اعرض النسخة الكاملة : الرد على عدنان الرفاعي
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:00
بسم الله الرحمن الرحيم
الردُّ على عدنان الرفاعي ...
الحمدُ للهِ وَحْدَهُ والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد، ...
يُطل علينا بين فينة وأخرى ... فئامٌ من الناس ... لا يملكون من العلم بأمور الدين وشؤونه إلا النزر اليسير ... فيصولوا ويجولوا ... ويخربوا ويفسدوا .... مدعين النظر إلى الأمور بمنظار العقل ... والعقل منهم بريء ... فكل يدعي وصلاً بليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا ...
وقد وجهوا سهامهم الطائشة الغبية .. هذه المرة .. تجاه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ... مدعين أن ما وافق القرآن الكريم قبلناه ... وإلا فلا ...
ولعمري فإن هدفهم من هذا واضح ... وهو أن نجاحهم في الهجوم على السنة ... سيُفضي حتما بعد حين ... للهجوم على القرآن الكريم ... ولكن هيهات ... فالله تعالى قد حفظ كتابه .... وحفظ سنة نبيه أيضاً من أن تعبث بها أيدي العابثين الحاقدين ... فهيأ لها من علماؤنا الأجلاء ... جبالاً شوامخ من أهل العلم ... ميزت صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضعيفه ... ووقفت سداً منيعا في وجه من حاول تشويه سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم ... فجزاهم الله تعالى خير الجزاء على ما قدموا وبذلوا إعلاء لدين الله تعالى
و لمّا رأيت النصارى قد استندوا إلى هؤلاء ... فاستغلوا ما سوّدوا من صفحات تهاجم السنة وحجيتها ... كان لزاما على المرء أن يصدع بالحق ... وأن يرد رداً لائقاً بهؤلاء ... يفند فيه مزاعمهم ... ويرد على إفكهم وافتراءاتهم ...
وعلى الله تعالى قصد السبيل ومنها جائر ...
لتحميل الرد كاملاً من المرفقات
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:01
بسم الله الرحمن الرحيم
تدوين السنة النبوية ....
كلنا يعرف تاريخ القران الكريم ... وكيف تم جمعه .. ووصوله إلينا متواترا ... ومظاهر حفظ الله تعالى لكتابه العزيز ... وسنتعرض هنا بإيجاز إلى تدوين السنة ... والمراحل التي مرت بها ... ومن ثم كيف بدأ تدوين الحديث ... وكيف وضع العلماء أصولا وضوابط لقبول الأحاديث وردها ...
وهذه نقطة مهمة في الرد على هذا وأمثاله ... لأنه حينما يدعي أن حديثا ما ضعيفا... حاكمناه إلى أصول علماؤنا التي قرروها ... واعترف بمصداقيتها القاصي قبل الداني ... فان كان الحديث ضعيفا بناء على تلك الأصول وافقناه ... وإلا فرأيه عندنا لا يساوي درهمان .... لأننا نعرف حينها أن هؤلاء يردون الأحاديث بناء على ما تتوهمه عقولهم ...
ونحن لن نترك قولا أجمع عليه العلماء ... من أجل رأي خَطِلْ .. وفكرٍ لا نعرف مستنده .. يحمله شخص لا تعرف له بين أهل العلم سبقٌ أو رصيد ....
فأقول مستعينا بالله تعالى .... أن الصحابة لازموا النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا عنه القران الكريم ... وتلقوا عنه كل ما يتعلق بنواحي الحياة ... فقد جاء في صحيح مسلم :-
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ ح و حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ
قِيلَ لَهُ قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ فَقَالَ أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ
وقد وعى الصحابة كل ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ... فمنهم من كتب ذلك مثل عبد الله بن عمرو بن العاص ... ومن من ائتمر بأمر النبي بعدم الكتابة حتى لا يختلط حديثه بالقرآن ... لكن حفظ الصحابة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ... موجود وثابت في الصدور ... سيما وأن المئات منهم قد كان يعلم الناس ما رواه النبي وما أفتاهم به ...
واستمر الأمر بعدم تدوين السنة ... حتى في فترة الخلافة الراشدة ... لكي لا تصرف الناس عن تعلم القران ... ولكن ومع هذا ... فقد كان الصحابة يتذاكرون أقواله صلى الله عليه وسلم ويعلموها للناس ... وقد كان التثبت في نقل تلك الأحاديث مضبوطا وافيا ... حتى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... كان يطلب من الصحابة التثبت من كل ما يرووه عن النبي صلى الله عليه وسلم ...
وبعد ذلك ... بدأ الناس يأخذوا عن الصحابة رضوان الله عليهم أقوال النبي وأحاديثه وسننه وتعاليمه ... وبدأوا بكتابتها وتدوينها ... وبدأت رحلة طلب العلم لتعلم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ... فكان أحدهم يسير ثلاثة أيام على ناقته ... طلبا لسماع حديث واحد فقط ...
ومن ثم بدأت تظهر المصنفات ... كموطأ مالك بن أنس والمصنفات والمسانيد ... حتى جاء البخاري رحمه الله تعالى فجمع ما صح عنده من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه ( الجامع الصحيح) .. وقد انتقى من الأحاديث المروية في عصره ما صح منها ووضع شروطا لذلك مقررة في صحيحه ... وترك من الصحيح كما قال الكثير .. ثم جاء الإمام مسلم تلميذ البخاري ... ومن ثم الترمذي تلميذ البخاري أيضا وابن ماجة والنسائي ....وغيرهم من علماؤنا الأجلاء ...
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:02
بسم الله الرحمن الرحيم
شروط قبول الرواية للأحاديث ...
اعلم وفقني الله تعالى وإياك ... أن العلماء قد وضعوا شروطا وضوابط فيما سمي بعد ذلك بعلم الجرح والتعديل ... والهدف من هذه الشروط هو التأكد والتثبت من عدالة الرواة ... الذين يروون الأحاديث ...
فاشترطوا على راوي الحديث ...
أن يكون عدلا ضابطا حافظا متقنا
وان يكون من أهل التقوى والعدالة ...
وان كان هذا الراوي يروي عن شخص أخر فاشترطوا أن يكون قد عاصره وسمع منه ... ويتثبتوا من ذلك ...
ووضعوا لكل مصطلح اسما وتعريفا ...
فثقة ثبت ... تعني أن الراوي في أعلى درجات الحفظ ... ومقبول مثلا تعني التليين .. أي يستشهد برواياته إن كان غيره قد رواها من طريق أخرى ... ومنها مثلا (ليس بالقوي) ..و(سكتوا عنه) و (لا باس به) ...
إلى غير ذلك من مصطلحات علم الحديث وأصوله ...
وقد خص الله تعالى أمة نبيه بعلم السند .. فلا تجد أمة تثبت تاريخها وأقوال نبيها وعلماؤها ... كما المسلمون ...
وقد قال المستشرق مرجليوت ( يحق للمسلمين أن يفخروا بعلم الإسناد ) ...
فكيف بعد كل هذه الضوابط ... وهذه الأصول .. يأتي من يشكك في صحة الأحاديث وينكر حجيتها !!
عافانا الله تعالى وإياكم من سوء الفهم ... وضعف العقل ... وخطل الرأي ...
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:03
بسم الله الرحمن الرحيم
نبذة سريعة عن كتب السنة ...
كانت فترة التأليف قد نشطت في عصر التابعين .. وكانت هناك العديد من المؤلفات التي تم تأليفها قبل ظهور صحيح البخاري _ مثلا _ منها على سبيل المثال لا الحصر ...
كتب السنن كسنن الوليد بن عبد الملك بن جريج الرومي وسنن سعيد بن منصور والدارمي ...
ومنها أيضا المسانيد كمسند الإمام احمد واسحق بن راهويه
ومنها الجوامع والمصنفات كمصنف ابن أبي شيبة وعبد الرازق وسفيان الثوري ..
إلى أن جاء البخاري ووضع كتاب الصحيح .. وألزم نفسه اختيار ما صح عنده من أحاديث وفق شروط وضعها على نفسه ..وتبعه الإمام مسلم ... وغيرهم من أصحاب المؤلفات في الأحاديث ...
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:03
بسم الله الرحمن الرحيم
حجية السنة
لا يختلف اثنان على أن السنة هي المصدر الثاني من مصادر في الإسلام بعد كتاب الله عز وجل ... وأنها لا تعارض لا بقياس ولا باجتهاد إن صح الحديث ودل على حكم شرعي .. وسأنقل هنا بعضاً من فتاوى العلماء حول حجية السنة والتحذير من إنكارها ..
فننقل هذه الفتوى من موقع الإسلام سؤال وجواب .. للشيخ محمد صالح المنجد ... فهي توضح الغرض وبين المقصود ..
الأدلة الشّرعية على حجيّة السنّة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب علينا اتباع السنة أم القرآن فقط ؟ وهل المسلم ملزم باتّباع مذهب معيّن ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السؤال الأول يبدو للمسلم الجادّ سؤالا عجيبا ومثيرا للدهشة فكيف يتحوّل الشيء البدهي المسلّم به والذي هو من أساسيات الدين ، كيف يتحوّل مجالا للتساؤل ؟
ولكن حيث أنّ التساؤل قد حصل فنقدّم مستعينين بالله هذا التأصيل العلمي الشرعي لمسألة حجية السنة ووجوب اتّباعها وأهميتها وحكم من رفضها وفي ذلك ردّ على المتشككين وعلى أتباع الطائفة الضّالة المتسمين بالقرآنيين - والقرآن منهم بريء- وهذا التأصيل نافع أيضا -إن شاء الله - لكل من يريد معرفة الحقّ في هذه القضية :
أدلة حجية السنّة :
أولا : دلالة القرآن الكريم على حجية السنة :
وذلك من وجوه :
الأول - قال الله تعالى : (من يطع الرّسول فقد أطاع الله) ، فجعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من طاعته .
ثم قرن طاعته بطاعة رسوله ، قال تعالى : (يا أيّها الّذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول) .
الثاني - حذر الله عز وجل من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتوعد من عصاه بالخلود في النار ، قال تعالى : (فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبُهم عذاب أليم) .
الثالث - جعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان ، ومخالفته من علامات النفاق ، قال تعالى : (فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكمُّوك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلموا تسليماً) .
الرابع :- أمر سبحانه وتعالى عباده بالاستجابة لله والرسول ، قال تعالى : (يا أيُّها الّذين أمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يُحييكم ..) .
الخامس : - ثم أمرهم سبحانه برد ما تنازعوا فيه إليه ، وذلك عند الاختلاف ، قال تعالى : (فإن تنازعتم في شيء فردّوُه إلى الله والرّسول) .
ثانياً : دلالة السنة النبوية على حجية السنة :
وذلك من وجوه :
أحدها : ما رواه الترمذي عن أبي رافع وغيره رفعه (أي : إلى النبي صلى الله عليه وسلم) قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذي ط. شاكر رقم 2663
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر .. الحديث رواه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء
الثاني : ما رواه أبو داود أيضا في سننه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ، أنه قال : (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، ثم أقبل علينا ، فوعظنا موعظة بليغة) وفيها : (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ..) في كتاب السنّة من صحيح أي داود
ثالثاً : دلالة الإجماع على حجية السنة :
قال الشافعي رحمه الله : ولا أعلم من الصحابة ولا من التابعين أحدا أُخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قبل خبره ، وانتهى إليه ، وأثبت ذلك سنة .. وصنع ذلك الذين بعد التابعين ، والذين لقيناهم ، كلهم يثبت الأخبار ويجعلها سنة ، يحمد من تبعها ، ويعاب من خالفها ، فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارق سبيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم بعدهم إلى اليوم ، وكان من أهل الجهالة .
رابعا: دلالة النظر الصحيح على حجية السنة :
كون النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله ، يقتضي تصديقه في كل ما يخبر به ، وطاعته في كل ما يأمر به ، ومن المُسلَّم به أنه قد أخبر وحكم بأمور زائدة على ما في القرآن الكريم ، فالتفريق بينها وبين القرآن ، في وجوب الالتزام بها ، والاستجابة لها ، تفريق بما لا دليل عليه ، بل هو تفريق باطل ، فلزم أن يكون خبره صلى الله عليه وسلم واجب التصديق ، وكذا أمره واجب الطاعة .
حكم من أنكر حجية السنة أنه كافر لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة .
أما السؤال الثاني وهو هل المسلم ملزم باتّباع مذهب معيّن فالجواب : لا يلزم ذلك ، وكل عامي من المسلمين مذهبه مذهب مفتيه ، وعليه أن يسأل من يثق به من أهل العلم والفتوى وإذا كان الشّخص طالب علم يميّز بين الأدلة والأقوال فعليه أن يتبّع القول الراجح من أقوال أهل العلم بدليله الصحيح من الكتاب والسنّة .
هذا ويجوز للمسلم أن يتبع مذهبا معينا من المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة بشرط أنّه إذا عرف أنّ الحقّ في المسألة المعيّنة خلاف المذهب وجب عليه أن يخالف المذهب ويتّبع الحقّ ولو كان في مذهب آخر لأنّ المقصود هو اتّباع الحقّ الذي يُعرف بالكتاب والسنة ، والمذاهب الفقهية ما هي إلا طرق لمعرفة الأحكام الشرعية دالّة على أحكام الكتاب والسنّة وليست هي الكتاب والسنّة .
نسأل الله أن يرينا الحقّ حقّا ويرزقنا اتّباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وصلى الله على نبينا محمد .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:04
بسم الله الرحمن الرحيم
رد الشبهات ....
قال عدنان الرفاعي في مقال له بعنوان ( الإسلام والعروبة) ...
صحيح مسلم حديث رقم ( 4030 ) حسب ترقيم العالمية :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ ....... )) ..
صحيح مسلم حديث رقم ( 4969 ) حسب ترقيم العالمية :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ )) ..
ثم قال بعد ذلك:-
ففي هذه الحالةِ يُعَدُّ فصلُ الدينِ عن الدولةِ أمراً لصالحِ الدينِ والدولةِ على حدٍّ سواء ..
أقول أن الحديثين في صحيح مسلم ... لا غُبار عليهما وليس فيهما أي علة .. بل العلة هي فيمن يرد الأحاديث الصحيحة دون دليل سوى الفهم العقلي المنقوص ...وللرد على هذه الشبهة نقول:
أما الحديث الأول فقد قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى:-
سئل فضيلة الشيخ: ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال : « لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه » ، أليس في العمل بهذا تنفير عن الدخول في الإسلام؟
فأجاب بقوله : يجب أن نعلم أن أسد الدعاة في الدعوة إلى الله هو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن أحسن المرشدين إلى الله هو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإذا علمنا ذلك، فإن أي فهم نفهمه من كلام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكون مجانبا للحكمة، يجب علينا أن نتهم هذا الفهم، وأن نعلم أن فهمنا لكلام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطأ، لكن ليس معنى ذلك أن نقيس أحاديث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما ندركه من عقولنا، وأفهامنا؛ لأن عقولنا وأفهامنا قاصرة، لكن هناك قواعد عامة في الشريعة يرجع إليها في المسائل الخاصة الفردية.
فالنبي، عليه الصلاة والسلام، يقول: « لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطروه إلى أضيقه » والمعنى: لا تتوسعوا لهم إذا قابلوكم، حتى يكون لهم السعة، ويكون الضيق عليكم، بل استمروا في اتجاهكم وسيركم، واجعلوا الضيق إن كان هناك ضيق على هؤلاء، ومن المعلوم أن هدى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس إذا رأى الكافر ذهب يزحمه إلى الجدار حتى يرصه على الجدار، ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل هذا باليهود في المدينة ولا أصحابه يفعلونه بعد فتوح الأمصار.
فالمعنى أنكم كما لا تبدءونهم بالسلام، لا تفسحوا لهم، فإذا لقوكم فلا تتفرقوا حتى يعبروا، بل استمروا على ما أنتم عليه، واجعلوا الضيق عليهم إن كان في الطريق ضيق، وليس في الحديث تنفير عن الإسلام، بل فيه إظهار لعزة المسلم، وأنه لا يذل لأحد إلا لربه عز وجل.
وبخصوص السلام على أهل الكتاب قال الشيخ رحمه الله تعالى :-
وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم السلام على غير المسلمين؟
فأجاب بقوله : البدء بالسلام على غير المسلمين محرم ولا يجوز؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: « لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه » ، ولكنهم إذا سلموا وجب علينا أن نرد عليهم؛ لعموم قوله تعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } ، « وكان اليهود يسلمون على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقولون: "السام عليك يا محمد "، والسام بمعنى الموت، يدعون على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالموت، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: " إن اليهود يقولون: السام عليكم، فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم » .
فإذا سلم غير المسلم على المسلم، وقال: "السام عليكم" فإننا نقول: "وعليكم". وفي قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وعليكم" دليل على أنهم إذا كانوا قد قالوا: السلام عليكم، فإن عليهم السلام، فكما قالوا نقول لهم، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن اليهودي أو النصراني أو غيرهم من غير المسلمين إذا قالوا بلفظ صريح: "السلام عليكم" جاز أن نقول: عليكم السلام.
ولا يجوز كذلك أن يبدءوا بالتحية كأهلا وسهلا وما أشبهها؛ لأن في ذلك إكراما لهم، وتعظيما لهم، ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا، فإننا نقول لهم مثل ما يقولون؛ لأن الإسلام جاء بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه، ومن المعلوم أن المسلمين أعلى مكانة ومرتبة عند الله -عز وجل- فلا ينبغي أن يذلوا أنفسهم لغير المسلمين فيبدءوهم بالسلام.
إذا فنقول في خلاصة الجواب: لا يجوز أن يبدأ غير المسلمين بالسلام؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن ذلك؛ ولأن في هذا إذلالا للمسلم، حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم، والمسلم أعلى مرتبة عند
الله -عز وجل- فلا ينبغي أن يذل نفسه في هذا، أما إذا سلموا علينا فإننا نرد عليهم مثل ما سلموا.
وكذلك أيضا لا يجوز أن نبدأهم بالتحية مثل أهلا وسهلا ومرحبا وما أشبه ذلك، لما في ذلك من تعظيمهم، فهو كابتداء السلام عليهم.
أما الحديث الثاني ..
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ )) ..
فقد قال القرطبي في المفهم
قوله : "إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا ، أو نصرانيا ، فيقول : هذا فكاكك من النار") يعني : مسلما مذنبا ، بدليل الرواية الأخيرة التي قال فيها : "يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال " . ومعنى كونه فكاكا للمسلم من النار ، وأن الله يغفر للمسلم ذنوبه ، ويضاعف للكافر العذاب بحسب جرائمه ؛ لأنَّه تعالى لا يؤاخذ أحدا بذنب أحد ، كما قال : وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الإسراء : 15 . وقوله في الرواية الأخرى : "فيغفرها لهم " أي : يمنع المؤاخذة عنهم بها حتى كأنهم لم يذنبوا ، ومعنى قوله : "ويضعها على اليهود والنصارى" أي : أنه يضاعف عليهم عذاب ذنوبهم حتى يكون عذابهم بقدر جرمهم ، وجرم مذنبي المسلمين لو أخذوا بذلك ، وله تعالى أن يضاعف لمن يشاء العذاب ، ويخففه عمن يشاء ، بحكم إرادته ومشيئته ... . ولما كان خلاص المؤمن من ذنوبه عندما يدفع له الكافر سمي بذلك فكاكا كما سمي تخليص الرهن من يد المرتهن : فكاكا. وأما قوله في الرواية الأخرى :" لا يموت مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا" ، فيعني بذلك - والله أعلم - أن المسلم المذنب لما كان يستحق مكانا من النار بسبب ذنوبه ، وعفا الله تعالى عنه ، وبقي مكانه خاليا منه أضاف الله ذلك المكان إلى يهودي ، أو نصراني ليعذب فيه ، زيادة على تعذيب مكانه الذي يستحقه بسبب كفره ، ويشهد لذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث أنس للمؤمن الذي ثبت عند السؤال في القبر : فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة"
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:05
بسم الله الرحمن الرحيم
حديث الشفاعة ...
قال الرفاعي في مقال له بعنوان ( حقيقة الشفاعة وعدم الخروج من النار) ..
جاء في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما ...
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ قَالَ
اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّي الضُّحَى فَاسْتَأْذَنَّا فَأَذِنَ لَنَا وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَقُلْنَا لِثَابِتٍ لَا تَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ فَقَالَ يَا أَبَا حَمْزَةَ هَؤُلَاءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ جَاءُوكَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونِي فَأَقُولُ أَنَا لَهَا فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الْآنَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْ النَّارِ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَنَا فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ فَقَالَ هِيهْ فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ هِيهْ فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا فَقَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا قُلْنَا يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا مَا ذَكَرْتُهُ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ قَالَ ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَقُولُ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
هذا لفظ البخاري ... ولننظر الآن إلى الاعتراضات .. التي أوردها عدنان الرفاعي..
