دكتورعزالدين
19.05.2010, 20:23
سوسو لن ينافق
بقلم الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز بركات - بيت المقدس
بينما كان سوسو يدق أبواب المستقبل بحثاً عن الشهرة والغنى ،يلج كل طريق يوصله إلى ذلك ،فهو رجل موهوب يجيد الغناء والعزف ،ويلهم ألحاناً عذبة تجعل من الساكن متحركاً ، إلا أن صاحبنا غير موفق في أعماله فكلما فتح باباً غلقت دونه أبواب ،وكلما ولج طريقاً وجد نفسه أمام موجات سراب .
وهكذا أخذ صاحبنا يشعر بالحزن والاكتئاب ، ويتراجع شيئاً فشيئاً حتى كاد يختنق من الغيظ والألم ، ولكنه لم يفقد الأمل فأخذ يفكر ويفكر في خروجه من مأزقه ،كيف يدخل الدنيا من أوسع أبوابها ؟ كيف يصبح غنيا مشهوراً ؟ متى يشار إليه بالبنان ؟ أفكار كثيرة تراود صاحبنا سوسو إلا أنه لم يجد لها أي أجوبة ، ولم يهتد إلى أي سبيل ، ولم يجد سوسو أمامه سوى التوجه إلى الله سبحانه بالدعاء والتضرع فهو القادر على حل مشاكل سوسو .
وما كان من سوسو إلا التوجه إلى أحد المساجد ليدعو الله سبحانه أن يفقه في أعماله ويحقق له آماله ، سوسو يدخل المسجد في خشوع ، يجلس متربعاً رافعاً يديه إلى السماء قائلاٌ : اللهم وفقني وحبب الناس في مواهبي ، واجعلني خير عازف ومطرب ، اللهم وفقني إلى أجمل الألحان واجعل صوتي من أحسن الأصوات ...
وهكذا يجتهد سوسو بالدعاء بالطريقة التي يراها مناسبة وإذ به يفاجئ بشيخ السلطان واقفاً على رأسه .
شيخ السلطان : ماذا تفعل يا سوسو ؟
سوسو : كما ترى يا سيدي أدعو الله .
شيخ السلطان : وما بك يا بني ؟
سوسو : يا سيدي الشيخ أنا رجل موهوب ، ولكني غير موفق في أعمالي ، فكلما فتحت باباً غلقت دوني أبواب .
شيخ السلطان : وما مجال عملك يا سوسو ؟
سوسو : مطرب يا سيدي .
شيخ السلطان : مطرب حسناً فقد أباح الغناء بعض العلماء .
سوسو : أرجوك ساعدني يا سيدي .
شيخ السلطان مندهشاً : وبماذا أساعدك يا سوسو ؟
سوسو : بأي شيء يا سيدي الشيخ .
يقف الشيخ حائراً قائلاً لنفسه : وماذا بوسعي أن أساعد هذا المعتوه ؟ شيخ السلطان يفكر ويفكر ثم يصرخ قائلاً وجدتها يا سوسو ، وجدتها يا سوسو .
سوسو مبتسماً مسروراً : كيف يا سيدي كيف يا سيدي ؟
شيخ السلطان : ألم تقل يا سوسو بأنك مطرب ؟
سوسو : نعم يا سيدي .
شيخ السلطان : إذن سوف تغني للسلطان وعندها ترقص لك الدنيا بأسرها .
سوسو مندهشاً : ولكن كيف سأصل للسلطان يا سيدي ؟
شيخ السلطان : لا عليك يا سوسو أنا سأوصلك للسلطان ، وما عليك هو أن تذهب وتجهز أغنية جميلة تغنيها للسلطان بأعذب الألحان .
سوسو : بالطبع يا سيدي سأفعل ، سأفعل كل ما بوسعي من أجل السلطان .
سيخ السلطان : ولكن لا تنس يا سوسو بأني صاحب فضل عليك ، ولا بد من أن اخذ نصيبي مما يعطيك إياه السلطان وإلا ...
سوسو : بالطبع يا سيدي بالطبع فأنا لن أنسى فضلك علي أبداً .
