المساعد الشخصي الرقمي

اعرض النسخة الكاملة : كيف تقيد الفوائد أثناء القراءة ؟


أم حفصة
05.07.2010, 15:25
قال ابن منظور في لسان العرب : " الفائدة ما استفدته من علم أو مال وجمعها الفوائد وهما يتفاودان العلم أي يفيد كل واحد منهما الأخر " .

إن من ثمرات قراءة الكتب تقييد الفوائد ، حتى ذكر الكثير من أهل العلم أن قراءة الكتب قد لا يتحقق منها الفائدة المرجوة إلا بتقييد هذه الفوائد .

قال عبد السلام هارون –رحمه الله - : " فإن الحكيم العربي كان يقول وقوله حق : ( العلم صيد والكتابة قيد . وإذا ضاع القيد ذهب الصيد )
وكثيراً ما يقرأ الإنسان شيئاً فيعجبه ، ويظن أنه قد علق بذاكرته ، فإذا هو في الغد قد ضاع منه العلم ، وضاع معه مفتاحه ، فانتهى إلى حيرة في استعادته واسترجاعه " .
ولكن يبقى السؤال المهم ألا وهو :

ما الفوائد التي ينبغي تقييدها عند قراءة الكتب ؟
وكيف يتم تقييد هذه الفوائد ؟
وأين تقيد هذه الفائدة ؟
وماذا بعد تقييد هذه الفوائد ؟

وسأحاول الإجابة على هذه الأسئلة المهمة حسب الوسع والطاقة .

ففيما يتعلق بماهية الفوائد ، فقد ذكر بعض أهل العلم ما ينبغي تقييده من الفوائد .

قال ابن جماعة –رحمه الله – فيما ينبغي لطالب العلم : " إذا شرح محفوظات ، وضبط ما فيها من الإشكالات والفوائد المهمات ، انتقل إلى بحث المبسوطات ، مع المطالعة الدائمة ، وتعليق ما يمر به أو يسمعه من الفوائد النفيسة والمسائل الدقيقة والفروع الغريبة ، وحل المشكلات والفروق بين أحكام المتشابهات من جميع أنواع العلوم ، ولا يستقل بفائدة يسمعها، أو يتهاون بقاعدة يضبطها، بل يبادر إلى تعليقها وحفظها ".

وقال الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله – في الفوائد التي ينبغي تقييدها : " الفوائد التي لا تكاد تطرأ على الذهن ، أو التي يندر ذكرها والتعرض لها ، أو التي تكون مستجدة تحتاج إلى بيان الحكم فيها ، هذه اقتنصها ، قيدها بالكتابة لا تقول هذا أمر معلوم عندي ، ولا حاجة أن أقيدها ، فإنك سرعان ما تنسى، وكم من فائدة تمر بالإنسان فيقول هذه سهلة ما تحتاج إلى قيد، ثم بعد فترة وجيزة يتذكرها ولا يجدها، لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها أو يتجدد وقوعها وأحسن ما رأيت في مثل هذا كتاب" بدائع الفوائد" للعلامة ابن القيم، فيه بدائع العلوم، ما لا تكاد تجده في كتاب آخر، فهو جامع في كل فن، كلما طرأ على باله مسألة أو سمع فائدة قيد ذلك، ولهذا تجد فيه من علم العقائد، والفقه، والحديث، والتفسير، والنحو، والبلاغة".

وقال الشيخ بكر أبو زيد في "حلية طالب العلم": "ابذل الجهد في حفظ العلم (حفظ كتاب)، لأن تقييد العلم بالكتابة أمان من الضياع، وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج، لا سيما في مسائل العلم التي تكون في غير مظانها، ومن أجل فوائدها أنه عند كبر السن وضعف القوى يكون لديك مادة تستجر منها مادة تكتب فيها بلا عناء في البحث والتقصي".
وبعد هذه النقول يمكن تلخيص كلام العلماء حول الفوائد التي يجدر بنا أن نُعنى بتقييدها فيما يلي:
1- المسائل التي تكون في غير مظانها، فمن يطالع كتاباً مثل كتاب "الحيوان" للجاحظ يلاحظ أنه حوى الكثير من الفوائد في الكلام عن الكتب وفضائلها مما ليس له علاقة بموضوع الكتاب الأساس وهكذا في كثير من كتب الأعلام القدماء.