لقد تمَّ تشويهُ مسألةِ الشفاعةِ ( من قِبَلِ الكثيرين الذين يحسبونَ أنفسَهم أوصياءَ على منهجِ اللهِ تعالى ) بتصويرِها وساطة كوساطةِ البشر ، دون معيارِ حقٍّ أو عدل .. فالكثيرون من أصحابِ المعاصي ومن المقصّرين في عبادتِهِم للهِ تعالى ، ومن ناشري الفساد ، يتَّكلونَ على هذه الشفاعةِ بحجّةِ أنّهم مُسلمون ..
ويقول أيضا:-
وهناك بعضُ الرواياتِ ( في كتبِ الصحاح ) التي تناقِضُ دلالاتِ القرآنِ الكريم مناقضةً صريحةً ، تُعطيهم حيثيّاتِ هذا التواكل .. لذلك علينا أنْ ندرسَ مسألةَ الشفاعةِ من كتابِ اللهِ تعالى لنرى حقيقتَها وحدودَها ..
ويقول:-
ما نُسِبَ إلى رسولِ الله ، من أنّ شفاعتَهُ لأهلِ الكبائر من أمّتِهِ - كما رأينا - يرُدُّهُ القرآنُ الكريم .. فقيامُ بعضِ المسلمين بالكبائر يُوجِبُ عليهم عقوبةً أكبرَ من العقوبةِ المترتّبةِ على غيرِهِم في حالِ قيامِ غيرِهِم بهذه الكبائر ذاتِها .. فالذي يعصي اللهَ تعالى عن عِلْمٍ بحقيقةِ هذه المعصيةِ وبحقيقةِ عقوبتِها ، عقوبتُهُ أكبرُ ممّن يعصيه عن غيرِ عِلْم ..
ويقول:-
وهكذا نرى أنّ ارتكابَ المسلمين للكبائر في حياتِهم الدنيا ، يُرتِّبُ عليهم عقوبةً - فيما لو لم يتوبوا توبةً مقبولة - أكبرَ من غيرِهِم الذي يقوم باقترافِ الكبائر ذاتِها ، لأنّهم أكثرُ عِلماً بالحقيقةِ .. وهذا يُناقِضُ تماماً صياغةَ الحديث .. فإذا كانت هناك شفاعةٌ لهذه الكبائر ، فغيرُ المسلمين أقربُ إليها ، لأنّهم لا يعلمون الحقيقةَ كما يعلمُها المسلمون ..
ويقول:-
حينما تكونُ الشفاعةُ مخصوصةً لنوعٍ من البشرِ دون الآخرين ، أو لدينٍ محدَّدٍ دون غيرِهِ من الدياناتِ السماويّةِ ، أو لمذهبٍ محدَّدٍ .. فإنّها في النهايةِ ظُلمٌ لهؤلاءِ الآخرين ، لأنّها - حين ذلك - دونَ معيارِ حقٍّ يرتبطُ بالإيمانِ والعملِ .. وإنْ كانتْ وِفقَ معيارِ إيمانٍ وعَمَلٍ يشملُ جميعَ البشرِ ( وهي كذلك ) ، فلا بُدَّ أن يكونَ هذا المعيارُ من جملةِ المعايير التي يُحاسبُ عليها البشرُ في الآخرة ، قبلَ دُخولِهم إلى النارِ أو إلى الجنّةِ .. وحين ذلك فإنّ مفهومَ الشفاعةِ بالحيثيّةِ التي ترويها الأحاديثُ - كما رأينا - لا معنى لها ..
ويقول:-
هذا الحديثُ بهذهِ الصياغةِ يتناقضُ ما بين بدايتِهِ ونهايتهِ ، ففي بدايتهِ يذهبُ الناسُ يومَ القيامةِ إلى آدمَ وبعضِ الرسلِ عليهم السلام ، وهذا يكونُ قبلَ الدخولِ إلى الجنّةِ وإلى النارِ .. وفي داخلِ الحديثِ لا يذكرُ الرسولُ إلاّ أُمّتَهُ ، مع العلمِ أنّ الذين أتوا إليه ليشفعَ لهم هم الناسُ على مختلفِ أديانِهِم .. ويُخرِجُ الرسولُ المشفوعَ لهم من النارِ ، مع العلمِ أنّه لم يتمّ الدخولُ - حتى تلك اللحظةِ - إلى النار ..
وبعد ان ذكرنا مجمل أقوال الرفاعي ... فإن الرجل يتخبط تخبطاً عظيما ... فهو قد فهم نصوص القرآن كما شاء .. وفسرها بما يُلائم هواه .. وإلا فإن الشفاعة لا تستلزم ما ذكره .. فهي أولا لا تدعو إلى التواكل لان للشفاعة شروطا محددة .. كما أن الأحاديث لم تعارض نصوص القرآن بل توافقت معها ... خاصة بعد أن نفهم معنى الشفاعة ومن يستحقها كما سيأتي .. وهي لعموم المؤمنين وليس خاصة بمؤمني أمة عن غيرها ... أما الكفار فلا شفاعة لهم ...
وأنقل هنا توضيح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى لمفهوم الشفاعة وأقسامها وكل ما يتعلق بها ...
سئل فضيلة الشيخ : عن الشفاعة ؟ وأقسامها ؟ .
فأجاب : الشفاعة : مأخوذة من الشفع ، وهو ضد الوتر ، وهو جعل
الوتر شفعا ، مثل أن تجعل الواحد اثنين ، والثلاثة أربعة ، وهكذا هذا من حيث اللغة .
أما في الاصطلاح : فهي " التوسط للغير بجلب منفعة ، أو دفع مضرة " ؛ يعني أن يكون الشافع بين المشفوع إليه ، والمشفوع له واسطة لجلب منفعة إلى المشفوع له ، أو يدفع عنه مضرة .
والشفاعة نوعان :
النوع الأول : شفاعة ثابتة صحيحة ، وهي التي أثبتها الله - تعالى - في كتابه ، أو أثبتها رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص ؛ لأن « أبا هريرة - رضي الله عنه - قال : يا رسول الله ، من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال : " من قال : لا إله إلا الله خالصا من قلبه » .
وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة :
الشرط الأول : رضا الله عن الشافع .
الشرط الثاني : رضا الله عن المشفوع له .
الشرط الثالث : إذن الله- تعالى - للشافع أن يشفع . وهذه الشروط مجملة في قوله تعالى- : { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } ، ومفصلة في قوله : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } ، وقوله : { يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } .
وقوله : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } ، فلا بد من هذه الشروط الثلاثة حتى تتحقق الشفاعة .
ثم إن الشفاعة الثابتة ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - أنها تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الشفاعة العامة ، ومعنى العموم : أن الله - سبحانه وتعالى - يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم ، وهذه الشفاعة ثابتة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولغيره من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، وهي أن يشفع في أهل النار من عصاة المؤمنين أن يخرجوا من النار .
القسم الثاني : الشفاعة الخاصة : التي تختص بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وأعظمها الشفاعة العظمى التي تكون يوم القيامة ، حين يلحق الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله - عز وجل - أن يريحهم من هذا الموقف العظيم ، فيذهبون إلى آدم ، ثم نوح ، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، ثم عيسى وكلهم لا يشفع حتى تنتهي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقوم ويشفع عند الله - عز وجل- أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم ، فيجيب الله - تعالى - دعاءه ، ويقبل شفاعته ، وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله - تعالى - به في قوله : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } .
ومن الشفاعة الخاصة بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فتمحص قلوب بعضهم من بعض حتى يهذبوا وينقوا ، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة ، فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
النوع الثاني : الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها ، وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله - عز وجل - ، فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم ، كما قال الله - تعالى - : { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } ، وذلك ؛ لأن الله - تعالى - لا يرضى لهؤلاء المشركين شركهم ، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم ؛ لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله - عز وجل - ، والله لا يرضى لعباده الكفر ، ولا يحب الفساد ، فتعلق المشركين بآلهتهم يعبدونها ، ويقولون : { هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ } . تعلق باطل غير نافع ، بل هذا لا يزيدهم من الله - تعالى- إلا بعدا ، على أن المشركين يرجون شفاعة أصنامهم بوسيلة باطلة ، وهي عبادة هذه الأصنام ، وهذا من سفههم أن يحاولوا التقرب إلى الله - تعالى - بما لا يزيدهم منه إلا بعدا .
وقال ابن عثيمين رحمه الله تعالى أيضا في شرح لمعة الإعتقاد:-
(الشفاعة)
الشفاعة لغة: جعل الوتر شفعا.
واصطلاحا: التوسط للغير بجلب منفعة، أو دفع مضرة.
والشفاعة يوم القيامة نوعان : خاصة بالنبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعامة له ولغيره.
فالخاصة به، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شفاعته العظمى في أهل الموقف عند الله ليقضي بينهم حين يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيذهبون إلى آدم، فنوح فإبراهيم، فموسى، فعيسى، وكلهم يعتذرون فيأتون إلى النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيشفع فيهم إلى الله فيأتي سبحانه وتعالى للقضاء بين عباده.
وقد ذكرت هذه الصفة في حديث الصور المشهور لكن سنده ضعيف متكلم فيه وحذفت من الأحاديث الصحيحة فاقتصر منها على ذكر الشفاعة في أهل الكبائر.
قال ابن كثير وشارح الطحاوية: وكان مقصود السلف من الاقتصار على الشفاعة في أهل الكبائر هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة.
وهذه الشفاعة لا ينكرها المعتزلة والخوارج ويشترط فيها إذن الله لقوله تعالى: { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } .
النوع الثاني العامة: وهي الشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أهل الكبائر أن يخرجوا منها بعدما احترقوا وصاروا فحما وحميما. لحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس، أو كما قال تصيبهم النار بذنوبهم، أو قال: بخطاياهم فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحما أَذِنَ في الشفاعة » . الحديث رواه أحمد .
قال ابن كثير في النهاية ص204 ج2: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه.
وهذه الشفاعة تكون للنبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغيره من الأنبياء، والملائكة والمؤمنين لحديث أبي سعيد عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه: « فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما » . متفق عليه.
وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة والخوارج بناء على مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة.
ونرد عليهم بما يأتي:
1 - أن ذلك مخالف للمتواتر من الأحاديث عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 - أنه مخالف لإجماع السلف.
ويشترط لهذه الشفاعة شرطان:
الأول: إذن الله في الشفاعة لقوله تعالى: { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } .
الثاني: رضا الله عن الشافع والمشفوع له لقوله تعالى: { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } . فأما الكافر فلا شفاعة له لقوله تعالى: { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } أي لو فرض أن أحدا شفع لهم لم تنفعهم الشفاعة.
وأما شفاعة النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لعمه أبي طالب حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذابا، قال النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار » . رواه مسلم . فهذا خاص بالنبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعمه أبي طالب، فقط، وذلك والله أعلم لما قام به من نصرة النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والدفاع عنه، وعما جاء به.أ.هـ
فائدة : يتمسك الصوفية بحديث الشفاعة .. لتبرير استغاثتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم .. وللرد عليهم ننقل كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه لكتاب ( كشف الشبهات) :-
" فإن قال " أي المشرك الذي يدعو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن الله أعطى محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - الشفاعة فأنا أطلبها منه .
فالجواب: من ثلاثة أوجه: الأول : أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك أن تشرك به في دعائه فقال: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } .
الثاني : أن الله سبحانه وتعالى أعطاه الشفاعة ، ولكنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يشفع إلا بإذن الله، ولا يشفع إلا لمن ارتضاه الله، ومن كان مشركا فإن الله لا يرتضيه ، فلا يأذن أن يشفع له كما قال تعالى: { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } .
الثالث : أن الله تعالى أعطى الشفاعة غير محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فالملائكة يشفعون، والأفراط يشفعون، والأولياء يشفعون، فقل له: هل تطلب الشفاعة من كل هؤلاء؟ فإن قال: لا فقد خصم وبطل قوله وإن قال: نعم . رجع إلى القول بعبادة الصالحين، ثم إن هذا المشرك المشبه ليس يريد من رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم - أن يشفع له ، ولو كان يريد ذلك لقال : " اللهم شفع في نبيك محمدا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم -" ولكنه يدعو الرسول مباشرة ودعاء غير الله شرك أكبر مخرج من الملة، فكيف يريد هذا الرجل الذي يدعو مع الله غيره أن يشفع له أحد عند الله سبحانه وتعالى؟!.
وقال المؤلف : " إن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون " سنده حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الذي رواه مسلم مطولا وفيه فيقول الله- عز وجل -: « شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون » الحديث.
وقوله : " والأفراط يشفعون " الأفراط هم الذين ماتوا قبل البلوغ وسنده حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي،- صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: « لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم » أخرجه البخاري ، وله عنه وعن أبي سعيد من حديث آخر « لم يبلغوا الحنث » .
ولمزيد من الفائدة يُرجى مراجعة شرح كتاب التوحيد وكشف الشبهات والعقيدة الواسطية لابن تيمية .. وفتح الباري لابن حجر .. رحم الله تعالى الجميع ..
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:06
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمضي صاحبنا في كلامه ... فيقول لإثبات أن الأمة لم تُجمع على الصحيحين :-
مسلم حديث رقم ( 2689 ) حسب ترقيم العالمية :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ )) ..
فالأئمة الأربعة ذهبوا بما يناقض مضمون هذا الحديث ، ولذلك فالذي يقول – عندهم – لامرأته أنت طالق ثلاثاً تبين منه بينونة كبرى ، وقد خالفهم ابن حزم الظاهري ، وجعفر الصادق ، وابن تيمية ، وابن قيم الجوزيّة ، وغيرهم ..
إنّ ممّا يضع العقل في الكفّ أنّ هذا الحديث الذي لم يأخذ بمضمونه الفقهاء الأربعة
ويقول أيضا:-
أنا في هذا السياق لست في موضوع عرض هذا الموضوع الفقهي ، ولكن ما أُريد قوله : هل الأئمة الأربعة ليسوا من أهل السنّة والجماعة ، وهل ردّهم لمضمون هذا الحديث يُخرجهم من الإطار الإسلامي ؟ !!! .. وهل إخراجهم من دائرة الاعتراف بمضمون هذا الحديث لا يؤثّر على إجماع أهل السنّة والجماعة ، وهم الأئمة البارزون في صياغة فقه أهل السنّة ؟ !!! .. فأين هو الإجماع على كلِّ ما في الصحيحين ؟ !!! ..
وليت شعري .. أين خالف الفقهاء مضمون هذا الحديث وقالوا بخلافه .. أو أهملوه كما ادعى الرفاعي ..!!
وقد قال النووي رحمه الله تعالى أن هذا الحديث من الأحاديث المُشكلة .. ولكننا سنوضح هنا المسألة بإذن الله تعالى لكي نبين كل ما يتعلق بها ... وأن الفقهاء اختلفوا في مضمون الحديث ودلالته .. وليس على صحته .. كما أنهم لم يردوا الحديث بل أخذوا به كما سيأتي ..
فقد كان الأمر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وأول سنتين من خلافة عمر رضي الله عنهم .. هو أن طلاق الثلاث واحدة ... أي من قال لزوجته أنت طالق ثلاثاً .. اعتبر ذلك طلقة واحدة .. حتى لو اختلفت الصيغ .. والذي فعله عمر رضي الله عنه عندما رأى الناس قد استغلت هذا الأمر وأكثرت من الطلاق بهذه النية .. أن يردعهم عن ذلك بأن يعتبر طلاق الثلاث في المجلس الواحد بائناً ... وقد رد النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم ... على هذا الأمر وبين هذا الحديث ... فقال:-
قَوْله : ( عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ طَلَاق الثَّلَاث فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَة عُمَر طَلَاق الثَّلَاث وَاحِدَة ، فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : إِنَّ النَّاس قَدْ اِسْتَعْجَلُوا فِي أَمْر كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاة فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ )
وَفِي رِوَايَة عَنْ أَبِي الصَّهْبَاء ( أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاس أَتَعْلَمُ أَنَّمَا كَانَتْ الثَّلَاث تُجْعَل وَاحِدَة عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَثَلَاثًا مِنْ إِمَارَة عُمَر ؟ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس نَعَمْ ) وَفِي رِوَايَة ( أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس : هَاتِ مِنْ هَنَاتك أَلَمْ يَكُنْ طَلَاق الثَّلَاث عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَاحِدَة ؟ فَقَالَ : قَدْ كَانَ ذَاكَ فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْد عُمَر تَتَابَعَ النَّاس فِي الطَّلَاق فَأَجَازَهُ عَلَيْهِمْ وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُد ( عَنْ أَبِي الصَّهْبَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْو هَذَا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرَّجُل إِذَا طَلَّقَ اِمْرَأَته قَبْل أَنْ يَدْخُل بِهَا جَعَلُوهُ وَاحِدَة ) هَذِهِ أَلْفَاظ هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ مَعْدُود مِنْ الْأَحَادِيث الْمُشْكِلَة .
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ طَالِق ثَلَاثًا فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف : يَقَع الثَّلَاث . وَقَالَ طَاوُس وَبَعْض أَهْل الظَّاهِر : لَا يَقَع بِذَلِكَ إِلَّا وَاحِدَة . وَهُوَ رِوَايَة عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرَطْأَة وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَالْمَشْهُور عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرْطَاة أَنَّهُ لَا يَقَع بِهِ شَيْء ، وَهُوَ قَوْل اِبْن مُقَاتِل وَرِوَايَة عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق .
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس هَذَا ، وَبِأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْض رِوَايَات حَدِيث اِبْن عُمَر أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته ثَلَاثًا فِي الْحَيْض وَلَمْ يَحْتَسِب بِهِ ، وَبِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيث رُكَانَة أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته ثَلَاثًا وَأَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْعَتِهَا .
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُود اللَّه فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسه لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّه يُحْدِث بَعْد ذَلِكَ أَمْرًا } قَالُوا : مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُطَلِّق قَدْ يَحْدُث لَهُ نَدَم فَلَا يُمْكِنهُ تَدَارُكه لِوُقُوعِ الْبَيْنُونَة ، فَلَوْ كَانَتْ الثَّلَاث لَا تَقَع لَمْ يَقَع طَلَاقه هَذَا إِلَّا رَجْعِيًّا فَلَا يَنْدَم . وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ رُكَانَة أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته الْبَتَّة فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّه مَا أَرَدْت إِلَّا وَاحِدَة ؟ " قَالَ : اللَّه مَا أَرَدْت إِلَّا وَاحِدَة . فَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الثَّلَاث لَوَقَعْنَ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ لِتَحْلِيفِهِ مَعْنًى .
وَأَمَّا الرِّوَايَة الَّتِي رَوَاهَا الْمُخَالِفُونَ ، أَنَّ رُكَانَة طَلَّقَ ثَلَاثًا فَجَعَلَهَا وَاحِدَة ، فَرِوَايَة ضَعِيفَة عَنْ قَوْم مَجْهُولِينَ . وَإِنَّمَا الصَّحِيح مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْبَتَّة وَلَفْظ ( الْبَتَّة ) مُحْتَمَل لِلْوَاحِدَةِ وَلِلثَّلَاثِ وَلَعَلَّ صَاحِب هَذِهِ الرِّوَايَة الضَّعِيفَة اعْتَقَدَ أَنَّ لَفْظ ( الْبَتَّة ) يَقْتَضِي الثَّلَاث فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ .
وَأَمَّا حَدِيث اِبْن عُمَر فَالرِّوَايَات الصَّحِيحَة الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم وَغَيْره أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَة .
وَأَمَّا حَدِيث اِبْن عَبَّاس فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي جَوَابه وَتَأْوِيله ، فَالْأَصَحّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّل الْأَمْر إِذَا قَالَ لَهَا : أَنْتَ طَالِق أَنْتَ طَالِق أَنْتَ طَالِق ، وَلَمْ يَنْوِ تَأْكِيدًا وَلَا اِسْتِئْنَافًا يَحْكُم بِوُقُوعِ طَلْقَة لِقِلَّةِ إِرَادَتهمْ الِاسْتِئْنَاف بِذَلِكَ فَحُمِلَ عَلَى الْغَالِب الَّذِي هُوَ إِرَادَة التَّأْكِيد ، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَكَثُرَ اِسْتِعْمَال النَّاس بِهَذِهِ الصِّيغَة وَغَلَبَ مِنْهُمْ إِرَادَة الِاسْتِئْنَاف بِهَا حُمِلَتْ عِنْد الْإِطْلَاق عَلَى الثَّلَاث عَمَلًا بِالْغَالِبِ السَّابِق إِلَى الْفَهْم مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْعَصْر .
وَقِيلَ الْمُرَاد أَنَّ الْمُعْتَاد فِي الزَّمَن الْأَوَّل كَانَ طَلْقَة وَاحِدَة وَصَارَ النَّاس فِي زَمَن عُمَر يُوقِعُونَ الثَّلَاث دَفْعَة فَنَفَذَهُ عُمَر ، فَعَلَى هَذَا يَكُون إِخْبَارًا عَنْ اِخْتِلَاف عَادَة النَّاس ، لَا عَنْ تَغَيُّر حُكْم فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة .
قَالَ الْمَازِرِيّ وَقَدْ زَعَمَ مِنْ لَا خِبْرَة لَهُ بِالْحَقَائِقِ : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ . قَالَ : وَهَذَا غَلَط فَاحِش لِأَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَا يَنْسَخ وَلَوْ نَسَخَ وَحَاشَاهُ لَبَادَرَتْ الصَّحَابَة إِلَى إِنْكَاره ، وَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْقَائِل أَنَّهُ نُسِخَ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ غَيْر مُمْتَنِع ، وَلَكِنْ يَخْرُج عَنْ ظَاهِر الْحَدِيث . لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلرَّاوِي أَنْ يُخْبِر بِبَقَاءِ الْحُكْم فِي خِلَافَة أَبِي بَكْر وَبَعْض خِلَافَة عُمَر .
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ يُجْمِع الصَّحَابَة عَلَى النَّسْخ فَيُقْبَل ذَلِكَ مِنْهُمْ . قُلْنَا : إِنَّمَا يُقْبَل ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلّ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَاسِخ ، وَأَمَّا أَنَّهُمْ يَنْسَخُونَ مِنْ تِلْقَاء أَنْفُسهمْ فَمَعَاذ اللَّه لِأَنَّهُ إِجْمَاع عَلَى الْخَطَأ وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ ذَلِكَ .
فَإِنَّ قِيلَ : فَلَعَلَّ النَّسْخ إِنَّمَا ظَهَرَ لَهُمْ فِي زَمَن عُمَر . قُلْنَا : هَذَا غَلَط أَيْضًا ، لِأَنَّهُ يَكُون قَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاع عَلَى الْخَطَأ فِي زَمَن أَبِي بَكْر وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ لَا يَشْتَرِطُونَ اِنْقِرَاض الْعَصْر فِي صِحَّة الْإِجْمَاع وَاَللَّه أَعْلَم .
وَأَمَّا الرِّوَايَة الَّتِي فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَدْخُل بِهَا ، فَقَالَ بِهَا قَوْم مِنْ أَصْحَاب اِبْن عَبَّاس فَقَالُوا : لَا يَقَع الثَّلَاث عَلَى غَيْر الْمَدْخُول بِهَا ، لِأَنَّهَا تَبِين بِوَاحِدَةٍ بِقَوْلِهِ : أَنْتَ طَالِق فَيَكُون قَوْله ثَلَاثًا حَاصِل بَعْد الْبَيْنُونَة فَلَا يَقَع بِهِ شَيْء . وَقَالَ الْجُمْهُور : هَذَا غَلَط بَلْ يَقَع عَلَيْهَا الثَّلَاث ، لِأَنَّ قَوْله : ( أَنْتَ طَالِق ) مَعْنَاهُ ذَات طَلَاق . وَهَذَا اللَّفْظ يَصْلُح لِلْوَاحِدَةِ وَالْعَدَد ، وَقَوْله بَعْده ( ثَلَاثًا ) تَفْسِير لَهُ .
وَأَمَّا هَذِهِ الرِّوَايَة الَّتِي لِأَبِي دَاوُدَ فَضَعِيفَة ، رَوَاهَا أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ عَنْ قَوْم مَجْهُولِينَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس فَلَا يُحْتَجّ بِهَا وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله : ( كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاة ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيْ مُهْلَة وَبَقِيَّة اِسْتِمْتَاع لِانْتِظَارِ الْمُرَاجَعَة .
فهل بقي لك شيءٌ أيها الرفاعي ...!! أما كفاك بتراً للنصوص وبثّاً للاغاليط ... !!
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:07
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم يمضي صاحبنا في المقال السابق نفسه فيقول أن الإمام أبو حنيفة رد هذا الحديث الذي جاء في صحيح البخاري:-
وردّ أبو حنيفة مضمون حديثٍ ورد في صحيحي البخاري ومسلم ، وفيما يلي نصّ الحديث في صحيح البخاري ، الذي ورد تحت الرقم ( 6369 ) حسب ترقيم العالمية :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ بِالْمَدِينَةِ قَالَ فَرَمَاهَا يَهُودِيٌّ بِحَجَرٍ قَالَ فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا رَمَقٌ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانٌ قَتَلَكِ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَأَعَادَ عَلَيْهَا قَالَ فُلَانٌ قَتَلَكِ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَقَالَ لَهَا فِي الثَّالِثَةِ فُلَانٌ قَتَلَكِ فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ )) ..
أقول أن الإمام أبو حنيفة لم يرد الحديث .. فورع الإمام وتقواه حائلان دون ذلك ... ولكن بلغ صاحبنا مبلغاً وعراً في التجني على العلماء ... والذي ذهب إليه أبو حنيفة رضي الله عنه .. هو أنه فهم من الحديث حكما مختلفا عن فهم غيره من أئمة الفقه ... وهذا من الاجتهاد المباح للعلماء ... وقد لخص ابن حجر رحمه الله تعالى أقوال العلماء والمذاهب في هذا الأمر فقال:-
قَوْله ( حَدَّثَنَا هَمَّام )
هُوَ اِبْن يَحْيَى .
قَوْله ( عَنْ أَنَس )
فِي رِوَايَة حِبَّان بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد الْمُوَحَّدَة عَنْ هَمَّام الْآتِيَة بَعْد سَبْعَة أَبْوَاب " حَدَّثَنَا أَنَس " .
قَوْله ( أَنَّ يَهُودِيًّا )
لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه .
قَوْله ( رَضَّ رَأْس جَارِيَة )
الرَّضُّ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة وَالرَّضْخُ بِمَعْنًى ، وَالْجَارِيَة يَحْتَمِل أَنْ تَكُون أَمَةً وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون حُرَّة لَكِنْ دُون الْبُلُوغ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة هِشَام بْن زَيْد عَنْ أَنَس فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ " خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ بِالْمَدِينَةِ فَرَمَاهَا يَهُودِيٌّ بِحَجَرٍ " وَتَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْوَجْه فِي الطَّلَاق بِلَفْظِ " عَدَا يَهُودِيّ عَلَى جَارِيَة فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا وَرَضَخَ رَأْسَهَا " وَفِيهِ " فَأَتَى أَهْلُهَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ فِي آخِر رَمَق " وَهَذَا لَا يُعَيِّنُ كَوْنَهَا حُرَّةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَاد بِأَهْلِهَا مَوَالِيهَا رَقِيقَة كَانَتْ أَوْ عَتِيقَة ، وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْمهَا لَكِنْ فِي بَعْض طُرُقه أَنَّهَا مِنْ الْأَنْصَار ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْن قَوْله " رَضَّ رَأْسهَا بَيْن حَجَرَيْنِ " وَبَيْن قَوْله " رَمَاهَا بِحَجَرٍ " وَبَيْن قَوْله " رَضَخَ رَأْسهَا " لِأَنَّهُ يُجْمَع بَيْنهَا بِأَنَّهُ رَمَاهَا بِحَجَرٍ فَأَصَابَ رَأْسهَا فَسَقَطَتْ عَلَى حَجَر آخَر ، وَأَمَّا قَوْله " عَلَى أَوْضَاحٍ " فَمَعْنَاهُ بِسَبَبِ أَوْضَاح ، وَهِيَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة وَالْحَاء الْمُهْمَلَة جَمْع وَضَحٍ ، قَالَ أَبُو عُبَيْد هِيَ حُلِيّ الْفِضَّة ، وَنَقَلَ عِيَاض أَنَّهَا حُلِيّ مِنْ حِجَارَة ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ حِجَارَة الْفِضَّة اِحْتِرَازًا مِنْ الْفِضَّة الْمَضْرُوبَة أَوْ الْمَنْقُوشَة .
قَوْله ( فَقِيلَ لَهَا : مَنْ فَعَلَ بِك هَذَا أَفُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ )
؟ فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " فُلَان أَوْ فُلَان " بِحَذْفِ الْهَمْزَة ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَشْخَاص مِنْ وَجْه آخَر عَنْ هَمَّام " أَفُلَان أَفُلَان " بِالتَّكْرَارِ بِغَيْرِ وَاو عَطْف ، وَجَاءَ بَيَان الَّذِي خَاطَبَهَا بِذَلِكَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي تَلِي هَذِهِ بِلَفْظِ " فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانٌ قَتَلَك " وَبَيْن فِي رِوَايَة أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَس عِنْد مُسْلِم وَأَبِي دَاوُدَ " فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا مَنْ قَتَلَك " .
قَوْله ( حَتَّى سَمَّى الْيَهُودِيّ )
زَادَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْأَشْخَاص وَالْوَصَايَا " فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة هِشَام بْن زَيْد فِي الرِّوَايَة الَّتِي تَلِي هَذَا بَيَانُ الْإِيمَاء الْمَذْكُور وَأَنَّهُ كَانَ تَارَة دَالًّا عَلَى النَّفْي وَتَارَة دَالًّا عَلَى الْإِثْبَات بِلَفْظِ " فُلَان قَتَلَك ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسهَا ، فَأَعَادَ فَقَالَ : فُلَان قَتَلَك ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسهَا ، فَقَالَ لَهَا فِي الثَّالِثَة : فُلَان قَتَلَك ؟ فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا " وَهُوَ مُشْعِر بِأَنَّ فُلَانًا الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّل ، وَوَقَعَ التَّصْرِيح بِذَلِكَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي فِي الطَّلَاق وَكَذَا الْآتِيَة بَعْد بَابَيْنِ " فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا ، قَالَ : فَفُلَان ؟ لِرَجُلٍ آخَر يَعْنِي عَنْ - رَجُل آخَر - فَأَشَارَتْ أَنْ لَا . قَالَ : فَفُلَان قَاتِلهَا فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ " .
قَوْله ( فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَقَرَّ )
فِي الْوَصَايَا " فَجِيءَ بِهِ يَعْتَرِف فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى اِعْتَرَفَ " قَالَ أَبُو مَسْعُود : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيث : فَاعْتَرَفَ وَلَا فَأَقَرَّ إِلَّا هَمَّام بْن يَحْيَى ، قَالَ الْمُهَلَّب : فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَدِلّ عَلَى أَهْل الْجِنَايَات ثُمَّ يَتَلَطَّف بِهِمْ حَتَّى يُقِرُّوا لِيُؤْخَذُوا بِإِقْرَارِهِمْ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا جَاءُوا تَائِبِينَ فَإِنَّهُ يُعْرِض عَمَّنْ لَمْ يُصَرِّح بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَجِب إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ إِذَا أَقَرَّ ، وَسِيَاق الْقِصَّة يَقْتَضِي أَنَّ الْيَهُودِيّ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَة وَإِنَّمَا أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَجِب الْمُطَالَبَة بِالدَّمِ بِمُجَرَّدِ الشَّكْوَى وَبِالْإِشَارَةِ ، قَالَ : وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز وَصِيَّة غَيْر الْبَالِغ وَدَعْوَاهُ بِالدَّيْنِ وَالدَّم . قُلْت : فِي هَذَا نَظَر لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّن كَوْن الْجَارِيَة دُون الْبُلُوغ ، وَقَالَ الْمَازِرِيّ : فِيهِ الرَّدّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْقِصَاص بِغَيْرِ السَّيْف ، وَقَتْلَ الرَّجُل بِالْمَرْأَةِ . قُلْت : وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِمَا فِي بَابَيْنِ مُفْرَدَيْنِ قَالَ : وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضهمْ عَلَى التَّدْمِيَة لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُعْتَبَر لَمْ يَكُنْ لِسُؤَالِ الْجَارِيَة فَائِدَة ، قَالَ : وَلَا يَصِحّ اِعْتِبَاره مُجَرَّدًا لِأَنَّهُ خِلَاف الْإِجْمَاع فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ يُفِيد الْقَسَامَة . وَقَالَ النَّوَوِيّ : ذَهَبَ مَالِك إِلَى ثُبُوت قَتْل الْمُتَّهَم بِمُجَرَّدِ قَوْل الْمَجْرُوح ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث ، وَلَا دَلَالَة فِيهِ بَلْ هُوَ قَوْل بَاطِل لِأَنَّ الْيَهُودِيّ اِعْتَرَفَ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيح بِهِ فِي بَعْض طُرُقه ، وَنَازَعَهُ بَعْض الْمَالِكِيَّة فَقَالَ : لَمْ يَقُلْ مَالِك وَلَا أَحَد مِنْ أَهْل مَذْهَبه بِثُبُوتِ الْقَتْل عَلَى الْمُتَّهَم بِمُجَرَّدِ قَوْل الْمَجْرُوح ، وَإِنَّمَا قَالُوا : إِنَّ قَوْل الْمُحْتَضَر عِنْد مَوْته فُلَانٌ قَتَلَنِي لَوْثٌ يُوجِب الْقَسَامَة فَيُقْسِم اِثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ عَصَبَتِهِ بِشَرْطِ الذُّكُورِيَّة ، وَقَدْ وَافَقَ بَعْض الْمَالِكِيَّة الْجُمْهُور ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالتَّدْمِيَةِ أَنَّ دَعْوَى مَنْ وَصَلَ إِلَى تِلْكَ الْحَالَة وَهِيَ وَقْت إِخْلَاصه وَتَوْبَته عِنْد مُعَايَنَة مُفَارَقَة الدُّنْيَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقُول إِلَّا حَقًّا ، قَالُوا وَهِيَ أَقْوَى مِنْ قَوْل الشَّافِعِيَّة إِنَّ الْوَلِيّ يُقْسِمُ إِذَا وَجَدَ قُرْب وَلِيِّهِ الْمَقْتُولِ رَجُلًا مَعَهُ سِكِّينٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُون الْقَاتِل غَيْر مَنْ مَعَهُ السِّكِّين .
قَوْله ( فَرَضَّ رَأْسه بِالْحِجَارَةِ )
أَيْ دَقَّ ، وَفِي رِوَايَة الْأَشْخَاص " فَرَضَخَ رَأْسه بَيْن حَجَرَيْنِ " وَيَأْتِي فِي رِوَايَة حِبَّان أَنَّ هَمَّامًا قَالَ كُلًّا مِنْ اللَّفْظَيْنِ ، وَفِي رِوَايَة هِشَام الَّتِي تَلِيهَا " فَقَتَلَهُ بَيْن حَجَرَيْنِ " وَمَضَى فِي الطَّلَاق بِلَفْظِ الرِّوَايَة الَّتِي فِي الْأَشْخَاص ، وَفِي رِوَايَة أَبِي قِلَابَةَ عِنْد مُسْلِم " فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ " لَكِنْ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَقُتِلَ بَيْن حَجَرَيْنِ " قَالَ عِيَاض : رَضْخُهُ بَيْن حَجَرَيْنِ وَرَمْيُهُ بِالْحِجَارَةِ وَرَجْمُهُ بِهَا بِمَعْنًى ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ رُمِيَ بِحَجَرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَرَأْسُهُ عَلَى آخَرَ . وَقَالَ اِبْن التِّين : أَجَابَ بَعْض الْحَنَفِيَّة بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى الْمُمَاثَلَة فِي الْقِصَاص ، لِأَنَّ الْمَرْأَة كَانَتْ حَيَّة وَالْقَوَد لَا يَكُون فِي حَيّ ، وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ بَعْد مَوْتهَا لِأَنَّ فِي الْحَدِيث " أَفُلَان قَتَلَك " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَاتَتْ حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَجُود بِنَفْسِهَا ، فَلَمَّا مَاتَتْ اِقْتَصَّ مِنْهُ وَادَّعَى اِبْن الْمُرَابِط مِنْ الْمَالِكِيَّة أَنَّ هَذَا الْحُكْم كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام وَهُوَ قَبُول قَوْل الْقَتِيل ، وَأَمَّا مَا جَاءَ أَنَّهُ اِعْتَرَفَ فَهُوَ فِي رِوَايَة قَتَادَة وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْره وَهَذَا مِمَّا عُدَّ عَلَيْهِ اِنْتَهَى . وَلَا يَخْفَى فَسَاد هَذِهِ الدَّعْوَى فَقَتَادَةُ حَافِظٌ زِيَادَتُهُ مَقْبُولَة لِأَنَّ غَيْره لَمْ يَتَعَرَّض لِنَفْيِهَا فَلَمْ يَتَعَارَضَا ، وَالنَّسْخ لَا يَثْبُت بِالِاحْتِمَالِ . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوب الْقِصَاص عَلَى الذِّمِّيّ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ، وَاَللَّه أَعْلَمُ .
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:08
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال الرفاعي أيضا في نفس المقال:-
وردّ أبو حنيفة مضمون الحديث التالي في صحيح البخاري ، تحت الرقم ( 2227 ) حسب ترقيم العالميّة :
(( حَدَّثَنَا ....... أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ )) ..
أقول: إنَّ الأحناف لم يرفضوا الحديث وإنما تأولوه .. وادعوا أنه خبر واحد .. خالف الأصول .. وأخذوا بنصوص عن علي وابن مسعود رضي الله عنهم لا تثبت عنهما ...
قال ابن حجر في فتح الباري:-
وَحَمَلَهُ بَعْض الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا عَلَى مَا إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ السِّلْعَةَ ، وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ " عِنْدَ رَجُل " وَلِابْن حِبَّان مِنْ طَرِيقِ سُفْيَان الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد " ثُمَّ أَفْلَسَ وَهِيَ عِنْدَهُ " وَلِلْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيقِ اِبْن شِهَاب عَنْ يَحْيَى " إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَعِنْدَهُ مَتَاع " فَلَوْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْهُ مَا نَصَّ فِي الْخَبَرِ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ ، وَاعْتِذَارهمْ بِكَوْنِهِ خَبَر وَاحِد فِيهِ نَظَر ، فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ ، أَخْرَجَهُ اِبْنُ حِبَّان مِنْ حَدِيثِ اِبْن عُمَر وَإِسْنَاده صَحِيح ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث سَمُرَة وَإِسْنَاده حَسَن ، وَقَضَى بِهِ عُثْمَان وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَمَا مَضَى وَبِدُونِ هَذَا يَخْرُجُ الْخَبَرُ عَنْ كَوْنِهِ فَرْدًا غَرِيبًا ، قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا نَعْرِفُ لِعُثْمَان فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ . وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ عُثْمَان وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِمِ " : تَعَسَّفَ بَعْض الْحَنَفِيَّةِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ بِتَأْوِيلَاتٍ لَا تَقُومُ عَلَى أَسَاس ، وَقَالَ النَّوَوِيّ : تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلَاتٍ ضَعِيفَةٍ مَرْدُودَةٍ اِنْتَهَى .
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ فِي صُورَةٍ - وَهِيَ مَا إِذَا مَاتَ وَوُجِدَتْ السِّلْعَة - فَقَالَ الشَّافِعِيّ : الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَصَاحِب السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَقَالَ مَالِك وَأَحْمَد : هُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاءِ ، وَاحْتَجَّا بِمَا فِي مُرْسَلِ مَالِكٍ " وَإِنْ مَاتَ الَّذِي اِبْتَاعَهُ فَصَاحِب الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَة الْغُرَمَاءِ " وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفَلَسِ وَالْمَوْت بِأَنَّ الْمَيِّتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ فَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ مَحَلّ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فَاسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ . وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَر بْن خَلْدَة قَاضِي الْمَدِينَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِب الْمَتَاعِ أَحَقّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ " وَهُوَ حَدِيث حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، وَزَادَ بَعْضهمْ فِي آخِرِهِ " إِلَّا أَنْ يَتْرُكَ صَاحِبُه وَفَاء " وَرَجَّحَهُ الشَّافِعِيّ عَلَى الْمُرْسَلِ وَقَالَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ مِنْ رَأْيِ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن لِأَنَّ الَّذِينَ وَصَلُوهُ عَنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا قَضِيَّةَ الْمَوْتِ ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَغَيْره لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ ، بَلْ صَرَّحَ اِبْن خَلْدَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْإِفْلَاسِ وَالْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِير إِلَيْهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَة . وَجَزَمَ اِبْن الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي مُرْسَلِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي ، وَجَمَعَ الشَّافِعِيّ أَيْضًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْل حَدِيث اِبْن خَلْدَة عَلَى مَا إِذَا مَاتَ مُفْلِسًا وَحَدِيث أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن عَلَى مَا إِذَا مَاتَ مَلِيئًا وَاللَّه أَعْلَمُ .
وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إِذَا أَرَادَ الْغُرَمَاء أَوْ الْوَرَثَة إِعْطَاء صَاحِبِ السِّلْعَةِ الثَّمَن فَقَالَ مَالِك : يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد : لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ غَرِيم آخَر فَزَاحَمَهُ فِيمَا أَخَذَ . وَأَغْرَبَ اِبْنُ التِّينِ فَحَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ، لَيْسَ لَهُ إِلَّا سِلْعَتُهُ . وَيَلْتَحِقُ بِالْمَبِيعِ الْمُؤَجَّرُ فَيَرْجِعُ مُكْتَرِي الدَّابَّة أَوْ الدَّار إِلَى عَيْنِ دَابَّتِهِ وَدَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ . وَإِدْرَاج الْإِجَارَة فِي هَذَا الْحُكْمِ مُتَوَقِّف عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اِسْم الْمَتَاع أَوْ الْمَال ، أَوْ يُقَالُ اِقْتَضَى الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ أَحَقّ بِالْعَيْنِ وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ الرُّجُوع فِي الْمَنَافِعِ فَثَبَتَ بِطَرِيق اللُّزُوم . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى حُلُولِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ بِالْفَلَسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَدْرَكَ مَتَاعه بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ أَحَقّ بِهِ ، وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْمُطَالَبَة بِالْمُؤَجَّلِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقّ مَقْصُود لَهُ فَلَا يَفُوتُ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاء ، وَالْقَوْلُ الْآخَر يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَمَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوت الْفَلَس ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ إِذَا اِمْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاء الثَّمَن مَعَ قُدْرَتِهِ بِمَطْلٍ أَوْ هَرَبٍ قِيَاسًا عَلَى الْفَلَسِ بِجَامِعِ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ حَالًا ، وَالْأَصَحّ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي عَيْن الْمَتَاع دُونَ زَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَة لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَتْ بِمَتَاعِ الْبَائِعِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:08
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال الرفاعي أيضاً في ذات المقال:-
وردَّ أبو حنيفة مضمون الحديث التالي في صحيح البخاري رقم ( 2004 ) حسب ترقيم العالمية :
(( حَدَّثَنَا ....... قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ ....... )) ..
وأقول إن الحديث إذا ثبت فهو حجة .. ولا عبرة لمن خالف الأحاديث بقياس باطل ... كائناً من كان ... وأورد هنا كلام ابن حجر رحمه الله تعالى الفتح:-
وَخَالَفَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَفِي فُرُوعِهَا آخَرُونَ ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا لَا يُرَدُّ بِعَيْب التَّصْرِيَة وَلَا يَجِبُ رَدُّ صَاع مِنْ التَّمْرِ ، وَخَالَفَهُمْ زُفَر فَقَالَ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ نِصْف صَاع بُرٍّ ، وَكَذَا قَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُف فِي رِوَايَةٍ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَتَعَيَّنُ صَاع التَّمْرِ بَلْ قِيمَته ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِك وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالُوا يَتَعَيَّنُ قُوت الْبَلَدِ قِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ ، وَحَكَى الْبَغَوِيّ أَنْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِ التَّمْرِ مِنْ قُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ كَفَى ، وَأَثْبَتَ اِبْن كَجّ الْخِلَاف فِي ذَلِكَ ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا عَجَزَ عَنْ التَّمْرِ هَلْ تُلْزِمُهُ قِيمَتُهُ بِبَلَدِهِ أَوْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ الَّتِي فِيهَا التَّمْر إِلَيْهِ ؟ وَبِالثَّانِي قَالَ الْحَنَابِلَة ، وَاعْتَذَرَ الْحَنَفِيَّة عَنْ الْأَخْذِ بِحَدِيث الْمُصَرَّاة بِأَعْذَارٍ شَتَّى : فَمِنْهُمْ مَنْ طَعَنَ فِي الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة وَلَمْ يَكُنْ كَابْن مَسْعُود وَغَيْره مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُؤْخَذُ بِمَا رَوَاهُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ، وَهُوَ كَلَامٌ آذَى قَائِلُهُ بِهِ نَفْسه ، وَفِي حِكَايَتِهِ غِنًى عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ ، وَقَدْ تَرَكَ أَبُو حَنِيفَة الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ لِرِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة وَأَمْثَالِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَمِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْر ذَلِكَ ، وَأَظُنُّ أَنَّ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ أَوْرَدَ الْبُخَارِيّ حَدِيث اِبْن مَسْعُود عَقِب حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة إِشَارَة مِنْهُ إِلَى أَنَّ اِبْن مَسْعُود قَدْ أَفْتَى بِوَفْق حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَلَوْلَا أَنَّ خَبَر أَبِي هُرَيْرَة فِي ذَلِكَ ثَابِت لَمَا خَالَفَ اِبْن مَسْعُود الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فِي ذَلِكَ . وَقَالَ اِبْن السَّمْعَانِيّ فِي " الِاصْطِلَامِ " : التَّعَرُّضُ إِلَى جَانِب الصَّحَابَةِ عَلَامَة عَلَى خِذْلَانِ فَاعِلِهِ بَلْ هُوَ بِدْعَة وَضَلَالَة ، وَقَدْ اِخْتَصَّ أَبُو هُرَيْرَة بِمَزِيد الْحِفْظ لِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ - يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَفِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ أَيْضًا - وَفِيهِ قَوْلُهُ " إِنَّ إِخْوَانِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْق بِالْأَسْوَاقِ وَكُنْت أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا " الْحَدِيث . ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو هُرَيْرَة بِرِوَايَة هَذَا الْأَصْل ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ اِبْن عُمَر ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ مِنْ وَجْه آخَرَ عَنْهُ ، وَأَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَس ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرو بْن عَوْف الْمُزَنِيّ ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يُسَمَّ ، وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : هَذَا الْحَدِيثُ مُجْمَع عَلَى صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَاعْتَلَّ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ بِأَشْيَاءَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ حَدِيث مُضْطَرِب لِذِكْرِ التَّمْرِ فِيهِ تَارَة وَالْقَمْحِ أُخْرَى وَاللَّبَنِ أُخْرَى ، وَاعْتِبَاره بِالصَّاعِ تَارَة ، وَبِالْمِثْلِ أَوْ الْمِثْلَيْنِ تَارَةً وَبِالْإِنَاءِ أُخْرَى . وَالْجَوَابُ أَنَّ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ لَا اِخْتِلَافَ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالضَّعِيف لَا يُعَلُّ بِهِ الصَّحِيحُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مُعَارِضٌ لِعُمُوم الْقُرْآن كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَان الْمُتْلَفَات لَا الْعُقُوبَات ، وَالْمُتْلَفَاتُ تُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَبِغَيْرِ الْمِثْلِ ..... وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنّ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ الْمَقْطُوع بِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْعَمَل بِهِ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ التَّوَقُّفَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ إِنَّمَا هُوَ فِي مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ لَا فِي مُخَالَفَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ ، وَهَذَا الْخَيْر إِنَّمَا خَالَفَ قِيَاسَ الْأُصُولِ بِدَلِيل أَنَّ الْأُصُولَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس ، وَالْكِتَاب وَالسُّنَّة فِي الْحَقِيقَةِ هُمَا الْأَصْل وَالْآخَرَانِ مَرْدُودَانِ إِلَيْهِمَا ، فَالسُّنَّة أَصْل وَالْقِيَاس فَرْع فَكَيْفَ يُرَدُّ الْأَصْلُ بِالْفَرْعِ ؟ بَلْ الْحَدِيث الصَّحِيح أَصْل بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ الْأَصْلَ يُخَالِفُ نَفْسه ؟ وَعَلَى تَقْدِير التَّسْلِيم يَكُونُ قِيَاس الْأُصُولِ يُفِيدُ الْقَطْعَ وَخَبَر الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنّ ، فَتَنَاوُلُ الْأَصْل لَا يُخَالِفُ هَذَا الْخَبَر الْوَاحِد غَيْر مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَاز اِسْتِثْنَاء مَحَلِّهِ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ .
قَالَ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ : وَهَذَا أَقْوَى مُتَمَسَّكٍ بِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ . وَقَالَ اِبْن السَّمْعَانِيّ : مَتَى ثَبَتَ الْخَبَرُ صَارَ أَصْلًا مِنْ الْأُصُولِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى عَرْضِهِ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ إِنْ وَافَقَهُ فَذَاكَ وَإِنْ خَالَفَهُ فَلَا يَجُوزُ رَدّ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْخَبَرِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِاتِّفَاقٍ فَإِنَّ السُّنَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ بِلَا خِلَاف ، إِلَى أَنْ قَالَ : وَالْأَوْلَى عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَسْلِيم الْأَقْيِسَة لَكِنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً لِأَنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ مُقَدَّمَة عَلَيْهَا وَاللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : هَذَا الْحَدِيثُ أَصْل فِي النَّهْيِ عَنْ الْغِشِّ ، وَأَصْل فِي ثُبُوثِ الْخِيَار لِمَنْ دُلِّسَ عَلَيْهِ بِعَيْب ، وَأَصْلٌ فِي أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ أَصْلَ الْبَيْعِ ، وَأَصْل فِي أَنْ مُدَّةَ الْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّامٍ ، وَأَصْلٌ فِي تَحْرِيمِ التَّصْرِيَة وَثُبُوتِ الْخِيَارِ بِهَا... أ.هـ
ثم يقول الرفاعي في المقال السابق ذكره:-
فهل أبو حنيفة ليس من أهل السنّة والجماعة ؟ !! .. وهل ردّه لمضامين هذه الأحاديث يضعه في دائرة الكفر ؟ !! .. أم أنّ المنهج يعاير على أقوال الرجال ، ولا يعاير الرجال أبداً على المنهج ؟ !!! .. أمّ أنّ فقه أبي حنيفة النعمان خارج ساحة سنّة الرسول ( ص ) ؟ !!! ..
أقول إن العمدة عند أهل العلم هو الأخذ بالحديث الصحيح .. ومن خالف ذلك فقوله مردود ... وقد أوردنا أقوال العلماء التي حكاها ابن حجر فلم يعد للرفاعي وغيره مستمك أو حجة ... ذلك أن اختلاف الفقهاء _ كما رأينا _ إنما هو في وجه دلالة الحديث ... والأحكام المستفادة منه ... أما أنهم يردون الأحاديث فهذا غير صحيح ... وبخصوص فعل أبي حنيفة رحمه الله تعالى فقد رده العلماء .. وبينوا أن الصواب فيما جاء في الحديث ... وضعفوا قوله في المسألة ...
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:09
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمضي الرفاعي فيقول:-
وكان الإمام مالك يضعّف مضمون الحديث التالي في صحيحي البخاري ومسلم ، نختار منهما الحديثين التاليين ..
البخاري ( 167 ) حسب ترقيم العالميّة :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا ))
مسلم ( 420 ) حسب ترقيم العالمية :
(( و حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ )) ..
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري:-
خَالَفَ ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث الْمَالِكِيَّة وَالْحَنَفِيَّة ، فَأَمَّا الْمَالِكِيَّة فَلَمْ يَقُولُوا بِالتَّتْرِيبِ أَصْلًا مَعَ إِيجَابهمْ التَّسْبِيع عَلَى الْمَشْهُور عِنْدهمْ ؛ لِأَنَّ التَّتْرِيب لَمْ يَقَع فِي رِوَايَة مَالِك ، قَالَ الْقَرَافِيّ مِنْهُمْ : قَدْ صَحَّتْ فِيهِ الْأَحَادِيث ، فَالْعَجَب مِنْهُمْ كَيْف لَمْ يَقُولُوا بِهَا . وَعَنْ مَالِك رِوَايَة أَنَّ الْأَمْر بِالتَّسْبِيعِ لِلنَّدْبِ ، وَالْمَعْرُوف عِنْد أَصْحَابه أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ لَكِنَّهُ لِلتَّعَبُّدِ لِكَوْنِ الْكَلْب طَاهِرًا عِنْدهمْ ، وَأَبْدَى بَعْض مُتَأَخِّرِيهِمْ لَهُ حِكْمَة غَيْر التَّنْجِيس كَمَا سَيَأْتِي . وَعَنْ مَالِك رِوَايَة بِأَنَّهُ نَجِس ؛ لَكِنَّ قَاعِدَته أَنَّ الْمَاء لَا يَنْجُس إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ ، فَلَا يَجِب التَّسْبِيع لِلنَّجَاسَةِ بَلْ لِلتَّعَبُّدِ ، لَكِنْ يَرِد عَلَيْهِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّل هَذَا الْحَدِيث فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِم وَغَيْره مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْنِ سِيرِينَ وَهَمَّام بْن مُنَبِّه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " طَهُور إِنَاء أَحَدكُمْ " لِأَنَّ الطَّهَارَة تُسْتَعْمَل إِمَّا عَنْ حَدَث أَوْ خَبَث ، وَلَا حَدَث عَلَى الْإِنَاء فَتَعَيَّنَ الْخَبَث . وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْحَصْر لِأَنَّ التَّيَمُّم لَا يَرْفَع الْحَدَث وَقَدْ قِيلَ لَهُ طَهُور الْمُسْلِم ؛ وَلِأَنَّ الطَّهَارَة تُطْلَق عَلَى غَيْر ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ ) وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " السِّوَاك مَطْهَرَة لِلْفَمِ " وَالْجَوَاب عَنْ الْأَوَّل بِأَنَّ التَّيَمُّم نَاشِئ عَنْ حَدَث فَلَمَّا قَامَ مَقَامَ مَا يُطَهِّر الْحَدَث سُمِّيَ طَهُورًا . وَمَنْ يَقُول بِأَنَّهُ يَرْفَع الْحَدَث يَمْنَع هَذَا الْإِيرَاد مِنْ أَصْله . وَالْجَوَاب عَنْ الثَّانِي أَنَّ أَلْفَاظ الشَّرْع إِذَا دَارَتْ بَيْن الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة وَالشَّرْعِيَّة حُمِلَتْ عَلَى الشَّرْعِيَّة إِلَّا إِذَا قَامَ دَلِيل ، وَدَعْوَى بَعْض الْمَالِكِيَّة أَنَّ الْمَأْمُور بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغه الْكَلْب الْمَنْهِيّ عَنْ اِتِّخَاذه دُون الْمَأْذُون فِيهِ يَحْتَاج إِلَى ثُبُوت تَقَدُّم النَّهْي عَنْ الِاتِّخَاذ عَنْ الْأَمْر بِالْغَسْلِ ، وَإِلَى قَرِينَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد مَا لَمْ يُؤْذَن فِي اِتِّخَاذه ؛ لِأَنَّ الظَّاهِر مِنْ اللَّام فِي قَوْله الْكَلْب أَنَّهَا لِلْجِنْسِ أَوْ لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّة فَيَحْتَاج الْمُدَّعِي أَنَّهَا لِلْعَهْدِ إِلَى دَلِيل ، وَمِثْله تَفْرِقَة بَعْضهمْ بَيْن الْبَدَوِيّ وَالْحَضَرِيّ ، وَدَعْوَى بَعْضهمْ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِالْكَلْبِ الْكَلِب ، وَأَنَّ الْحِكْمَة فِي الْأَمْر بِغَسْلِهِ مِنْ جِهَة الطِّبّ لِأَنَّ الشَّارِع اِعْتَبَرَ السَّبْع فِي مَوَاضِع مِنْهُ كَقَوْلِهِ " صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْع قِرَب " ، قَوْله " مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَات عَجْوَة " . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْكَلْب الْكَلِب لَا يَقْرَب الْمَاء فَكَيْف يُؤْمَر بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغه ؟ وَأَجَابَ حَفِيد اِبْن رُشْد بِأَنَّهُ لَا يَقْرَب الْمَاء بَعْد اِسْتِحْكَام الْكَلْب مِنْهُ ، أَمَّا فِي اِبْتِدَائِهِ فَلَا يَمْتَنِع . وَهَذَا التَّعْلِيل وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُنَاسَبَة لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِم التَّخْصِيص بِلَا دَلِيل وَالتَّعْلِيل بِالتَّنْجِيسِ أَقْوَى لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوص ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ اِبْن عَبَّاس التَّصْرِيح بِأَنَّ الْغَسْل مِنْ وُلُوغ الْكَلْب بِأَنَّهُ رِجْس رَوَاهُ مُحَمَّد بْن نَصْر الْمَرْوَزِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح وَلَمْ يَصِحّ عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة خِلَافه وَالْمَشْهُور عَنْ الْمَالِكِيَّة أَيْضًا التَّفْرِقَة بَيْن إِنَاء الْمَاء فَيُرَاق وَيُغْسَل وَبَيْن إِنَاء الطَّعَام فَيُؤْكَل ثُمَّ يُغْسَل الْإِنَاء تَعَبُّدًا لِأَنَّ الْأَمْر بِالْإِرَاقَةِ عَامّ فَيُخَصّ الطَّعَام مِنْهُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِضَاعَة الْمَال ، وَعُورِضَ بِأَنَّ النَّهْي عَنْ الْإِضَاعَة مَخْصُوص بِالْأَمْرِ بِالْإِرَاقَةِ وَيَتَرَجَّح هَذَا الثَّانِي بِالْإِجْمَاعِ عَلَى إِرَاقَة مَا تَقَع فِيهِ النَّجَاسَة مِنْ قَلِيل الْمَائِعَات وَلَوْ عَظُمَ ثَمَنه ، فَثَبَتَ أَنَّ عُمُوم النَّهْي عَنْ الْإِضَاعَة مَخْصُوص بِخِلَافِ الْأَمْر بِالْإِرَاقَةِ ، وَإِذَا ثَبَتَتْ نَجَاسَة سُؤْره كَانَ أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون لِنَجَاسَةِ عَيْنه أَوْ لِنَجَاسَةٍ طَارِئَة كَأَكْلِ الْمَيْتَة مَثَلًا ؛ لَكِنَّ الْأَوَّل أَرْجَح إِذْ هُوَ الْأَصْل ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَم عَلَى الثَّانِي مُشَارَكَة غَيْره لَهُ فِي الْحُكْم كَالْهِرَّةِ مَثَلًا ، وَإِذَا ثَبَتَتْ نَجَاسَة سُؤْره لِعَيْنِهِ لَمْ يَدُلّ عَلَى نَجَاسَة بَاقِيه إِلَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاس كَأَنْ يُقَال : لُعَابه نَجِس فَفَمه نَجِس لِأَنَّهُ مُتَحَلِّب مِنْهُ وَاللُّعَاب عَرَق فَمه وَفَمه أَطْيَب بَدَنه فَيَكُون عَرَقه نَجِسًا وَإِذَا كَانَ عَرَقه نَجِسًا كَانَ بَدَنه نَجِسًا لِأَنَّ الْعَرَق مُتَحَلِّب مِنْ الْبَدَن وَلَكِنْ هَلْ يَلْتَحِق بَاقِي أَعْضَائِهِ بِلِسَانِهِ فِي وُجُوب السَّبْع وَالتَّتْرِيب أَمْ لَا ؟ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَام النَّوَوِيّ ....أ.هـ
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:10
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال الرفاعي:-
ولم يأخذ الإمام مالك بمضمون الحديث التالي في الصحيحين :
البخاري ( 1816 ) حسب ترقيم العالمية :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ....... ))
مسلم حديث رقم ( 1935 ) حسب ترقيم العالمية :
(( و حَدَّثَنِي ....... عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ )) ..