شيخ السلطان : حسناً يا سوسو أذهب وجهز اللحن .
سوسو يذهب مسرعاً إلى البيت ويمسك بطنبوره ، ويأخذ يجتهد بالتأليف واللحن ، يثبت هذه الجملة ويشطب تلك ، يعجبه هذا اللحن ولا يعجبه ذاك ، وهكذا تمر الساعات وسوسو لا زال منشغلاً قد فارق النوم عينيه ، وشغل الأمل فكره حتى خرج عليه الصباح وهو سعيد بالأغنية التي لحنها للسلطان .
سوسو يخرج من بيته مسرعاً ومعه اللحن يركض سوسو كي يدرك شيخ السلطان قبل خروجه ، يصل سوسو بيت شيخ السلطان منهكاً وهو يقول بصوت عال : سيدي شيخ السلطان ها انا قد أتيت ومعي أجمل أغنية .
شيخ السلطان : عظيم يا سوسو حقاً أنك ماهر وموهوب ، هيا اسمعني تلك الغنية الجميلة.
سوسو يمسك بطنبوره ويأخذ يغني تلك الكلمات التي لحنها للسلطان :
يا أيها المليك آن النهوض فاحمل السلاح واقتل اليهود
من عاث في الأرض فسادا وأظهر الحقد وخان العهود
ولا تنس أبدا جرم قوم هدّموا العراق واكثروا الجحود
وتبجحوا فوق الديار تكبرا وامضوا إلى اليهود العقود
وحاربوا كل خير وعدل وجيشوا ضد أقوامنا الحشود
ليهدموا بزعمهم شريعة رب ارتضاها للناس ديناً وحدودا
وإياك وبطانة سوء تهدم صروح نور ومجد جدود
واقتلنّ بمهند حق كل منافق شايع اليهود ومنحهم ذل السجود
وارفعنّ راية الحق عالية فوق الأقصى وابقي الصعود
وما أن أنهى سوسو أغنيته حتى صاح شيخ السلطان من شدة الغضب قائلاً : يخرب بيتك يا سوسو ، يخرب بيتك يا سوسو ، ما هذه السخافات ، ما هذه الحماقات ، ما هذه الخزعبلات ، أتريد ان تخرب بيوتنا بجهلك يا سوسو ؟
سوسو : ولما يا سيدي الشيخ إنها كلمات جميلة تشجعه على الجهاد في سبيل الله .
الشيخ : جهاد جهاد ، اسكت يا سوسو اسكت ، حسبتك عاقلاً تعرف مصلحتك ، ولكن يبدو انك سوف تظل فاشلاً .
سوسو بحزن : ماذا أفعل يا شيخ علمني أرجوك .
شيخ السلطان :حسنا يا سوسو أما لو أنك قلت في أغنيتك :
يا خير من عرف الوجود يا من بدمه للحق يجود
رفعت فينا منار عدل وشرع وهدّمت صوامع الكفر والجحود
وأرويت ظمأ اليتيم عزا وأغنيت الفقير وأوفيت العهود
العلم في رحاب عدلك سائد والظلم ذليل أنهكته القيود
فأنت فينا رسول رحمة وأنت مليك جللته الجهود
وأنت مليك ملحمة عدل إذا جد جدك الكون تسود
لا تخف عدواً ولا تخش منية فقومك خلفك كلهم أسود
قد احنوا الجباه مذلة تحت قدميك فعندهما السعود
وانقادوا لأمرك ليس فيهم معاند فنعمت قائداً وفاز من تقود
سوسو : ولكن يا سيدي هذا كذب ونفاق .
شيخ السلطان : ماذا تقول يا هذا ؟ كذب ونفاق ، إذن كيف تضحك لك الدنيا وتصبح غنياً مشهوراً ؟
سوسو : أصبح غنياً مشهوراً بالكذب والنفاق ، لا يا سيدي سوسو لن يفعل ذلك الفقر خير لي من الكذب والنفاق .
