المساعد الشخصي الرقمي

اعرض النسخة الكاملة : ننعي إليكم الاستاذ / أبو رائد محمد عنان


البتول
06.03.2012, 14:48
http://img209.imageshack.us/img209/3121/cc5da8.gif

بورائد
مُشرِف شرف المنتدى
رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى

م.ن
محمد إبراهيم عنان

لم أكن أتصور أن أكتب في ترجمة أحد أصدقائي ، ولكم عانيت في التحكم لسوق كلامي ، ولم يكن دافعي الأول في تلك الترجمة محبتي إياه ، بل كونه واحدا من علماء تلك الأمة في مجاله ، وراجيا أن يترحم عليه قاص أو دان ، وأن يُعْتَبر بحياته القصيرة المليئة بالأحداث .

ـ النشأة :

ولد بمحافظة المنصورة بمصر سنة 1969 م .
بدأ حياته متدينا ، حيث تربى في مساجد السلفية بمحافظته ، واعتقل لأيام قصيرة من أمن الدولة وهو في مقتبل الشباب .
تخرج في كلية الهندسة جامعة المنصورة ، وكان ذكيا فائقا ـ وله في ذلك أقاصيص مع أساتذته وزملائه وبعض مشروعاته في التخرج ـ وكان من أوائل دفعته ، وعين فيها معيدا ، ثم تركها لظرف شخصي .

ـ طلب العلم :

بدأ مشواره الفعلي مع العلم عقب سفره إلى الكويت سنة 1996 م ، حيث عمل مهندسا للكمبيوتر في بعض الشركات الخاصة ، حتى استقر به الحال في وزارة الإعلام ، ثم لجنة التعريف بالإسلام ، ثم مبرة الآل والأصحاب .

طلب العلم الشرعي أول مقدمه الكويت ، فكان يحضر في بعض الأيام خمسة دروس ، بعد الفجر والعصر والمغرب والعشاء ، إضافة لدوامه وعمله الرسمي .
سمع الكتب الستة ومسند أحمد وموطأ مالك وغير ذلك في مشاريع سماع الكويت منذ أول انعقادها ، وله شهادات الاعتماد الخاصة بذلك ، وله تعليقات وتقييدات مما كان يذكره المشايخ المجيزون أثناء القراءة .

وحضر على أغلب المشايخ وطلبة العلم في الكويت ، وأبرزهم الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وقرأ عليه ، والشيخ عثمان الخميس ـ وله به علاقة خاصة ـ ، والشيخ صالح النهام ، والشيخ شافي العجمي ، والشيخ مبارك الميلي في علم المخطوط ، وغيرهم .

وحضر في مصر للشيخ الحويني والشيخ مصطفى العدوي والشيخ النقيب والشيخ محمد حسان ، وله علاقة حسنة بأغلب طلبة العلم والمشايخ في المنصورة .

ـ التخصص العلمي :

بدأت رحلة أبي رائد مع المسيحية ودراستها بحادث طارئ ، حيث كان من زملائه في العمل بعض المسيحيين ، وكانت تجري بينهم بعض المناقشات بطبيعة الحال ، وفي بعض تلك النقاشات جرى على لسان بعض المسيحيين ما معناه أنه يفهم أكثر منه في الإسلام ، وهو لا يعلم شيئا عن المسيحية ! ، فكان أن صمم أبو رائد على دراسة المسيحية دراسة معمقة .
ولم يكن ذلك غريبا عليه ، فقد كان أبو رائد شغوفا طلعة طبعًا في أي مجال يقرأ فيه ، سواء في علوم الشريعة ، أو علوم الحياة على اختلاف أنواعها ، محبا للتصوير ، والأجهزة الكهربية ، والطبخ ، والمخطوطات .

كان أبو رائد عصاميا ، سواء في حياته العملية ، حيث نشأ في أسرة متوسطة ، وكافح في دراسته وكان مجيدا فيها ، وتزوج وأنجب وسافر .