وقد رد ابن حجر رحمه الله تعالى على مجمل ذلك فقال في الفتح:-
قَوْله : ( مَنْ مَاتَ )
عَامٌّ فِي الْمُكَلَّفِينَ لِقَرِينَةِ " وَعَلَيْهِ صِيَام " وَقَوْله " صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْر تَقْدِيره فَلْيَصُمْ عَنْهُ وَلِيّه ، وَلَيْسَ هَذَا الْأَمْر لِلْوُجُوبِ عِنْد الْجُمْهُور ، وَبَالَغَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَادَّعَوْا الْإِجْمَاع عَلَى ذَلِكَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بَعْض أَهْل الظَّاهِر أَوْجَبَهُ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ عَلَى قَاعِدَته . وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة : فَأَجَازَ الصِّيَام عَنْ الْمَيِّت أَصْحَابُ الْحَدِيث ، وَعَلَّقَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم الْقَوْل بِهِ عَلَى صِحَّة الْحَدِيث كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَعْرِفَة " وَهُوَ قَوْل أَبِي ثَوْر وَجَمَاعَة مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّة ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْخِلَافِيَّات " : هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَابِتَة لَا أَعْلَم خِلَافًا بَيْن أَهْل الْحَدِيث فِي صِحَّتهَا فَوَجَبَ الْعَمَل بِهَا ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّافِعِيّ قَالَ : كُلّ مَا قُلْت وَصَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافه فَخُذُوا بِالْحَدِيثِ وَلَا تُقَلِّدُونِي . وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة لَا يُصَام عَنْ الْمَيِّت . وَقَالَ اللَّيْث وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو عُبَيْد : لَا يُصَام عَنْهُ إِلَّا النَّذْرُ حَمْلًا لِلْعُمُومِ الَّذِي فِي حَدِيث عَائِشَة عَلَى الْمُقَيَّد فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُض حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنهمَا ، فَحَدِيث اِبْن عَبَّاس صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ سَأَلَ عَنْهَا مَنْ وَقَعَتْ لَهُ ، وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَهُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْإِشَارَة فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس إِلَى نَحْو هَذَا الْعُمُوم حَيْثُ قِيلَ فِي آخِرِهِ " فَدَيْن اللَّه أَحَقّ أَنْ يُقْضَى " . وَأَمَّا رَمَضَان فَيُطْعِم عَنْهُ ، فَأَمَّا الْمَالِكِيَّة فَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث الْبَاب بِدَعْوَى عَمَلِ أَهْل الْمَدِينَة كَعَادَتِهِمْ ، وَادَّعَى الْقُرْطُبِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ أَنَّ الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس ثَانِي حَدِيثَيْ الْبَاب ، وَلَيْسَ الِاضْطِرَاب فِيهِ مُسَلَّمًا كَمَا سَيَأْتِي ، وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَلَا اِضْطِرَاب فِيهِ . وَاحْتَجَّ الْقُرْطُبِيُّ بِزِيَادَةِ اِبْن لَهِيعَةَ الْمَذْكُورَة لِأَنَّهَا تَدُلّ عَلَى عَدَم الْوُجُوب ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُعْظَم الْمُجِيزِينَ لَمْ يُوجِبُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا قَالُوا يَتَخَيَّر الْوَلِيّ بَيْن الصِّيَام وَالْإِطْعَام ، وَأَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجَدِيد بِأَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " صَامَ عَنْهُ وَلِيّه أَيْ فَعَلَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَا يَقُوم مَقَام الصَّوْم وَهُوَ الْإِطْعَام ، قَالَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله " التُّرَاب وَضُوءُ الْمُسْلِم إِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاء " قَالَ فَسَمَّى الْبَدَلَ بِاسْمِ الْمُبْدَل فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَرْفٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِره بِغَيْرِ دَلِيل . وَأَمَّا الْحَنَفِيَّة فَاعْتَلُّوا لِعَدَمِ الْقَوْل بِهَذَيْنِ الْحَدِيثِينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا " سُئِلَتْ عَنْ اِمْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْم ، قَالَتْ : يُطْعَمُ عَنْهَا " . وَعَنْ عَائِشَة قَالَتْ " لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ " أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس " قَالَ فِي رَجُل مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَان قَالَ يُطْعَمُ عَنْهُ ثَلَاثُونَ مِسْكِينًا " أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " لَا يَصُوم أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " قَالُوا فَلَمَّا أَفْتَى اِبْن عَبَّاس وَعَائِشَة بِخِلَافِ مَا رَوَيَاهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَل عَلَى خِلَاف مَا رَوَيَاهُ ، وَهَذِهِ قَاعِدَة لَهُمْ مَعْرُوفَة ، إِلَّا أَنَّ الْآثَار الْمَذْكُورَة عَنْ عَائِشَة وَعَنْ اِبْن عَبَّاس فِيهَا مَقَال ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَمْنَع الصِّيَام إِلَّا الْأَثَر الَّذِي عَنْ عَائِشَة وَهُوَ ضَعِيف جِدًّا ، وَالرَّاجِح أَنَّ الْمُعْتَبَر مَا رَوَاهُ لَا مَا رَآهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخَالِفَ ذَلِكَ لِاجْتِهَادٍ وَمُسْتَنَدُهُ فِيهِ لَمْ يَتَحَقَّق وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ضَعْف الْحَدِيث عِنْده ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ صِحَّة الْحَدِيث لَمْ يُتْرَكْ الْمُحَقَّقُ لِلْمَظْنُونِ ، وَالْمَسْأَلَة مَشْهُورَة فِي الْأُصُول . وَاخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " وَلِيُّهُ " فَقِيلَ كُلّ قَرِيب ، وَقِيلَ الْوَارِث خَاصَّة ، وَقِيلَ عَصَبَتُهُ ، وَالْأَوَّل أَرْجَح ، وَالثَّانِي قَرِيب ، وَيَرُدُّ الثَّالِثَ قِصَّة الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلَتْ عَنْ نَذْرِ أُمِّهَا . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يَخْتَصّ ذَلِكَ بِالْوَلِيِّ ؟ لِأَنَّ الْأَصْل عَدَم النِّيَابَة فِي الْعِبَادَة الْبَدَنِيَّة ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَة لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَة فِي الْحَيَاة فَكَذَلِكَ فِي الْمَوْت إِلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ الدَّلِيل فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى الْأَصْل وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح ، وَقِيلَ يَخْتَصّ بِالْوَلِيِّ فَلَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ يَصُوم عَنْهُ أَجْزَأَ كَمَا فِي الْحَجِّ ، وَقِيلَ يَصِحُّ اِسْتِقْلَال الْأَجْنَبِيّ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَلِيّ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ ، وَظَاهِر صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ اِخْتِيَارُ هَذَا الْأَخِير ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَقَوَّاهُ بِتَشْبِيهِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِالدَّيْنِ وَالدَّيْنُ لَا يَخْتَصّ بِالْقَرِيبِ .
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:10
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم قال الرفاعي:-
ولم يعتبر الإمام مالك مضمون ما جاء في الحديث التالي :
مسلم حديث رقم ( 1984 ) حسب ترقيم العالمية :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ....... )) ..
ورد الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه على صحيح مسلم فقال:-
فِيهِ دَلَالَة صَرِيحَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد وَمُوَافِقَيْهِمْ فِي اِسْتِحْبَاب صَوْم هَذِهِ السِّتَّة ، وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة : يُكْرَه ذَلِكَ ، قَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّإِ : مَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَصُومهَا ، قَالُوا : فَيُكْرَهُ ؛ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ . وَدَلِيل الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح الصَّرِيح ، وَإِذَا ثَبَتَتْ السُّنَّة لَا تُتْرَكُ لِتَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَوْ كُلِّهِمْ لَهَا ، وَقَوْلهمْ : قَدْ يُظَنّ وُجُوبهَا ، يُنْتَقَض بِصَوْمِ عَرَفَة وَعَاشُورَاء وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّوْم الْمَنْدُوب . قَالَ أَصْحَابنَا : وَالْأَفْضَل أَنْ تُصَامَ السِّتَّةُ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْم الْفِطْرِ ، فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِل شَوَّال إِلَى أَوَاخِره حَصَلَتْ فَضِيلَة الْمُتَابَعَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال ، قَالَ الْعُلَمَاء : وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْر ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، فَرَمَضَانُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَالسِّتَّة بِشَهْرَيْنِ ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي حَدِيث مَرْفُوع فِي كِتَاب النَّسَائِيِّ .
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:11
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال الرفاعي:-
ولم يعتبر الإمام مالك في الرضاع مضمون ما جاء في الحديث التالي :
مسلم حديث رقم ( 2634 ) حسب ترقيم العالميّة :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ )) ، وحجّته هي معارضة مضمون هذا الحديث لمطلق الصياغة القرآنيّة (( ....... وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ....... )) ( النساء : 23 ) ..
قلت: انظروا الى الرجل ... إذ يدعي على الإمام مالك رفضه للحديث بحجة مخالفته للآية القرآنية .. وإنما كان من مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى أن الرضعة الواحدة ولو كانت قطرة تدخل الجوف فإنها تحرم ... قال الباجي رحمه الله تعالى في (المنتقى شرح الموطأ) ..
وَقَوْلُهُ فَلَمْ أَدْخُلْ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ ، ثُمَّ رَوَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ وَلَعَلَّ مَا اعْتَقَدَتْهُ مِنْ النَّسْخِ لَمْ يَظْهَرْ إلَيْهَا إِلَّا مَا أَمَرَتْ بِهِ فِي قِصَّةِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ تُتِمَّ الْخَمْسَ رَضَعَاتٍ النَّاسِخَةَ عِنْدَهَا فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا ، وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ تُحَرِّمُ الْقَطْرَةُ الْوَاحِدَةُ إِذَا وَصَلَتْ الْجَوْفَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ ، وَرَوَى عَنْ عَائِشَةَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ ، وَرُوِيَ عَنْهَا نَسَخَتْهَا خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ رَضْعَةٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَ شُيُوخِنَا أَنَّ الْمَصَّةَ وَالْمَصَّتَانِ لَا تُحَرِّمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا اجْتِذَابُ شَيْءٍ مِنْ اللَّبَنِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ فَلَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ الْوِلَادَةُ وَالطُّهْرُ .
وقد سبق أن الرد الشيخ سلمان العودة على الغزالي الذي انتقد هذا الحديث وادعى أن الإمام مالك قد رفضه .. وفيما يبدو أن الرفاعي قد استشهد بكلام الغزالي رحمه الله مع أنه لم يعزُه إليه .. على أية حال أورد هنا رد الشيخ العودة في كتابه (حوار هادئ مع الغزالي) .. حيث قال:
1- أما الحديث فقد رواه مسلم, ومالك, وأبو داود, والترمذي, والنسائي,-باللفظ الذي سبق-.
2- هل هذه الرواية تشغب على المحفوظ من كتاب الله؟ ما أدري وجه شغبها على المحفوظ من كتاب الله؟ إن كان قصد الشيخ أن القرآن ورد فيه الرضاع مطلقاً (وأخواتكم من الرضاعة).
فإن هذا الحديث بيان لما أجمل في هذه الآية, فبين أن المقصود بالرضاعة ما كان خمس رضعات, فليس فيها شغب على المحفوظ من كتاب الله, وأما إن كان قصد الشيخ أنها تقول توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن فيما يقرأ من القرآن فهذا -أيضاً- ليس فيه إشكال يدعو على رد الحديث, فالمقصود أن هذا الحكم وهو عشر رضعات أخر نسخه إلى آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-, حتى إنه وقت وفاته -صلى الله عليه وسلم- كان فيما يقرأ من القرآن, فكان بعض الصحابة يقرأونه لأنهم لم يبلغهم نسخه ثم بلغهم أنه منسوخ فتركوه بعد ذلك, ومن المعلوم أن خبر النسخ, كخبر نزول شيء من القرآن لا يصل إلى الناس في لحظة واحدة, بل ينتقل بينهم بالتدريج.
3- قول الإمام مالك (ليس على هذا العمل) -صحيح- لكنه لم يرفض الحديث -كما قال الغزالي- (ورفض الحديث), لأن رفض الحديث أمر آخر. فهو قد يرى فيه رأياً, أما مسألة الرفض فهي أمر صعب.
وقد أخذ بالحديث واشترط خمس رضعات عدد من الأئمة كابن مسعود, وعائشة, وابن الزبير, وابن حزم, وجماعة من الأئمة, فهو ليس مذهباً غريباً.
ابو علي الفلسطيني
24.07.2010, 23:11
بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول الرفاعي أيضا في المقال السابق ذكره:-
وعن قول عائشة رضي الله تعالى عنها ، والذي أخرجه البخاري في الحديث التالي رقم ( 222 ) حسب ترقيم العالمية :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ )) ، قال الإمام الشافعي : هذا ليس بثابت عن عائشة ..
قلت: لم أقف على قول الإمام الشافعي هذا .. ولا استبعد أن يقوم الرفاعي بالتدليس على الشافعي رحمه الله تعالى .... سيما وأن ابن بطال قد ذكر في شرحه على صحيح البخاري:-
وقال الشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: المنى طاهر ويفركه من ثوبه، وإن لم يفركه فلا بأس.
وممن رأى فرك المنى : سعد بن أبى وقاص، وابن عباس.
والله أعلم وأحكم
يُتبع بحول الله تعالى
ابو علي الفلسطيني
25.07.2010, 22:44
بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول الرفاعي أيضا في نفس المقال:-
.. ومعلومٌ أنّ الشافعيّة وكثيرين من السابقين واللاحقين يجهرون بالبسملة وذلك على الرغم من الحديث التالي وعلمهم بمضمونه :
مسلم حديث رقم ( 606 ) حسب ترقيم العالمية :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِ الْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا ....... )) ..
وبخصوص مسألة الجهر بالبسملة فأورد هنا هذه الفتوى من موقع الشبكة الإسلامية:-
الجهر والإسرار بالبسملة كلاهما سنة.
[السُّؤَالُ]
ـ[... بسم الله الرحمن الرحيم جزاكم الله خيرا على هذا المجهود الطيب ، وكثر الله من أمثالكم .
بالنسبة للجهر بالبسملة عند الصلاة الجهرية أي قبل قراءة الفاتحة وبعد الفاتحة ، جائز أم تقرأ سرا ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أما الجهر بالبسملة قبل قراءة الفاتحة فقد وقع فيه الخلاف بين العلماء فمنهم من قال هو سنة، ومنهم من قال السنة الإسرار.
قال الإمام ابن قدامة: (ولا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون.
قال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من التابعين، منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ. وذكره ابن المنذر عن ابن مسعود، وابن الزبير، وعمار، وبه يقول الحكم، وحماد، والأوزاعي، والثوري، وابن المبارك، وأصحاب الرأي.
ويروى عن عطاء، وطاووس، ومجاهد، وسعيد بن جبير: الجهر بها وهو مذهب الشافعي.. إلخ) .
انظر المغني (1/521) و قال الصنعاني في سبل السلام (وقد أطال العلماء في هذه المسألة الكلام وألف فيها بعض الأعلام، وقال أيضاً: واختار جماعة من المحققين أنها مثل سائر آيات القرآن يجهر بها فيما يجهر فيه، ويسر بها فيما يسر فيه.. إلخ (1/ 329) .
والراجح والله أعلم أن الجهر والإسرار بالبسملة قد وردا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الإسرار بها كان أكثر، وما أجمل كلام الإمام ابن القيم إذ يقول: (وكان يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة خمس مرات أبداً حضراً وسفراً، ويخفى ذلك على خلفائه الراشدين، وعلى جُمهور أصحابه، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا من أمحل المحال حتى يحتاج إلى التشبث فيه بألفاظ مجملة، وأحاديث واهية، فصحيح تلك الأحاديث غير صريح، وصريحها غير صحيح، وهذا موضع يستدعي مجلّداً ضخماً) . انظر زاد المعاد (1/ 206- 207) .
وبناءً على ما تقدم، فالسنة الإسرار بالبسملة، ولا بأس بالجهر بها في بعض الأحيان جمعاً بين الأدلة.
... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420
ابو علي الفلسطيني
25.07.2010, 22:45
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال الرفاعي:-
.. ولننظر إلى الحديث التالي في صحيحي بخاري ومسلم :
البخاري ( 3336 ) :
(( حَدَّثَنِي ....... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ ....... ))
مسلم ( 5195 ) :
(( حَدَّثَنَا ....... قَالَ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُهْلِكُ أُمَّتِي هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ ....... ))
لقد أورد هذا الحديث أيضاً الإمام أحمد في مسنده ، ولكن في نهايته يقول ابنه عبد الله عن أبيه (( اضْرِبْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْأَحَادِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي قَوْلَهُ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَاصْبِرُوا )) ، وهاهو النصّ الحرفي لهذا الحديث في مسند أحمد :
.. مسند أحمد ( 7663 ) :
(( حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُهْلِكُ أُمَّتِي هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ و قَالَ أَبِي فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ اضْرِبْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْأَحَادِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي قَوْلَهُ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَاصْبِرُوا )) ..
وهو هنا يُشير إلى قول الإمام أحمد ( اضرب على هذا الحديث ... الخ) فهل كان قصد الإمام احمد أن ارفض هذا الحديث وما جاء به !! كلا ...ولكن الرفاعي للأسف يتبع أسلوب التدليس .. وإغفال الحقيقة عن القراء ... فقد قال احمد شاكر رحمه الله تعالى في تحقيقه على مسند الإمام احمد:-
لعله كان احتياطاً منه رحمه الله، خشية أن يظن أن اعتزالهم يعني الخروج عليهم، وفي الخروج فساد كبير، بما يتبعه من تفريق الكلمة، وما فيه من شقِّ عصا الطاعة، ولكن الواقع أن المراد بالاعتزال أن يحتاط الإِنسان لدينه، فلا يدخل معهم مداخل الفساد، وَبرْبَأ بدينه من الفتن.
***
ثم يقول الرفاعي بعد ذلك:-
فهل الأئمة الأربعة ، وشرّاح الأحاديث ، وغيرهم الكثير من أهل السنّة والجماعة ، ليسوا من أهل السنّة والجماعة ، ويوصفون بالكفر والزندقة ؟ !! .. وهل خروجهم من دائرة من يعتقدون بصحّة مضمون كلِّ ما في الصحاح ، لا يخلُّ بمقولة إجماع أهل السنّة والجماعة على صحّة كلِّ ما ورد في الصحيحين ؟ !!! ..
قلنا أن الأمة قد تلقت صحيحي البخاري ومسلم بالقبول ... وأن العلماء قد تحدثوا وانتقدوا بعض الأحاديث الواردة فيهما ( قدرها بعضهم بمئتين وبضعة عشر حديثا) ... وهذا العدد بالنسبة لما في الصحيحين من أحاديث لا تعدو نسبته 1% .... وليس كل تلك الأحاديث مسلم بانتقادها ... وقد رد ابن حجر وغيره على هذه الانتقادات وبالتالي فان الإجماع على صحة ما ورد في هذين الكتابين فاق الحدود ولله الحمد والمنة ...
أما أن يختلف الفقهاء حول دلالة بعض الأحاديث والأحكام المستفادة منها ..فهذا لا يعني أنهم يرفضوا تلك الأحاديث ..كما بينّا ...ثم أن العلماء قد بينوا خطأ الإمام أبو حنيفة عندما قدم القياس على السنة (مع أن هذا ليس فعلا عاما للإمام أبو حنيفة وإنما هي حالات معدودة) ... وبالتالي فإن رفضه للاستدلال بمضمون الحديث بينه العلماء وردوا عليه ... ونحن لا نتبع العلماء فيما أخطئوا فيه ... ونلتمس لهم العذر في ذلك ...
ابو علي الفلسطيني
25.07.2010, 22:46
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم يقول الرفاعي:-
ولو فرضنا جدلاً أنَّ الأئمة الأربعة وغيرهم لم يعترضوا على مضمون أيِّ حديثٍ في الصحاح ، فهل من الممكن أن نتصوّر إجماعَ أمّةٍ – تقدّس كتاب الله تعالى وتعتبره محفوظاً – على الحديث التالي في صحيح البخاري رقم ( 4595 ) حسب ترقيم العالمية : (( حَدَّثَنَا ....... قَالَ سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا – المقصود بكذا وكذا أنّ المعوذتين ليستا من القرآن – فَقَالَ أُبَيٌّ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي قِيلَ لِي فَقُلْتُ قَالَ فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) .. وورد هذا الحديث أيضاً في صحيح البخاري تحت الرقم ( 4594 ) حسب ترقيم العالمية : (( حَدَّثَنَا ....... قَالَ سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قِيلَ لِي فَقُلْتُ فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) ، وقد أورد الإمام احمد في مسنده هذا الحديث بصورة أوضح تحت الرقم ( 20245 ) حسب ترقيم العالمية : (( حَدَّثَنِي ....... قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ وَيَقُولُ إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ الْأَعْمَشُ وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ سَأَلْنَا عَنْهُمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقِيلَ لِي فَقُلْتُ )) ..
وإن اختيار ابن مسعود وأُبيّ للتلبيس على لسانهما ، في الصحيحين ، ليس اختياراً عشوائياً ، فهذان الرجلان هما من الرجال الذين أمر الرسول ( ص ) بأخذ القرآن عنهم ، وذلك في الصحيحين ذاتهما ، ونختار الحديث التالي من صحيح البخاري ، الذي يرد تحت الرقم ( 4615 ) حسب ترقيم العالمية : (( حَدَّثَنَا ....... سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ )) .. وعبد الله ابن مسعود الذي اختير للتلبيس على لسانه ، يُقسم في الصحيحين أنّه أعلم الناس بكتاب الله تعالى ، وهذا حديث في صحيح البخاري تحت الرقم ( 4618 ) يؤكد ذلك : (( حَدَّثَنَا ....... قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ )) ..
فهو هنا يتهم البخاري ومسلم أنهما قد دلسا على ابن مسعود رضي الله عنه ... ولفقوا رواية عليه هو وأُبي بن كعب رضي الله عنه ...