سوسو يخرج من بيت شيخ السلطان مرددا بصوت عال :
سوسو لن ينافق ، سوسو لن ينافق ، سوسو لن ينافق
بقلم الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز بركات - بيت المقدس
بينما كان سوسو يدق أبواب المستقبل بحثاً عن الشهرة والغنى ،يلج كل طريق يوصله إلى ذلك ،فهو رجل موهوب يجيد الغناء والعزف ،ويلهم ألحاناً عذبة تجعل من الساكن متحركاً ، إلا أن صاحبنا غير موفق في أعماله فكلما فتح باباً غلقت دونه أبواب ،وكلما ولج طريقاً وجد نفسه أمام موجات سراب .
وهكذا أخذ صاحبنا يشعر بالحزن والاكتئاب ، ويتراجع شيئاً فشيئاً حتى كاد يختنق من الغيظ والألم ، ولكنه لم يفقد الأمل فأخذ يفكر ويفكر في خروجه من مأزقه ،كيف يدخل الدنيا من أوسع أبوابها ؟ كيف يصبح غنيا مشهوراً ؟ متى يشار إليه بالبنان ؟ أفكار كثيرة تراود صاحبنا سوسو إلا أنه لم يجد لها أي أجوبة ، ولم يهتد إلى أي سبيل ، ولم يجد سوسو أمامه سوى التوجه إلى الله سبحانه بالدعاء والتضرع فهو القادر على حل مشاكل سوسو .
وما كان من سوسو إلا التوجه إلى أحد المساجد ليدعو الله سبحانه أن يفقه في أعماله ويحقق له آماله ، سوسو يدخل المسجد في خشوع ، يجلس متربعاً رافعاً يديه إلى السماء قائلاٌ : اللهم وفقني وحبب الناس في مواهبي ، واجعلني خير عازف ومطرب ، اللهم وفقني إلى أجمل الألحان واجعل صوتي من أحسن الأصوات ...
وهكذا يجتهد سوسو بالدعاء بالطريقة التي يراها مناسبة وإذ به يفاجئ بشيخ السلطان واقفاً على رأسه .
شيخ السلطان : ماذا تفعل يا سوسو ؟
سوسو : كما ترى يا سيدي أدعو الله .
شيخ السلطان : وما بك يا بني ؟
سوسو : يا سيدي الشيخ أنا رجل موهوب ، ولكني غير موفق في أعمالي ، فكلما فتحت باباً غلقت دوني أبواب .
شيخ السلطان : وما مجال عملك يا سوسو ؟
سوسو : مطرب يا سيدي .
شيخ السلطان : مطرب حسناً فقد أباح الغناء بعض العلماء .
سوسو : أرجوك ساعدني يا سيدي .
شيخ السلطان مندهشاً : وبماذا أساعدك يا سوسو ؟
سوسو : بأي شيء يا سيدي الشيخ .
يقف الشيخ حائراً قائلاً لنفسه : وماذا بوسعي أن أساعد هذا المعتوه ؟ شيخ السلطان يفكر ويفكر ثم يصرخ قائلاً وجدتها يا سوسو ، وجدتها يا سوسو .
سوسو مبتسماً مسروراً : كيف يا سيدي كيف يا سيدي ؟
شيخ السلطان : ألم تقل يا سوسو بأنك مطرب ؟
سوسو : نعم يا سيدي .
شيخ السلطان : إذن سوف تغني للسلطان وعندها ترقص لك الدنيا بأسرها .
سوسو مندهشاً : ولكن كيف سأصل للسلطان يا سيدي ؟
شيخ السلطان : لا عليك يا سوسو أنا سأوصلك للسلطان ، وما عليك هو أن تذهب وتجهز أغنية جميلة تغنيها للسلطان بأعذب الألحان .
سوسو : بالطبع يا سيدي سأفعل ، سأفعل كل ما بوسعي من أجل السلطان .
سيخ السلطان : ولكن لا تنس يا سوسو بأني صاحب فضل عليك ، ولا بد من أن اخذ نصيبي مما يعطيك إياه السلطان وإلا ...
سوسو : بالطبع يا سيدي بالطبع فأنا لن أنسى فضلك علي أبداً .
