queshta
14.03.2010, 22:23
الأيزو وأخواتها
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فـ"الأيزو" تلك العلامة السحرية التي صارت من أهم ملامح عصر العولمة، والعولمة كما لا يَخفى هي الاسم الحركي للهيمنة الغربية بصفة عامة والأمريكية بصفة خاصة، ولكن تم تسميتها تضليلاً بالعولمة وكأن العالم كله قد جلس يضع أسس وضوابط ومعايير لكي تعمم على مستوى العالم؛ بينما هذه الأسس هي في حقيقة الأمر هي مبادئ الحضارة الغربية بحذافيرها، وبالكاد تحاول بعض الدول الأخرى من العالم الثالث لا سيما الإسلامية منها مناشدة العالم الأول مراعاة قدر من الخصوصية للشعوب الشرقية لا سيما فيما يتعلق بإباحية الجنسية وما شابهها من القاذورات الغربية.
وكان من الطبيعي أن يجعل الغرب في مشهد الصدارة الأمور التي حقق فيها هو تقدمًا حقيقيًا حتى يمرر معها الأمور التي يمثل منهجه فيها انتكاسة للفطرة الإنسانية جمعاء، ومن ثمَّ كانت قضايا التقنية والنظم الإدارية هي التي سيقت أولاً في طابور العولمة الطويل.
ولكن هل قدم الغرب خدماته المجانية في هذا الباب خدمة للإنسانية؟
إن الغرب لا يعرف العطاء المجاني قط، وحينما فكر في أن يعمم فكره الإداري حقق معه أعلى استفادة مادية ومعنوية، ويتجلى هذا في اختراع شهادة "الأيزو" وما شابهها.
إن الغرب لم يكتفِ في أن يُرغِّب الآخرين على مستوى الحكومات والشعوب في اتباع نظامه الإداري، بل نصب نفسه قاضيًا لإعطاء صك الجودة الإدارية.
وتأسست هيئات عنده تعطي هذه الشهادات أو الصكوك في جميع أنحاء العالم من أشهرها شهادة: "الأيزو"، ومن أراد أن يثبت أنه يمتلك نظامًا إداريًا جيدًا فما عليه إلا أن يدفع "المعلوم" لمستشاري "الأيزو"؛ لكي يعلموه نظامهم الإداري، ثم يدفع مرة ثانية لمفتشي الأيزو لكي يمنحوه الشهادة مع إعطائهم طبعًا حق التفتيش والتحقيق مع كل أفراد مؤسسته ابتداءً من المالك والمدير وانتهاءً بالغفير، وفي نهاية المطاف يُعطى الصك الموعود، ويتبادل التهاني مع محيطه التجاري أنه قد نال في النهاية شرف الانضمام إلى حاملي الأيزو.
وإذا نظرت إلى النظام الإداري للأيزو وجدت أنها تمثل قمة البيروقراطية والنمطية حيث يوضع قالب إداري واحد مترهل جدًا لا يناسب المؤسسات المتوسطة فضلاً عن الصغيرة، بل يمثل عبئًا ماديًا وإداريًا، ولكنها العولمة فمن أراد أن يلحق بها فليدفع الضريبة وليؤدي طقوس الولاء وإلا فليبق في نطاق المحلية أو بالبلدي يظل هكذا "بلدي"! هذا الوصف الذي استطاع الغرب وأذنابه أن يجعلوه مرادفـًا للتخلف والرجعية.
ونتيجة لهذا الأمر لم يتجه إلى "الأيزو" إلا من كان في حاجة ماسة إليها، وكان قادرًا على دفع فاتورتها، أو كان حجمه الإداري في حاجة إلى هذا النظام بينما أحجم الباقون، ولكن سدنة الأيزو لم يستسلموا بسهولة، بل طوروا سلوك تعاملهم ومنحهم للشهادة وقاموا بانتحال أسلوب موظفي المحليات "المحلية" الذين يتفقون مع المخالفين على سيناريو المخالفات والاعتراضات، وكيف سوف يتم منح المخالف ما يريد مقابل "رشة هنا ورشة هنا" على حد تعبير وزير عولمي شهير ارتبط اسمه بكثير من الأزمات في الآونة الأخيرة.
ورغم حصول الموظف على "الرشة" إلا أنه يبدو ورقيًا في غاية التشدد، هذا ما آل إليه حال "الأيزو" الآن. ومع ذلك ما زال الجميع يسابق إلى نيلها ويفاخر بحصوله عليها!