ثم يذكر كلام الغزالي رحمه الله تعالى فيقول:-
ولذلك نرى أنّ الشيخ محمد الغزالي يصف هذا التلبيس على لسان ابن مسعود في كتابه ( تراثنا الفكري ) ، صفحة : ( 147 ) فيقول بالحرف الواحد : [[ ومن الروايات السخيفة أن يجازف شخص بإثبات آثارٍ تمسّ القرآن الكريم ، بل إنّي أعدّ ذلك من السفه المنكور ، أليس من المضحك أن ينسب إلى ابن مسعود أنّه أنكر كون المعوذتين من القرآن الكريم ؟ .. أتبلغ الحفاوة بالمرويات التافهة هذا الحدّ من الخساسة ؟ !!! .. أحياناً يخيّل إلي أنّ أصحاب المساند جمعوها أولاً مسودات تضم كلّ ما قيل ، على أن يمحو منها بعد ذلك الأساطير ثمّ ماتوا قبل أن يتموا أعمالهم !! .. ومن أمثلة ذلك ما جاء في مسند أحمد ، حديث رقم ( 25112 ) : (( حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرًا فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا )) ]] ..
فأيُّ إجماعٍ يمكننا تصوّره على هكذا أحاديث ؟ !!! .. والمشكلة الأكبر أنّنا نجد من يدافع عن صحّة هذه الأحاديث ، ويتّهم من يُشكّك بها بالكفر والزندقة والخروج من الإسلام ..
والصحيح أن كلامه هذا مردود عليه هو والغزالي ... فلا الروايات منكرة ولا هي بالسفيهة ... والتسرع في هكذا أوصاف لأحاديث ثبتت صحتها هو أمر مرفوض ... سواء صدر ذلك من الرفاعي أو من الغزالي أو من غيرهم ...
وللرد على مسالة إنكار ابن مسعود للمعوذتين أقول وبالله التوفيق ...
قال النووي وابن حزم رحمهم الله تعالى أن هذه أخبار باطلة لا تصح .... وقد رد عليهما ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح فقال:-
وَالطَّعْن فِي الرِّوَايَات الصَّحِيحَة بِغَيْرِ مُسْتَنَد لَا يُقْبَل ، بَلْ الرِّوَايَة صَحِيحَة وَالتَّأْوِيل مُحْتَمَل
قلت: رحم الله تعال ابن حجر ... فهذا هو المنهج في التعامل مع أحاديث صحيحة ظاهرها التعارض .... أما أن نشكك في صحتها وندعي أنها روايات سفيهة ومنكرة فغير مقبول ...
قال البدر العيني في عمدة القاري:-
وهذا كان مما اختلف فيه الصحابة ثم ارتفع الخلاف ووقع الإجماع عليه فلو أنكر اليوم أحد قرآنيتهما كفر وقال بعضهم ما كانت المسألة في قرآنيتهما بل في صفة من صفاتهما وخاصة من خاصتهما ولا شك أن هذه الرواية تحتملهما فالحمل عليها أولى والله أعلم فإن قلت قد أخرج أحمد وابن حيان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من القرآن أو من كتاب الله تعالى قلت قال البزار لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة وقد صح عن النبي أنه قرأها في الصلاة وهو في صحيح مسلم عن عبة بن عامر وزاد فيه ابن حيان من وجه آخر عن عقبة بن عامر فإن استطعت أن لانفوتك قراءتهما في صلاة فافعل وأخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة أن النبي أقرأه المعوذتين وقال له إذا أنت صليت فاقرأ بهما وإسناده صحيح وروي سعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الصبح فقرأ فيهما بالمعوذتين أ.هـ
وإليك هذه الفتاوى بهذا الخصوص ...
ثبوت كون المعوذتين من القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كثر في بلادنا الكتب الإسلامية المحرفة فأصبح المرء في حيرة من أمره ونظرا لغياب العلماء في بلادنا نلجأ إلى الكتب أو القنوات الدينية ..... وأخيرا وجدت في كتاب فقه السنة للسيد سابق
في حد المحصن كما يلي:
*اخرج احمد والطبراني في الكبير من حديث أبي امامة بن سهل عن خالته العجماء أن فيما أنزل الله من القرآن ... الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذّة ...
واخرج ابن حبّان في صحيحه من حديث أبي بن كعب بلفظ : كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها آية الشيخ والشيخة....
وقيل في هذا الكتاب أن ابن مسعود رضي الله عنه نسي المعوذتين ...فهل هذا صحيح وما قولك في السيد سابق ..بارك الله فيكم...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث العجماء المذكور صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وأما حديث أبي فقد رواه ابن حبان في صحيحه، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي .
وأما ما يروى عن ابن مسعود في شأن المعوذتين فقد صححه السيوطي وابن حجر عنه، ثم إنه لم يتابعه عليه أحد من الصحابة، ويؤيد ثبوت كون المعوذتين من القرآن إجماع كتبة المصاحف في عهد أبي بكر وعثمان على كتابتهما في المصحف، وقد تابعتهم الأمة على ذلك، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين في صلاة الصبح؛ كما في صحيح مسلم وقد قال: ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلها قط: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. وقد أنكر النووي وابن حزم والفخر الزاري ما روي عن ابن مسعود فيهما، ومما يؤيد عدم إنكاره لقرآنيتهما أن قراءة عاصم وحمزة والكسائي ترجع في سندها إلى ابن مسعود رضي الله عنه، وهاتان السورتان مما قرؤوا به، وقد ذكر ابن كثير في التفسر أن ابن مسعود لعله لم يتواتر عنده، ثم لعله رجع عن قول ذلك إلى قول الجماعة، وراجع تفسير ابن كثير وشرحي البخاري لابن حجر والعيني، وراجع في فقه السنة لسيد سابق الفتاوى التالية أرقامها: 16986 ، 60030 ، 69639 .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1427
تهافت شبهة عدم وجود الرجم في القرآن والمعوذتين في مصحف ابن مسعود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيما يدعية بعض الكفرة من أن القرآن محرف ويقولون إن هناك أدلة
الأول آية الرجم التي لم تكتب
الثاني المعوذتان عدم وجودها في مصحف عبد الله بن مسعود
وهل يوجد مخطوطات القرآن التي كتبها عثمان إلى اليوم وسامحوني على التطويل وجزاكم الله خيرا ونفع بكم الإسلام والمسلمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التشريع الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مر بمراحل عدة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ومن ذلك وقوع النسخ لبعض الأحكام والآيات، والنسخ عرفه العلماء بأنه: رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر.
ولم يقع خلاف بين الأمم حول النسخ، ولا أنكرته ملة من الملل قط، إنما خالف في ذلك اليهود فأنكروا جواز النسخ عقلاً، وبناء على ذلك جحدوا النبوات بعد موسى عليه السلام، وأثاروا الشبهة، فزعموا أن النسخ محال على الله تعالى لأنه يدل على ظهور رأي بعد أن لم يكن، وكذا استصواب شيء عُلِمَ بعد أن لم يعلم، وهذا محال في حق الله تعالى.
والقرآن الكريم رد على هؤلاء وأمثالهم في شأن النسخ رداً صريحاً، لا يقبل نوعاً من أنواع التأويل السائغ لغة وعقلاً، وذلك في قوله تعالى : [مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (البقرة:106) فبين سبحانه أن مسألة النسخ ناشئة عن مداواة وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم، لذلك قال تعالى: [نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا] ثم عقب فقال: [أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] (البقرة:106- 107)
والنسخ ثلاثة أقسام:
الأول: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ومثاله آية الرجم وهي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة..) فهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه.
الثاني: نسخ الحكم والتلاوة معاً: ومثاله قول عائشة رضي الله عنها: (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات يحرمن) فالجملة الأولى منسوخة في التلاوة والحكم، أما الجملة الثانية فهي منسوخة في التلاوة فقط، وحكمها باق.
الثالث: نسخ الحكم مع بقاء التلاوة عكس الأول، ومثاله قول الله عز وجل: [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ] (البقرة:240) نسخ حكمها بقوله تعالى [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا] (البقرة:234) وبقيت تلاوتها
وأما عدم وجود المعوذتين في مصحف عبد الله بن مسعود فليس دليلا على أن القرآن محرف، فالمصحف المتواتر المجمع عليه من الصحابة إنما هو مصحف عثمان، وأما بقية المصاحف كمصحف ابن مسعود وغيره من الصحابة قد كان في بعضها نقص، وقد أمر عثمان بإحراقها، وقد استجاب الصحابة لعثمان فحرقوا مصاحفهم واجتمعوا جميعا على المصاحف العثمانية حتى عبد الله بن مسعود.
أما سؤالك عن وجود مخطوطة لمصحف عثمان إلى اليوم فقال الأستاذ الدكتور على جمعة محمد أستاذ أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، جامعة الأزهر: هناك نسخة كاملة في مقام الحسين عليه السلام بمصر من مصحف عثمان ، بالإضافة إلى النسخة السمرقندية، ونسخة طوبقابو باسطنبول.
والمصحف الشريف حُفظ في الصدور فكان الحفظ هو الأساس وليس الكتابة، وقبل الحرب العالمية الثانية قام معهد برلين بجمع أربعين ألف نسخة من المصحف عبر العصور؛ لمحاولة إيجاد أي تحريف فيه، وأصدر بعد سنين تقريرًا مبدئيًا، وكان قد انتهى من مقارنة ما يزيد عن ثمانين في المائة مما جمعه. وهذا التقرير يوجد في مكتبة ألمانيا يعترف بعدم وجود أي تحريف في القرآن الكريم.
فصدق الله حيث يقول: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] [الحجر: 9] وراجع في ذلك كتاب "إظهار الحق" لرحمة الله الهندي وله عدة طبعات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425
ما جاء عن عبد الله بن مسعود في المعوذتين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حقيقة ما يقال عن محو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه للمعوذتين من مصحفه؟ إجمالا كيف نفسر مثل هذه الأخبار التي توجد في كتب التفسير ويستخدمها غير المسلمين لإثارة الشبهات؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبيرعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يمحو المعوذتين من مصاحفه، ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله عز وجل.
قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة... وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف، وأخرج الإمام أحمد والبخاري وغيرهما عن زر بن حبيش قال: أتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت له: يا أبا المنذر؛ إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمداً بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، وما سألني أحد عنهما منذ سألته غيرك، قال: قيل لي: قل، فقلت: قولوا، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزلت علي الليلة آيات لم أر مثلهن قط: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.
وأخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله أقرئني سورة يوسف وسورة هود، قال يا عقبة: اقرأ بسورة: قل أعوذ برب الفلق، فإنك لن تقرأ بسورة أحب إلى الله وأبلغ منها، فإذا استطعت ألا تفوتك فافعل.
وأخرج الترمذي وحسنه البيهقي وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ومن عين الإنس، فلما نزلت سورة المعوذتين أخذ بهما وترك ما سواهما.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب السور إلى الله تعالى "قل أعوذ برب الفلق" و" قل أعوذ برب الناس". أخرجه ابن مردويه.
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة وأقوال الصحابة التي تثبت قرآنية السورتين، وتبين أن قول ابن مسعود رضي الله عنه -على جلالته وعظم منزلته إذا ثبت عنه- خطأ منه رضي الله عنه، وأنه قول شذ به عن بقية الصحابة.
ولو لم تكونا من كتاب الله تعالى لما أثبتتا في المصحف وأجمعت عليهما الأمة التي لا تجتمع على ضلالة، فإجماع الأمة معصوم كما هو معلوم، ولكن خطأ الأفراد وارد مهما كانت منزلتهم وعلو قدرهم، فلا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل هذا من شواذ ابن مسعود رضي الله عنه التي تذكر في التراث الفقهي والتاريخ الإسلامي، فيقال: شواذ ابن مسعود ورخص ابن عباس وشدائد ابن عمر، كما قال الخيلفة المنصور للإمام مالك عندما طلب منه أن يؤلف كتاباً يتجنب فيه للمسلمين هذه الأمور.
وهذا لا ينقص من قدر ابن مسعود رضي الله عنه، فهو من هو من السابقين الأولين، وممن صلى إلى القبلتين، وهاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أهل بدر.... ولعله رجع عن هذا القول، فقد ذكر ابن أبي داود في كتاب المصاحف قال: باب رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان رضي الله عنه المصاحف، ثم روى عنه حديث نزول القرآن على سبعة أحرف..
هذا باختصار مجمل ما جاء عن المعوذتين وأنهما من كتاب الله تعالى، وقد ثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك، وأما تفسير ما جاء عن ابن مسعود -إن صح- فهو خطأ من هذا الصحابي الجليل -كما أشرنا- لم يوافقه عليه أحد من الصحابة، وهذا ما أردنا تبيينه لمن يريد الحقيقة العلمية التي يسندها المعقول والمنقول.
وأما ما يورده أعداء الإسلام من الكذب والتشكيك وتعكير المياه للاصطياد فيها، فلا ينبغي للمسلم أن يلتفت إليه أو يشغل به وقته، وبإمكانك الاطلاع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 6484 .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420
ابو علي الفلسطيني
25.07.2010, 22:47
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم يمضي الرفاعي فيقول:-
ومن أمثلة ذلك ما جاء في مسند أحمد ، حديث رقم ( 25112 ) : (( حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرًا فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا )) ]] ..
فأيُّ إجماعٍ يمكننا تصوّره على هكذا أحاديث ؟ !!! .. والمشكلة الأكبر أنّنا نجد من يدافع عن صحّة هذه الأحاديث ، ويتّهم من يُشكّك بها بالكفر والزندقة والخروج من الإسلام ..
قلت: الحديث ضعيف .. فقد قال العلامة شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لمسند الإمام أحمد:-
إسناده ضعيف لتفرد ابن إسحاق - وهو محمد - وفي متنه نكارة
قلت: أما حديث الرضعات وأنها كانت عشرا ثم نسخت بخمس فهو في صحيح مسلم إنما المنكر هو لفظ الداجن التي أكلت الآية وهو ليس في الصحيحين كما ترى ..
ابو علي الفلسطيني
25.07.2010, 22:48
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمضي الرفاعي قائلا:-
والأحاديث التي وُضعت – في الصحاح وغيرها – لتشكّك المسلمين بكتاب الله تعالى ، ليست قليلة ، نورد منها الحديثين التاليين :
صحيح البخاري حديث رقم : ( 4563 ) حسب ترقيم العالمية : (( حَدَّثَنَا ....... قَالَ قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَطَلَبَهُمْ فَوَجَدَهُمْ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُلُّنَا قَالَ فَأَيُّكُمْ أَحْفَظُ فَأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ قَالَ كَيْفَ سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى قَالَ عَلْقَمَةُ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَكَذَا وَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونِي عَلَى أَنْ أَقْرَأَ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَاللَّهِ لَا أُتَابِعُهُمْ )) ..
البخاري حديث رقم ( 4145 ) حسب ترقيم العالمية : (( حَدَّثَنِي ....... سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فَلَا يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ ....... )) ..
فأيُّ إجماعٍ يمكننا تصوّره على روايات تحذف الكلمات وتضيفها إلى كتاب الله تعالى ؟ !! .. وإنّ محاولات التبرير بأنّ هذه قراءات تفسيرية هي محاولات لذر الرماد في العيون ، فما لبّس على لسان علقمة في الحديث الأول ( وَاللَّهِ لا أُتَابِعُهُمْ ) ، وعلى لسان ابن عباس في الحديث الثاني ( لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ ) ، يردّ هذه التبريرات من أساسها ..
أقول: أن الأحاديث لا تشكك الناس في دينها ولا في القرآن الكريم ... وإنما من يشكك الناس في دينهم هو من يفتري هذه الافتراءات فيورد الأحاديث دون توضيح لمعناها ومغزاها ...
أما الرد على ما جاء في هذه الأحاديث ... فقد قال الدكتور الشريف حاتم بن عارف العوني:-
وأمّا أن ابن مسعود –رضي الله عنه- كان يقرأ سورة الليل: "والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى" دون أن يقرأ "وما خلق الذكر والأنثى" فهو أيضاً ثابتُ عنه في صحيح البخاري (3742، 3743، 3761، 4943، 4944، 6278)، وفي صحيح مسلم (824).
ولكن أوّلاً: لم ينفرد بها ابن مسعود –رضي الله عنه- بل وافقه على ذلك أبو الدرداء –رضي الله عنه- كما في الصحيحين (المواضع السابقة).
وهذا يدلّ على أن هذه القراءة إحدى الأحرف السبعة التي تنزل بها القرآن، وليست خطأ ولا نسياناً من هذين الصحابيين الجليلين القارئين –رضي الله عنهما-.
ولكن بعد أن جمع عثمان بن عفان –رضي الله عنه- الأمة على مصحف واحد، خشية أن لا تعي ما وعاه الصحابة -رضوان الله عليهم- من شأن الأحرف السبعة، وأجمع الصحابة على قبول فعله هذا، وأجمعت الأمة عليه، أصبح من غير الجائز أن يُقرأ بغير ما في المصحف العثماني، وأصبحت موافقة القراءة لمصحفه شرطاً من شروطٍ ثلاثةٍ لقبول صحة القراءة عند جميع الأمة. وهذا ما يفسِّرُ ثبوت قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء كليهما لسورة الليل، كما في المصحف "وما خلق الذكر والأنثى" بالتواتر عنهما؛ لأنهما اثنان ممن اتصلت أسانيدُ القُرّاء بهم من الصحابة –رضي الله عنهم- .
فقراءة ابن مسعود وأبي الدرداء بالقراءة الموافقة لخطّ المصحف، وتركهما القراءة الأخرى، يدل على أنهما تركاها لما خالفت إجماع الصحابة -وهما منهم- على مصحف عثمان –رضي الله عنه-.
والشاهد: أن ابن مسعود –رضي الله عنه-لم يقرأ بتلك القراءة نسياناً، ولا تركها نسياناً بل قرأ بها قبل إجماع الأمة على مصحف عثمان، وتركها بعد إجماعها عليه.
وقال ابن الجزري رحمه الله تعالى في ( النشر) ...
"فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ : فَمَا الَّذِي يُقْبَلُ مِنَ الْقُرْآنِ الْآنَ فَيُقْرَأُ بِهِ ؟ وَمَا الَّذِي لَا يُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ ؟ وَمَا الَّذِي يُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ جَمِيعَ مَا رُوِيَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ يُقْرَأُ بِهِ الْيَوْمَ ، وَذَلِكَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثُ خِلَالٍ ، وَهُنَّ : أَنْ يُنْقَلَ عَنِ الثِّقَاتِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَيَكُونَ وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ سَائِغًا ، وَيَكُونَ مُوَافِقًا لِخَطِّ الْمُصْحَفِ . فَإِذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِلَالُ الثَّلَاثُ قُرِئَ بِهِ وَقُطِعَ عَلَى مُغَيَّبِهِ وَصِحَّتِهِ وَصِدْقِهِ ; لِأَنَّهُ أُخِذَ عَنْ إِجْمَاعٍ مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَةِ خَطِّ الْمُصْحَفِ ، وَكَفَرَ مَنْ جَحَدَهُ .
قَالَ : ( وَالْقِسْمُ الثَّانِي ) مَا صَحَّ نَقْلُهُ عَنِ الْآحَادِ وَصَحَّ وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَخَالَفَ لَفْظُهُ خَطَّ الْمُصْحَفِ ، فَهَذَا يُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ لِعِلَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ بِإِجْمَاعٍ ، إِنَّمَا أُخِذَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَلَا يَثْبُتُ قُرْآنٌ يُقْرَأُ بِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ فَلَا يُقْطَعُ عَلَى مُغَيَّبِهِ وَصِحَّتِهِ وَمَا لَمْ يُقْطَعْ عَلَى صِحَّتِهِ لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهِ ، وَلَا يَكْفُرُ مَنْ جَحَدَهُ ، وَلَبِئْسَ مَا صَنَعَ إِذَا جَحَدَهُ .
قَالَ ( وَالْقِسْمُ الثَّالِثِ ) هُوَ مَا نَقَلَهُ غَيْرُ ثِقَةٍ أَوْ نَقَلَهُ ثِقَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، فَهَذَا لَا يُقْبَلُ وَإِنْ وَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ ، قَالَ : وَلِكُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ تَمْثِيلٌ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا . ( قُلْتُ ) : وَمِثَالُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَالِكِ وَ ( مَلِكِ ) وَ ( يَخْدَعُونَ ) وَ يُخَادِعُونَ ( وَأَوْصَى ) وَوَصَّى وَ ( يَطَّوَّعُ ) وَ تَطَوَّعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ . وَمِثَالُ الْقِسْمِ الثَّانِي قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ : ( وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ) فِي وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَقِرَاءَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ ( وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا ) وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ بِرِوَايَاتِ الثِّقَاتِ ، ( وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ ) فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ ، فَأَجَازَهَا بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ فِي الصَّلَاةِ ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ . وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ لَمْ تَثْبُتْ مُتَوَاتِرَةً عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَإِنْ ثَبَتَتْ بِالنَّقْلِ فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ ، أَوْ أَنَّهَا مْ تُنْقَلْ إِلَيْنَا نَقْلًا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ الْقُرْآنُ أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ ، كُلُّ هَذِهِ مَآخِذُ لِلْمَانِعِينَ
ابو علي الفلسطيني
25.07.2010, 22:48
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم يمضي الرفاعي قائلا:-
.. أليس من الثابت أن أبا سفيان أسلم سنة فتح مكة ، وأليس من الثابت أنّ الرسول ( ص ) تزوّج أم حبيبة بنت أبي سفيان سنة ست أو سبع للهجرة ، أي قبل إسلام أبي سفيان ، فكيف إذاً – أمام هذا الثابت – يمكن للأمّة أن تجمع على صحّة الحديث التالي الوارد في صحيح مسلم تحت الرقم ( 4557 ) حسب ترقيم العالمية ؟ : (( حَدَّثَنِي ....... ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ قَالَ نَعَمْ قَالَ عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ أُزَوِّجُكَهَا قَالَ نَعَمْ ....... )) .. كيف يقول أبو سفيان (( عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ )) وهي ليست عنده ، ويعرض على الرسول ( ص ) أن يزوّجه إيّاها ، وهي زوجة للرسول ( ص ) قبل هذا العرض منذ فترة تقدّر بالسنين ؟ !!!!! ، وهل من الممكن لعاقل أن يتصوّر بطلان زواج الرسول ( ص ) لأمّ حبيبة حتى مجيء أبي سفيان ؟ !!!!! ..