وكذلك في حياته العلمية حيث بدأ تعلم المسيحية من الصفر ، فأخذ يجمع الكتب ، والمخطوطات ، ونسخ الكتاب المقدس ، ويقرأها ، وتعلَّم الأبجدية اليونانية وقواعدها العامة ، وكان مجيدا للإنجليزية بطلاقة ، وسأل من تقدمه في طلب ذلك العلم ، فاستشار الأخ / علي الريس ، وكان يثني عليه كثيرا ويقدمه على من سواه ، واتصل بالأخ / حسام أبو البخاري ، والأخ / حسن علي حسن ، والدكتور / منقذ السقار ، وغيرهم من المهتمين بذلك المجال ، وكان له بهم جميعا علاقة حسنة فاضلة ، حتى استوى عوده ، واستقام له الطريق ، وتوسع فيه جدا ، وجد واجتهد .

طوَّف أبو رائد البلاد ليجمع أمهات كتب المسيحية ، ونسخ الكتاب المقدس ، فسافر لبنان وسوريا وغيرها مما لا أضبطه الآن لشراء الكتب ، واتصل بأمريكا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا والهند والعراق ، وغيرها ، واشترى من تلك البلاد مئات الكتب والمخطوطات ، وأنفق في ذلك أموالا طائلة .
تحصل لديه آلاف الكتب عن المسيحية ، باختلاف فروعها ، مما لا يكون عند غيره في أمة المسلمين ، إلا أن يعلم الله .

ولم يبخل بتلك الكتب ، فجعل يصورها ، ويعطي من يراه مستحقا لتلك الكتب حسب اجتهاده ، وعمله ، واحتياجه ، وكان له نظر واجتهاد في عدم نشرها لئلا يستفيد منها النصارى ، وبعض المتعالمين في ذلك المجال .

ـ الدعوة :

كان له نشاط دعوي دؤوب ، ليس له هم إلا نصر الإسلام ، والدفاع عن التوحيد ، ونبوة محمد عليه الصلاة والسلام ، وبراءة عيسى من الشرك ، ولا أبعد إذا قلت إنني لم أر مثله في ذلك الحرص والدأب ، في صحوه ونومه ، كان يقوم من الليل فزعا يبحث عن كتاب تذكَّر معلومة قرأها فيه ليدونها ، وكان يأكل والكتاب والقلم والأوراق في يده ، يأكل باليمني ويكتب باليسرى ، وكان يقرأ في كل أحواله ، حتى في الخلاء عنده كتبه وأوراقه وأقلامه ، وهو من القلة التي قرأت كل مكتبتها ، فقرأ عشرات الآلاف من الكتب تحقيقا لا ظنا ، يعزو إليها بالصفحات ، ويصف لون غلافها وتصميمه ، على اختلاف طبعاتها ، وفجْأَةِ ورودها أمامه ، ويغالط فيها الناشرين وأصحاب المكتبات في مكتباتهم ، ويخضعون له غاية الخضوع بعد استيثاقهم من مَلَكته ، وقد رأيت منه في ذلك ما لا يسع المقام ولا البال لذكره .

مارس دعوته فعليا في أرض الواقع ، فدخل كنائس بيروت ودمشق وسائر أرجاء مصر ، وناقش كثيرا من القساوسة ، والتقى كثيرا من أعلام المسيحية المعاصرة مثل بولس الفغالي ، وبيشوي حلمي ، وغيرهما ، وأذعنوا له .
ناقش كثيرا من المسيحيين ، والمتنصرين ، والمسلمين المتشككين ، عربا وعجما ، بلا كلل ولا ملل ، وأسلم على يديه غير واحد .

انطلق للدعوة عبر الإنترنت باعتبارها أسهل انتشارا ، وأكثر تأثيرا ، وأليق بظروفه حال مرضه وعدم قدرته على الحركة بسهولة ، وشارك في برنامج البالتوك الشهير ، في غرف الرد على النصارى ، ومن أهم تلك الغرف التي كان فاعلا فيها ( غرفة الحوار الإسلامي المسيحي ) المعروفة ، وهي غرفة الأخ / وسام عبد الله ، وكان اسمه الرمزي في البالتوك ( دايركت ترست ) direct trust .

