سيف الحتف
29.12.2009, 22:53
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
تقول الشبهة :-
فى حديث صحيح
سنن ابى داود
باب الطهارة
حدثنا محمد بن العلاء والحسن بن علي ومحمد بن سليمان الأنباري قالوا حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري
أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شيء
يُتبع الرد بإذن الله :-
سيف الحتف
29.12.2009, 22:54
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
لا أعلم أين الشبهة في الحديث ؟
هل يقصد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سمح بأن يُتوضأ من بئر يُطرح فيها ما تم ذكره في الحديث وهذا شئ بعيد كل البعد عن النظافة ؟
إن كان هذا مقصده فهو بالطبع مُخطئ بل وجاهل بأصول الفقه والطهارة فإن إطلّع عليها لأكتشف أنه قد بنى شبهته على الماء .
*يجب أن نعرف شيئاً هاماً وهو أن الماء الذي إختلطت به نجاسة له حكمان :-
أولاً :- إذا غيّرت هذه النجاسة من طعمه أو رائحته فهذا الماء يُعتبر نجساً بالإجماع ولا يجوز إستعماله .
ثـانياً :- إن لم تؤثر هذه النجاسة في الماء بحكم كثرته [ أي الماء ] فهو ليس نجساً , إذ إن النجاسة لم تصل إلى المرحلة التي تحول فيها الماء من أصله , فالغالب هو الطهارة , لذلك يجوز إستعماله , لأنه طاهر ولم يتنجس .
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء) [ 1 ]
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) [ 2 ]
ويجب أن نوضح شيئاً قبل توثيق ردنا بالأدلة , وهي أن الذي طُرح في بئر بضاعة من نجاسة ليس بفعل الصحابة وهم المصطفين الأخيار , فهذا بعيد كل البعد عنهم رضى الله عنهم .
قَالَ الْإِمَام الْحَافِظ الْخَطَّابِيُّ :- (( قَدْ يَتَوَهَّم كَثِير مِنْ النَّاس إِذَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا كَانَ مِنْهُمْ عَادَة , وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ هَذَا الْفِعْل قَصْدًا وَتَعَمُّدًا , وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوز أَنْ يُظَنّ بِذِمِّيٍّ بَلْ بِوَثَنِيٍّ فَضْلًا عَنْ مُسْلِم , فَلَمْ يَزَلْ مِنْ عَادَة النَّاس قَدِيمًا وَحَدِيثًا , مُسْلِمهمْ وَكَافِرهمْ , تَنْزِيه الْمِيَاه وَصَوْنهَا عَنْ النَّجَاسَات , فَكَيْف يُظَنّ بِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَان , وَهُمْ أَعْلَى طَبَقَات أَهْل الدِّين وَأَفْضَلُ جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ وَالْمَاء بِبِلَادِهِمْ أَعَزُّ وَالْحَاجَة إِلَيْهِ أَمَسُّ , أَنْ يَكُون هَذَا صُنْعهمْ بِالْمَاءِ , وَقَدْ لَعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَغَوَّطَ فِي مَوَارِد الْمَاء وَمَشَارِعه , فَكَيْف مَنْ اِتَّخَذَ عُيُون الْمَاء وَمَنَابِعه رَصَدًا لِلْأَنْجَاسِ وَمَطْرَحًا لِلْأَقْذَارِ , وَلَا يَجُوز فِيهِمْ مِثْل هَذَا الظَّنّ وَلَا يَلِيق بِهِمْ , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ هَذَا الْبِئْر مَوْضِعهَا فِي حُدُور مِنْ الْأَرْض , وَأَنَّ السُّيُول كَانَتْ تَكْشَح هَذِهِ الْأَقْذَار مِنْ الطُّرُق وَالْأَفْنِيَة وَتَحْمِلهَا وَتُلْقِيهَا فِيهَا , وَكَانَ لِكَثْرَتِهِ لَا يُؤَثِّر فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاء وَلَا تُغَيِّرهُ , فَسَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَأْنهَا لِيَعْلَمُوا حُكْمهَا فِي النَّجَاسَة وَالطَّهَارَة )) أ.هــ [ 3 ]
لنرى الأدلة على أن بئر بضاعة كان صالحة لطهارة مائها الذي لم تتغير خصاصئه [ لكثرته ] رغم كل ما طُرح فيه .
قال الخطابي :- (( وَحَدِيث بِئْر بُضَاعَة هَذَا لَا يُخَالِف حَدِيث الْقُلَّتَيْنِ , إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمَاء فِي بِئْر بُضَاعَة يَبْلُغ الْقُلَّتَيْنِ , إِذْ أَحَد الْحَدِيثَيْنِ يُوَافِق الْآخَر وَلَا يُنَاقِضهُ , وَالْخَاصّ يَقْضِي عَلَى الْعَامّ وَيُبَيِّنهُ وَلَا يَنْسَخهُ وَلَا يُبْطِلهُ )) أ.هـ [ 4 ]
( لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ) لِكَثْرَتِهِ فَإِنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَانَ بِئْرًا كَثِيرَ الْمَاءِ يَكُونُ مَاؤُهَا أَضْعَافَ قُلَّتَيْنِ لَا يَتَغَيَّرُ بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ , وَالْمَاءُ الْكَثِيرُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ [ 5 ]
إذاً بئر بضاعة كانت بئراً كثيرة الماء , وقد بيّنا أن الماء الكثر [ قلتين ] لا يُنجسه شئ , وقد كان ماؤها يزيد عن القلتين كما أثبتنا .
