــــــم ..................... رسول أتى من عند ذي العرش مرسل
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (( وأنا أشهد )) ..
وأنشد عبد الله بن رواحة رضي الله عنه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
شهدت بأن وعـــــــــــد الله حــــــق ..................... وأن النـــــــــــار مثوى الكافرينــــــــا
وأن العرش فوق المــــــاء طـــــاف ..................... وفـــــــوق العـــرش رب العالمينــــــا
وتحملـــــه ملائــــــكة شـــــــــــداد ..................... ملائكــــــة الإلــــــــــه مسومينــــــــا
فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ما قال .. وضحك منه ..
مع العلم أن هذه الأشعار مسنودة ومعلوم قائلها .. وليست كأشعاركم المجهولة والملفقة ..
3- إن الاستيلاء الذي فسروا به الاستواء يراد به الخلق أو القهر أو الغلبة أو الملك أو القدرة عليه .. ولا يصح أن يكون شيء منها مراداً في قوله تعالى (( الرحمن على العرش استوى ))
للأسباب التالية :
أ- أما الخلق فإنه يتضمن أن يكون قد خلقه بعد السماوات والأرض وهذا خلاف الكتاب والسنة والإجماع .. لأن الله أخبر بخلق السماوات والأرض وما بينها في ستة أيام ثم استوى على العرش وأخبر أن عرشه كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض .. وكذلك جاء في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال : (( كان الله ولم يكن شيء غيره .. وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء .. وخلق السماوات والأرض )) ..
فإذا كان العرش قبل خلق السماوات والأرض .. فكيف يكون استواء الله عليه خلقه له أو عمده وقصده إلى خلقه ؟! ومع ذلك فإن (( استوى على )) أو (( استوى إلى )) بمعنى أنه عمد وقصد إلى فعله لا يعرف قط في اللغة لا حقيقة ولا مجازاً ولا نظماً ولا شعراً ... !
ب- لا يقال : استولى إلا لمن له مضاد ... والله تعالى لا مضاد له ..
جـ- أن الغالب من كلمة ( استولى ) أنها لا تكون إلا بعد مغالبة ! ولا أحد يغالب الله عز وجل ..
عن نفطويه حدثنا داود بن علي قال : كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله ما معنى قوله تعالى (( الرحمن على العرش استوى )) قال : هو على عرشه كما أخبر .. فقال : يا أبا عبد الله إنما معناه استولى .. فقال : اسكت لا يقال استولى على الشيء حتى يكون له مضاد إذا غلب أحدهما .. قيل : استولى كما قال النابغة :
إلا لمثلك أو من أنـــــــت ســـــــابقه ......................... سبق الجواد إذا استولى على الأمد
فيلزم من فسر الاستواء بالاستيلاء في هذا المقام نسبة الشريك لله في خلقه يضاده في أمره
لأن الاستيلاء لغة لا يكون إلا بعد المغالبة فإذا وقع الظفر قيل استولى على كذا ..
ونحن بدورنا نسأل الإباضية المعطلة : من هو المضاد لله حتى تمكّن الله تعالى من التغلب عليه والاستيلاء على ملكه منه ؟!!!!!!!
وهذا الإلزام لا مناص للإباضية المتأولة منه إلا برفض التأويل والرجوع إلى التفسير السلف ..
وقد تنبه بعض المتأولة ( الكوثري ) ممن يرقص الإباضية على كتبهم ويطبلون إلى هذا المعنى فتأول الاستيلاء بأنه استيلاء مجرد عن معنى المغالبة .. !!!
وهذا المعنى مخالف للغة كما سبق عن ابن الأعرابي .. وكذلك هو تأويل للتأويل .. أليس الأولى بهذا المتأول الذي لا يدري ماذا يخرج من رأسه أن يتبع تفسير السلف فيقول : علا علواً مجرداً عن المشابهة .. هذا لو كان العلو يقتضي المشابهة .. فكيف وهي غير لا زمه ... ؟!