شيخ السلطان : حسناً يا سوسو أذهب وجهز اللحن .
سوسو يذهب مسرعاً إلى البيت ويمسك بطنبوره ، ويأخذ يجتهد بالتأليف واللحن ، يثبت هذه الجملة ويشطب تلك ، يعجبه هذا اللحن ولا يعجبه ذاك ، وهكذا تمر الساعات وسوسو لا زال منشغلاً قد فارق النوم عينيه ، وشغل الأمل فكره حتى خرج عليه الصباح وهو سعيد بالأغنية التي لحنها للسلطان .
سوسو يخرج من بيته مسرعاً ومعه اللحن يركض سوسو كي يدرك شيخ السلطان قبل خروجه ، يصل سوسو بيت شيخ السلطان منهكاً وهو يقول بصوت عال : سيدي شيخ السلطان ها انا قد أتيت ومعي أجمل أغنية .
شيخ السلطان : عظيم يا سوسو حقاً أنك ماهر وموهوب ، هيا اسمعني تلك الغنية الجميلة.
سوسو يمسك بطنبوره ويأخذ يغني تلك الكلمات التي لحنها للسلطان :
يا أيها المليك آن النهوض فاحمل السلاح واقتل اليهود
من عاث في الأرض فسادا وأظهر الحقد وخان العهود
ولا تنس أبدا جرم قوم هدّموا العراق واكثروا الجحود
وتبجحوا فوق الديار تكبرا وامضوا إلى اليهود العقود
وحاربوا كل خير وعدل وجيشوا ضد أقوامنا الحشود
ليهدموا بزعمهم شريعة رب ارتضاها للناس ديناً وحدودا
وإياك وبطانة سوء تهدم صروح نور ومجد جدود
واقتلنّ بمهند حق كل منافق شايع اليهود ومنحهم ذل السجود
وارفعنّ راية الحق عالية فوق الأقصى وابقي الصعود
وما أن أنهى سوسو أغنيته حتى صاح شيخ السلطان من شدة الغضب قائلاً : يخرب بيتك يا سوسو ، يخرب بيتك يا سوسو ، ما هذه السخافات ، ما هذه الحماقات ، ما هذه الخزعبلات ، أتريد ان تخرب بيوتنا بجهلك يا سوسو ؟
سوسو : ولما يا سيدي الشيخ إنها كلمات جميلة تشجعه على الجهاد في سبيل الله .
الشيخ : جهاد جهاد ، اسكت يا سوسو اسكت ، حسبتك عاقلاً تعرف مصلحتك ، ولكن يبدو انك سوف تظل فاشلاً .
سوسو بحزن : ماذا أفعل يا شيخ علمني أرجوك .
شيخ السلطان :حسنا يا سوسو أما لو أنك قلت في أغنيتك :
يا خير من عرف الوجود يا من بدمه للحق يجود
رفعت فينا منار عدل وشرع وهدّمت صوامع الكفر والجحود
وأرويت ظمأ اليتيم عزا وأغنيت الفقير وأوفيت العهود
العلم في رحاب عدلك سائد والظلم ذليل أنهكته القيود
فأنت فينا رسول رحمة وأنت مليك جللته الجهود
وأنت مليك ملحمة عدل إذا جد جدك الكون تسود
لا تخف عدواً ولا تخش منية فقومك خلفك كلهم أسود
قد احنوا الجباه مذلة تحت قدميك فعندهما السعود
وانقادوا لأمرك ليس فيهم معاند فنعمت قائداً وفاز من تقود
سوسو : ولكن يا سيدي هذا كذب ونفاق .
شيخ السلطان : ماذا تقول يا هذا ؟ كذب ونفاق ، إذن كيف تضحك لك الدنيا وتصبح غنياً مشهوراً ؟
سوسو : أصبح غنياً مشهوراً بالكذب والنفاق ، لا يا سيدي سوسو لن يفعل ذلك الفقر خير لي من الكذب والنفاق .
سوسو يخرج من بيت شيخ السلطان مرددا بصوت عال :
سوسو لن ينافق ، سوسو لن ينافق ، سوسو لن ينافق