المساعد الشخصي الرقمي

اعرض النسخة الكاملة : وصفات تربوية


أم حفصة
08.07.2010, 14:18
وصفات تربوية

كتبها د. علي بن عمر بادحدح



أولادنا ثمرات قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، هم كما قال الشاعر:



وإنما أولادنـــا بيننــا *** أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم *** لامتنعت عيني مـن الغمض




وما من أحد منا إلا وفي قلبه عاطفة الحب والحنان لأبنائه، وتلك فطرة إنسانية وهداية ربانية، حتى إن رسل الله وأنبياءه العظام كان من أوكد همهم حرصُهم وعطفُهم على أبنائهم:
فهذا الخليل إبراهيم أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام لما جعل الله سبحانه وتعالى له المزية في الحكم والنبوة بقوله تعالى:{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}جاء سؤاله فطرياً فقال:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}فأجيب من رب العالمين سبحانه:{لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة/124]، ثم كان في دعائه بعد ذلك حضورٌ لهذه العاطفة القلبية لكن مع تلك الوجهة الإيمانية فهو يقول:
{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}[إبراهيم/40]، ويقول:{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ }[إبراهيم/35] .
وهذا نوح عليه السلام كان حرصه على ولده أكبر؛ فعندما بدأت نذر العقاب الإلهي بنزول المطر وتفجر المياه قال:
{يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}
[هود/42]، ثم هاهو يواصل الابتهال إلى ربه قائلا:
{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ}
[هود/45] حتى جاء القول الرباني الذي بين مفارقة الابن لأبيه بسبب الكفر.
وهذا نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال:
"كان إبراهيم ابنُ النبي صلى الله عليه وسلم مسترضعاً في عوالي المدينة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت .. فيأخذه فيقبله ويرجع"
[رواه ابن حبان وغيره بسند صحيح].
الله أكبر، رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى العوالي ليس له إلا هذا الهدف، وهو من هو؟ قائد الأمة المنشغل بشؤونها والمدبر لأمورها؟!
فهذه العناية والرعاية فطرة إنسانية، وسنة إسلامية.
ونحن في أيام الاختبارات نعتني بأولادنا عناية خاصة، ونحرص على شؤونهم ورعايتهم، فقد يجتنب أحدنا السفر في هذه الأيام، وربما اعتذر عن بعض الدعوات والولائم ليطمئن عليهم، ولا يكاد يمر يوم إلا ونسألهم عما فعلوا في اختباراتهم، ونبدي لهم التعاطف والاهتمام، وندعو لهم بالتوفيق والنجاح، وربما ترك الأبوان خلافاتهما، وأظهرا حرصاً على أن يكونا متعاونين متشاورين فيما يؤمن للأولاد أفضل الأجواء التي تقودهم إلى النجاح والتفوق، وهذه صورة إيجابية طيبة، دعت إلى هذه اللفتات التربوية:




أولاً: الإشعار بالعناية والرعاية:



إن نظرة العين وبسمة الثغر لها في نفوس الأبناء وقع كبير، وأثر عظيم، فلماذا لا تكون هذه العناية دائمة وشاملة، فأين العناية بالجانب الإيماني والتعبدي، ثم بالجانب السلوكي والخلقي، والجانب الثقافي والأدبي، لما لا نسألهم: ماذا قرأت؟ وهل أديت الفريضة؟ أفي المسجد أم في غيره؟ قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}
[التحريم/6]، وقال صلى الله عليه وسلم:
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"




ثانياً: التهيئة والمساعدة:



في الاختبارات نهيئ كل الأسباب بالهدوء التام، ومنع أمور كثيرة تعيق عن الجد والاجتهاد، ونقطع الزيارات، ونوقف المناسبات، ثم نقدم المساعدات؛ مادية من طعام وشراب ولباس، وعلمية إما باستجلاب المدرسين، أو بقيام الآباء والأمهات بمساعدة الأبناء في دراستهم، وهذه المساعدة ذات بعد تربوي أساسي مهم، فالأبناء امتداد للآباء يقتبسون من علومهم ويستفيدون من خبراتهم وتجاربهم، ولذلك اجتهدنا اليوم لنعلمهم الفيزياء والكيمياء وغيرهما، فلما لا نجتهد في تعليمهم أمور دينهم وهي أولى، فهذا علي بن الحسين يقول:
"كانوا يعلموننا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلموننا السورة من القرآن"
.
ولماذا لا نجتهد في تعليمهم الثقافة والقراءة، أفليسوا في الاختبارات يقرؤون مئات الصفحات؟ فلما لا ننقلهم إلى قراءة أوسع وأشمل، في العلوم الشرعية، و في الثقافة بآفاقها المختلفة، وفي الأدب الذي يكتسبون به فصاحة القول وبلاغة الأسلوب، ولماذا لا نجعل هذه العناية ممتدة في غير هذه الأوقات ولو بحوافزَ وبمسابقات؟




ثالثاً : المشورة والتعاون:



فالأم تخبر الأب بأن ابنها عنده مشكلة في هذه المادة، أو عنده خلاف مع هذا الأستاذ، والأب يوصي الأم بالانتباه للابن في مذاكرته، وربما تشاورا في الإتيان له بمدرس أو الاستعانة بشخص معين، فلم لا يكون ذلك التعاون في سائر الأحوال، فأين نحن من التعاون في معالجة مشكلاتهم الفكرية حتى لا نفاجأ بأن بعضهم ضل أو انحرف إلى التكفير أو التفجير، أو إلى التساهل والتشكيك في مسلمات الدين، وأين التعاون في تهذيبهم خلقيا، وغير ذلك كثير.



رابعاً : الإشعار بالمحبة:



نحن نعلم أن محبة أولادنا غريزة مستقرة في قلوبنا، لكن التعبير عن هذه العاطفة لا بد أن يكون بأسلوب مادي ولا أعني به المال، بل الكلمةَ والبسمةَ والنظرةَ أو الهدية والمكافأة، فيشعر الأبناء أنهم في موضع الرعاية الكبرى والعناية العظمى، وأنهم يعيشون في أجواء من المحبة الصادقة والعاطفة المتدفقة من أعظم اثنين لهم بهما صلة وهما الأب والأم، ومن ذلك أن تكتب لابنك كلمة أو بيتاً من الشعر في مذكرته الخاصة، أو ترسل له رسالة على جواله تعبر له فيها عن عاطفتك وحبك.



خامساً: تحمل المسئولية:



يساعد الآباء والأمهات أبناءهم لكنهم في الوقت نفسه يقولون لهم: اعتمدوا على أنفسكم، تحملوا مسؤولياتكم، وإذا بهم فعلاً يستشعرون هذه المسؤولية، فهم في النهاية من يؤدون الاختبارات، وهم من يجتازونها بنجاح أو خفوق، وهذه مدرسة تربوية مهمة لا بد أن ننشئ عليها أبناءنا من صغرهم، فإن أعنَّاهم أو ساعدناهم فلا بد أن يدركوا أنهم متحملون للمسؤولية، وأن يكونوا على قدرها، فيأخذون غُنْمَها ويتحملون غُرْمَها.




أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أبناءنا وبناتنا، وأن يجعلهم صالحين مصلحين، وأن يعصمنا وإياهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.