أقول: قد سبق الرفاعي لهذا أبو رية .. وقد رد عليه المعلمي رحمه الله تعالى كما في الأنوار الكاشفة ... وسوف نورد رده إنما قبل ذلك أود الإشارة إلى أن هذه الحديث هو من الأحاديث المشكلة المنتقدة والتي قلنا أنها لا تتجاوز مئتي حديث ... وقد أجاب أهل العلم بتأويلات كثيرة عن هذا الحديث وبعضها تأويلات ضعيفة ... فأفضل من تكلم في هذا الأمر هو ابن القيم في جلاء الأفهام والمعلمي الذي قال:-
لفظ مسلم قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها )) وفي سنده عكرمة ابن عمار بأنه يغلط ويهم، فمن أهل العلم من تكلم في هذا الحديث وقال انه من أوهام عكرمة، ومنهم من تأوله، وأقرب تأويل له أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قبل إسلام أبي سفيان كان بدون رضاه فأراد بقوله (( أزوجكها )) أرضى بالزواج، فأقبل مني هذا الرضا. أ.هـ
ابو علي الفلسطيني
25.07.2010, 22:49
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمضي الرفاعي في فهمه المنقوص للأحاديث النبوية الشريفة فيقول:-
أليس الحديث التالي الوارد في صحيح مسلم تحت الرقم ( 3435 ) حسب ترقيم العالمية حديثاً سياسياً لا علاقة له بالمنهج ، تم وضعه بأمرٍ من الجلادين والفراعنة لخدمتهم ، وحتى يعطوا نهجهم الفرعوني صبغة مقدّسة ؟ : (( و حَدَّثَنِي ....... قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ....... قَالَ يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ )) ..
وإني لأضرب كفاً بكفٍ عجباً من هذا الفكر الذي أقل ما يُقال فيه .. أنه مجانب للواقع ومخالف للصواب .. وهل كان من وصفهم بالفراعنة من الحكام بحاجة إلى نصوص دينية يحرفوها هم لتوطيد حكمهم ؟؟ وأين حصل ذلك في تاريخ المسلمين ..!! علماً أن كتب التاريخ تطفح بتصدي علماؤنا لولاة الأمر وتوضيح الأمور لهم والرد عليهم ...
إن اتهام الرفاعي هذا للأحاديث بأنه تم وضعها اتهامٌ مردود عليه .. لا تثبته الأحداث ولا يؤيده الواقع ..
أما حكم طاعة ولي الأمر فقد قال ابن عثيمين رحمه الله تعال في إحدى رسائله:-
فالأمراء يطاعون، شرعًا إذا أمروا بما لا يخالف أمر الله ورسوله فالواجب على الرعية إذا أمر ولي الأمر بأمر لا يخالف أمر الله الواجب عليهم السمع والطاعة، وطاعتهم لولاة الأمر في هذا الحال بهذا القيد طاعة الله عز وجل، ولهذا ينبغي أن نلاحظ حين ننفذ ما أمر به ولي الأمر مما تجب طاعته فيه أننا في ذلك نتعبد لله تعالى ونتقرب إليه بطاعته، حتى يكون تنفيذنا لهذا الأمر قربة إلى الله عز وجل, وإنما ينبغي لنا أن نلاحظ ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } . وأما طاعة الأمراء قدرًا فإن الأمراء إذا كانوا أقوياء في سلطتهم فإن الناس يطيعونهم بقوة السلطان, وإن لم يكن بوازع الإيمان؛ لأن طاعة ولي الأمر تكون بوازع الإيمان, وهذه هي الطاعة النافعة، النافعة لولاة الأمر، والنافعة للناس أيضًا، وقد تكون الطاعة بوازع السلطان بحيث يكون قويًّا يخشى الناس منه ويهابونه؛ لأنه ينكل بمن خالف أمره.
ولهذا نقول: إن الناس مع حكامهم في هذه المسألة ينقسمون إلى أحوال أربع. الحالة الأولى : أن يقوى الوازع الإيماني والرادع السلطاني وهذه أكمل الأحوال وأعلاها.
الحالة الثانية : أن يضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني وهذه أدنى الأحوال وأخطرها على المجتمع، على حكامه ومحكوميه؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني حصلت الفوضى الفكرية والخلقية، والعملية.
الحالة الثالثة : أن يضعف الوازع الإيماني ويقوى الرادع السلطاني وهذه مرتبة وسطى؛ لأنه إذا قوي الرادع السلطاني صار أصلح للأمة في المظهر فإذا اختفت قوة السلطان فلا تسأل عن حال الأمة وسوء عملها.
الحالة الرابعة : أن يقوى الوازع الإيماني ويضعف الرادع السلطاني فيكون المظهر أدنى منه في الحالة الثالثة, لكنه فيما بين الإنسان وربه أكمل وأعلى.
والمهم أننا نقول: إنه ينبغي لنا عند تنفيذ أوامر السلطان أن نعتقد أننا نتقرب إلى الله عز وجل بذلك... الأمير الذي يطاع قد يأمر بما يخالف أمر الله ورسوله فإنه حينئذ لا سمع له ولا طاعة، ولا يجوز لنا أن نطيعه في معصية الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله تعالى جعل طاعتهم تابعة لطاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما يفهم من سياق الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } . ولم يقل: " وأطيعوا أولي الأمر منكم" فدل هذا على أن طاعتهم غير مستقلة بل هي تبع لطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « إنما الطاعة في المعروف » أي فيما أقره الشرع، وأما ما أنكره فلا يجوز أن يطاع فيه أي مخلوق حتى لو كان الوالد أو الوالدة؛ لأن طاعة الله مقدمة على كل طاعة، فإذا أطاع الإنسان أميره أو ولي أمره في معصية الله فقد تجاوز به حده.
وقال القرطبي في المفهم:-
قوله : (( على المرء المسلم السَّمع والطاعة )) ؛ ظاهر في وجوب السمع والطّاعة للأئمة ، والأمراء ، والقضاة . ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية . فإن أمر بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولاً واحدًا ، ثم إن كانت تلك المعصية كفرًا : وَجَبَ خَلْعُه على المسلمين كلهم . وكذلك : لو ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين ؛ كإقامة الصلاة ، وصوم رمضان ، وإقامة الحدود ، ومَنَع من ذلك . وكذلك لو أباح شرب الخمر ، والزنى ، ولم يمنع منهما ، لا يختلف في وجوب خَلْعِهِ . فأمَّا لو ابتدع بدعة ، ودعا النَّاس إليها ؛ فالجمهور : على أنه يُخْلَع .
وذهب البصريون إلى أنه لا يُخْلَع ، تمسُّكًا بظاهر قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان )). وهذا يدلّ على استدامة ولاية المتأوّل وإن كان مبتدعًا . فأمَّا لو أمر بمعصية مثل أخذ مال بغير حق أو قتل أو ضرب بغير حق ؛ فلا يطاع في ذلك ، ولا ينفذ أمره ، ولو أفضى ذلك إلى ضرب ظهر المأمور وأخذ ماله ؛ إذ ليس دم أحدهما ، ولا ماله ، بأولى من دم الآخر ، ولا ماله . وكلاهما يحرم شرعًا ؛ إذ هما مسلمان ، ولا يجوز الإقدام على واحد منهما ، لا للآمر ، ولا للمأمور ؛ لقوله : (( لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق )) ؛ كما ذكره الطبري ، ولقوله هنا : (( فإن أمر بمعصية فلا سمع ، ولا طاعة )). فأمَّا قوله في حديث حذيفة : (( اسمع وأطع ، وإن ضرب ظهرك ، وأخذ مالك )) ؛ فهذا أمر للمفعول به ذلك للاستسلام ، والانقياد ، وترك الخروج عليه مخافة أن يتفاقم الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك. أ.هـ .
ابو علي الفلسطيني
25.07.2010, 22:50
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم يقول الرفاعي:-
صحيح البخاري حديث رقم ( 6098 ) حسب ترقيم العالمية : (( حَدَّثَنَا ....... عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِي فَيُحَلَّئُونَ عَنْهُ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى ....... )) ..
صحيح مسلم ( ، حديث رقم ( 4246 ) حسب ترقيم العالمية : (( و حَدَّثَنَا ....... أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ فَوَاللَّهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ فَلَأَقُولَنَّ أَيْ رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ )) ..
وهو يحاول بكلامه هذا ... الضرب في عدالة الصحابة ومن ثم رواة الحديث ... فأما عدالة الصحابة فلا شك فيها وقد زكاهم الله تعالى بقوله:- لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح : 18]
وأما الرواة فان العلماء عندما قبلوا الروايات وبحثوا في أخلاق الرجال وعدالتهم لم يخالفوا في منهجهم هذا لا القران ولا السنة ... ولم يزكوا أحداً على الله تعالى .. وإنما حال الناس وأفعالهم هو من ينبئ عن سرائرهم .. فالمسلم الذي يلتزم المسجد وتنتشر أخلاقه بين الناس ويعرف بعبادته لله تعالى تجد الناس جميعهم يشهدوا له بحسن الخلق ويقبلوا شهادته ... وما يقول ...
أما معنى الحديثين الواردين فها هو من كتب شروح الحديث والله المستعان ...
فقد ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري:-
قَالَ الْفَرَبْرِيّ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ : هُمْ الَّذِينَ اِرْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْر يَعْنِي حَتَّى قُتِلُوا وَمَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ . وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَبِيصَةَ . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَمْ يَرْتَدَّ مِنْ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا اِرْتَدَّ قَوْمٌ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ مِمَّنْ لَا نُصْرَةَ لَهُ فِي الدِّينِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَدْحًا فِي الصَّحَابَةِ الْمَشْهُورِينَ . وَيَدُلُّ قَوْلُهُ " أُصَيْحَابِي " بِالتَّصْغِيرِ عَلَى قِلَّةِ عَدَدِهِمْ . وَقَالَ غَيْرُهُ : قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْمُرَادُ بِأُمَّتِي أَمَّةُ الدَّعْوَةِ لَا أَمَّةُ الْإِجَابَةِ . وَرُجِّحَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " فَأَقُولُ بُعْدًا لَهُمْ وَسُحْقًا " وَيُؤَيِّدُهُ كَوْنُهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَالُهُمْ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ لَعَرَفَ حَالَهُمْ بِكَوْنِ أَعْمَالِهِمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ . وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيث أَنَس " حَتَّى إِذَا عَرَفْتهمْ " وَكَذَا فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة . وَقَالَ اِبْن التِّين يَحْتَمِل أَنْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ أَوْ مِنْ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِر . وَقِيلَ هُمْ قَوْمٌ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً . وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ وَالْبِدَعِ فِي ذَلِكَ . وَقَالَ النَّوَوِيُّ ، قِيلَ هُمْ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُرْتَدُّونَ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْشَرُوا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيل لِكَوْنِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمَّةِ فَيُنَادِيهِمْ مِنْ أَجْل السِّيمَا الَّتِي عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَك أَيْ لَمْ يَمُوتُوا عَلَى ظَاهِرِ مَا فَارَقْتهمْ عَلَيْهِ . قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْره : وَعَلَى هَذَا فَيَذْهَبُ عَنْهُمْ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ وَيُطْفَأُ نُورُهُمْ . وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُون عَلَيْهِمْ السِّيمَا بَلْ يُنَادِيهِمْ لِمَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ إِسْلَامِهِمْ وَقِيلَ هُمْ أَصْحَاب الْكَبَائِر وَالْبِدَع الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْإِسْلَام وَعَلَى هَذَا فَلَا يُقْطَعُ بِدُخُولِ هَؤُلَاءِ النَّارَ لِجَوَازِ أَنْ يُذَادُوا عَنْ الْحَوْضِ أَوَّلًا عُقُوبَةً لَهُمْ ثُمَّ يُرْحَمُوا وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُون لَهُمْ غُرَّةٌ وَتَحْجِيلٌ فَعَرَفَهُمْ بِالسِّيمَا سَوَاءٌ كَانُوا فِي زَمَنِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَرَجَّحَ عِيَاضٌ وَالْبَاجِيّ وَغَيْرهمَا مَا قَالَ قَبِيصَة رَاوِي الْخَبَر إِنَّهُمْ مَنْ اِرْتَدَّ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَكُون عَلَيْهِمْ السِّيمَا لِأَنَّهَا كَرَامَةٌ يَظْهَرُ بِهَا عَمَلُ الْمُسْلِمِ . وَالْمُرْتَدُّ قَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ فَقَدْ يَكُونُ عَرَفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ لَا بِصِفَتِهِمْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ اِرْتِدَادِهِمْ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَنْ كَانَ فِي زَمَنه مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث الشَّفَاعَة " وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّة فِيهَا مُنَافِقُوهَا " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَعْرِف أَعْيَانَهُمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تِلْكَ السِّيمَا فَمَنْ عَرَفَ صُورَتَهُ نَادَاهُ مُسْتَصْحِبًا لِحَالِهِ الَّتِي فَارَقَهُ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا دُخُولُ أَصْحَابِ الْبِدَعِ فِي ذَلِكَ فَاسْتُبْعِدَ لِتَعْبِيرِهِ فِي الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ " أَصْحَابِي " وَأَصْحَابُ الْبِدَعِ إِنَّمَا حَدَثُوا بَعْدَهُ . وَأُجِيبَ بِحَمْلِ الصُّحْبَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَاسْتُبْعِدَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقَال لِلْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ مُبْتَدِعًا سُحْقًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَال ذَلِكَ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالتَّعْذِيبِ عَلَى مَعْصِيَةٍ ثُمَّ يَنْجُو بِالشَّفَاعَةِ فَيَكُون قَوْله سُحْقًا تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ مَعَ بَقَاء الرَّجَاء وَكَذَا الْقَوْل فِي أَصْحَاب الْكَبَائِر . وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ لَيْسَ قَوْله " مُرْتَدِّينَ " نَصًّا فِي كَوْنهمْ اِرْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام بَلْ يَحْتَمِل ذَلِكَ وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد أَنَّهُمْ عُصَاةُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُرْتَدُّونَ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ يُبَدِّلُونَ الْأَعْمَال الصَّالِحَة بِالسَّيِّئَةِ اِنْتَهَى .
ابو علي الفلسطيني
25.07.2010, 22:50
بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول الرفاعي:-
ألم تبيّن روايات الصحيحين أنّ بعض أفراد الجيل الأوّل ، بل المقرّبين جداً من الرسول ( ص ) لم يثق بعضهم ببعض ثقة كاملة ، وفي معركة الجمل وصفّين أكبر دليل على ذلك ، وفي بعض الروايات التي نختار منها الحديث التالي لأكبر برهان على ما نقول :
صحيح مسلم حديث رقم ( 3302 ) حسب ترقيم العالمية : (( و حَدَّثَنِي ....... ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ قَالَ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمَا فَقَالَ عَبَّاسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْكَاذِبِ الْآثِمِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ فَقَالَ الْقَوْمُ أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ وَأَرِحْهُمْ ....... )) ..
وهذا الوصف منه ليس بصحيح ... وهو مخطىء فيما قال ... فالصحابة كما قلنا كلهم عدول رضي الله عنهم ... وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:-
" دعوا لي أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم " .
ذكره الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة ..
ويبدو واضحا أن الرفاعي لا يذكر متن الأحاديث كاملا بل يقتص منها ..ليوافق ذلك مغزاه ...فأما نص الحديث من صحيح مسلم كاملا فهو:-
و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَوْسٍ حَدَّثَهُ قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَجِئْتُهُ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ قَالَ فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِيًا إِلَى رُمَالِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ لِي يَا مَالُ إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَخُذْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ قَالَ قُلْتُ لَوْ أَمَرْتَ بِهَذَا غَيْرِي قَالَ خُذْهُ يَا مَالُ قَالَ فَجَاءَ يَرْفَا فَقَالَ هَلْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ فَقَالَ عُمَرُ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ قَالَ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمَا فَقَالَ عَبَّاسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْكَاذِبِ الْآثِمِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ فَقَالَ الْقَوْمُ أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ وَأَرِحْهُمْ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ لِذَلِكَ
فَقَالَ عُمَرُ اتَّئِدَا أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ قَالُوا نَعَمْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فَقَالَ أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ قَالَا نَعَمْ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَاصَّةٍ لَمْ يُخَصِّصْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُ قَالَ
{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ }
مَا أَدْرِي هَلْ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا أَمْ لَا قَالَ فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَكُمْ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ فَوَاللَّهِ مَا اسْتَأْثَرَ عَلَيْكُمْ وَلَا أَخَذَهَا دُونَكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَالُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ أُسْوَةَ الْمَالِ ثُمَّ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أَتَعْلَمُونَ ذَلِكَ قَالُوا نَعَمْ ثُمَّ نَشَدَ عَبَّاسًا وَعَلِيًّا بِمِثْلِ مَا نَشَدَ بِهِ الْقَوْمَ أَتَعْلَمَانِ ذَلِكَ قَالَا نَعَمْ قَالَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُمَا تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ فَوَلِيتُهَا ثُمَّ جِئْتَنِي أَنْتَ وَهَذَا وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا فَقُلْتُ إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ أَنْ تَعْمَلَا فِيهَا بِالَّذِي كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْتُمَاهَا بِذَلِكَ قَالَ أَكَذَلِكَ قَالَا نَعَمْ قَالَ ثُمَّ جِئْتُمَانِي لِأَقْضِيَ بَيْنَكُمَا وَلَا وَاللَّهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَيَّ
ومعنى الحديث كما ذكر القرطبي في المفهم:-
وقول العبَّاس : (( اقض بيني وبين هذا الكاذب ، الآثم ، الغادر ، الخائن )) ؛ قول لم يرد به ظاهره ؛ لأن عليًّا ـ رضي الله عنه ـ منزه عن ذلك كله ، مبرأ عنه قطعًا ، ولو أراد ظاهره لكان محرَّمًا ، ولاستحال على عمر ، وعثمان ، وعبد الرحمن ، والزبير ، وسعد ، وهم المشهود لهم بالقيام بالحق وعدم المبالاة بمن يخالفهم فيه ، فكيف يجوز عليهم الإقرار على المنكر ؟! هذا ما لا يصح ؛ وإنما هذا قول أخرجه من العبَّاس الغضب ، وصولة سلطنة العمومة ، فإن العم صنو الأب ، ولا شكّ أن الأب إذا أطلق هذه الألفاظ على ولده ؛ إنما يحمل ذلك منه على أنه قصد الإغلاظ ، والرَّدع مبالغة في تأديبه ، لا أنَّه موصول بتلك الأمور ، ثم انضاف إلى هذا : أنهم في محاجّة ولاية دينيه ، فكأن العباس يعتقد : أن مخالفته فيها لا تجوز ، وأن المخالفة فيها تؤدي إلى أن يَتصف المخالف بتلك الأمور ، فأطلقها ببوادر الغضب على هذه الأوجه ، ولما علم الحاضرون ذلك لم ينكروه . والله تعالى أعلم .
وهذا التأويل أشبه ما ذكر في ذلك ، وإلا تَطرق الغلط لبعض النقلة لهذه القصة فيه بُعْد لحفظهم ، وشهرتهم ، والذي اضطرنا إلى تقدير أحد الأمرين ما نعلمه من أحوال تلك الجماعة ، ومن عظيم منازلهم في الدِّين ، والورع ، والفضل . كيف لا ، وهم من هم ـ رضي الله عنهم ـ ، وحشرنا في زمرتهم .
و (( أجل )) بمعنى : نعم . و(( اتَّئدوا )) بمعنى : تثبتوا ، وارفقوا .
وقول عمر : (( أنشدكم الله )) ؛ أي : أقسم عليكم بالله ، يخاطب الحاضرين .