وكانت له مشاركة في المنتديات ، سيما المتخصصة في مقارنة الأديان مثل : منتديات ابن مريم ، وغيرها ، وكان له معرف ومشاركة يسيرة في ملتقى أهل الحديث باسم ( أبو رائد المصري ) .

ـ التأليف :

كذلك اتجه أبو رائد للتأليف ، وله في التأليف آلاف الأوراق ، في موضوعات شتى ، سيما النقد النصي ، وتاريخ الآباء ، والهرطقات ، واللاهوت المسيحي المقارن والطقسي .

وكان يعمل دائما على تهذيب تلك الأوراق ليخرج منها كتبا ، فأخرج كتابه الأول ( ما لا تعرفه عن المسيحية ) منذ نحو السنتين ، والذي كان على وجازته جامعا لكم هائل من المعلومات وعلى طريقة غير مألوفة من حيث الجمع والتصنيف والمصادر والإخراج ، وشاملا لأهم مسائل الاعتقاد المسيحي ، وفارقا بمسافة ضخمة ثابتة عن المؤلفات العربية في مقارنة الأديان عموما ، والمسيحية خصوصا .

ثم كان كتابه الثاني ( إخوة الزيف ) ، وقد صدر في آخر معرض الكتاب القاهري الأخير ، وهو دراسة معمقة لخاتمة إنجيل مرقس ، من الناحية الكتابية ، والعقدية ، والتاريخية ، وهو نوع من الدراسات غير المألوفة بالعربية كذلك ، من حيث حجم المادة ، وكم المراجع الأصلية ، وجودة الترتيب والوضع .

وكتابه الثالث ـ وهو قيد الطباعة يسر الله إخراجه بعد أيام ـ ( الدم والنار ) ، درس فيه أوجه التأثير والتأثر بين النصرانية والإمامية الاثني عشرية ، جمع فيه مادة مميزة ووثائق كثيرة ، وصورا فريدة في بابها .

ـ معي :

تعرفت على أبي رائد قبل أن آتي الكويت بأكثر من سنتين ، عن طريق برنامج البالتوك ، وكان بيننا احترام وتقدير ، ثم التقيته في مصر في المنصورة ، وكان في إجازة ، في جلسة علمية رائعة جمعتنا مع الأخ محمد مصطفى ، والدكتور حسام أبو البخاري ، وأحمد سالم ( أبو فهر السلفي ) ، وانعقدت محبتنا حينها أكثر ، ووجه إليَّ بعض الأسئلة الخاصة وخصني بكثير من طيب الكلام بيني وبينه .

سافرت بعدها إلى السعودية ، ثم لم ألبث أقل من عام حتى وجدته يكلمني ، ويلح عليَّ إلحاحا شديدا أن آتي الكويت ، فقبلت ومشى الأمر على ذلك .

كان اتفاقي معه أن أنزل عليه حتى أدبر أمر المسكن ، فقال لي : الله يسهل ! ، تعال بس .

بمجرد دخولي عليه في بيته ـ حيث لا ترى إلا كتباً في كل شيء وفوق كل شيء وجانب كل شيء وتحت كل شيء ـ قال لي : أنا لم أسكن مع أحد منذ أكثر من سنتين ، فقد مللت من السكن المشترك خصوصا مع المصريين ! ، لكن اعمل حسابك أنك ستسكن معي ! ، وقد كان .

عشت مع أبي رائد أكثر من سنتين حتى وفاته ، ومنها استقيت كلَّ ما ذكرته هاهنا ـ وهو قليل جدا مما يسمح المقام والبال بذكره ـ ، فمنه ما رأيته بعيني ، ومنه ما سمعته منه كثيرا .

تعلمت منه أكثر معارفي عن المسيحية ، فهو شيخي الأول فيها ، وكان حريصا على تعليمي إياها ، ويرى في ذلك فائدة كبيرة للأمة ـ وكان أمميا في تصوراته ولفظ الأمة مما يروج في كلامه ـ ، فكان يضع لي سلما للقراءة ، وكنا نتناقش بالساعات الطويلة في أدق أمور المسيحية الكتابية واللاهوتية ، وتبادلنا كثيرا من المعارف على طريق التكامل بين الفلسفة الإسلامية والكلام الإسلامي ، ومتون اللاهوت المسيحي الكلامية ، وشبهات النصارى ضد القرآن والنبي عليه الصلاة والسلام .