2-الفوائد التي يندر وقوعها، أو يتجدد.
3-الضوابط العلمية والقواعد التي يبنى عليها العديد من المسائل الجزئية.
4-الطرائف والنوادر والقصص المعبرة.
5-المسائل المشكلة.
6-دقائق الاستنباطات.
7-الفروق الدقيقة والنظائر والأشباه.
8-الفائدة التي يتفرد بها عالم عن غيره، ولم يسبق إليها، ومثال ذلك: عند قراءة كتب التفسير، أن يذكر ابن كثير تفسير لآية، لا توجد عند غيره من المفسرين.

أما كيف يتم تقييد هذه الفوائد وأين ؟

فهناك كلام نفيس لبعض أهل العلم حول هذه المسألة المهمة.

قال عبد السلام هارون –رحمه الله -: "والباحثون، ولا سيما في أيامنا هذه، يقيدون هذه المعارف في جذاذات، يرجعون إليها عند الحاجة، ولكني سلكت طريقاً أوثق من طريق الجذاذات، هو دفتر الفهرس، وهو الذي سميته "كناشة النوادر"، أقيد فيها رءوس المسائل مرتبة على حروف الهجاء، مقرونة بمراجعها … ".

وقال الشيخ بكر أبو زيد : "اجعل لك كناشاً أو مذكرة لتقييد الفوائد والفرائد والأبحاث المنثورة في غير مظانها، وإن استعملت غلاف الكتاب لتقييد ما فيه من ذلك فحسن، ثم تنقل ما يجتمع لك بعد في مذكرة، مرتباً له على الموضوعات، مقيداً رأس المسألة، واسم الكتاب، ورقم الصفحة والمجلد، ثم اكتب على ما قيدته "نقل"، حتى لا يختلط بما لم ينقل، كما تكتب: "بلغ صفحة كذا" فيما وصلت إليه من قراءة الكتاب حتى لا يفوتك ما لم تبلغه قراءة ".

وقال الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان : "تقييد الفوائد التي تسمعها: على الكتاب، أو في دفتر خارجي، وهذه الفوائد إذا حرص الإنسان على تقييدها، وعلى مراجعتها مرة بعد مرة، فإنها بإذن الله تعالى تكون عنده ملكة في الكلام، وفي التحضير، وفي إزالة الإشكال، وقل مثل هذا في القراءة.

وقال: "فإذا قرأت كتاباً (سواء على شيخ أو قراءة حرة ) فاحرص كل الحرص على أن تقيد ما تسمع أو تقرأ من الفوائد، أو ما يمر عليك من الشوارد والفرائد، فإذا أتممت قراءة الكتب ثم تصفحت تلك الفوائد، ستشعر أنك جمعت كنزاً عظيماً، خاصة إذا جعلتها منظمة بحيث تحكم تبويبها.
فإذا قرأت كتابين أو ثلاثة، ثم علقت على جنباتها ما قرأت من الفوائد، ثم لخصتها ونظمتها وجعلتها في دفتر فيكون لديك كثير من الفوائد المنتوعة: في المعتقد، وفي الأصول، وفي الجرح والتعديل، وفي النحو … وهلم جرا.
واجعل لك دفترا شاملاً مقسماً، بحيث يكون فيه: قسم للفوائد الأصولية، وقسم للفوائد النحوية، وقسم للجرح والتعديل … وهلم جرا، فسترى أنك تستطيع أن تحضر دروساً ومحاضرات، وتكتب بحوثاً في كل فن على حدة خاصة أن هذه الفوائد قل ما تكون موجودة في كتاب مجموع، وأنت قد وجدتها في كتب متفرقة.

وأزيدك أيضاً فائدة تجعل العلم لا يتفرق من ذهنك ، ويبقى ميسراً إذا أردت تَذَكَّرهً : فمثلاً إذا قرأت كتاباً في الرؤى والأحلام، ثم قرأت كتباً أخرى متنوعة، ومن هذه الكتب استخرجت فوائد تتعلق بالرؤى والأحلام، فاحرص كل الحرص على أن تفرغ هذه الفوائد من جميع هذه الكتب بأرقام الصفحات فقط، على الغلاف الداخلي لكتاب الرؤى والأحلام، فتقول: انظر الاعتصام (1/121) انظر إعلام الموقعين (2/…) إلخ.

