زهراء
08.09.2012, 13:50
الشبهة حول أحاديث نزول عيسى عليه السلام
مقدمة :
من المعلوم أن التمايز بين الناس في ميزان الله ليس بإدراك المشاهدات والمحسوسات ، فهذا أمر يحسنه كل أحد ، ويستوي فيه المؤمن والكافر ، والحصيف والبليد ، ولكن الشأن كل الشأن إنما هو في الإيمان بالغيب الذي لا يراه الإنسان ولا يشاهده ، إذا قامت عليه الدلائل الصادقة من خبر الله وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا هو الإيمان الذي يتميز به المؤمن عن الكافر ، والبر عن الفاجر ، لأن مبناه على التصديق التام ، والتسليم الكامل لله ولرسوله ، بكل يقين ورضا ، وعدم معارضة الأخبار بعقل أو رأي .
فالمؤمن حقيقة هو الذي يؤمن بكل ما أخبر الله به ، وأخبر به رسوله -صلى الله عليه وسلم - ، سواء شاهد ذلك أم لم يشاهده ، وسواء عقله وفهمه ، أم لم يهتد إليه فهمُه وعقله .
وعندما جاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وقالوا له : " يا رسول الله ، أي قوم أعظم منا أجراً ؟ آمنا بك واتبعناك ، قال لهم : ( ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم ، يأتيكم بالوحي من السماء ؟! بل قومٌ يأتون من بعدكم ، يأتيهم كتاب بين لوحين ، يؤمنون به ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم أجراً ، أولئك أعظم أجراً ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
وروى الحاكم وغيره عن عبد الرحمن بن يزيد قال : كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وما سبقونا به ، فقال عبد الله : إن أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - كان بيناً لمن رآه ، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ ، ثم قرأ : { الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب } ( البقرة 1-3) .
ومن الإيمان بالغيب الإيمان باليوم الآخر وما يسبقه من علامات جاء بها الكتاب ، وصحت بها الأخبار عن النبي المختار صلوات الله وسلامه عليه ، وتصديقها ، وعقد القلب عليها .
وقد دلت الآيات الكريمة على أن نبي الله عيسى عليه السلام رفع من الأرض إلى السماء بروحه وجسده ، عندما أراد اليهود قتله وصلبه فلم يمكنهم الله منه ، ودلت كذلك على أنه سينزل إلى الأرض مرة أخرى في آخر الزمان علامة على قرب قيام الساعة.
وجاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – تؤكد هذا المعنى ، وتبينه بأفصح عبارة ، وأظهر بيان ، وأنه ينزل بمشيئة الله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، حاكماً بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم – لا ناسخاً لها ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية فلا يقبل من الكفار إلا الإسلام ، ويفيض المال ، وتنزل البركات والخيرات .
بعض الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام :
منها أحاديث في الصحيحين كحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، الذي يقول فيه - صلى الله عليه وسلم - : ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - حكماً مقسطاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها ) ، ثم يقول أبو هريرة : " واقرءوا إن شئتم : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا }( النساء 159). وفي رواية : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ) .
وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ) .
وفي حديث حذيفة بن أسيد الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات ..... ذكر منها نزول عيسى بن مريم .
وروى الإمام أبو داود عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ( ليس بيني وبينه نبي - يعني عيسى - ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، بين ممصرتين ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، فيقاتل الناس على الإسلام ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك المسيح الدجال ، فيمكث في الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون ) .
الشبهات حول الأحاديث
ومع ذلك فقد تعرضت أحاديث نزوله - كما تعرض غيرها - للهجوم والنقد من قبل البعض ، لأنها لم ترق لهم ، محتجين بحجج واهية ، وشبه ساقطة :
حيث ادعوا أنه ليس في القرآن نص صريح في رفعه إلى السماء بروحه وجسده ، وليس فيه نص صريح أيضاً على نزوله وإنما تلك عقيدة النصارى .
كما أن الأحاديث الواردة في نزوله لم تبلغ درجة التواتر ، حتى يؤخذ منها عقيدة بنزوله ، وإنما هي أحاديث آحاد مضطربة في متونها ، منكرة في معانيها ، في معظمها يشتد ضعف الرواة ، وعليه فلا يجب على المسلم أن يعتقد ذلك .
وادعوا كذلك أنها ليست أحاديث محكمة الدلالة ولذا تأولها العلماء ، كما فعل محمد عبده حين تأول نزوله وحكمه في الأرض بغلبة روحه ورسالته على الناس ، وهو ما غلب في تعاليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم ، والأخذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها ، والتمسك بلبابها دون قشورها ، فالمسيح عليه السلام لم يأت لليهود بشريعة جديدة ، ولكنه جاءهم بما يزحزحهم عن الجمود على ظواهر ألفاظ شريعة موسى عليه السلام ، ويوقفهم على فقهها والمراد منها ، ويأمرهم بمراعاته وبما يجذبهم إلى عالم الأرواح ، بتحري كمال الآداب .
ثم قال : ولما كان أصحاب الشريعة الأخيرة قد جمدوا على ظواهر ألفاظها ، بل وألفاظ من كتب فيها معبراً عن رأيه وفهمه ، وكان ذلك مزهقاً لروحها ، ذاهباً بحكمتها ، كان لا بد لهم من إصلاح عيسوي ، يبين لهم أسرار الشريعة ، وروح الدين وأدبه الحقيقي ، وكل ذلك مطوي في القرآن الذي حجبوا عنه بالتقليد الذي هو آفة الحق ، وعدو الدين في كل زمان ، فزمان عيسى على هذا التأويل ، هو الزمان الذي يأخذ الناس فيه بروح الدين ، والشريعة الإسلامية لإصلاح السرائر من غير تقييد بالرسوم والظواهر .