وكان حريصا على انتقاء بعض الإخوة ممن يرجو فيه خيرا فيوجهه لسد ذلك الفرض الكفائي ، وينصحه بالكتب المفيدة في ذلك المجال ، ولا يبخل عليه بالنصيحة والإجابة والإفادة ، وكان ممن يثني عليهم كثيرا الأخ هيثم سمير في إيطاليا ، وكان لهما مشروع مشترك في ترجمة وجرد موسوعة الآباء اليونانية المترجمة بالإنجليزية في أكثر من مائة مجلد ، والتي اشتراها مؤخرا ، ولم يرها عربي قط! ، في حدود ما نعلم .

كذلك كان بيننا كثير من المشاريع المشتركة ، لا أبوح بها ، وأسأل الله أن يعينني على إقامتها ، كي أنشر علومه وفوائده وقراءاته ، لما في ذلك من نفع للأمة ، ورفعة لحجة الإسلام وإظهار لها ، وأجر وثواب في ميزانه يوم القيامة ، فإن العلم الذي ينتفع به من آكد ما ينفع المسلم بعد موته ، فالمال ينقطع ، والولد يرجى صلاحه ، والعلم لا حاجز بينه وبين مريده .

ـ محنة المرض :

بدأت محنة المرض مع أبي رائد منذ ست سنين تقريبا ، حيث أصيب بالسرطان فجأة دون مقدمات ، نام واستيقظ واجدا ورما في رأسه ، وكان في حج أو عمرة ، ثم تلقى ذلك الأمر صابرا محتسبا ، بل مرحا ساخرا في أغلب الأحيان .

بدأ رحلة العلاج الطويلة المؤلمة ، حيث كان يعالج علاجا كيماويا ، يهد الأركان ويفقد الحركة ، ويسقط شعر الإنسان كله ـ حتى الحاجبين ـ ، وكان صابرا محتسبا لا يترك كتبه وأوراقه وحاسوبه الشخصي ، حتى انتهت تلك الرحلة .

ثم استمرت صحته بخير نحو السنة حتى هاجمه المرض من جديد ، وعلى نحو أشرس من ذي قبل ، فغزا الورم الخبيث جسمه في أماكن كثيرة ، مع أمراض الكبد ، ومشاكل في القلب ، وظل معانيا آلامه نحو السنة ونصف ، حتى دخل المستشفى منذ نحو الأربعين يوما ، قضى العشرة الأيام الأخيرة منها غائبا عن الوعي ، حتى توفاه الله عز وجل ليل الإثنين الخامس من مارس 2012 م ، في شرخ الأربعين ، مبطونا شهيدا ، غفر الله له ورحمه رحمة واسعة ، وبلغه رجاءه ، وجمعنا به على خير .

وعلى قدر حزن الإنسان على فقد أخ كبير ، ومعلم ، وحبيب ، فإنه يحزن على ما دفن معه من العلم ، فإنه بهذا تثلم الأمة ، وينزع العلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

عمرو
الكويت ، فجر الثلاثاء الثالث عشر من ربيع الأول 1433 هـ ، 6/3/2012 م .

بن الإسلام
07.03.2012, 10:13
إنّا لله وإنّا إليه راجعون

أسأل الله أن يرحمه ويتقبله من الشهداء

( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )

قدوتي الصالحآت
07.03.2012, 14:45
جزاكم الله خيرا لتذكيركم بالفقيد إنا لله وإنا اليه راجعون نسأل الله ان يرحمه رحمة واسعه ويغفر له ويجعل قبره روضة من رياض الجنه وجميع موتى المسلمين ويصبر ذويهم ويأجرهم في مصيبتهم ويخلف لهم خيرا منها

د/مسلمة
08.03.2012, 14:38
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه بلطفك وكرمك ورحمتك

اللهم اغسله بالثلج والماء والبرد

اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة

واربط على قلوب ذويه