ولن تعرف قيمة هذا الحصر إلا إذا أردت أن تقرا قراءة مستقلة في هذا الموضوع، فترى أنك جمعت متفرقات، وألفت بين مختلفات في موضوع واحد، وإذا رتب الكلام في الموضوع فترى أنك أحطت بأوله وآخره. وهذا الكلام مجرب ومقروء ومشاهد، كذلك إذا سمعت فائدة خارجية فاحرص على أن تضيفها للكتاب، ومع كثرة الفوائد الخارجية يخرج لك كتاب آخر ".

وبعد هذه النقول يمكن أن ألخص الطرق التي تقيد بها الفوائد بما يلي :

1- تسجيل الفوائد على الغلاف الداخلي للكتاب .
2- تقييد الفوائد على بطاقات ومن ثم يتم تصنيفها ، وهذه الطريقة أفضل ما تكون عندما يكون الهدف كتابة بحث أو رسالة علمية .
3- تخصيص كراساً أو كناشة لتقييد هذه الفوائد ومن ثم ترتيبها على الموضوعات .
4- تسجيل الفوائد على غلاف الكتاب ثم نقلها إلى كراسٍ مخصص لهذا الأمر ، وهذه طريقة جربتها ووجدت نفعها ولله الحمد .
5- تقييد الفوائد وحفظها في الحاسوب الذي يتولى فهرستها وترتيبها آلياً ، فتعم فائدتها ويسهل الرجوع لها .
ومن المهم هنا الإشارة إلى بعض الأخطاء التي قد يقع فيها كثير ممن يقرأ الكتب فيما يتعلق بتقييد الفوائد ، من هذه الأخطاء :

1-إهمال تقييد الفائدة بحجة أنه يعرفها قال الإمام النووي –رحمه الله – وهو يرشد الطلاب إلى تعليق الفوائد : " ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها في أي فن كانت ، بل يبادر إلى كتابتها ،ثم يواظب على مطالعة ما كتبه … " .
2-عدم عزو الفائدة لأهلها فقد قيل من بركة العلم أن يعزى إلى أهله .
إذا أفادك إنسان بفائدة من العلوم فأدمن شكره أبدا
وقل فلان جزاه الله صالحة أفادنيها وألق الكبر والحسدا .
3-الاشتغال بالفوائد أثناء البحث ، إذا كنت تبحث عن مسألة ما وأثناء تقليبك للكتاب وجدتَ فائدة فلا تنشغل بها لأن الفوائد كثيرة ، وقد يضيع عليك الوقت لانشغالك بهذه الفوائد ، وإن علَّمت على هذه الفوائد وأشرت إليها بالقلم فهذا حسن ، حتى تنتهي من بحثك ثم تعود إلى هذه الفوائد .
4-تأخير تقييد الفائدة ، قال الإمام النووي –رحمه الله - : " ولا يؤخر تحصيل فائدة –وإن قلت – إذا تمكن منها ، وإن أمن حصولها بعد ساعة ، لأن للتأخير آفات ، ولأنه في الزمن الثاني يحصل غيرها " .
5-التقليل من شأن الفوائد التي يأتي بها القرين .

وأخيراً أشير إلى أهم ثمرات تقييد الفوائد ، منها :

1-حفظ العلم .
2-إيجاد مادة تستفيد منها عند الكتابة أو تحضير موضوع أو خطبة أو كلمة وغير ذلك .
3-تقييد الفوائد يسهم في رسوخ المعلومات في ذهن القارىء .
4-تقييد الفوائد يعطي ملكة عند الحديث وإفادة الآخرين .
5-يسهل الرجوع إلى الكتاب الذي سبق قراءته وتكرار الاستفادة منه .
6-الفوائد ثمرة تجارب ومشاهدات فهي كالرحيق من الزهرة وكالشهد من العسل . وهي خلاصة الخلاصة ، والعرب تقول : " يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق " .

منقول من بريدي

queshta
05.07.2010, 19:59
ما شاء الله
جزاك الله خيرا
أختي الفاضلة:
أم حفصة
على هذا النقل الماتع
نفعنا الله و إياك به

أم حفصة
06.07.2010, 12:53
ما شاء الله

جزاك الله خيرا
أختي الفاضلة:
أم حفصة
على هذا النقل الماتع
نفعنا الله و إياك به


وجزاكم بالمثل وزيادة أخانا الفاضل
قشطة
أكرمكم الله على المرور الطيب