الرد على الشبهات
أولا : آيات الكتاب تدل على رفعه ونزوله
والجواب عما سبق أن يقال : إن الآيات في كتاب الله قد دلت على رفع نبي الله عيسى عليه السلام إلى السماء ، وبين العلماء أنه رفع بروحه وجسده ، ومن هذه الآيات قول الله جل وعلا : {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك }( آل عمران 55) .
فقد ذكر المفسرون ثلاثة أقوال في المراد بالتوفي في هذه الآية :
الأول : قول الجمهور ورجحه ابن كثير وهو أن المراد به توفي النوم ، فكلمة الوفاة كما تطلق على الموت تطلق على النوم أيضاً .
الثاني : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً والتقدير ( إني رافعك ومتوفيك ) أي بعد النزول وهذا القول منسوب إلى قتادة .
الثالث : أن المراد بالتوفي هو نفس الرفع ، والمعنى : ( إني قابضك من الأرض ومستوفيك ببدنك وروحك ) وهذا رأي ابن جرير .
وجميع هذا الأقوال كما ترى متفقة على أنه رفع حياً ، وإن كان بعضها أصح وأولى بالقبول من بعض ، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في مجموع الفتاوى ( 4/322- 323) : " وأما قوله تعالى : {إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا }(آل عمران 55) ، فهذا دليل على أنه لم يَعْنِ بذلك الموت ، إذ لو أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين ، فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء فعلم أن ليس في ذلك خاصية ، وكذلك قوله :{ومطهرك من الذين كفروا }(آل عمران 55) ، ولو كان قد فارقت روحه جسده لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء أو غيره من الأنبياء .
وقد قال تعالى في الآية الأخرى : {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه }( النساء 157- 158) .
فقوله هنا :{بل رفعه الله إليه }يبين أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه ، إذ لو أريد موته لقال : وما قتلوه وما صلبوه ، بل مات ، فقوله : {بل رفعه الله إليه } ، يُبَيِّن أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه .
ولهذا قال من قال من العلماء : {إني متوفيك } ، أي : قابضك ، أي : قابض روحك وبدنك ، يقال : توفيت الحساب واستوفيته ، ولفظ التوفي لا يقتضي نفسه توفي الروح دون البدن ، ولا توفيهما جميعا إلا بقرينة منفصلة .
وقد يراد به توفي النوم كقوله تعالى : {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها }(الزمر 42) ، وقوله : {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار }( الأنعام 60) ، وقوله : {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون }( الأنعام 61) " أهـ ، وحياته عليه السلام بعد رفعه لا يلزم منها أن تكون كحياة من على الأرض في احتياجه إلى الطعام والشراب ، وخضوعه للسنن والنواميس الكونية كسائر الأحياء ، وإنما هي حياة خاصة عند الله عز وجل .
كما أن الآيات القرآنية قد دلت أيضاً على نزوله إلى الأرض في آخر الزمان ، وذلك في ثلاثة مواضع من القرآن :
الأول : قوله –تعالى-: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا }( النساء 159) فقد دلت الآية على أنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وسيؤمن بعيسى عليه السلام عبداً لله ورسولاً من عنده ، وذلك سيكون قبل موت عيسى ، ومعلوم أن هذا لم يقع حتى الآن ، مما يعني أنه مما سوف يقع فيما نستقبله من الزمان ، لأن الآية جاءت في سياق تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليمه .
الثاني : قوله تعالى : {وإنه لعلم للساعة }( الزخرف 61) فإن الآيات قبلها كانت تتحدث عن عيسى عليه السلام ، ولذا فإن الضمير في هذه الآية يعود إليه ، فيكون خروجه من علامات الساعة وأماراتها ، لأنه ينزل قبيل قيامها ، ومما يدل على ذلك القراءة الأخرى {وإنه لَعَلَمٌ للساعة } بفتح العين واللام أي : علامة وأمارة ، وهي مروية عن ابن عباس و مجاهد وغيرهما من أئمة التفسير .
الثالث : قوله تعالى :{ويكلم الناس في المهد وكهلا }( آل عمران 46 ) وفي هذا الآية عدد الله تعالى بعض خصائص عيسى ودلائل نبوته ، فكان منها كلامه في المهد وهو رضيع ، وكلام الرضيع من الخوارق الدالة على النبوة ولا شك ، وذكر منها كلامه وهو كهل ، والكهولة سن بداية ظهور الشيب ، فما هو وجه كون كلامه وهو كهل من الآيات ، والكلام من الكهل أمر مألوف معتاد ؟! وكيف يحسن الإخبار به لا سيما في مقام البشارة ؟! لا بد أن يكون المراد بهذا الخبر أن كلامه كهلاً سيكون آية ككلامه طفلاً ، وهذه الحالة لم تقع فيما مضى من حياته التي كان فيها بين الناس لأنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فلم يبق إلا أن هذه الخصيصة ستتحقق فيما يستقبل من الزمان ، ويكون المعنى أنه سيرفع إلى السماء قبل أن يكتهل ، ثم ينزل فيبقى في الأرض أربعين سنة - كما ثبت في الحديث - إلى أن يكتهل ، فيكلم الناس كهلاً كما كلمهم طفلاً ، وتتحقق له هذه الآية والمعجزة التي أخبر الله عنها في كتابه .