ولم نجد ولو مؤسسة واحدة تجرؤ على القول بأنها تملك نظامًا إداريًا أفضل من الأيزو أو أن إنتاجها يغنيها عن طلب الأيزو أو... أو...
هذه هي قصة الأيزو أحد الأوجه المظلمة للعولمة، ولكنها في النهاية ليست ذات كبير خطر إلا إذا نظرتَ إليها كأحد مكونات هذه المنظومة الخطرة التي تمثل البديل العصري للاحتلال العسكري؛ بيد أن الأخطر من ذلك بكثير شهادات الأيزو الضمنية التي صار الإعلام الغربي يصدرها بشأن الأفراد المؤثرين في العالم الإسلامي، يستوي في ذلك أهل الجد وأهل الهزل، ويستوي في ذلك الساسة والمفكرين والعلماء، بل حتى الدعاة إلى الله!
إننا نقف أمام شهادة ضمنية يصدرها الإعلام الغربي في حق هؤلاء الأشخاص، وإذا كانت القضية في الأيزو قضية أسلوب إدارة -وهو باب يمكن الاقتباس فيه من الكفار-؛ فإن القضية هنا قضية عقائد ومبادئ وأخلاق وسلوكيات، ومن وراء ذلك موقف من الهيمنة الغربية على العالم.
إن القضية هنا قضية أن هذه الشهادة لن تُعطى إلا لمن انسلخ من هويته وتشرب بدلاً منها هوية الغرب.
إن هذه الشهادة لن تُعطى إلا لمن قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ... ) (رواه مسلم)، (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا...) (متفق عليه).
إن هذه الشهادة لن تُعطى إلا لمن وصفهم الله بالمرض: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) (المائدة:52).
إن هذه الشهادة لن تعطى إلا لمن سابق غيره في مهارة الدخول إلى جحر الضب الذي وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ... ) (متفق عليه).
إن الحريصين على حمل هذه الشهادة كانوا حتى وقت قريب يضطرون إلى تبرير مواقفهم والتأكيد على أنهم لم يطلبوها إلا تقية، وأما الآن وبعد أن أفرزت أمريكا زعماء هم صناعة أمريكية خالصة من أمثال: "حامد قرضاي" و"المالكي"، رفع الكثيرون برقع الحياء وقرروا طلب هذه الشهادة مهما كان الثمن، وعاد مَنْ عاد فرِحًا فخورًا بها.
وأصابت معظم الشخصيات العامة في بلاد المسلمين حمى "الأيزو" الأمريكي حتى رأينا الصوفية وهم يمثلون قمة الخرافة -التي يزعم الغرب أنه يحاربها حتى حارب معها كثيرًا من الحق- يحرصون على نيل ذلك الأيزو الأمريكي.
ورأينا بعض ما يصطلح على تسميتهم بجماعات الإسلام السياسي يسعى حثيثًا للحوار الأمريكي، ورأينا بعض المشتغلين بالإصلاح من منظور إسلامي يغتبطون بالتكريم الأمريكي!
وأما من ينادون بما يسمونه إصلاحًا من غير هذا المنهج فقد تكون أول مؤهلاتهم هي تشربهم للثقافة الأمريكية والفكر الأمريكي.
وأمام هذا الركام لن نكل من تقديم النصيحة لكل من أراد ريادة لهذه الأمة أن يكون أولاً من هذه الأمة قلبًا وقالبًا، وأن يتدبر قوله الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143).
فنحن الأمة التي تشهد على غيرها لا العكس.
ونحن الأمة صاحبة المنهج المعتدل الذي ينبغي أن يسود.
ونحن الأمة التي عندها أعظم أسباب النصر إن أخذت بها: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7).
نحن لن نكل من دعوة كل هؤلاء إلى أن يمتثلوا قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
وأن يرددوا قول ربعي بن عامر -رضي الله عنه-: "الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"، وأن ينشدوا قول صهيب -رضي الله عنه-:
أبى الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
هذا هو واجب النصيحة لكل المسلمين وواجب البراءة من انحرافاتهم.
هذا هو خندقنا الذي لن نغادره مهما تعلق الناس بأوهام الإصلاح عند من يريد مزيدًا من الذوبان في العولمة الغربية عامة والثقافة الأمريكية بصفة خاصة، وكأن الشاعر لم يعن إلا هم عندما قال:
"كالمستجير من الرمضاء بالنار".