فليتأمل كيف يفضي علم الكلام بأربابه إلى الاضطراب والتناقض .. فلا جرم أن تتفق كلمات القوم في النهاية على ذمه والتبرؤ منه ..
:31:
:26:
معنــــــى الاســـــتواء ..... والرد على من أوله بالاستيلاء ...
الكاتب / الأخ فهاد
*** أولاً : أنواع الاستواء الوارد في لغة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم :
هناك نوعان : مطلق ومقيد ..
فالمطلق : ما لم يقيد بحرف .. كقوله تعالى (( ولما بلغ أشده واستوى )) ...
ومعناه : كمل وتم ..
وأما المقيد : فثلاثة أقسام :
الأول : مقيد بــ ( إلى ) ... كقوله تعالى (( ثم استوى إلى السماء )) ...
ومعناه : العلو والارتفاع باجماع السلف ...
الثاني : مقيد بــ ( على ) ...
كقوله تعالى (( لتستووا على ظهوره ))
وقوله تعالى (( واستوت على الجودي ))
وقوله تعالى (( فاستوى على سوقه ))
فهذا معناه : العلو والارتفاع والاعتدال باجماع أهل اللغة ...
الثالث : المقرون بــ ( واو ) المعية ... كقولهم : استوى الماء والخشبة ..
ومعناه : تساوى الماء والخشبة ..
فهذه معاني الاستواء المعقولة ...
*** ثانياً : الاستواء الوارد في القرآن الكريم كصفة للرحمن عز وجل ورد بلفظين :
- اللفظ الأول : (( استوى إلى )) وقد ذكر في موضعين من القرآن :
أحدهما : قوله تعالى (( ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات )) البقرة : 29
والآخر : قوله تعالى (( ثم استوى إلى السماء وهي دخان )) فصلت : 11
قال أبو العالية : (( استوى إلى السماء )) : ارتفع ..
لأنه قال قبل هذه : (( أأنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان )) ( فصلت : 8-11 )
وسورة فصلت مكية .. ثم أنزل البقرة وهي مدنية (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات )) ( البقرة : 29 ) فلما ذكر استواءه إلى السماء كان بعد خلق الأرض وما فيها تضمن معنى العلو ... لأن السماء فوق الأرض فالاستواء إليها الارتفاع إليها ...
وقالت المعتزلة : أن معنى قوله تعالى (( ثم استوى إلى السماء )) أي : قصد إليها بإرادته ومشيئته بعد خلق ما في الأرض ..
وهذا الوجه من أضعف الوجوه وأفسدها .. فإنه قد أخبر سبحانه وتعالى أن العرش كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض .. وثبت ذلك من حديث عمران ابن الحصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كان الله ولم يكن شيء غيره .. وكان عرشه على الماء
وكتب في الذكر كل شيء .. وخلق السماوات والأرض )) ..
فإذا كان العرش مخلوقاً قبل السماوات والأرض .. فكيف يكون استواؤه قصده إلى خلقه له ؟!
- واللفظ الثاني : (( استوى على )) وورد في سبعة مواضع من القرآن الكريم :
1- سورة الأعراف : (( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش )) ..
2- سورة يونس : (( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى علــى العرش )) ..
3- سورة الرعد : (( الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش )) ..
4- سورة طه : (( الرحمن على العرش استوى )) ..
5- سورة الفرقان : (( ثم استوى على العرش )) ..
6- سورة السجدة : (( الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ))
7- سورة الحديد : (( هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ))
ومعنى قوله تعالى (( ثم استوى على العرش )) أي : علا عليه وارتفع ...
وهو منقول عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه .. وعن مجاهد وأبي العالية واسحاق بن راهويه ..
واختاره شيخ المفسرين ابن جرير الطبري ..
وهو قول أهل السنة وأصحاب الحديث ... فإنهم يثبتون استواءه على العرش .. ولا ينفونه ولا يكيفونه كما نقل ذلك عنهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله ..
فنحن نجهل كيفية استواءه سبحانه .. لأننا نجهل كيفية ذاته ..