ثانيا : حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام
هذا بالنسبة للآيات القرآنية ، وأما الأحاديث ، فهناك أحاديث كثيرة جداً في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها من دواوين السنة ، كلها تدل دلالة صريحة على ثبوت نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، وقد سبق شيء منها ، منها أحاديث أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول ، فهي مفيدة لليقين حتى عند أهل البدع من أهل الكلام ، الذين لا يحتجون بأخبار الآحاد في العقائد ، ولا حجة لمن ردها بدعوى أنها أحاديث آحاد لا تقوم بها الحجة ، وأن نزوله ليس عقيدة من عقائد المسلمين يجب الإيمان بها ، لأنه إذا ثبت الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم – وجب الإيمان به ، وتصديق ما أخبر به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم – ، ولا يجوز لنا رده بحال من الأحوال .
فخبر الآحاد الذي يصححه أهل الحديث ويقبلونه حجة في العقائد والأحكام ، بإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين وتابعيهم ، فإنهم كانوا يروون أحاديث الآحاد في العقائد ، ويعتقدون بما تضمنته من الأمور الغيبية ، ولا يفرقون بينها وبين أحاديث الأحكام في شروط القبول وأسباب الرد ، بل يوجبون في أحاديث العقائد ما يوجبونه في أحاديث الأحكام من التثبت والتحري .
وقد قال الإمام الشافعي في كتابه الرسالة(1/457) : " ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة : أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه ، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي . ولكن أقول : لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد ، بما وصفت من أن ذلك موجود على كلهم " .
وقال الإمام ابن عبد البر في ( التمهيد 1/8) وهو يتكلم عن خبر الآحاد وموقف العلماء منه: " وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ، ويعادي ويوالي عليها ، ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده ، على ذلك جميع أهل السنة " .
وقال ابن القيم في ( مختصر الصواعق 577) وهو يرد على من لم يحتج بخبر الآحاد في العقائد : وأما المقام الثامن : وهو انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث ، وإثبات صفات الرب تعالى بها ، فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول أن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين رووا هذه الأحاديث ، وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول ، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها ، ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم ..." .
بل إن رد خبر الآحاد في العقائد يؤول إلى رد السنة كلها كما قال الإمام ابن حبان في مقدمة صحيحة : " فأما الأخبار فإنها كلها أخبار آحاد " ، إلى أن قال " وأن من تنكب عن قبول أخبار الآحاد ، فقد عمد إلى ترك السنن كلها ، لعدم وجود السنن إلا من رواية الآحاد " أهـ .
ثالثا : أحاديث نزول عيسى متواترة
هذا كله على فرض أن أخبار نزوله أخبار آحاد ، فكيف وقد نص العلماء على تواترها ، وفي مقدمتهم إمام المفسرين الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (5/451) عند تفسير آية آل عمران حيث قال : بعد أن ذكر الخلاف في معنى وفاة عيسى : " وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قولُ من قال : " معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ " ، لتواتر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال " ، ثم ساق بعض الأحاديث الواردة في نزوله .
وممن نص على التواتر أيضاً الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير آية الزخرف ( 4/167) فقال رحمه الله : " وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً " ، ثم ذكر أكثر من ثمانية عشر حديثاً يضيق المقام بذكرها .
وقال في تفسير آية النساء ( 1/768) : " فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية أبي هريرة و ابن مسعود و عثمان بن أبي العاص ، و أبي أمامة و النواس بن سمعان و عبد الله بن عمرو بن العاص ، و مجمع بن جارية ، و أبي سريحة ،و حذيفة بن أسيد رضي الله عنهم ، وفيها دلالة على صفة نزوله ، ومكانه من أنه بالشام ، بل بدمشق عند المنارة الشرقية ، وأن ذلك يكون عند إقامة صلاة الصبح ، وقد بنيت في هذه الأعصار في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة منارة للجامع الأموي بيضاء ، من حجارة منحوتة عوضاً عن المنارة التي هدمت بسبب الحريق المنسوب إلى صنيع النصارى . . . . . وقويت الظنون أنها هي التي ينزل عليها المسيح عيسى بن مريم عليه السلام . . . إلخ .
وممن نص على التواتر الشوكاني رحمه الله في كتاب له بعنوان : " التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح " ، وكذلك الكتاني رحمه الله في كتابه : " نظم المتناثر من الحديث المتواتر " ، و صديق حسن خان في كتابه " الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة " ، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند ، و الغماري في كتابه " عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام "، و الألباني في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز .
وممن جمع الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام الشيخ محمد أنور شاه الكشميري (ت1352هـ) في كتابه : " التصريح بما تواتر في نزول المسيح ، حيث ذكر أكثر من سبعين حديثاً .
إذاً فأحاديث نزوله عليه السلام في آخر الزمان ثابتة بالتواتر المعنوي ، ولو كانت آحاداً لكان واجباً علينا التسليم بها ، والإيمان بمضمونها ، فكيف وقد ثبتت بالتواتر .
رابعا : دعوى الاضطراب
وأما الزعم بأنها أحاديث مضطربة في متونها ، منكرة في معانيها فهي دعوى غير صحيحة لأن تلك الروايات كلها متفقة على الإخبار بنزول عيسى وأنه يقتل الدجال والخنزير ، ويكسر الصليب . . . . . . . إلخ ، وغاية ما في الأمر أن بعضاً منها يفصل ذلك ، وآخر يجمله ، وبعضاً يوجز وآخر يطنب ، كطريقة القرآن حين يورد القصة الواحدة في سور متعددة ، بأساليب مختلفة ، يزيد بعضها على بعض ، بحيث لا يمكن جمع أطراف القصة إلا بقراءة كل السور التي ذكرت فيها .
