أماني
22.04.2010, 13:21
السلام عليكم
في المدينة المنورة كان يقيم فتى نضر الشباب جميل اسمه بشر العابدين, وكان بشر تقيا كثير التردد على المسجد وعروف بالصلاح.
وفي نفس المدينه كانت تقيم هند بنت فهد, وهي امرأة من اجمل نساء العرب تزوجت رجلا موسرا مؤمنا يسمى قيس, وكانت كثيرة الجلوس على نافذه غرفتها , فحدث أن رأت بشرا العابد مارا بالقرب من دارها, فعلقت نظراتها به, وتكرر المشهد كل يوم حتى تعلقت به وهي تكتم حبه منها واجتهدت في كتمان هذا الحب واستمرت تناجي نفسها:
أهواك يا بشر دون الناس كلهم=وغيرك يهواني فيمنعه صدي
تمرّ ببابي لست تعرف ما الذي=أكابد من شوقي اليك ومن بعدي
فيا ليتني أرض وانت أمامها= تدوس بنعليك الكرام على خدي
ولما عيل صبر هند استحضرت جاريتها وقالت لها: هل تكتمين السر؟ فاجابتها الجاريه: نعم يا مولاتي واقسم اني لن ابوح به.
فكتبت هند كتابا رقيق الحاشيه وقالت لها: اريد منك ان توصليه الى بشر العابد وتاتيني منه بالجواب.
فأخذت الجاريه الكتاب لبشر وقالت: اني جارية سيدتي هند, وقد ارسلتني اليك بكتاب هذا هو, فاخذ بشر منها وقرأه وفهم معناه ثم التفت وقال للجاريه: هل سيدتك عذراء أم ذات بعل؟
فقالت الجاريه: بل متزوجه وزوجها بالمدينه.
فارتبك بشر وتحيّر , واخذته الرأفة بحال هذه السيده وهو لا يجهل أمر الحب فكتب لها:
عليك بتقوى الله لا تقربي الزنا= ولا تطلبي الفحشا فذلك مفسد
استغفري مما هممت بفعله=نهى الله عنه والنبي محمد
أما تذكري يوم الحساب وهوله =وما للفتى مال ولا شيء يفتدي
وان تطلبي قربي فبعدي أجود=فخافي عقاب الله والتمسي الهدي
فحملت الجاريه كتابه لهند, فلما قراته بكت بكاء مريرا وخطت تقول:
أما تخشى يا بشر الاله فانني لفي=حسرة من لوعتي وتسهدي
فان زرتني يا بشر احييت مهجتي= وربي غفور بالعطا باسط اليد
فلما بلغ بشر الخطاب رد عليها قائلا:
إن الذي منع الزياره, فاعلمي=خوف الفساد عليك ان لا تعتدي
واخاف ان يهواك قلبي في الهوى=فاكون قد خالفت ديم محمد
فالصبر خير وسيلة لتشفي=والى الاله فسارعي وتعبدي
فلما بلغها هذا الكتاب انكمدت نفسها ومرضت, وصارت تعلل نفسها, الى يوم لم تطق صبرا فارسلت
أيا بشر ما اقسى فؤادك في الهوى=ما هكذا الحب في مذهب الاسلام
اني بليت وقد تجافاني الصفا=فارحم خضوعي ثم زد بسلام
ضاقت قراطيس التراسل بيننا= جف المداد وحفيت الاقلام
فلما وقف بشر على هذه الرساله خط تحتها:
لا والذي بعث رفع السماء بأمره=ودحى بساط الهوى باستحكام
لم اعص ربي في هواك وانني= لمطهر من سائر الاثام
فلما بلغ الخطاب هندا سقطت مغشيا عليها فلما افاقت كتبت:
أدعوك ربي كما صبرتني شجنا= أن يبتليك بهول من لا يوافيك
وتشتكي محنه في الحب نازلة=وتطلب الماء ممن ليس يسقيك
بلاك ربي بامراض مسلسله=وبامتناع طبيب لا يداويك
ولا سرورا ولا يوما فرحا= وكل ضر من الرحمن يبليك
فلما اخذت الجاريه الرساله لبشر غضب غضبا شديدا ونهر الجاريه وطردها , فلما ابلغت مولاتها مرضت هند مرضا شديدا وكثر سقمها وامتنعت عن الطعام والشراب, وخاف بشر من الفضيحه فخرج الى بطاح مكة,فلما ذهبت الجاريه اليه لم تجده فابلغت مولاتها ان بشرا قد رحل فاشتد بهند المرض حتى ان زوجها كان يقول لها, أأتيك يا هند بطبيب فتقول له لا حاجه لي , الا الرحيل من هذا المكان ونذهب لمكه هواءها نقي وفضاءها فسيح....