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فـ"الأيزو" تلك العلامة السحرية التي صارت من أهم ملامح عصر العولمة، والعولمة كما لا يَخفى هي الاسم الحركي للهيمنة الغربية بصفة عامة والأمريكية بصفة خاصة، ولكن تم تسميتها تضليلاً بالعولمة وكأن العالم كله قد جلس يضع أسس وضوابط ومعايير لكي تعمم على مستوى العالم؛ بينما هذه الأسس هي في حقيقة الأمر هي مبادئ الحضارة الغربية بحذافيرها، وبالكاد تحاول بعض الدول الأخرى من العالم الثالث لا سيما الإسلامية منها مناشدة العالم الأول مراعاة قدر من الخصوصية للشعوب الشرقية لا سيما فيما يتعلق بإباحية الجنسية وما شابهها من القاذورات الغربية.
وكان من الطبيعي أن يجعل الغرب في مشهد الصدارة الأمور التي حقق فيها هو تقدمًا حقيقيًا حتى يمرر معها الأمور التي يمثل منهجه فيها انتكاسة للفطرة الإنسانية جمعاء، ومن ثمَّ كانت قضايا التقنية والنظم الإدارية هي التي سيقت أولاً في طابور العولمة الطويل.
ولكن هل قدم الغرب خدماته المجانية في هذا الباب خدمة للإنسانية؟
إن الغرب لا يعرف العطاء المجاني قط، وحينما فكر في أن يعمم فكره الإداري حقق معه أعلى استفادة مادية ومعنوية، ويتجلى هذا في اختراع شهادة "الأيزو" وما شابهها.
إن الغرب لم يكتفِ في أن يُرغِّب الآخرين على مستوى الحكومات والشعوب في اتباع نظامه الإداري، بل نصب نفسه قاضيًا لإعطاء صك الجودة الإدارية.
وتأسست هيئات عنده تعطي هذه الشهادات أو الصكوك في جميع أنحاء العالم من أشهرها شهادة: "الأيزو"، ومن أراد أن يثبت أنه يمتلك نظامًا إداريًا جيدًا فما عليه إلا أن يدفع "المعلوم" لمستشاري "الأيزو"؛ لكي يعلموه نظامهم الإداري، ثم يدفع مرة ثانية لمفتشي الأيزو لكي يمنحوه الشهادة مع إعطائهم طبعًا حق التفتيش والتحقيق مع كل أفراد مؤسسته ابتداءً من المالك والمدير وانتهاءً بالغفير، وفي نهاية المطاف يُعطى الصك الموعود، ويتبادل التهاني مع محيطه التجاري أنه قد نال في النهاية شرف الانضمام إلى حاملي الأيزو.
وإذا نظرت إلى النظام الإداري للأيزو وجدت أنها تمثل قمة البيروقراطية والنمطية حيث يوضع قالب إداري واحد مترهل جدًا لا يناسب المؤسسات المتوسطة فضلاً عن الصغيرة، بل يمثل عبئًا ماديًا وإداريًا، ولكنها العولمة فمن أراد أن يلحق بها فليدفع الضريبة وليؤدي طقوس الولاء وإلا فليبق في نطاق المحلية أو بالبلدي يظل هكذا "بلدي"! هذا الوصف الذي استطاع الغرب وأذنابه أن يجعلوه مرادفـًا للتخلف والرجعية.
ونتيجة لهذا الأمر لم يتجه إلى "الأيزو" إلا من كان في حاجة ماسة إليها، وكان قادرًا على دفع فاتورتها، أو كان حجمه الإداري في حاجة إلى هذا النظام بينما أحجم الباقون، ولكن سدنة الأيزو لم يستسلموا بسهولة، بل طوروا سلوك تعاملهم ومنحهم للشهادة وقاموا بانتحال أسلوب موظفي المحليات "المحلية" الذين يتفقون مع المخالفين على سيناريو المخالفات والاعتراضات، وكيف سوف يتم منح المخالف ما يريد مقابل "رشة هنا ورشة هنا" على حد تعبير وزير عولمي شهير ارتبط اسمه بكثير من الأزمات في الآونة الأخيرة.
ورغم حصول الموظف على "الرشة" إلا أنه يبدو ورقيًا في غاية التشدد، هذا ما آل إليه حال "الأيزو" الآن. ومع ذلك ما زال الجميع يسابق إلى نيلها ويفاخر بحصوله عليها!