فجعل هذا الاختلاف الذي يقوي شأن الحديث ، ويدل على تعدد مخارجه ، من باب التعارض الموجب للاضطراب خطأ بين ، وعلى فرض وجود هذا التعارض فإن الجمع بين هذه الأحاديث بما ينفي عنها صفة الاضطراب غير متعذر ، هذا لو قلنا بوجود التعارض فيما بينها .
خامسا : دعوى عدم الإحكام
وأما الزعم بأنها ليست محكمة الدلالة ، ومن أجل ذلك أولها العلماء فهو زعم باطل لا أساس له من الصحة ، بل هو تحريف وتبديل للنصوص الثابتة الصريحة من غير ما حجة ولا قرينة ، فقد نصت الأحاديث صراحة على نزوله عليه السلام بشخصه وصفته ، بين مهرودتين ، واضعاً يديه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، وأنه يدرك الدجال بباب لد فيقتله ، ويأتي قوماً قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ...إلخ حديث النواس بن سمعان ، ونصت على أنه يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون كما في مسند أحمد بسند صحيح ، فهل يصح من عاقل يعرف اللغة ومفرداتها ، فضلاً عمن ينتسب إلى العلم أن يفسر ذلك بغلبة رسالته ، وتعاليمه التي تأمر بالرحمة والمحبة والسلم ، وتدعو إلى الأخذ بمقاصد الشريعة دون ظواهرها ، وهل يعقل أن يكون الذي يدفن ويصلي عليه المسلمون هي تعاليمه ورسالته .
هل هذا إلا من العبث والتلاعب والاستخفاف بالعقول الذي ينبغي أن ن أنأنينزه عنه كلام العقلاء من البشر ، فضلاً عن كلام من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند : " وقد لعب المجددون ، أو المجردون في عصرنا الذي نحيا فيه بهذه الأحاديث الدالة صراحة على نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان ، قبل انقضاء الحياة الدنيا ، بالتأويل المنطوي على الإنكار تارة ، وبالإنكار الصريح أخرى ، ذلك أنهم في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بالغيب أو لا يكادون يؤمنون ، وهي أحاديث متواترة المعنى في مجموعها ، يعلم مضمون ما فيها من الدين بالضرورة ، فلا يجديهم الإنكار ولا التأويل " .
من عقائد المسلمين
وإذا كانت نصوص الكتاب والسنة قد دلت على رفعه إلى السماء ، وأنه حي بروحه وجسده ، وأنه سينزل في آخر الزمان ، وانعقد الإجماع على ذلك ، فإنه يجب على كل مسلم أن يؤمن بما دلت عليه تلك النصوص ، وأن يعقد قلبه عليها ، لأن هذه المسألة من مسائل الإيمان بالغيب ، وإلا لما كان لذكرها أي فائدة ، ومن أجل ذلك ذكر أهل العلم نزول عيسى عليه السلام ، وقتله الدجال ، في عقيدة أهل السنة والجماعة .
قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر بعد أن ذكر بعض العلامات : " وسائر علامات يوم القيامة على ما وردت به الأخبار الصحيحة حق كائن " .
قال الإمام أحمد رحمه الله : " أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بهم وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة " ثم ذكر جملة من عقيدة أهل السنة ، فقال : " والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه (كافر) ، والأحاديث التي جاءت فيه والإيمان بأن ذلك كائن ، وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لد " طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى ( 1/241- 243) .
وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله في سرده لعقيدة أهل الحديث والسنة : " جملة ما عليه أهل الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله ، وما رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لا يردون من ذلك شيئاً . . . . . . إلى أن قال : ويصدقون بخروج الدجال ، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام يقتله " ، ثم قال في آخر كلامه : " وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول ، وإليه نذهب " ، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ( 1/345- 348) .
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي في " لمعة الاعتقاد " : " يجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا ، نعلم أنه حق وصدق ، سواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ، ولم نطلع على حقيقة معناه . . . . . ثم قال : " ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها ، وأشباه ذلك مما صح به النقل " أهـ .
وقال الطحاوي في عقيدته المشهورة : " ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال ، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء " ( شرح العقيدة الطحاوية 564) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " والمسيح - صلى الله عليه - وعلى سائر النبين لا بد أن ينزل إلى الأرض . . . . . . كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ، ولهذا كان في السماء الثانية ، مع أنه أفضل من يوسف و إدريس و هارون ، لأنه يريد النزول إلى الأرض قبل يوم القيامة بخلاف غيره ، وآدم كان فى سماء الدنيا ، لأن نسم بنيه تعرض عليه " . ( مجموع الفتاوى ( 4/329) .
وقال القرطبي في التذكرة : " الإيمان بوجود الدجال وخروجه حق ، وهذا هو مذهب أهل السنة وعامة أهل الفقه والحديث " .
ونقل النووي عن القاضي عياض قوله : " ونزول عيسى وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته " .
فالواجب على كل مسلم ، كمال التسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم - والانقياد لأمره ، وتلقي خبره بالقبول والتصديق ، دون معارضته بعقل أو رأي ، وأن يوحِّد الرسول بالتحكيم والتسليم ، والانقياد والإذعان ، كما يوحد المرسِل بالعبادة والخضوع ، والذل والإنابة والتوكل ، وهذا هو مقتضى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
______________
المراجع :
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين .
- دفاع عن السنة د.محمد أبو شهبة .
- الأنوار الكاشفة المعلمي .
- أشراط الساعة يوسف بن عبد الله الوابل .
- شبهات حول حديث الجساسة الدكتور سعد المرصفي .
===========
المصدر :
موقع الشبكة الأسلامية .
مقدمة :
من المعلوم أن التمايز بين الناس في ميزان الله ليس بإدراك المشاهدات والمحسوسات ، فهذا أمر يحسنه كل أحد ، ويستوي فيه المؤمن والكافر ، والحصيف والبليد ، ولكن الشأن كل الشأن إنما هو في الإيمان بالغيب الذي لا يراه الإنسان ولا يشاهده ، إذا قامت عليه الدلائل الصادقة من خبر الله وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا هو الإيمان الذي يتميز به المؤمن عن الكافر ، والبر عن الفاجر ، لأن مبناه على التصديق التام ، والتسليم الكامل لله ولرسوله ، بكل يقين ورضا ، وعدم معارضة الأخبار بعقل أو رأي .
فالمؤمن حقيقة هو الذي يؤمن بكل ما أخبر الله به ، وأخبر به رسوله -صلى الله عليه وسلم - ، سواء شاهد ذلك أم لم يشاهده ، وسواء عقله وفهمه ، أم لم يهتد إليه فهمُه وعقله .
وعندما جاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وقالوا له : " يا رسول الله ، أي قوم أعظم منا أجراً ؟ آمنا بك واتبعناك ، قال لهم : ( ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم ، يأتيكم بالوحي من السماء ؟! بل قومٌ يأتون من بعدكم ، يأتيهم كتاب بين لوحين ، يؤمنون به ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم أجراً ، أولئك أعظم أجراً ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
وروى الحاكم وغيره عن عبد الرحمن بن يزيد قال : كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وما سبقونا به ، فقال عبد الله : إن أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - كان بيناً لمن رآه ، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ ، ثم قرأ : { الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب } ( البقرة 1-3) .
ومن الإيمان بالغيب الإيمان باليوم الآخر وما يسبقه من علامات جاء بها الكتاب ، وصحت بها الأخبار عن النبي المختار صلوات الله وسلامه عليه ، وتصديقها ، وعقد القلب عليها .
وقد دلت الآيات الكريمة على أن نبي الله عيسى عليه السلام رفع من الأرض إلى السماء بروحه وجسده ، عندما أراد اليهود قتله وصلبه فلم يمكنهم الله منه ، ودلت كذلك على أنه سينزل إلى الأرض مرة أخرى في آخر الزمان علامة على قرب قيام الساعة.
وجاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – تؤكد هذا المعنى ، وتبينه بأفصح عبارة ، وأظهر بيان ، وأنه ينزل بمشيئة الله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، حاكماً بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم – لا ناسخاً لها ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية فلا يقبل من الكفار إلا الإسلام ، ويفيض المال ، وتنزل البركات والخيرات .
بعض الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام :
منها أحاديث في الصحيحين كحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، الذي يقول فيه - صلى الله عليه وسلم - : ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - حكماً مقسطاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها ) ، ثم يقول أبو هريرة : " واقرءوا إن شئتم : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا }( النساء 159). وفي رواية : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ) .
وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ) .
وفي حديث حذيفة بن أسيد الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات ..... ذكر منها نزول عيسى بن مريم .
وروى الإمام أبو داود عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ( ليس بيني وبينه نبي - يعني عيسى - ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، بين ممصرتين ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، فيقاتل الناس على الإسلام ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك المسيح الدجال ، فيمكث في الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون ) .
الشبهات حول الأحاديث
ومع ذلك فقد تعرضت أحاديث نزوله - كما تعرض غيرها - للهجوم والنقد من قبل البعض ، لأنها لم ترق لهم ، محتجين بحجج واهية ، وشبه ساقطة :
حيث ادعوا أنه ليس في القرآن نص صريح في رفعه إلى السماء بروحه وجسده ، وليس فيه نص صريح أيضاً على نزوله وإنما تلك عقيدة النصارى .
كما أن الأحاديث الواردة في نزوله لم تبلغ درجة التواتر ، حتى يؤخذ منها عقيدة بنزوله ، وإنما هي أحاديث آحاد مضطربة في متونها ، منكرة في معانيها ، في معظمها يشتد ضعف الرواة ، وعليه فلا يجب على المسلم أن يعتقد ذلك .
وادعوا كذلك أنها ليست أحاديث محكمة الدلالة ولذا تأولها العلماء ، كما فعل محمد عبده حين تأول نزوله وحكمه في الأرض بغلبة روحه ورسالته على الناس ، وهو ما غلب في تعاليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم ، والأخذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها ، والتمسك بلبابها دون قشورها ، فالمسيح عليه السلام لم يأت لليهود بشريعة جديدة ، ولكنه جاءهم بما يزحزحهم عن الجمود على ظواهر ألفاظ شريعة موسى عليه السلام ، ويوقفهم على فقهها والمراد منها ، ويأمرهم بمراعاته وبما يجذبهم إلى عالم الأرواح ، بتحري كمال الآداب .
ثم قال : ولما كان أصحاب الشريعة الأخيرة قد جمدوا على ظواهر ألفاظها ، بل وألفاظ من كتب فيها معبراً عن رأيه وفهمه ، وكان ذلك مزهقاً لروحها ، ذاهباً بحكمتها ، كان لا بد لهم من إصلاح عيسوي ، يبين لهم أسرار الشريعة ، وروح الدين وأدبه الحقيقي ، وكل ذلك مطوي في القرآن الذي حجبوا عنه بالتقليد الذي هو آفة الحق ، وعدو الدين في كل زمان ، فزمان عيسى على هذا التأويل ، هو الزمان الذي يأخذ الناس فيه بروح الدين ، والشريعة الإسلامية لإصلاح السرائر من غير تقييد بالرسوم والظواهر .
الرد على الشبهات
أولا : آيات الكتاب تدل على رفعه ونزوله
والجواب عما سبق أن يقال : إن الآيات في كتاب الله قد دلت على رفع نبي الله عيسى عليه السلام إلى السماء ، وبين العلماء أنه رفع بروحه وجسده ، ومن هذه الآيات قول الله جل وعلا : {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك }( آل عمران 55) .
فقد ذكر المفسرون ثلاثة أقوال في المراد بالتوفي في هذه الآية :
الأول : قول الجمهور ورجحه ابن كثير وهو أن المراد به توفي النوم ، فكلمة الوفاة كما تطلق على الموت تطلق على النوم أيضاً .
الثاني : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً والتقدير ( إني رافعك ومتوفيك ) أي بعد النزول وهذا القول منسوب إلى قتادة .
الثالث : أن المراد بالتوفي هو نفس الرفع ، والمعنى : ( إني قابضك من الأرض ومستوفيك ببدنك وروحك ) وهذا رأي ابن جرير .
وجميع هذا الأقوال كما ترى متفقة على أنه رفع حياً ، وإن كان بعضها أصح وأولى بالقبول من بعض ، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في مجموع الفتاوى ( 4/322- 323) : " وأما قوله تعالى : {إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا }(آل عمران 55) ، فهذا دليل على أنه لم يَعْنِ بذلك الموت ، إذ لو أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين ، فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء فعلم أن ليس في ذلك خاصية ، وكذلك قوله :{ومطهرك من الذين كفروا }(آل عمران 55) ، ولو كان قد فارقت روحه جسده لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء أو غيره من الأنبياء .
وقد قال تعالى في الآية الأخرى : {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه }( النساء 157- 158) .
فقوله هنا :{بل رفعه الله إليه }يبين أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه ، إذ لو أريد موته لقال : وما قتلوه وما صلبوه ، بل مات ، فقوله : {بل رفعه الله إليه } ، يُبَيِّن أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه .
ولهذا قال من قال من العلماء : {إني متوفيك } ، أي : قابضك ، أي : قابض روحك وبدنك ، يقال : توفيت الحساب واستوفيته ، ولفظ التوفي لا يقتضي نفسه توفي الروح دون البدن ، ولا توفيهما جميعا إلا بقرينة منفصلة .
وقد يراد به توفي النوم كقوله تعالى : {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها }(الزمر 42) ، وقوله : {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار }( الأنعام 60) ، وقوله : {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون }( الأنعام 61) " أهـ ، وحياته عليه السلام بعد رفعه لا يلزم منها أن تكون كحياة من على الأرض في احتياجه إلى الطعام والشراب ، وخضوعه للسنن والنواميس الكونية كسائر الأحياء ، وإنما هي حياة خاصة عند الله عز وجل .
كما أن الآيات القرآنية قد دلت أيضاً على نزوله إلى الأرض في آخر الزمان ، وذلك في ثلاثة مواضع من القرآن :
الأول : قوله –تعالى-: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا }( النساء 159) فقد دلت الآية على أنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وسيؤمن بعيسى عليه السلام عبداً لله ورسولاً من عنده ، وذلك سيكون قبل موت عيسى ، ومعلوم أن هذا لم يقع حتى الآن ، مما يعني أنه مما سوف يقع فيما نستقبله من الزمان ، لأن الآية جاءت في سياق تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليمه .
الثاني : قوله تعالى : {وإنه لعلم للساعة }( الزخرف 61) فإن الآيات قبلها كانت تتحدث عن عيسى عليه السلام ، ولذا فإن الضمير في هذه الآية يعود إليه ، فيكون خروجه من علامات الساعة وأماراتها ، لأنه ينزل قبيل قيامها ، ومما يدل على ذلك القراءة الأخرى {وإنه لَعَلَمٌ للساعة } بفتح العين واللام أي : علامة وأمارة ، وهي مروية عن ابن عباس و مجاهد وغيرهما من أئمة التفسير .
الثالث : قوله تعالى :{ويكلم الناس في المهد وكهلا }( آل عمران 46 ) وفي هذا الآية عدد الله تعالى بعض خصائص عيسى ودلائل نبوته ، فكان منها كلامه في المهد وهو رضيع ، وكلام الرضيع من الخوارق الدالة على النبوة ولا شك ، وذكر منها كلامه وهو كهل ، والكهولة سن بداية ظهور الشيب ، فما هو وجه كون كلامه وهو كهل من الآيات ، والكلام من الكهل أمر مألوف معتاد ؟! وكيف يحسن الإخبار به لا سيما في مقام البشارة ؟! لا بد أن يكون المراد بهذا الخبر أن كلامه كهلاً سيكون آية ككلامه طفلاً ، وهذه الحالة لم تقع فيما مضى من حياته التي كان فيها بين الناس لأنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فلم يبق إلا أن هذه الخصيصة ستتحقق فيما يستقبل من الزمان ، ويكون المعنى أنه سيرفع إلى السماء قبل أن يكتهل ، ثم ينزل فيبقى في الأرض أربعين سنة - كما ثبت في الحديث - إلى أن يكتهل ، فيكلم الناس كهلاً كما كلمهم طفلاً ، وتتحقق له هذه الآية والمعجزة التي أخبر الله عنها في كتابه .