والعجز عن درك الادراك ادراك ........................... والبحث في كنه ذات الاله اشراك
وأوّلت المعتزلة ومن حذا حذوهم الاستواء بالاستيلاء .. أي : استولى على العرش
فبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم .. وقولهم هذا معلوم الفساد بالاضطرار من وجوه متعددة :
1- ليس في كلام العرب ألبتة استوى بمعنى استولى .. ولا نقله أحد من أئمة اللغة الذين يحتج بهم ويعول على قولهم والذين لم تتدنس فطرهم بقاذورات الفلسفات الوافدة .. بل المنقول عنهم بالإسناد الصحيح الصريح أنهم أنكروا ذلك غاية الانكار ..
قال ابن الأعرابي أحد أئمة اللغة رحمه الله : أرادني ابن أبي داود أن أطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها (( الرحمن على العرش استوى )) استوى بمعنى استولى .. فقلت له : والله ما يكون هذا ولا وجدته ..
وقد سئل الخليل بن أحمد - رحمه الله - هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى ؟
فقال : هذا ما لا تعرفه العرب .. ولا هو جائز في لغتها ..
وقال ابن الجوزي : وهذا منكر عند اللغويين ..
وقال ابن عبد البر : وقولهم في تأويل استوى استولى فلا معنى له .. لأنه غير ظاهر في اللغة ..
2- وهذا المعنى الفاسد إنما قاله متأخرو النحاةالذين سلكوا سبيل المعتزلة والجهمية .. ومع ذلك لم يقولوه نقلاً .. وإنما قالوه استنباطاً وحملاً منهم لكلمة استوى على استولى مستدلين بقول الشاعر ...
قد استولى بشر على العراق ........................ من غير سيف ولا دم مهراق
والجواب من وجوه :
أ- هذا البيت ليس من شعر العرب .. لأنه لم يأت نقل صحيح أنه شعر عربي .. وهو غير معروف في شيء من دواوين العرب وأشعارهم التي يرجع إليها ..
ب- هذا البيت لا يعرف له أصل في التاريخ .. ولا يعلم قائله مما يدل على أنه مصنوع للاحتجاج به ..
ج- قائل هذا البيت ألا يمكن أن يكون قاله بعد تغير اللسان ؟ لأن كل قول يستدل به على اللغة العربية بعد تغير اللغة العربية فإنه ليس بدليل .. لأن العربية بدأت تتغير حين اتسعت الفتوح ودخل العجم مع العرب فاختلف اللسان .. وهذا فيه احتمال أنه بعد تغير اللسان ..
د- لو صح هذا البيت .. وصح أنه غير محرف لم يكن فيه حجة لهم بل هو حجة عليهم ... لأن بشراً كان أخاً للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان .. وكان أميراً على العراق فاستوى عليها كما هو عادة الملوك أن يجلسوا فوق سرير الملك .. وهذا مطابق لمعنى هذه اللفظة في اللغة كقوله تعالى (( لتستووا على ظهوره )) ..
فهذا البيت يناسب مقام بشر ... ولكن لا يناسب مقام الألولهية ..
هـ- المعتزلة والرافضة الذين تلقفوا هذا البيت وفرحوا به أيما فرح في سبيل الصد والاعراض عن قبول الحق الذي يحرق نوره أبصارهم المتعامية عن آيات الله البينات ... يزعمون في سبيل التملص من مطالبتهم بتوثيق هذا البيت .. أن الأشعار لا تسند ..
ونحن نقول لهم إن كان الأمر كذلك فنحن نحتج عليكم أيضاً بأشعار تدحض جميع حججكم الساقطة التي نفيتم بها علو الله واستواءه فوق عرشه ..
منها قول حسان بن ثابت رضي الله عنه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ..
شهدت بإذن اللــــــــــــه أن محــــمداً .................... رسول الذي فوق السماوات من عــــل
وأن أبـــــــا يحيى ويحي كلاهــــــــما .................... لـــــــه عمل مــــن ربـــــــــه متقبــــل
وأن الذي عادى اليهود ابن مريــــــم ..................... رسول أتى من عند ذي العرش مرسل
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (( وأنا أشهد )) ..
