المساعد الشخصي الرقمي

اعرض النسخة الكاملة : رد شبهة: نبيُّ الإسلام خُلِقَ من نور !


اكرم حسن
09.09.2017, 22:34
قالوا: وصل الأمر برسولِ الإسلامِ إلى أنه قال لأصحابِه: إنه خُلِقَ من نورٍ! فهو بذلك ليس كبقيةِ البشرِ...
استدلوا على ذلك بحديثٍ يُروى عن جابرٍ أنه قال: يا رسولَ اللهِ أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء؟ قال: " يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره... ".

الرد على الشبهة


أولًا: إن النبيَّ r بشرٌ من ذريةِ آدمَ خُلِقَ من طينٍ ... تدلل على ذلك أدلة كثيرة منها:

1- قوله :  قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً  (الكهف110).
2- قوله  : وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً  (الفرقان20).
3- قوله  : وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ  (الفرقان20.(الآية كانت جوابًا على المشركين لما قالوا :مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ  (الفرقان7) .
4-قوله  :  وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)  (آل عمران).

فمقتضى هذه البشرية للأنبياءِ أنهم يصيبهم ما يصيب البشر ... فهم ينامون ويقومون، ويُصحون ويمرضون، يحيون ويموتون... ويتعرضون للابتلاءات كما يتعرض غيرُهم من البشرِ، بل هم أشد الناسِ بلاءًا عبر السنوات...

وعليه : فإن من يزعم أن محمدًا r خُلِقَ من نور فزعمه باطل؛ فهو بذلك يجعله مَلَكا ، وشابه المشركين الذين استبعدوا واستنكروا أن يكون الرسول بشرًا ؛ قال اللهُ  : وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً  (الإسراء94 (.

فالنبيُّ محمد r بشر لا مَلَك، وقد أمره اللهُ أن يُصرحَ بذلك في مواطن شتى منها:

1- قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً  (الإسراء 93.(
2-قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً  (الكهف110).

ليس في القرآنِ، ولا في السنةِ، ولا ما أجمع عليه سلف الأمة ما يوجب الخروج عن هذه الحقائق؛ فهو بشرٌ من ذريةِ آدمَ ، وقد خُلق اللهُ آدمَ من ترابٍ لا من نورٍ خارق....


ثانيًا: إن استدلالَهم على شبهتِهم بحديثِ جابرٍ أنه قال: يا رسول الله أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء؟ قال r: " يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره ...".
استدلالٌ باطلٌ لا يخدم مصالحَهم بحالٍ من الأحوالِ؛ لأن الحديثَ موضوعٌ على النبي محمد لا نعترف به نحن المسلمون... حَكم عليه بذلك علماءٌ أجلاءٌ منهم:

1- الشيخُ الألبانيُّ - رحمه اللهُ - في تعليقه على حديثِ الصحيحِ في السلسة الصحيحة برقم 458 - " خلقت الملائكة من نور و خلق إبليس من نار السموم و خلق آدم  مما قد وصف لكم " .
كان تعليقه قائلًا:
وفيه إشارة إلى بطلانِ الحديثِ المشهور على ألسنةِ الناس: " أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر". و نحوه من الأحاديث التي تقول بأنه r خلق من نور ، فإن هذا الحديثَ دليلٌ واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور ، دون آدم و بنيه ، فتنبه و لا تكن من الغافلين .
و أما ما رواه عبد الله بن أحمد في السنة ( ص 151 ) عن عكرمة قال :" خلقت الملائكة من نور العزة ، و خلق إبليس من نار العزة " .
و عن عبد الله بن عمرو قال : " خلق الله الملائكة من نور الذراعين و الصدر " .
قلت : فهذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها ، لأنها لم ترد عن الصادق المصدوق r . اهـ

2- قال الشيخُ أبو الفيض أحمد الغماري في كتابِِه : المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير: وهو حديث موضوع، لو ذكره بتمامه لما شك الواقف عليه في وضعه، وبقيته تقع في نحو ورقتين من القطع الكبير مشتملة على ألفاظ ركيكة ومعان منكرة اهـ.

3- قال الشيخُ رشيد رضا في الفتاوى ( 2/447 : (
أنه حديث لا أصل له، وقد سبق إلى ذلك السيوطي ، فقد سئل عن هذا الحديث، كما في الحاوي للفتاوى جـ1 ص 323 ، فقال: الحديث المذكور في السؤال ليس له إسناد يعتمد عليه. انتهى . والله أعلم . اهـ
وعليه فهذا ردٌ على زعمهم وقولِهم: وصل الأمرُ برسولِ الإسلام أنه قال لأصحابِه: إنه خلق من نور! فهو بذلك ليس كبقيةِ البشرِ....


ثالثًا : إن قيل : إن هناك حديثًا آخر أخبر أن النبيَّ محمد r مخلوق من نور؛ جاء في السلسةِ الصحيحة للألباني برقم1545 قال r : " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى - عليهما السلام - ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ".

قلتُ: إن المقصودَ بالنورِ هنا هو ما قاله ابنُ رجب الحنبلي وغيرُه: هو نور الهداية الذي جاء به محمدٌr ليمحو به ظلمةَ الشرك ....
فلا يُعقل أن بصر أمّ النبيِّ محمد (آمنة بنت وهب) أمتد من بين يديها بمكة إلى قصور الشام تشاهد هذا النور....
ولا يقول عاقلٌ بأنها وضعت نورًا لا جسدًا، فهذا لم يرد إلينا أبدًا....رؤيا منامية لا رؤية بصرية...

وبالتالي: فإن النبيَّ محمد r لم يقل ذلك كي يُظهر مكانته بين أصحابِِه بأنه فوق البشر... بل كان متواضعًا رحيمًا بينهم، ينهى عن المبالغة والغلو بشأنه..... جاء ذلك في عدة أحاديث منها :

1- صحيح البخاري برقم 3189 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ : " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ".
والمعنى: لا تبالغوا في شأني، كما بالغت وغالت فرقُ النصارى في عيسى بن مريم، فعُبد من دون الله ...

2- سنن ابن ماجةَ برقم 3303 وصححه الألبانيُّ في السلسةِ الصحيحةِ برقم 1876 عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَال:َ أَتَى النَّبِيَّ rرَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَقَالَ لَهُ : " هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ " .
(القديد): اللحم المملوح المجفف في الشمس .

3-مسند أحمد برقم 19496 عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَثَابَ النَّاسُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَجُلِّيَ عَنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ:" إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ وَلَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ " قَالَ:- وَكَانَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام مَاتَ- فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مِنْهُمَا مَا بِكُمْ".

والشاهد: أنهr كان نبيًّا زاهدًا متواضعًا رحيمًا صادقا مع أصحابِه  ومع الناس أجمعين ....هذه الحقيقة يراها الباحث المنصف الأمين...

وعلى هذا تُبطل الشبهة التي هي أوهن من بيتِ العنكبوتِ لو كانوا يعلمون...

رابعًا : إنني أتعجب كثيرًا أن تُطرح شبهة كهذه من المُنصّرين ؛ إنهم ينكرون علينا بحديثٍ لا نعترفُ به ، ولا نصدقه رُغم المدح الذي فيه للنبيِّ محمد r أنه خلق من نور، ولا ينكرون على أنفسهم أنهم جعلوا إنسانًا (يسوع) يتبرز ويبول وينام ..... إلهًا ؟!
لا تعليق!

كتبه / أكرم حسن مرسي
باحث في مقارنة الأديان
نقلًا عن كتاب / رد السهام عن خير الأنام