وكان من الصدف والقدر ان كانت دار هند بمكه على مقربه من دار بشر,فكانت تراه كلما مر بها فزادها الامر كلفا,وبينما هي تعاني مما يعاني منه الصبّ, دخلت عليها عجوز اسمها جنوب, سالتها عن علتها فاخبرتها قصتها فقالت لها جنوب قري عينا لسوف اجمعك به, وقد اكرمتها هند كرما كبيرا.وخرجت جنوب وجلست على قارعه الطريق ترقب بشرا فلما مّر بها قالت له: يا بني اني ارى على وجهك سحرا, وما ظني بك الا مسحورا,فقال لها لا علم لي يا امي وانما كانت امراة تدعى هندا تبعث لي بالاشعار فتركت المدينه من اجلها وها انت كما ترينني, فقالت جنوب: اعلم يا بني انها هي من سحرتك واني ارجو ان تمر علي بالغد كي اساعدك في هذا.فتشكرها بشر وانصرف.
فبشرت جنوب هند واستبشرت هند لان زوجها على سفر, وبالغد اتت العجوز ببشر باعتبار ان البيت بيتها وليس بيت هند,فلما رات هند بشا مقبلا هرولة الى الباب فتحته فدخلت جنوب وخلفها بشر وما احس بها الا وقد اغلقت الابواب فرأى أمامه فتاة حسناء كانها البدر اذا بدر,فلما رايته ارتمت تحت قدميه ,فعرف انها هند, فانشد قائلا: ليس المليح بكامل في حسنه=حتى يكون عن الحرام عفيفا
وما كادت العجوز تدخله للبيت حتى همت بالانصراف لكنها وجدت عند عتبه الباب زوج هند وقد رجع لاخذ شيء قد نساه, فوجلت الجاريه, وصعد السلم فراى هندا وبشرا يتعاتبان فانكر ما راى واراد سل السيف لقتلهما, فقال بشر :اتت بي عجوز لهذه الدار وما اعرف ان هندا زوجه لك او لسواك, ولم يحدث بيني وبينها ما حرم الله,وقد انبتها لما عرفت بالمكيده,فخرج صبي صغير كان يخدم في الدار فقال: والله سيدي ان ما يقوله هذا الرجل صحيح, وسرد على سيده ما سمع من امر العجوز وهند وتآمرهما على بشر العابد, وان بشرا كان يذكرها بالثواب والعقاب وما خضع لها,
فقال زوج هند: اما انت يا بشر فامض لا ريب عليك, واما انتي يا هند فانت طالق مني فاخرجي الى اهلك لا اراك بعد اليوم.
أما بشر فقد وقعت منه هندا موقعا عظيما فعلل نفسه ان ينتظرها لتنقضي عدتها, فلما انقضت راسلها كي يتزوجها, فردت انها لا تريده.
فلما بلغه ردها بكى بشر بكاء شديدا وارسل اليها:
سلام الله من بعد البعاد=على الشمس المنيرة في البلاد
سلام الله يا هند عليك=ورحمة الى يوم التنادي
وحق الله لا ينساك قلبي= الى يوم القيامه يا مرادي
فرقي وارحمي مضنى كئيبا=فبش صار ملقى في الوساد
فداوي سقمه بالقرب يوما=فقلبي ذاب من ألم البعاد
فارسل بالخطاب لهند فلما قرات ما فيه من استعطاف ارسلت اليه:
سلام الله من شمس البلاد =على الصبّ الموسد في المهاد
فان ترج الوصال وتشتهيه=فأنت من الوصال من بعاد
فلست بنائل مني وصالا=ولا يدنو سوادك من بياضي
ولا تبلغ مرادك من وصالي= الى يوم القيامة والتنادي
فلما قرا خطابها ازدادت علاته : وارسل قائلا
كتبت اليك لما ضاق صدري= وأسكنتني التجلد والعياء
كتابا من فتى دنف عليل=سقيم الجسم ليس له شفاء
فرقي يا مليحه وارحميني= فقد كثر التندّم والبكاء
ثم طوى الكتاب وارسله لها فردت عليه:
كتبت الي تشكو ما تلاقي=من الاسقام اذ نزل القضاء
فإنّك لا تزل ابدا سقيما=ووجدك لا يكون له انقضاء
فمن هند الصدود مع التجافي= ومن بشر التضرع والبكاء
فعش صبّا ومن كمدا حزينا=فواحده بواحده جزاء
فاشتد على بشر المرض وقد امتنع من اكل وشراب, وكانت اخته تاتيه بالطبيب فما يجد له شفاء, وقال لو ان هندا عند بابي لردت الي الحياةز
فذهبت اخت بشر لملاقاة هند واستعطفتها فقدمت هند اليه,فلما دخلت وجدت نفسه يصّعد فلما رآها ابتسم لها ابتسامه من غضاضه الموت, وسلم عليها وأنشد:
أتت وحياض الموت بيني وبينها=وجادت بالوصل حين لا ينفع الوصل
ولما رأتني في المنايا تعطفت=عليّ وعندي من تعطفها شغل
فلما سمعت هند كلامه انتفض قلبها وبكت بكاء شديدا وانشدت تقول:
أيا بشر حالك قد فنى جسدي=وألهب النار في جسمي وقي كبدي
وفاض دمعي على الخدين منسكبا=وخانني الدهر فيكم وانقضى رشدي
ما كان قصدي بهذا الحال انظركم=لا والذي خلق الانسان من كمد
فلما سمع كلامها أومأ اليها وانشد:
أيا هند اذا مرت عليك جنازتي=فنوحي بحزن ثم في النوح رنمي
وقولي اذا مرت عليك جنازتي=وشيري بعينيك عليّ وسلمي
وقولي رعاك الله يا ميّت الهوى=وأسكنك الفردوس ان كنت مسلم
فشهق بشر شهقة واحده, وفارق الحياة فارتمت هند تنوحه وتبكيه, وقالت:
أيا عين نوحي على بشر بتغرير=الا ترويه من دمعي بتقدير؟
لفقد بشر بكيت اليوممن كمد=لا خير في عيشةتأتي بتكدير
ألقاك ربك في الجنات غرف=تلقى النعيم بها بالخير الموفور
وقيل انها ماتت ساعتها , وقد أنشد الشعار عند وقوفه عند قبرهما
خليليّ محبوبين خانهما الدهر=فما اجتمعا الا وقد نفذ العمر
وهذه القصه يقال انها حقيقيه مع ما قد يضاف اليها لكنها من اخبار العرب , وحكاياتهم,
نسأل الله السداد
تحيتي
في المدينة المنورة كان يقيم فتى نضر الشباب جميل اسمه بشر العابدين, وكان بشر تقيا كثير التردد على المسجد وعروف بالصلاح.
وفي نفس المدينه كانت تقيم هند بنت فهد, وهي امرأة من اجمل نساء العرب تزوجت رجلا موسرا مؤمنا يسمى قيس, وكانت كثيرة الجلوس على نافذه غرفتها , فحدث أن رأت بشرا العابد مارا بالقرب من دارها, فعلقت نظراتها به, وتكرر المشهد كل يوم حتى تعلقت به وهي تكتم حبه منها واجتهدت في كتمان هذا الحب واستمرت تناجي نفسها:
أهواك يا بشر دون الناس كلهم=وغيرك يهواني فيمنعه صدي
تمرّ ببابي لست تعرف ما الذي=أكابد من شوقي اليك ومن بعدي
فيا ليتني أرض وانت أمامها= تدوس بنعليك الكرام على خدي
ولما عيل صبر هند استحضرت جاريتها وقالت لها: هل تكتمين السر؟ فاجابتها الجاريه: نعم يا مولاتي واقسم اني لن ابوح به.
فكتبت هند كتابا رقيق الحاشيه وقالت لها: اريد منك ان توصليه الى بشر العابد وتاتيني منه بالجواب.
فأخذت الجاريه الكتاب لبشر وقالت: اني جارية سيدتي هند, وقد ارسلتني اليك بكتاب هذا هو, فاخذ بشر منها وقرأه وفهم معناه ثم التفت وقال للجاريه: هل سيدتك عذراء أم ذات بعل؟
فقالت الجاريه: بل متزوجه وزوجها بالمدينه.
فارتبك بشر وتحيّر , واخذته الرأفة بحال هذه السيده وهو لا يجهل أمر الحب فكتب لها:
عليك بتقوى الله لا تقربي الزنا= ولا تطلبي الفحشا فذلك مفسد
استغفري مما هممت بفعله=نهى الله عنه والنبي محمد
أما تذكري يوم الحساب وهوله =وما للفتى مال ولا شيء يفتدي
وان تطلبي قربي فبعدي أجود=فخافي عقاب الله والتمسي الهدي
فحملت الجاريه كتابه لهند, فلما قراته بكت بكاء مريرا وخطت تقول:
أما تخشى يا بشر الاله فانني لفي=حسرة من لوعتي وتسهدي
فان زرتني يا بشر احييت مهجتي= وربي غفور بالعطا باسط اليد
فلما بلغ بشر الخطاب رد عليها قائلا:
إن الذي منع الزياره, فاعلمي=خوف الفساد عليك ان لا تعتدي
واخاف ان يهواك قلبي في الهوى=فاكون قد خالفت ديم محمد
فالصبر خير وسيلة لتشفي=والى الاله فسارعي وتعبدي
فلما بلغها هذا الكتاب انكمدت نفسها ومرضت, وصارت تعلل نفسها, الى يوم لم تطق صبرا فارسلت
أيا بشر ما اقسى فؤادك في الهوى=ما هكذا الحب في مذهب الاسلام
اني بليت وقد تجافاني الصفا=فارحم خضوعي ثم زد بسلام
ضاقت قراطيس التراسل بيننا= جف المداد وحفيت الاقلام
فلما وقف بشر على هذه الرساله خط تحتها:
لا والذي بعث رفع السماء بأمره=ودحى بساط الهوى باستحكام
لم اعص ربي في هواك وانني= لمطهر من سائر الاثام
فلما بلغ الخطاب هندا سقطت مغشيا عليها فلما افاقت كتبت:
أدعوك ربي كما صبرتني شجنا= أن يبتليك بهول من لا يوافيك
وتشتكي محنه في الحب نازلة=وتطلب الماء ممن ليس يسقيك
بلاك ربي بامراض مسلسله=وبامتناع طبيب لا يداويك
ولا سرورا ولا يوما فرحا= وكل ضر من الرحمن يبليك
فلما اخذت الجاريه الرساله لبشر غضب غضبا شديدا ونهر الجاريه وطردها , فلما ابلغت مولاتها مرضت هند مرضا شديدا وكثر سقمها وامتنعت عن الطعام والشراب, وخاف بشر من الفضيحه فخرج الى بطاح مكة,فلما ذهبت الجاريه اليه لم تجده فابلغت مولاتها ان بشرا قد رحل فاشتد بهند المرض حتى ان زوجها كان يقول لها, أأتيك يا هند بطبيب فتقول له لا حاجه لي , الا الرحيل من هذا المكان ونذهب لمكه هواءها نقي وفضاءها فسيح....
وكان من الصدف والقدر ان كانت دار هند بمكه على مقربه من دار بشر,فكانت تراه كلما مر بها فزادها الامر كلفا,وبينما هي تعاني مما يعاني منه الصبّ, دخلت عليها عجوز اسمها جنوب, سالتها عن علتها فاخبرتها قصتها فقالت لها جنوب قري عينا لسوف اجمعك به, وقد اكرمتها هند كرما كبيرا.وخرجت جنوب وجلست على قارعه الطريق ترقب بشرا فلما مّر بها قالت له: يا بني اني ارى على وجهك سحرا, وما ظني بك الا مسحورا,فقال لها لا علم لي يا امي وانما كانت امراة تدعى هندا تبعث لي بالاشعار فتركت المدينه من اجلها وها انت كما ترينني, فقالت جنوب: اعلم يا بني انها هي من سحرتك واني ارجو ان تمر علي بالغد كي اساعدك في هذا.فتشكرها بشر وانصرف.
فبشرت جنوب هند واستبشرت هند لان زوجها على سفر, وبالغد اتت العجوز ببشر باعتبار ان البيت بيتها وليس بيت هند,فلما رات هند بشا مقبلا هرولة الى الباب فتحته فدخلت جنوب وخلفها بشر وما احس بها الا وقد اغلقت الابواب فرأى أمامه فتاة حسناء كانها البدر اذا بدر,فلما رايته ارتمت تحت قدميه ,فعرف انها هند, فانشد قائلا: ليس المليح بكامل في حسنه=حتى يكون عن الحرام عفيفا
وما كادت العجوز تدخله للبيت حتى همت بالانصراف لكنها وجدت عند عتبه الباب زوج هند وقد رجع لاخذ شيء قد نساه, فوجلت الجاريه, وصعد السلم فراى هندا وبشرا يتعاتبان فانكر ما راى واراد سل السيف لقتلهما, فقال بشر :اتت بي عجوز لهذه الدار وما اعرف ان هندا زوجه لك او لسواك, ولم يحدث بيني وبينها ما حرم الله,وقد انبتها لما عرفت بالمكيده,فخرج صبي صغير كان يخدم في الدار فقال: والله سيدي ان ما يقوله هذا الرجل صحيح, وسرد على سيده ما سمع من امر العجوز وهند وتآمرهما على بشر العابد, وان بشرا كان يذكرها بالثواب والعقاب وما خضع لها,
فقال زوج هند: اما انت يا بشر فامض لا ريب عليك, واما انتي يا هند فانت طالق مني فاخرجي الى اهلك لا اراك بعد اليوم.
أما بشر فقد وقعت منه هندا موقعا عظيما فعلل نفسه ان ينتظرها لتنقضي عدتها, فلما انقضت راسلها كي يتزوجها, فردت انها لا تريده.
فلما بلغه ردها بكى بشر بكاء شديدا وارسل اليها:
سلام الله من بعد البعاد=على الشمس المنيرة في البلاد
سلام الله يا هند عليك=ورحمة الى يوم التنادي
وحق الله لا ينساك قلبي= الى يوم القيامه يا مرادي
فرقي وارحمي مضنى كئيبا=فبش صار ملقى في الوساد
فداوي سقمه بالقرب يوما=فقلبي ذاب من ألم البعاد
فارسل بالخطاب لهند فلما قرات ما فيه من استعطاف ارسلت اليه:
سلام الله من شمس البلاد =على الصبّ الموسد في المهاد
فان ترج الوصال وتشتهيه=فأنت من الوصال من بعاد
فلست بنائل مني وصالا=ولا يدنو سوادك من بياضي
ولا تبلغ مرادك من وصالي= الى يوم القيامة والتنادي
فلما قرا خطابها ازدادت علاته : وارسل قائلا
كتبت اليك لما ضاق صدري= وأسكنتني التجلد والعياء
كتابا من فتى دنف عليل=سقيم الجسم ليس له شفاء
فرقي يا مليحه وارحميني= فقد كثر التندّم والبكاء
ثم طوى الكتاب وارسله لها فردت عليه:
كتبت الي تشكو ما تلاقي=من الاسقام اذ نزل القضاء
فإنّك لا تزل ابدا سقيما=ووجدك لا يكون له انقضاء
فمن هند الصدود مع التجافي= ومن بشر التضرع والبكاء
فعش صبّا ومن كمدا حزينا=فواحده بواحده جزاء
فاشتد على بشر المرض وقد امتنع من اكل وشراب, وكانت اخته تاتيه بالطبيب فما يجد له شفاء, وقال لو ان هندا عند بابي لردت الي الحياةز
فذهبت اخت بشر لملاقاة هند واستعطفتها فقدمت هند اليه,فلما دخلت وجدت نفسه يصّعد فلما رآها ابتسم لها ابتسامه من غضاضه الموت, وسلم عليها وأنشد:
أتت وحياض الموت بيني وبينها=وجادت بالوصل حين لا ينفع الوصل
ولما رأتني في المنايا تعطفت=عليّ وعندي من تعطفها شغل
فلما سمعت هند كلامه انتفض قلبها وبكت بكاء شديدا وانشدت تقول:
أيا بشر حالك قد فنى جسدي=وألهب النار في جسمي وقي كبدي
وفاض دمعي على الخدين منسكبا=وخانني الدهر فيكم وانقضى رشدي
ما كان قصدي بهذا الحال انظركم=لا والذي خلق الانسان من كمد
فلما سمع كلامها أومأ اليها وانشد:
أيا هند اذا مرت عليك جنازتي=فنوحي بحزن ثم في النوح رنمي
وقولي اذا مرت عليك جنازتي=وشيري بعينيك عليّ وسلمي
وقولي رعاك الله يا ميّت الهوى=وأسكنك الفردوس ان كنت مسلم
فشهق بشر شهقة واحده, وفارق الحياة فارتمت هند تنوحه وتبكيه, وقالت:
أيا عين نوحي على بشر بتغرير=الا ترويه من دمعي بتقدير؟
لفقد بشر بكيت اليوممن كمد=لا خير في عيشةتأتي بتكدير
ألقاك ربك في الجنات غرف=تلقى النعيم بها بالخير الموفور
وقيل انها ماتت ساعتها , وقد أنشد الشعار عند وقوفه عند قبرهما
خليليّ محبوبين خانهما الدهر=فما اجتمعا الا وقد نفذ العمر
وهذه القصه يقال انها حقيقيه مع ما قد يضاف اليها لكنها من اخبار العرب , وحكاياتهم,
نسأل الله السداد
تحيتي