وأنشد عبد الله بن رواحة رضي الله عنه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
شهدت بأن وعـــــــــــد الله حــــــق ..................... وأن النـــــــــــار مثوى الكافرينــــــــا
وأن العرش فوق المــــــاء طـــــاف ..................... وفـــــــوق العـــرش رب العالمينــــــا
وتحملـــــه ملائــــــكة شـــــــــــداد ..................... ملائكــــــة الإلــــــــــه مسومينــــــــا
فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ما قال .. وضحك منه ..
مع العلم أن هذه الأشعار مسنودة ومعلوم قائلها .. وليست كأشعاركم المجهولة والملفقة ..
3- إن الاستيلاء الذي فسروا به الاستواء يراد به الخلق أو القهر أو الغلبة أو الملك أو القدرة عليه .. ولا يصح أن يكون شيء منها مراداً في قوله تعالى (( الرحمن على العرش استوى ))
للأسباب التالية :
أ- أما الخلق فإنه يتضمن أن يكون قد خلقه بعد السماوات والأرض وهذا خلاف الكتاب والسنة والإجماع .. لأن الله أخبر بخلق السماوات والأرض وما بينها في ستة أيام ثم استوى على العرش وأخبر أن عرشه كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض .. وكذلك جاء في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال : (( كان الله ولم يكن شيء غيره .. وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء .. وخلق السماوات والأرض )) ..
فإذا كان العرش قبل خلق السماوات والأرض .. فكيف يكون استواء الله عليه خلقه له أو عمده وقصده إلى خلقه ؟! ومع ذلك فإن (( استوى على )) أو (( استوى إلى )) بمعنى أنه عمد وقصد إلى فعله لا يعرف قط في اللغة لا حقيقة ولا مجازاً ولا نظماً ولا شعراً ... !
ب- لا يقال : استولى إلا لمن له مضاد ... والله تعالى لا مضاد له ..
جـ- أن الغالب من كلمة ( استولى ) أنها لا تكون إلا بعد مغالبة ! ولا أحد يغالب الله عز وجل ..
عن نفطويه حدثنا داود بن علي قال : كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله ما معنى قوله تعالى (( الرحمن على العرش استوى )) قال : هو على عرشه كما أخبر .. فقال : يا أبا عبد الله إنما معناه استولى .. فقال : اسكت لا يقال استولى على الشيء حتى يكون له مضاد إذا غلب أحدهما .. قيل : استولى كما قال النابغة :
إلا لمثلك أو من أنـــــــت ســـــــابقه ......................... سبق الجواد إذا استولى على الأمد
فيلزم من فسر الاستواء بالاستيلاء في هذا المقام نسبة الشريك لله في خلقه يضاده في أمره
لأن الاستيلاء لغة لا يكون إلا بعد المغالبة فإذا وقع الظفر قيل استولى على كذا ..
ونحن بدورنا نسأل الإباضية المعطلة : من هو المضاد لله حتى تمكّن الله تعالى من التغلب عليه والاستيلاء على ملكه منه ؟!!!!!!!
وهذا الإلزام لا مناص للإباضية المتأولة منه إلا برفض التأويل والرجوع إلى التفسير السلف ..
وقد تنبه بعض المتأولة ( الكوثري ) ممن يرقص الإباضية على كتبهم ويطبلون إلى هذا المعنى فتأول الاستيلاء بأنه استيلاء مجرد عن معنى المغالبة .. !!!
وهذا المعنى مخالف للغة كما سبق عن ابن الأعرابي .. وكذلك هو تأويل للتأويل .. أليس الأولى بهذا المتأول الذي لا يدري ماذا يخرج من رأسه أن يتبع تفسير السلف فيقول : علا علواً مجرداً عن المشابهة .. هذا لو كان العلو يقتضي المشابهة .. فكيف وهي غير لا زمه ... ؟!
فليتأمل كيف يفضي علم الكلام بأربابه إلى الاضطراب والتناقض .. فلا جرم أن تتفق كلمات القوم في النهاية على ذمه والتبرؤ منه ..
:31: