لبيك إسلامنا
08.09.2012, 21:32
:155609470:
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
أحب أن أوجه في مطلع هذا العام الدراسي رسائل إلى الإخوة المربين والأخوات المربيات، وإلى مدراء الروضات والمدارس، وإلى أمولياء الأمور. فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وأبدأ في الرسالة الأولى بالعنصر الأهم في هذه المعادلة...بمن لا غنى لنا عنهم...أسأل الله أن يحفظهم من كل سوء وأن يُعلي قدرهم ويوسع عليهم ويبصرهم بِعِظم مهمتهم ويعينهم على حملها على الوجه الأكمل...أبدأ بالمربين والمربيات.
إخواننا المربين، أخواتنا المربيات، تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته، وأهل السماء والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت لَيُصلون على معلم الناس الخير)) (رواه الترمذي وصححه الألباني).
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهمُ على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
فخذ بعلم تعش حيا به أبدا فالناس موتى وأهل العلم أحياء
أيها المربون الأفاضل، في أيديكم الجيل الذي نرجو أن يُحدث التغيير وينهي حالة الذل والغفلة التي تتخبط فيها مجتمعاتنا. فنرجوكم أن تعوا ذلك جيدا وتستحضروا عِظم الأمانة التي وكِلت إليكم.
أقول لكم بلساني ولسان آباء وأمهات الطلبة: لقد فررنا إليكم! جئنا إليكم بأبنائنا وبناتنا...جئنا إليكم بهذه القلوب النقية والفِطر السليمة لننشئها بعيدا عن مظاهر الفساد في المجتمع فنُعذر إلى الله تعالى. تركنا المدارس والروضات المجاورة لبيوتنا، وتكلفنا نفقات زائدة لأننا نريد لأبنائنا أن يروا في مدارسهم قدوات تترك بصماتها الدائمة في حياتهم...لأننا نريد لأبنائنا أن يحملوا مبادئنا وقناعاتنا ويُلقنوها على أيديكم من نعومة أظفارهم، لأن كثيرا منا نحن الآباء لم يُنشَّأ التنشئة الإسلامية الصحيحة، فجاء التزامه متأخرا وبقيت رواسب التربية غير الإسلامية في النفوس، فلم ينتظم العقل والعاطفة في سلك واحد...لا نريد لأبنائنا هذه الحالة من التشتت و"تكلُّف" بعض جوانب الالتزام...بل نريد لهم أن يبقوا على الفطرة وتختلط محبة الله ورسوله ومحبة شعائر الدين بدمائهم ولحومهم.
أيها المربي، أتتصورُ كم هي خيبة أملنا فيك إذا لم تكن على قدر هذه المسؤولية! أخي الأصغر كان مدرس التربية الإسلامية في مدرسته يتحين الفرص ليخرج علبة الدخان ويدخن أمام التلاميذ! ماذا بقي من التربية الإسلامية بعد هذا؟؟!!
ابدأ بنفسك فانهها عن غَـــــــيِّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما وعظت ويُقتدى بالعـــــــــــلم منك وينفع التعليم
أيتها المربية... نحن كآباء نعلم بناتنا من صغرهن أن المرأة لا يجوز لها أن تظهر أمام الأجانب إلا بالجلباب... فعندما ترتضين لنفسك "الجاكيت الطويل" بدل الجلباب ويراك طفلاتنا في باص المدرسة أو أثناء تردد الآباء على الروضة تجلسين بطريقة تظهر الـ"بنطلون" من تحت الجاكيت، فما الرسالة الضمنية التي توجهينها بمظهرك هذا إلى نفوس بناتنا؟
ابنتي سارة... لم تكن أتمت خمس سنوات من عمرها...علمتُها أنا ووالدتها أن الفتاة المحبة لله تلبس الجلباب، بينما المتبرجة والتي تلبس البنطلون "مش شاطرة". عندما رزقنا توأم بنات مؤخرا احتجنا أن نأتي بخادمة مسلمة إلى البيت...الخادمة كبيرة السن نسبيا، لكنني طلبت من زوجتىي أن تعطيها عباءة تلبسها داخل البيت لأن البنطلون غير مقبول بحال...مرت الأيام وصارت الخادمة تتنصل من العباءة أحيانا وقصَّرتُ في تنبيه زوجتي على ذلك...وفي مرة، خَرجت سارة معي في السيارة فقالت فجأة: "بابا في بنت مش محجبة"...قلت لها: "هذي مش شاطرة يا بابا، الله يهديها. البنت المسلمة لازم تلبس جلباب". قالت سارة على الفور: "بس يا بابا جينا-الخادمة- ما بتلبس جلباب وإنت عادي بتقوللها السلام عليكم"!!
كانت كلماتها صفعة على وجهي...ابنتي تقول لي ما مؤدَّاه: ((يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون (2) كَبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3) )) (الصف). ابنتي عرفت أن إلقائي السلام على الخادمة وهي على معصية إقرار لها، خاصة أنها في بيتي الذي لي عليه سلطان. على الفور أخبرت والدتها أن عليها فرض العباءة على الخادمة من جديد، لأني لا أريد أن أفقد مصداقيتي أمام ابنتي، لا أريد أن أفقد دور القدوة أمام ابنتي، ولا أريد منها أن تفاجأ بعالم ترفع فيه الشعارات الرنانة ثم لا تطبيق.
أيتها المربية، لعل إدارة الروضة فرضت عليك الجلباب فوصلتِ معهم إلى "حل وسط" بهذا الجاكيت" لأنك لا تحبين الجلباب...فإن كنت لا تحبين هذه الشعيرة من شعائر الإسلام فكيف ستسكبين محبة الله ورسوله وشعائر الدين في قلب ابنتي؟ وفاقد الشيء لا يعطيه.
إن كان لديك شك في أنه لا بديل عن الجلباب فأنا أدعوك إلى أن تقرأي مطوية (بين ساندرا وإيمان). وإن كنت مقتنعة بوجوبه لكنك لا تحبينه فأدعوك إلى قراءة المقالين (كراهية ما أنزل الله تعالى: مظاهرها وخطورتها) و (كراهية ما أنزل الله تعالى: أسبابها وعلاجها).
أيتها المربية، إن رأتك ابنتي تتنصلين بكل أسلوب من الجلباب الصحيح فما هي إلا إحدى نتيجتين أحلاهما مر:
إما أن تقلدك البنت فترفض الحجاب الصحيح عندما تصبح مكلفة به، وتكونين بذلك قد حملت وِزرك وأوزار البنات الواتي تأثرن بك: ((ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يُضلونهم بغير علم ألا ساء ما يَزِرون)).
وإما أن تفقدي المصداقية لدى الطفلة وتفقد كلماتك التأثير عليها...بل ستتعلم منك الطفلة الازدواجية...فأنتِ تعلمينها أناشيد محبة الله ورسوله وتقرئينها كتاب الله الذي فيه الأوامر والنواهي ثم بعد ذلك ترى الطفلة منك عصيان الله تعالى....ألا يكفينا الازدواجية والنفاق الموجودان في مجتمعاتنا؟ أنريد أن ننقلها إلى أبنائنا وبناتنا من نعومة أظفارهم؟!
عندما تتركين الحجاب الصحيح أنت كمربية فإن المشكلة ليست في هذه المعصية فحسب، بل المصيبة الأكبر هي في الأبعاد النفسية والتربوية التي ستتركها في قلوب هؤلاء الطفلات الواتي من حولك. سلوكياتك كلها تحت المجهر من لحظة أن قررتِ أن تكوني مربية، فحولك عشرات العيون الصغيرة كعيون سارة ترقب سلوكياتك وتكتشف ما بها من تناقض.
أختنا المربية، ما الرسالة الضمنية التي ستخترق القلوب الصغيرة عندما تجمعينهم حولك تعلمينهم كلام الله وتذكرينهم بأنه أعظم الكلام وأحب الكلام إلى قلوبنا ثم تنطلق رنة جوالك بأغنية لأحد الفاسقين؟؟!! ألن يتعلم الأطفال الكذب؟ ألن يتعلموا أن محبة كلام الله هذه شعار ينطلق من اللسان لا من القلب؟ بأي وجه ستنكرين أي منكر يقومون به بعد ذلك وأنتِ تطربين عل المنكر وتجعلينه ملاصقا لك ونغمة لجوالك؟ نتوقع منك كآباء لهذه الأفئدة الطاهرة أن تعلمي أبناءنا في أول حصة أننا نحب الله ورسوله ونحب ما يحبه الله ورسوله، ونبغض ما يبغضه الله ورسوله...فإن كنت تحبين من يبغضهم الله رسوله وتطربين على كلماتهم فكيف ستعلمين أبناءنا الحب في الله والبغض في الله؟ وفاقد الشيء لا يعطيه.
أيها المربون، أيتها المربيات، ما جئنا بأبنائنا وبناتنا إليكم لتحفظوهم القرآن بالدرجة الأولى، إنما جئنا بهم لتكونوا لهم قدوات يتعلمون منكم محبة الله ورسوله وشعائر الإسلام. أعرف شبابا في حَيِّنا حرص آباؤهم على تسجيلهم في دور تحفيظ القرآن، بل أحدهم بنى دارا لتحفيظ القرآن وينفق عليها من ماله...هؤلاء الشباب حفظوا أجزاء من القرآن في يوم من الأيام وهم الآن.........خارجون عن ملة الإسلام!! نعم! ولا حول ولا قوة إلا بالله! يسبون الله ويستهزئون به. أعرفهم، وبدأت أستفرد بواحد واحد منهم لأعظه...حفظوا الكثير من القرآن لكن لم ينفعهم ما حفظوه أبدا، لأنهم افتقدوا القدوات.
عندما آتي بابني إلى روضة متميزة فإن ما أتمناه هو أن تقرأ المعلمة القرآن أمامه يوما فتدمع عينها، فينحفر هذا المشهد في قلب الولد ويتعلم أن كلام الله تدمع منه العيون...قال ابن الجوزي: "و لقيت عبد الوهاب الأنماطي، فكان على قانون السلف لم يُسمع في مجلسه غيبة، و لا كان يطلب أجراً على سماع الحديث، و كنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقاق بكى و اتصل بكاؤه، فكان -وأنا صغير السن حينئذ- يعمل بكاؤه في قلبي، و يبني قواعد" فوالله إن دمعة واحدة كهذه أحب إلى قلبي من أن يحفظ ابني كتاب الله كاملا حفظا جامدا.
عندما آتي بابنتي إلى روضة متميزة فإن ما أتمناه هو أن ترى ابنتي معلمتها وقد سمعت بأن أحد أولياء الأمور الذكور سيدخل، فتسرع المعلمة إلى جلبابها وتلبسه...فينحفر في شعور الطفلة وكيانها أن الجسم عورة لا بد أن تُستر باللباس الصحيح...فيكون الحياء سجية وطبعا فيها، وتفضل عندما تصل سن التكليف بل قبله أن تُحرم الهواء والماء ولا أن تُحرم الحجاب...بدل أن تتكلف لبس الحجاب على مضض وبعد طول نقاش مقاومة في ذلك نوازعها وأهواءها!
أخواتنا المربيات...لاتُخَيِّبْنَ آمالنا فيكن رجاء! جئنا ببناتنا إليكن لأن المجتمع صعب...صعب جدا...فررنا إليكن لتحمين معنا هذه القلوب الطاهرة من سهام الفتن التي تُصوب نحوها من كل مكان...فلا تطعنونا في ظهورنا...
من غُص داوى بشرب الماء غصته فكيف يفعل من قد غُص بالماء
ماذا نفعل إن كنتن أنتن أيضا آلة للتخريب ضدنا نحن الآباء والأمهات الحريصين على تنشئة بناتنا على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ ماذا نفعل؟ وإلى أين نهرب حينئذ؟ إني لأرى الأصدقاء والأقرباء والمعارف من حولي قد فقدوا السيطرة على بناتهن ولم يستطيعوا إقناعهن بلبس الحجاب الصحيح...وإنه لمن المؤسف أن نقول "إقناعهن" بدل أن تطلب البنت الحجاب بنفسها حياء وطاعة ومحبة لله ورسوله...فأب فاضل يقول: "ابنتي فلانة سنة ثانية جامعة وللأسف مش راضية تلبس الجلباب"، وأم فاضلة تقول: "ابنتي تلبس الإشارب وبنطلونات ضيقة وإذا طلبت منها أن تلبس بنطلونات واسعة على الأقل تقول لي: ماما هذا أقصى ما أستطيع. لا تطلبي مني أكثر من ذلك!". والثالث لم أره تخلف عن الصف الأول في المسجد منذ اهتدى يترجى بناته ذوات ال23 سنة و21 سنة و14 سنة أن يرتدين الحجاب فيرفضن، حتى إذا كان معهن في السوق يوما سمع شابا يشتمه ويقول: "شوفوا هذا الـ.... ماشي مع البنات الـ...." فنظر الأب إلى بناته نظرة ذليلة كسيرة يقول لهن: "شايفين يا بابا! جبتولي المسبة بهذا اللبس" فيرد عليه بناته ردا سخيفا موجهات اللوم على الشاب الذي ينبغي أن يسد فمه حسب قولهن!
نعم، أرى كثيرين من أصحاب الهم للأمة حولي يفقدون السيطرة على بناتهم! وبغض النظر عن مقدار الخطأ الذي نحملهم إياه فإنني أقول لك أيتها المربية: نرجوك! ساعدينا على بناتنا، ساعدينا في صد سهام الفتن عن قلوبهن الزكية. فوالله إني لأسأل الله أن يميتني ويميت بناتي قبل أن أسمع إحداهن تقول لي عندما تقارب سن التكليف: بابا ما بدي ألبس الجلباب! فهو الذل الذي ما بعده ذل وخيبة الأمل التي لا يهنأ معها البال.
أيها المربون الفضلاء، أيتها المربيات الفاضلات...لا تخيبوا آمالنا فيكم رجاء.
د/ إياد قنيبي
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
أحب أن أوجه في مطلع هذا العام الدراسي رسائل إلى الإخوة المربين والأخوات المربيات، وإلى مدراء الروضات والمدارس، وإلى أمولياء الأمور. فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وأبدأ في الرسالة الأولى بالعنصر الأهم في هذه المعادلة...بمن لا غنى لنا عنهم...أسأل الله أن يحفظهم من كل سوء وأن يُعلي قدرهم ويوسع عليهم ويبصرهم بِعِظم مهمتهم ويعينهم على حملها على الوجه الأكمل...أبدأ بالمربين والمربيات.
إخواننا المربين، أخواتنا المربيات، تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته، وأهل السماء والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت لَيُصلون على معلم الناس الخير)) (رواه الترمذي وصححه الألباني).
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهمُ على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
فخذ بعلم تعش حيا به أبدا فالناس موتى وأهل العلم أحياء
أيها المربون الأفاضل، في أيديكم الجيل الذي نرجو أن يُحدث التغيير وينهي حالة الذل والغفلة التي تتخبط فيها مجتمعاتنا. فنرجوكم أن تعوا ذلك جيدا وتستحضروا عِظم الأمانة التي وكِلت إليكم.
أقول لكم بلساني ولسان آباء وأمهات الطلبة: لقد فررنا إليكم! جئنا إليكم بأبنائنا وبناتنا...جئنا إليكم بهذه القلوب النقية والفِطر السليمة لننشئها بعيدا عن مظاهر الفساد في المجتمع فنُعذر إلى الله تعالى. تركنا المدارس والروضات المجاورة لبيوتنا، وتكلفنا نفقات زائدة لأننا نريد لأبنائنا أن يروا في مدارسهم قدوات تترك بصماتها الدائمة في حياتهم...لأننا نريد لأبنائنا أن يحملوا مبادئنا وقناعاتنا ويُلقنوها على أيديكم من نعومة أظفارهم، لأن كثيرا منا نحن الآباء لم يُنشَّأ التنشئة الإسلامية الصحيحة، فجاء التزامه متأخرا وبقيت رواسب التربية غير الإسلامية في النفوس، فلم ينتظم العقل والعاطفة في سلك واحد...لا نريد لأبنائنا هذه الحالة من التشتت و"تكلُّف" بعض جوانب الالتزام...بل نريد لهم أن يبقوا على الفطرة وتختلط محبة الله ورسوله ومحبة شعائر الدين بدمائهم ولحومهم.
أيها المربي، أتتصورُ كم هي خيبة أملنا فيك إذا لم تكن على قدر هذه المسؤولية! أخي الأصغر كان مدرس التربية الإسلامية في مدرسته يتحين الفرص ليخرج علبة الدخان ويدخن أمام التلاميذ! ماذا بقي من التربية الإسلامية بعد هذا؟؟!!
ابدأ بنفسك فانهها عن غَـــــــيِّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما وعظت ويُقتدى بالعـــــــــــلم منك وينفع التعليم
أيتها المربية... نحن كآباء نعلم بناتنا من صغرهن أن المرأة لا يجوز لها أن تظهر أمام الأجانب إلا بالجلباب... فعندما ترتضين لنفسك "الجاكيت الطويل" بدل الجلباب ويراك طفلاتنا في باص المدرسة أو أثناء تردد الآباء على الروضة تجلسين بطريقة تظهر الـ"بنطلون" من تحت الجاكيت، فما الرسالة الضمنية التي توجهينها بمظهرك هذا إلى نفوس بناتنا؟
ابنتي سارة... لم تكن أتمت خمس سنوات من عمرها...علمتُها أنا ووالدتها أن الفتاة المحبة لله تلبس الجلباب، بينما المتبرجة والتي تلبس البنطلون "مش شاطرة". عندما رزقنا توأم بنات مؤخرا احتجنا أن نأتي بخادمة مسلمة إلى البيت...الخادمة كبيرة السن نسبيا، لكنني طلبت من زوجتىي أن تعطيها عباءة تلبسها داخل البيت لأن البنطلون غير مقبول بحال...مرت الأيام وصارت الخادمة تتنصل من العباءة أحيانا وقصَّرتُ في تنبيه زوجتي على ذلك...وفي مرة، خَرجت سارة معي في السيارة فقالت فجأة: "بابا في بنت مش محجبة"...قلت لها: "هذي مش شاطرة يا بابا، الله يهديها. البنت المسلمة لازم تلبس جلباب". قالت سارة على الفور: "بس يا بابا جينا-الخادمة- ما بتلبس جلباب وإنت عادي بتقوللها السلام عليكم"!!
كانت كلماتها صفعة على وجهي...ابنتي تقول لي ما مؤدَّاه: ((يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون (2) كَبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3) )) (الصف). ابنتي عرفت أن إلقائي السلام على الخادمة وهي على معصية إقرار لها، خاصة أنها في بيتي الذي لي عليه سلطان. على الفور أخبرت والدتها أن عليها فرض العباءة على الخادمة من جديد، لأني لا أريد أن أفقد مصداقيتي أمام ابنتي، لا أريد أن أفقد دور القدوة أمام ابنتي، ولا أريد منها أن تفاجأ بعالم ترفع فيه الشعارات الرنانة ثم لا تطبيق.
أيتها المربية، لعل إدارة الروضة فرضت عليك الجلباب فوصلتِ معهم إلى "حل وسط" بهذا الجاكيت" لأنك لا تحبين الجلباب...فإن كنت لا تحبين هذه الشعيرة من شعائر الإسلام فكيف ستسكبين محبة الله ورسوله وشعائر الدين في قلب ابنتي؟ وفاقد الشيء لا يعطيه.
إن كان لديك شك في أنه لا بديل عن الجلباب فأنا أدعوك إلى أن تقرأي مطوية (بين ساندرا وإيمان). وإن كنت مقتنعة بوجوبه لكنك لا تحبينه فأدعوك إلى قراءة المقالين (كراهية ما أنزل الله تعالى: مظاهرها وخطورتها) و (كراهية ما أنزل الله تعالى: أسبابها وعلاجها).
أيتها المربية، إن رأتك ابنتي تتنصلين بكل أسلوب من الجلباب الصحيح فما هي إلا إحدى نتيجتين أحلاهما مر:
إما أن تقلدك البنت فترفض الحجاب الصحيح عندما تصبح مكلفة به، وتكونين بذلك قد حملت وِزرك وأوزار البنات الواتي تأثرن بك: ((ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يُضلونهم بغير علم ألا ساء ما يَزِرون)).
وإما أن تفقدي المصداقية لدى الطفلة وتفقد كلماتك التأثير عليها...بل ستتعلم منك الطفلة الازدواجية...فأنتِ تعلمينها أناشيد محبة الله ورسوله وتقرئينها كتاب الله الذي فيه الأوامر والنواهي ثم بعد ذلك ترى الطفلة منك عصيان الله تعالى....ألا يكفينا الازدواجية والنفاق الموجودان في مجتمعاتنا؟ أنريد أن ننقلها إلى أبنائنا وبناتنا من نعومة أظفارهم؟!
عندما تتركين الحجاب الصحيح أنت كمربية فإن المشكلة ليست في هذه المعصية فحسب، بل المصيبة الأكبر هي في الأبعاد النفسية والتربوية التي ستتركها في قلوب هؤلاء الطفلات الواتي من حولك. سلوكياتك كلها تحت المجهر من لحظة أن قررتِ أن تكوني مربية، فحولك عشرات العيون الصغيرة كعيون سارة ترقب سلوكياتك وتكتشف ما بها من تناقض.
أختنا المربية، ما الرسالة الضمنية التي ستخترق القلوب الصغيرة عندما تجمعينهم حولك تعلمينهم كلام الله وتذكرينهم بأنه أعظم الكلام وأحب الكلام إلى قلوبنا ثم تنطلق رنة جوالك بأغنية لأحد الفاسقين؟؟!! ألن يتعلم الأطفال الكذب؟ ألن يتعلموا أن محبة كلام الله هذه شعار ينطلق من اللسان لا من القلب؟ بأي وجه ستنكرين أي منكر يقومون به بعد ذلك وأنتِ تطربين عل المنكر وتجعلينه ملاصقا لك ونغمة لجوالك؟ نتوقع منك كآباء لهذه الأفئدة الطاهرة أن تعلمي أبناءنا في أول حصة أننا نحب الله ورسوله ونحب ما يحبه الله ورسوله، ونبغض ما يبغضه الله ورسوله...فإن كنت تحبين من يبغضهم الله رسوله وتطربين على كلماتهم فكيف ستعلمين أبناءنا الحب في الله والبغض في الله؟ وفاقد الشيء لا يعطيه.
أيها المربون، أيتها المربيات، ما جئنا بأبنائنا وبناتنا إليكم لتحفظوهم القرآن بالدرجة الأولى، إنما جئنا بهم لتكونوا لهم قدوات يتعلمون منكم محبة الله ورسوله وشعائر الإسلام. أعرف شبابا في حَيِّنا حرص آباؤهم على تسجيلهم في دور تحفيظ القرآن، بل أحدهم بنى دارا لتحفيظ القرآن وينفق عليها من ماله...هؤلاء الشباب حفظوا أجزاء من القرآن في يوم من الأيام وهم الآن.........خارجون عن ملة الإسلام!! نعم! ولا حول ولا قوة إلا بالله! يسبون الله ويستهزئون به. أعرفهم، وبدأت أستفرد بواحد واحد منهم لأعظه...حفظوا الكثير من القرآن لكن لم ينفعهم ما حفظوه أبدا، لأنهم افتقدوا القدوات.