ثانيا : حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام
هذا بالنسبة للآيات القرآنية ، وأما الأحاديث ، فهناك أحاديث كثيرة جداً في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها من دواوين السنة ، كلها تدل دلالة صريحة على ثبوت نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، وقد سبق شيء منها ، منها أحاديث أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول ، فهي مفيدة لليقين حتى عند أهل البدع من أهل الكلام ، الذين لا يحتجون بأخبار الآحاد في العقائد ، ولا حجة لمن ردها بدعوى أنها أحاديث آحاد لا تقوم بها الحجة ، وأن نزوله ليس عقيدة من عقائد المسلمين يجب الإيمان بها ، لأنه إذا ثبت الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم – وجب الإيمان به ، وتصديق ما أخبر به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم – ، ولا يجوز لنا رده بحال من الأحوال .
فخبر الآحاد الذي يصححه أهل الحديث ويقبلونه حجة في العقائد والأحكام ، بإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين وتابعيهم ، فإنهم كانوا يروون أحاديث الآحاد في العقائد ، ويعتقدون بما تضمنته من الأمور الغيبية ، ولا يفرقون بينها وبين أحاديث الأحكام في شروط القبول وأسباب الرد ، بل يوجبون في أحاديث العقائد ما يوجبونه في أحاديث الأحكام من التثبت والتحري .
وقد قال الإمام الشافعي في كتابه الرسالة(1/457) : " ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة : أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه ، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي . ولكن أقول : لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد ، بما وصفت من أن ذلك موجود على كلهم " .
وقال الإمام ابن عبد البر في ( التمهيد 1/8) وهو يتكلم عن خبر الآحاد وموقف العلماء منه: " وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ، ويعادي ويوالي عليها ، ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده ، على ذلك جميع أهل السنة " .
وقال ابن القيم في ( مختصر الصواعق 577) وهو يرد على من لم يحتج بخبر الآحاد في العقائد : وأما المقام الثامن : وهو انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث ، وإثبات صفات الرب تعالى بها ، فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول أن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين رووا هذه الأحاديث ، وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول ، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها ، ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم ..." .
بل إن رد خبر الآحاد في العقائد يؤول إلى رد السنة كلها كما قال الإمام ابن حبان في مقدمة صحيحة : " فأما الأخبار فإنها كلها أخبار آحاد " ، إلى أن قال " وأن من تنكب عن قبول أخبار الآحاد ، فقد عمد إلى ترك السنن كلها ، لعدم وجود السنن إلا من رواية الآحاد " أهـ .
ثالثا : أحاديث نزول عيسى متواترة
هذا كله على فرض أن أخبار نزوله أخبار آحاد ، فكيف وقد نص العلماء على تواترها ، وفي مقدمتهم إمام المفسرين الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (5/451) عند تفسير آية آل عمران حيث قال : بعد أن ذكر الخلاف في معنى وفاة عيسى : " وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قولُ من قال : " معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ " ، لتواتر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال " ، ثم ساق بعض الأحاديث الواردة في نزوله .
وممن نص على التواتر أيضاً الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير آية الزخرف ( 4/167) فقال رحمه الله : " وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً " ، ثم ذكر أكثر من ثمانية عشر حديثاً يضيق المقام بذكرها .
وقال في تفسير آية النساء ( 1/768) : " فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية أبي هريرة و ابن مسعود و عثمان بن أبي العاص ، و أبي أمامة و النواس بن سمعان و عبد الله بن عمرو بن العاص ، و مجمع بن جارية ، و أبي سريحة ،و حذيفة بن أسيد رضي الله عنهم ، وفيها دلالة على صفة نزوله ، ومكانه من أنه بالشام ، بل بدمشق عند المنارة الشرقية ، وأن ذلك يكون عند إقامة صلاة الصبح ، وقد بنيت في هذه الأعصار في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة منارة للجامع الأموي بيضاء ، من حجارة منحوتة عوضاً عن المنارة التي هدمت بسبب الحريق المنسوب إلى صنيع النصارى . . . . . وقويت الظنون أنها هي التي ينزل عليها المسيح عيسى بن مريم عليه السلام . . . إلخ .
وممن نص على التواتر الشوكاني رحمه الله في كتاب له بعنوان : " التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح " ، وكذلك الكتاني رحمه الله في كتابه : " نظم المتناثر من الحديث المتواتر " ، و صديق حسن خان في كتابه " الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة " ، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند ، و الغماري في كتابه " عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام "، و الألباني في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز .
وممن جمع الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام الشيخ محمد أنور شاه الكشميري (ت1352هـ) في كتابه : " التصريح بما تواتر في نزول المسيح ، حيث ذكر أكثر من سبعين حديثاً .
إذاً فأحاديث نزوله عليه السلام في آخر الزمان ثابتة بالتواتر المعنوي ، ولو كانت آحاداً لكان واجباً علينا التسليم بها ، والإيمان بمضمونها ، فكيف وقد ثبتت بالتواتر .
رابعا : دعوى الاضطراب
وأما الزعم بأنها أحاديث مضطربة في متونها ، منكرة في معانيها فهي دعوى غير صحيحة لأن تلك الروايات كلها متفقة على الإخبار بنزول عيسى وأنه يقتل الدجال والخنزير ، ويكسر الصليب . . . . . . . إلخ ، وغاية ما في الأمر أن بعضاً منها يفصل ذلك ، وآخر يجمله ، وبعضاً يوجز وآخر يطنب ، كطريقة القرآن حين يورد القصة الواحدة في سور متعددة ، بأساليب مختلفة ، يزيد بعضها على بعض ، بحيث لا يمكن جمع أطراف القصة إلا بقراءة كل السور التي ذكرت فيها .