نكمل ,,
المسألة الثالثة: الماء إذا خالطته نجاسة:
الماء إذا خالطته نجاسة فغيَّرت أحد أوصافه الثلاثة -ريحه، أو طعمه، أو لونه- فهو نجس بالإجماع لا يجوز استعماله، فلا يرفع الحدث، ولا يزيل الخبث - سواء كان كثيراً أو قليلاً- أما إن خالطته النجاسة ولم تغير أحد أوصافه: فإن كان كثيراً لم ينجس وتحصل الطهارة به، وأما إن كان قليلاً فينجس، ولا تحصل الطهارة به. وحدُّ الماء الكثير ما بلغ قُلتين [6 ] فأكثر، والقليل ما دون ذلك. [ 7 ]
مسألة :-
قال مالك في رجل نزل في بئر معين فاغتسل فيه وهو جنب إن ذلك لا يفسده على أهله ولا أرى بمائها بأساً ولا أرى أن ينزف.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح لا اختلاف فيه في المذهب أن الماء الكثير لا ينجسه ما حل فيه من النجاسة إلا أن يغير أحد أوصافه، إلا رواية شاذة رواها ابن نافع عن مالك نحا بها مذهب أهل العراق. والدليل على ما عليه عمدة المذهب ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها من الأقذار والنجاسات فقال: ((الماء طهور ولا ينجسه شيء)) ، يريد إلا ما تغير أحد أوصافه، وذلك مذكور في بعض الآثار. [ 8 ]
قال ابن القيم رحمه الله في :- ((فوضوؤه من بئر بضاعة وحالها ما ذكروه له دليل على أن الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير)) أ.هـ [ 9 ]
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :-(( الصحيح أن الماء لا ينجس إلا بالتغير ؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، فإذا وجدت النجاسة صار الماء نجسا )) أ.هـ [10]
وسئل أيضاً :
عندنا خزان ماء بال فيه طفل ، وكذلك وجدنا فيه فأراً , فما رأيك ؟
فأجاب :-
(( الماء إذا سقطت فيه النجاسة من بول ، أو عذرة ، أو فأرة أو غيرها مما يكون نجساً ، ولم يتغير لا طعمه ولا لونه ولا ريحه بالنجاسة ، فهو طهور , لكن النجاسة ذات الجرم يجب إخراجها , مثل لو كانت عذرة ، يجب أن تخرج من الماء, أو فأرة تخرج أيضاً )) أ.هـ [11]
وروى عبد الرزاق في "المصنف" (269) عن معمر قال :- سألت الزهري عن دجاجة وقعت في بئر فماتت فقال :- (( لا بأس أن يتوضأ منها ويشرب إلا أن تنتن حتى يوجد ريح نتنها في الماء فتنزح )). أ .هـ
وفي الفتاوى :-
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الماء المتغير وغير المتنجس يصح منه الوضوء وهل الأوصاف الثلاثة خاصة بالماء المتنجس أم بكل أنواع المياه علما بأنني فهمت من حديث بئر بضاعة أنه يقصد به الماء المتغير بنجاسة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:-
وأما الماء المتغير فحكمه ما يلي: إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة، لونه أو طعمه أو ريحه تغيرا بينا بشيء طاهر لا يلازمه، مثل: اللبن أو العسل أو الزيت فإنه، لا يرفع الحدث ولا حكم الخبث، فلا يصلح لوضوء ولا لغسل تعبدي، ولكنه ينتفع به في الأمور العادية، كالشرب والطبخ والتنظيف. وأما إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة بنجس، فإنه لا يصلح لشيء، لا في التطهر للعبادة، ولا في الاستعمالات الأخرى العادية.
وباختصار فالماء المتغير حكمه حكم ما تغير به.
والله أعلم.[12]
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1421
إنتهت الشبهة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
_______________________
[ 1 ]ٍ أخرجه أحمد في مسنده (3/15)، وأبو داود في كتاب الطهارة باب ما جاء في بئر بضاعة، برقم (61)، والنسائي في كتاب المياه برقم (277)، والترمذي في كتاب الطهارة، باب أن الماء لا ينجسه شيء برقم (66) وقال: حديث حسن. وصححه الألباني في الإرواء (1/45).
[ 2 ] أخرجه أحمد برقم (2/27)، وأبو داود في كتاب الطهارة باب ما ينجس الماء برقم (63)، والترمذي في كتاب الطهارة باب أن الماء لا ينجسه شيء برقم (67)والنسائي كتاب الطهارة برقم (52)، وابن ماجه كتاب الطهارة باب مقدار الماء الذي لا ينجس برقم (517) ولفظه: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء، وصححه الألباني في الإرواء (1/45) .
[ 3 ] عـون المعبود في شرح سنن أبي داود ؛ الطهارة ؛ باب ما جـاء في بئر بضاعة .
[ 4 ] تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ؛ الطهارة عن رسول الله ؛ما جاء أن الماء لا يُنجسه شئ .
[ 5 ] تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ؛ الطهارة عن رسول الله ؛ما جاء أن الماء لا يُنجسه شئ .
[ 6 ] القلة هي الجرة، جمعهِا قُلل وقلال. وهي تساوي ما يقارب 93.075 صاعاً= 160.5 لترا من الماء، والقلتان خمس قرب تقريبا.
[ 7 ] الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة ج 1 ص 2 - 3
[ 8 ] البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة ج 1 ص 36
[ 9 ] "حاشية بن القيم على السنن " (1/ 83).
[10] "شرح الكافي" (5/23) .
[11] "لقاء الباب المفتوح" (102/5) .
[12] فتاوى الشبكة الإسلامية ج11 ص 118 س 7148