ولم نجد ولو مؤسسة واحدة تجرؤ على القول بأنها تملك نظامًا إداريًا أفضل من الأيزو أو أن إنتاجها يغنيها عن طلب الأيزو أو... أو...
هذه هي قصة الأيزو أحد الأوجه المظلمة للعولمة، ولكنها في النهاية ليست ذات كبير خطر إلا إذا نظرتَ إليها كأحد مكونات هذه المنظومة الخطرة التي تمثل البديل العصري للاحتلال العسكري؛ بيد أن الأخطر من ذلك بكثير شهادات الأيزو الضمنية التي صار الإعلام الغربي يصدرها بشأن الأفراد المؤثرين في العالم الإسلامي، يستوي في ذلك أهل الجد وأهل الهزل، ويستوي في ذلك الساسة والمفكرين والعلماء، بل حتى الدعاة إلى الله!
إننا نقف أمام شهادة ضمنية يصدرها الإعلام الغربي في حق هؤلاء الأشخاص، وإذا كانت القضية في الأيزو قضية أسلوب إدارة -وهو باب يمكن الاقتباس فيه من الكفار-؛ فإن القضية هنا قضية عقائد ومبادئ وأخلاق وسلوكيات، ومن وراء ذلك موقف من الهيمنة الغربية على العالم.
إن القضية هنا قضية أن هذه الشهادة لن تُعطى إلا لمن انسلخ من هويته وتشرب بدلاً منها هوية الغرب.
إن هذه الشهادة لن تُعطى إلا لمن قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ... ) (رواه مسلم)، (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا...) (متفق عليه).
إن هذه الشهادة لن تُعطى إلا لمن وصفهم الله بالمرض: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) (المائدة:52).
إن هذه الشهادة لن تعطى إلا لمن سابق غيره في مهارة الدخول إلى جحر الضب الذي وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ... ) (متفق عليه).
إن الحريصين على حمل هذه الشهادة كانوا حتى وقت قريب يضطرون إلى تبرير مواقفهم والتأكيد على أنهم لم يطلبوها إلا تقية، وأما الآن وبعد أن أفرزت أمريكا زعماء هم صناعة أمريكية خالصة من أمثال: "حامد قرضاي" و"المالكي"، رفع الكثيرون برقع الحياء وقرروا طلب هذه الشهادة مهما كان الثمن، وعاد مَنْ عاد فرِحًا فخورًا بها.
وأصابت معظم الشخصيات العامة في بلاد المسلمين حمى "الأيزو" الأمريكي حتى رأينا الصوفية وهم يمثلون قمة الخرافة -التي يزعم الغرب أنه يحاربها حتى حارب معها كثيرًا من الحق- يحرصون على نيل ذلك الأيزو الأمريكي.
ورأينا بعض ما يصطلح على تسميتهم بجماعات الإسلام السياسي يسعى حثيثًا للحوار الأمريكي، ورأينا بعض المشتغلين بالإصلاح من منظور إسلامي يغتبطون بالتكريم الأمريكي!
وأما من ينادون بما يسمونه إصلاحًا من غير هذا المنهج فقد تكون أول مؤهلاتهم هي تشربهم للثقافة الأمريكية والفكر الأمريكي.
وأمام هذا الركام لن نكل من تقديم النصيحة لكل من أراد ريادة لهذه الأمة أن يكون أولاً من هذه الأمة قلبًا وقالبًا، وأن يتدبر قوله الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143).
فنحن الأمة التي تشهد على غيرها لا العكس.
ونحن الأمة صاحبة المنهج المعتدل الذي ينبغي أن يسود.
ونحن الأمة التي عندها أعظم أسباب النصر إن أخذت بها: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7).
نحن لن نكل من دعوة كل هؤلاء إلى أن يمتثلوا قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
وأن يرددوا قول ربعي بن عامر -رضي الله عنه-: "الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"، وأن ينشدوا قول صهيب -رضي الله عنه-:
أبى الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
هذا هو واجب النصيحة لكل المسلمين وواجب البراءة من انحرافاتهم.
هذا هو خندقنا الذي لن نغادره مهما تعلق الناس بأوهام الإصلاح عند من يريد مزيدًا من الذوبان في العولمة الغربية عامة والثقافة الأمريكية بصفة خاصة، وكأن الشاعر لم يعن إلا هم عندما قال:
"كالمستجير من الرمضاء بالنار".