فجعل هذا الاختلاف الذي يقوي شأن الحديث ، ويدل على تعدد مخارجه ، من باب التعارض الموجب للاضطراب خطأ بين ، وعلى فرض وجود هذا التعارض فإن الجمع بين هذه الأحاديث بما ينفي عنها صفة الاضطراب غير متعذر ، هذا لو قلنا بوجود التعارض فيما بينها .
خامسا : دعوى عدم الإحكام
وأما الزعم بأنها ليست محكمة الدلالة ، ومن أجل ذلك أولها العلماء فهو زعم باطل لا أساس له من الصحة ، بل هو تحريف وتبديل للنصوص الثابتة الصريحة من غير ما حجة ولا قرينة ، فقد نصت الأحاديث صراحة على نزوله عليه السلام بشخصه وصفته ، بين مهرودتين ، واضعاً يديه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، وأنه يدرك الدجال بباب لد فيقتله ، ويأتي قوماً قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ...إلخ حديث النواس بن سمعان ، ونصت على أنه يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون كما في مسند أحمد بسند صحيح ، فهل يصح من عاقل يعرف اللغة ومفرداتها ، فضلاً عمن ينتسب إلى العلم أن يفسر ذلك بغلبة رسالته ، وتعاليمه التي تأمر بالرحمة والمحبة والسلم ، وتدعو إلى الأخذ بمقاصد الشريعة دون ظواهرها ، وهل يعقل أن يكون الذي يدفن ويصلي عليه المسلمون هي تعاليمه ورسالته .
هل هذا إلا من العبث والتلاعب والاستخفاف بالعقول الذي ينبغي أن ن أنأنينزه عنه كلام العقلاء من البشر ، فضلاً عن كلام من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند : " وقد لعب المجددون ، أو المجردون في عصرنا الذي نحيا فيه بهذه الأحاديث الدالة صراحة على نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان ، قبل انقضاء الحياة الدنيا ، بالتأويل المنطوي على الإنكار تارة ، وبالإنكار الصريح أخرى ، ذلك أنهم في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بالغيب أو لا يكادون يؤمنون ، وهي أحاديث متواترة المعنى في مجموعها ، يعلم مضمون ما فيها من الدين بالضرورة ، فلا يجديهم الإنكار ولا التأويل " .
من عقائد المسلمين
وإذا كانت نصوص الكتاب والسنة قد دلت على رفعه إلى السماء ، وأنه حي بروحه وجسده ، وأنه سينزل في آخر الزمان ، وانعقد الإجماع على ذلك ، فإنه يجب على كل مسلم أن يؤمن بما دلت عليه تلك النصوص ، وأن يعقد قلبه عليها ، لأن هذه المسألة من مسائل الإيمان بالغيب ، وإلا لما كان لذكرها أي فائدة ، ومن أجل ذلك ذكر أهل العلم نزول عيسى عليه السلام ، وقتله الدجال ، في عقيدة أهل السنة والجماعة .
قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر بعد أن ذكر بعض العلامات : " وسائر علامات يوم القيامة على ما وردت به الأخبار الصحيحة حق كائن " .
قال الإمام أحمد رحمه الله : " أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بهم وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة " ثم ذكر جملة من عقيدة أهل السنة ، فقال : " والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه (كافر) ، والأحاديث التي جاءت فيه والإيمان بأن ذلك كائن ، وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لد " طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى ( 1/241- 243) .
وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله في سرده لعقيدة أهل الحديث والسنة : " جملة ما عليه أهل الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله ، وما رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لا يردون من ذلك شيئاً . . . . . . إلى أن قال : ويصدقون بخروج الدجال ، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام يقتله " ، ثم قال في آخر كلامه : " وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول ، وإليه نذهب " ، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ( 1/345- 348) .
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي في " لمعة الاعتقاد " : " يجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا ، نعلم أنه حق وصدق ، سواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ، ولم نطلع على حقيقة معناه . . . . . ثم قال : " ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها ، وأشباه ذلك مما صح به النقل " أهـ .
وقال الطحاوي في عقيدته المشهورة : " ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال ، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء " ( شرح العقيدة الطحاوية 564) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " والمسيح - صلى الله عليه - وعلى سائر النبين لا بد أن ينزل إلى الأرض . . . . . . كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ، ولهذا كان في السماء الثانية ، مع أنه أفضل من يوسف و إدريس و هارون ، لأنه يريد النزول إلى الأرض قبل يوم القيامة بخلاف غيره ، وآدم كان فى سماء الدنيا ، لأن نسم بنيه تعرض عليه " . ( مجموع الفتاوى ( 4/329) .
وقال القرطبي في التذكرة : " الإيمان بوجود الدجال وخروجه حق ، وهذا هو مذهب أهل السنة وعامة أهل الفقه والحديث " .
ونقل النووي عن القاضي عياض قوله : " ونزول عيسى وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته " .
فالواجب على كل مسلم ، كمال التسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم - والانقياد لأمره ، وتلقي خبره بالقبول والتصديق ، دون معارضته بعقل أو رأي ، وأن يوحِّد الرسول بالتحكيم والتسليم ، والانقياد والإذعان ، كما يوحد المرسِل بالعبادة والخضوع ، والذل والإنابة والتوكل ، وهذا هو مقتضى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
______________
المراجع :
- موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الأمين الصادق الأمين .
- دفاع عن السنة د.محمد أبو شهبة .
- الأنوار الكاشفة المعلمي .
- أشراط الساعة يوسف بن عبد الله الوابل .
- شبهات حول حديث الجساسة الدكتور سعد المرصفي .
===========
المصدر :
موقع الشبكة الأسلامية .