عندما آتي بابني إلى روضة متميزة فإن ما أتمناه هو أن تقرأ المعلمة القرآن أمامه يوما فتدمع عينها، فينحفر هذا المشهد في قلب الولد ويتعلم أن كلام الله تدمع منه العيون...قال ابن الجوزي: "و لقيت عبد الوهاب الأنماطي، فكان على قانون السلف لم يُسمع في مجلسه غيبة، و لا كان يطلب أجراً على سماع الحديث، و كنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقاق بكى و اتصل بكاؤه، فكان -وأنا صغير السن حينئذ- يعمل بكاؤه في قلبي، و يبني قواعد" فوالله إن دمعة واحدة كهذه أحب إلى قلبي من أن يحفظ ابني كتاب الله كاملا حفظا جامدا.
عندما آتي بابنتي إلى روضة متميزة فإن ما أتمناه هو أن ترى ابنتي معلمتها وقد سمعت بأن أحد أولياء الأمور الذكور سيدخل، فتسرع المعلمة إلى جلبابها وتلبسه...فينحفر في شعور الطفلة وكيانها أن الجسم عورة لا بد أن تُستر باللباس الصحيح...فيكون الحياء سجية وطبعا فيها، وتفضل عندما تصل سن التكليف بل قبله أن تُحرم الهواء والماء ولا أن تُحرم الحجاب...بدل أن تتكلف لبس الحجاب على مضض وبعد طول نقاش مقاومة في ذلك نوازعها وأهواءها!
أخواتنا المربيات...لاتُخَيِّبْنَ آمالنا فيكن رجاء! جئنا ببناتنا إليكن لأن المجتمع صعب...صعب جدا...فررنا إليكن لتحمين معنا هذه القلوب الطاهرة من سهام الفتن التي تُصوب نحوها من كل مكان...فلا تطعنونا في ظهورنا...
من غُص داوى بشرب الماء غصته فكيف يفعل من قد غُص بالماء
ماذا نفعل إن كنتن أنتن أيضا آلة للتخريب ضدنا نحن الآباء والأمهات الحريصين على تنشئة بناتنا على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ ماذا نفعل؟ وإلى أين نهرب حينئذ؟ إني لأرى الأصدقاء والأقرباء والمعارف من حولي قد فقدوا السيطرة على بناتهن ولم يستطيعوا إقناعهن بلبس الحجاب الصحيح...وإنه لمن المؤسف أن نقول "إقناعهن" بدل أن تطلب البنت الحجاب بنفسها حياء وطاعة ومحبة لله ورسوله...فأب فاضل يقول: "ابنتي فلانة سنة ثانية جامعة وللأسف مش راضية تلبس الجلباب"، وأم فاضلة تقول: "ابنتي تلبس الإشارب وبنطلونات ضيقة وإذا طلبت منها أن تلبس بنطلونات واسعة على الأقل تقول لي: ماما هذا أقصى ما أستطيع. لا تطلبي مني أكثر من ذلك!". والثالث لم أره تخلف عن الصف الأول في المسجد منذ اهتدى يترجى بناته ذوات ال23 سنة و21 سنة و14 سنة أن يرتدين الحجاب فيرفضن، حتى إذا كان معهن في السوق يوما سمع شابا يشتمه ويقول: "شوفوا هذا الـ.... ماشي مع البنات الـ...." فنظر الأب إلى بناته نظرة ذليلة كسيرة يقول لهن: "شايفين يا بابا! جبتولي المسبة بهذا اللبس" فيرد عليه بناته ردا سخيفا موجهات اللوم على الشاب الذي ينبغي أن يسد فمه حسب قولهن!
نعم، أرى كثيرين من أصحاب الهم للأمة حولي يفقدون السيطرة على بناتهم! وبغض النظر عن مقدار الخطأ الذي نحملهم إياه فإنني أقول لك أيتها المربية: نرجوك! ساعدينا على بناتنا، ساعدينا في صد سهام الفتن عن قلوبهن الزكية. فوالله إني لأسأل الله أن يميتني ويميت بناتي قبل أن أسمع إحداهن تقول لي عندما تقارب سن التكليف: بابا ما بدي ألبس الجلباب! فهو الذل الذي ما بعده ذل وخيبة الأمل التي لا يهنأ معها البال.
أيها المربون الفضلاء، أيتها المربيات الفاضلات...لا تخيبوا آمالنا فيكم رجاء.
د/ إياد قنيبي