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لا نورث ، ما تركنا صدقة )) ؛ جميع الرواة لهذه اللفظة في "الصحيحين" وفي غيرهما يقولون : (( لا نورث ))- بالنون - ، وهي نون جماعة الأنبياء ، كما قال : (( نحن معاشر الأنبياء لا نورث )).
ويقول الرفاعي:-
وإذا قال قائل : إنّ هذا الحديث – الذي يرد أيضاً في صحيح البخاري – ليس صحيحاً ، هروباً من وصف صاحبي الرسول ( ص ) بما ورد في هذا الحديث على لسان بعضهما ، فهذا القول دليلٌ على أنّه ليس كلّ ما في الصحاح صحيحاً ، وإذا قلنا إنّ هذا الحديث صحيح ، فهذا يؤدّي إلى أنّه ليس كلُّ رجال الجيل الأول معصومين ، وبالتالي فليست كلُّ الروايات عنهم صحيحة ، وبالتالي فليس كلّ ما في الصحاح صحيحاً ..
أقول قد ثبت أنك حملت الحديث على غير محمله ..ولم تورده كاملا ..ليتحقق غرضك بالتدليس ..ولكن الحمد لله أن انكشفت حيلتك .. ولم ينطلي على الناس سوء فعلك ... فالعباس هو من قال ما قال وكان ذلك في ابن أخيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ... والعم كما قال القرطبي صنو الأب ..فلا يعتبر ما قاله سبة .. والحمد لله تعالى ...
ابو علي الفلسطيني
25.07.2010, 22:51
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم يقول الرفاعي:-
أليس في موروثنا التاريخي ما يبيّن أنّ بعض الرجال – في عصر جمع الحديث وقبله – تاجروا بالحديث لمنافع دنيوية ، وأخذوا الهبات والعطايا على تجارتهم هذه ، فقد ورد في الباعث الحثيث : ص 93 – 94 ، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص 149 : أ – 149 : ب ، وتمييز المرفوع عن الموضوع ص 16 : ب ، وتوضيح الأفكار ص 76 – 77 ج 2 ، ورد النص التالي : [[ روى ابن الجوزي بإسناده إلى أبي جعفر بن محمد الطيالسي ، قال : ( صلّى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة ، فقام بين أيديهم قاصٌّ فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله ( ص ) : من قال لا إله إلاّ الله خلق الله من كلّ كلمة طيراً منقاره من ذهب ، وريشه من مرجان ) ، وأخذ في قصّة نحواً من عشرين ورقة ، فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين ، وجعل يحيى بن معين ينظر إلى أحمد بن حنبل ، فقال له : حدثته بهذا ؟ ، فيقول : والله ما سمعت هذا إلاّ الساعة ، فلما فرغ من قصصه وأخذ العطيات ، ثم قعد ينتظر بقيتها ، قال له يحيى بن معين بيده : تعال ، فجاء متوهماً لنوال ، فقال له يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ ، فقال : أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ! ، فقال : أنا يحيى بن معين ، وهذا أحمد بن حنبل ، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله ( ص ) ، فقال : لم أزل أسمع أنّ يحيى بن معين أحمق ، ما تحقّقت إلاّ الساعة ! ، كأن ليس فيها يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما ، وقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين !!! .. فوضع أحمد بن حنبل كمه على وجهه ، وقال : دعه يقوم ، فقام كالمستهزئ بهما ]] ..
وليت شعري ما الذي يعنيه بكلامه هذا ..!! فهذه قصة مروية عن شخص يقص على الناس الحكايات .. فكيف استنتج منها أن دأب أهل الحديث كان التجارة بالحديث ... ومن متن القصة يتضح أن هذا الشخص الذي يروي الحكايات هو رجل يتكسب بما لا يصح ... وأنه ليس من أهل الحديث ولا من رواته ... وقد ذكر الخطيب البغدادي ..عقب هذه القصة:-
وتلك الأحاديث إنما يسمعها العوام من القصاص يطرفونهم بها ويتوصلون إلى نيل ما في أيديهم بروايتها فيعلق بقلوب العوام حفظها ويبدئون ويعيدون فيها استحسانا منهم لها وباعث القصاص على ذلك معرفتهم نقص العوام وجهلهم ولو صدقوا الله فيما يلقونه إليهم لكان خيرا لهم (انظر الجامع لأخلاق الراوي والسامع)
فهل أيها الرفاعي ترعوي للحق وتنتهي عن التدليس على أهل الحديث !!
ومن ثم يقول الرفاعي:-
ومنهم من كان يفتري على لسان الرسول ( ص ) تقرّباً إلى الله تعالى ، من وجهة نظره ، فقد ورد في تدريب الراوي ص 184 ، واللالئ المصنوعة ص 248 ج 2 : [[ يروي الحاكم بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم : ( من أين لك ، عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة ، وليس عند أصحاب عكرمة هذا ؟ ، قال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ، ومغازي ابن اسحق ، فوضعت هذا الحديث حِسبة ) ]] ..
أقول وهل كان من يفعل هذا من أهل الحديث؟؟ وهل هناك من روى عن أمثال هؤلاء في الصحيحين وفي غير الصحيحين؟؟ ألا تتقي الله يا رجل في افترائك على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم !!
وقد ذكر الخطيب البغدادي في تدريب الرواي:-
والوَاضعونَ أقْسامٌ, أعظمهُم ضررًا قومٌ يُنسبون إلى الزُّهد, وضَعُوهُ حِسْبة في زَعْمهم, فقُبلت موضُوعَاتهم ثِقةً بهم.
[والواضعون أقْسَام] بحسب الأمر الحامل لهم على الوضع [أعظمهم ضَررًا قومٌ يُنسبون إلى الزُّهد وضعوهُ حِسْبة] أي: احتسابًا للأجر عند الله [في زَعْمهم] الفاسد [فقُبلت موضوعاتهم ثقة بهم] وركونًا إليهم, لِمَا نُسبُوا إليه من الزُّهد والصَّلاح.
ولهذا قال يحيى القَطَّان: ما رأيتُ الكذب في أحد أكثرَ منه فيمن يُنسب إلى الخير. أي: لعدم علمهم بتفرقة ما يجُوز لهم وما يمتنع عليهم, أو لأنَّ عندهم حُسن ظن وسلامة صدر, فيحملون ما سمعُوهُ على الصِّدق, ولا يهتدُون لتمييز الخَطَأ من الصَّواب, لكن الواضعُونَ منهم, وإن خفي حالهم على كثير من النَّاس, فإنَّه لم يخف على جهابذة الحديث ونُقَّاده.
وقد قيل لابن المُبَارك(649): هذه الأحاديث الموضُوعة؟ فقال: يعيش لهَا الجَهَابذة { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9].
والدليل على تدليس الرفاعي أن الخطيب البغدادي قد ذكر حكم من يضعوا الحديث حسبة ..قبل أن يورد القصة ..فمن المؤكد أن الرفاعي قد اطلع عليها ... وتبين له أن أهل الحديث يرفضون مثل هذه الروايات وقد بينوا هذا الأمر ... ولكن الرفاعي ظن أنه يلبس بهذا الأمر على الناس ...ولكن هيهات .. فقد بان الأمر وانكشفت الأكاذيب والأباطيل ..
أحمد شرارة
31.07.2010, 10:32
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*****
بارك الله فيك وفى علمك - لا حرمنا من قلمك أخى الحبيب
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:00
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيرا اخي الحبيب مناصر الاسلام على تثبيت الموضوع ...
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*****
بارك الله فيك وفى علمك - لا حرمنا من قلمك أخى الحبيب
وفيك بارك الله تعالى .. وجزاك الله خيرا اخي الحبيب على كلامك الطيب
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:01
بسم الله الرحمن الرحيم
وفي إحدى مقالاته بعنوان ( الفارق بين السنة الشريفة وروايات الأحاديث) قال الرفاعي:-
.. فالالتفافُ الذي تمّ – عَبْرَ التاريخِ – على بعضِ أحكامِ كتابِ اللهِ تعالى ، كان عَبْرَ تلفيقِ بعضِ الرواياتِ ونسبِها إلى الرسولِ ، وإدخالِها تحتَ ظلالِ مفهومِ السُنّةِ ، ومن ثمّ عَبْرَ حلولِها مكانَ بعضِ أحكامِ كتابِ اللهِ تعالى ..
وكلام الرفاعي هذا غير صحيح .. فلا يوجد شيء من الأحاديث حل محل كتاب الله تعالى وأحكامه ... بل إن السنة مبينة للقرآن ومكملة له وهي المصدر الثاني من مصادر الأمة الإسلامية التي تستقى منها الأحكام والتشريعات ...
وأيضا فإن السنة محفوظة بحفظ الله تعالى لها ... وقد هيأ الله تعالى للسنة من يبين صحيحها من ضعيفها وبالتالي فإن مصادر التشريع الإسلامي في أمان ولله الحمد والمنة ...
ويمضي الرفاعي في نفس المقال المذكور قائلاً:-
.. وهكذا .. تمَّ عَبْرَ التاريخِ تحويلُ بعضِ جوانبِ المنهجِ إلى تاريخٍ ، كما حصلَ عَبْرَ زعمِ مسألةِ الناسخِ والمنسوخِ، حيث جُمِّدتْ بعضُ أحكامِ كتابِ اللهِ تعالى ، التي زعموا نسخَها ، بعد أنْ فُسِّرَتْ تفسيراً خاطئاً .. وتمّ تحويلُ بعضِ جوانبِ التاريخِ إلى منهجٍ ، كبعضِ أحكامِ العبيدِ وملكِ اليمين( * ) التي حُسِبَتْ على الإسلام ، والإسلامُ منها براء ..
وكلام الرفاعي هنا يتضمن مسألتين:-
الأولى: إنكاره لقضية الناسخ والمنسوخ والثانية إنكاره لأحكام الرق والعبيد التي شُرعت في الإسلام ...
فأما قضية الناسخ والمنسوخ فهي من علوم القرآن الكريم .. ولا يسعُ الرفاعي ولا غيره إنكارها .. وقد تناولتها كتب علوم القرآن الكريم فتراجع في مظانها ...
أما مسألة أحكام العبيد وملك اليمين والتي ادّعى الرفاعي أن الإسلام منها براء ..فالإسلام لم يخترع العبيد ولا ملك اليمين وإنما وُجدت هذه المسألة قبل الإسلام وعرفتها الأمم السابقة .. وعند مجيء الإسلام لم يُحرِّم تلك المسألة فهي من مقتضيات الحياة وفي حالة حصول الحروب تحديداً ... بيدَ أنَّ ما فعله الإسلام هو أنه شرعَ أحكاماً ووضع أصولاً للتعامل مع هذه المسألة لم تكن موجودة عند من سبق ...فاتضح عدلُ الإسلام في هذا الأمر ... وقد جاء في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تبين التعامل مع هذه القضية ... فمن ذلك قوله تعالى " {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} النور 33
وقد قال الطحاوي في أحكام القرآن :-
فَكَانَ الْكِتَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الآيَةِ غَيْرَ مُبَيَّنٍ مَا هُوَ فِيهَا، وَلا فِيمَا سِوَاهَا مِنْ آيِ الْقُرْآنِ، وَمُبَيَّنًا فِي السُّنَّةِ مَا هُوَ، وَهُوَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ مَمْلُوكَهُ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ عَلَيْهِ فِي حَالٍ مَا قَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا... أ.هـ
ثم شرع رحمه الله تعالى في بيان معنى المكاتبة ...
وقد جاء في السنة الكثير من أحكام الرق والعتق وغير ذلك فمن ذلكم ما جاء في صحيح البخاري (كتاب العتق) ...باب ( ما جاء في العتق وفضله) ..
بَاب فِي الْعِتْقِ وَفَضْلِهِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى
{ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ }
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ صَاحِبُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَعَمَدَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى عَبْدٍ لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَعْتَقَهُ
وإنما اكتفينا بإيراد مثالين من الكتاب وصحيح السنة ... حتى نثبت للرفاعي وغيره أن السنة لم تلصق شيئا من أحكام الرق وملك اليمين بالإسلام بل إن ذلك وارد في القرآن ..فكيف غاب عنه ذلك وهو من القرآنيين !!
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:03
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمضي الرفاعي في نفس المقال قائلاً:-
.. السنّةُ الشريفةُ هي ما قالَهُ الرسولُ وفعلَهُ من تفصيلٍ لكليّاتِ النصِّ القرآنيِّ ، كتفصيلِهِ لهيآتِ الصلاةِ ، وعددِ الصلوات ، وعددِ الركعاتِ في كلِّ صلاة .. حيث توارثتْ الأجيالُ هذه السنّةَ الشريفةَ ، حياةً تعبديّةً ، منذُ الجيلِ الأوّلِ حتى الآن ، وستتوارثُهُ حتى قيامِ الساعةِ .. فهذه السنّةُ لم تُصبحْ واقعاً متحقِّقاً في التاريخِ عَبْرَ رواياتِ الأحاديثِ كما يتوهّمُ الكثيرون ، إنّما تناقلتْها الأمّةُ بأسرِها من جيلٍ إلى جيلٍ عَبْرَ التزامِ الأمّةِ العمليِّ بهذهِ السنّةِ ...
ولا أدري من أين للرفاعي هذا التعريف للسنة .. ومن سبقه إليه ..
والتعريف الصحيح للسنة هو ...
أن السنن جمع سنة، والسنة في اللغة: الطريقة خيرا كانت أو شرا، وتطلق السنة على الصميم من كل شيء.
وفي اصطلاح أهل العلم يختلف إطلاقها باختلاف الفن الذي تذكر فيه، ففي علم العقائد تطلق على ما يقابل البدعة.
وتطلق في اصطلاح أهل الحديث على ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقية أو خُلُقية سواء صلح دليلا لحكم شرعي أو لم يصلح.
وعند الأصوليين تطلق السنة على ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح دليلا لحكم شرعي.
وتطلق عند الفقهاء على المأمور به أمراً غير جازم، وعند بعضهم على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وأظهره في ملإ وقام الدليل على عدم وجوبه، وهذا عند الذين يفرقون بين السنة والمندوب...
وجاء في القرآن الكريم تسمية السنة بالحكمة كما في قول الله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ {آل عمران:164} ، وفي قوله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ {الأحزاب:34} .أ.هـ (منقول من فتاوى الشبكة الإسلامية)
قلت: هذا ما اتفق عليه العلماء تقريباً في تعريفهم للسنة ... والمتأمل في تعريف الرفاعي يجد أنه يقصد بتعريفه أن كل ما جاء في السنة موافقاً للقرآن فهو عنده سنة مقبولة ... وكل ما جاء معارضاً للقرآن _ حسب فهمه_ فهو ليس من سنن النبي صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان صحيحا ... وهذا _ كما ترى تعريف منقوص منه للسنة ... إذ أن هناك أحكاماً لم يذكرها القرآن جاءت السنة مبينة لها وموضحة لها ...ولا أجد أفضل من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه ( إعلام الموقعين) في بيان حال السنة مع القرآن الكريم فقال ...
السنة لا تعارض القرآن
والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه أحدها أن تكون موافقة له من كل وجه فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها الثاني أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له الثالث أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه ولا تخرج عن هذه الأقسام فلا تعارض القرآن بوجه ما فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه ولا تحل معصيته وليس هذا تقديما لها على كتاب الله بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى وسقطت طاعته المختصة به وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به وقد قال الله تعالى( من يطع الرسول فقد أطاع الله )وكيف يكمن أحدا من أهل العلم أن لا يقبل حديثا زائدا على كتاب الله فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب ولا حديث خيار الشرط ولا أحاديث الشفعة ولا حديث الرهن في الحضر مع أنه زائد على ما في القرآن ولا حديث ميراث الجدة ولا حديث تخيير الأمة إذا أعتقت تحت زوجها ولا حديث منع الحائض من الصوم والصلاة ولا حديث وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان ولا أحاديث إحداد المتوفي عنها زوجها مع زيادتها على ما في القرآن من العدة فهلا قلتم إنها نسخ للقرآن وهو لاينسخ بالسنة وكيف أوجبتم الوتر مع أنه زيادة محضة على القرآن بخبر مختلف فيه وكيف زدتم على كتاب الله فجوزتم الوضوء بنبيذ التمر بخبر ضعيف وكيف زدتم على كتاب الله فشرطتم في الصداق أن يكون أقله عشرة دراهم بخبر لا يصح البتة وهو زيادة محضة على القرآن وقد أخذ الناس بحديث لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم وهو زائد على القرآن وأخذوا كلهم بحديث توريثه صلى الله عليه وسلم بنت الابن السدس مع البنت وهو زائد على ما في القرآن وأخذ الناس كلهم بحديث استبراء المسبية بحيضة وهو زائد على ما في كتاب الله وأخذوا بحديث من قتل قيلا فله سلبه وهو زائد على ما في القرآن من قسمة الغنائم وأخذوا كلهم بقضائه صلى الله عليه وسلم الزائد على ما في القرآن من أن أعيان بني الأبوين يتوارثون دون بني العلات الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه ولو تتبعنا هذا لطال جدا فسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل في صدورنا وأعظم وأفرض علينا أن لا نقبلها إذا كانت زائد على ما في القرآن بل على الرأس والعينين وكذلك فرض على الأمة الأخذ بحديث القضاء بالشاهد واليمين وإن كان زائدا على ما في القرآن وقد أخذ به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمهور التابعين والأئمة والعجب ممن يرده لأنه زائد على ما في كتاب الله ثم يقضي بالنكول ومعاقد القمط ووجوه الآجر في الحائط وليست في كتاب الله ولا سنة رسوله وأخذتم أنتم وجمهور الأمة بحديث لا يقاد الوالد بالولد مع ضعفه وهو زائد على ما في القرآن وأخذتم أنتم والناس بحديث أخذ الجزية من المجوس وهو زائد على ما في القرآن وأخذتم مع سائر الناس بقطع رجل السارق في المرة الثانية مع زيادته على ما في القرآن وأخذتم أنتم والناس بحديث النهي عن الاقتصاص من الجرح قبل الاندمال وهو زائد على ما في القرآن وأخذت الأمة بأحاديث الحضانة وليست في القرآن وأخذتم أنتم والجمهور باعتداد المتوفي عنها في منزلها وهو زائد على ما في القرآن وأخذتم أنتم مع الناس بأحاديث البلوغ بالسن والإنبات وهي زائدة على ما في القرآن إذ ليس فيه إلا الاحتلام وأخذتم مع الناس بحديث الخراج بالضمان مع ضعفه وهو زائد على ما في القرآن وبحديث النهي عن بيع الكالىء وهو زائد على ما في القرآن وأضعاف أضعاف ما ذكرنا بل أحكام السنة التي ليست في القرآن إن لم تكن أكثر منها لم تنقص عنها فلو ساغ لنا رد كل سنة زائدة كانت على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها إلا سنة دل عليها القرآن وهذا هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع ولابد من وقوع خبره أ.هـ
ولابن القيم كلام نفيس بعد ما ذكرنا فيُرجع إليه ...
فهذا هي حال السنة مع القرآن ... فكيف يُقال حينها أن ما وافق القرآن من السنة قبلناه ..وما عارضه فغير مقبول ولو كان حديثاً صحيحاً !! فهذا من أعجب العجب وقد بينا فساد ذلك ولله الحمد والمنة ..
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:05
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن أجل تدعيم رأيه ..فقد نقل الرفاعي مجموعة من الأحاديث يحاول فيها إظهار أن النبي صلى الله عليه وسلم ...لم يستقل عن القرآن في سنته ... ونحن نؤكد ذلك ... ولكن ليس على طريقة الرفاعي ... فما وضحه النبي صلى الله عليه وسلم من أحكام ليست في القرآن إنما كان بوحي من الله تعالى وإلهام ... وسيتبين لك مقصد الرفاعي حين نقل قوله والرد عليه بإذن الله تعالى ..
فيقول:-
هناك أعمالٌ قامَ بها الرسولُ كتفصيلٍ لكليّاتِ النصِّ القرآنيِّ ( مِثْلَ الشعائر ) ، وهذه الأعمالُ هي السنّةُ التي يجبُ على الأمّةِ اتّباعُها
وقد ذكرنا أن هناك من الأحكام ما استقلت به السنة الشريفة عن القرآن الكريم .. وهذه الأحكام مؤيدة بوحي من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ...
ويقول أيضا:-
هناك أعمالٌ قامَ بها النبيُّ دونَ وحيٍ من السماءِ ( أي قام بها ليس بكونِه رسولاً وإنّما بكونِه نبيّاً ) ، وذلك باجتهادٍ بشريٍّ ، ريثما يُنَزَّلُ عليه النصُّ القرآنيُّ الخاصُّ بِها ، أو أنَّ هذه الأعمالَ لا علاقةَ لها بالتكليف ..
قلت: هذا الأمر محل تفصيل ... فالسنة كما قلنا هي ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ... وهذه الأقوال والأفعال التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم ، واستُفيد منها حكم شرعي وجب الأخذ به حتى ولو لم يكن في القرآن مثله ... لأن ما قرره النبي صلى الله عليه وسلم وشرَّعه ... لا يتعارض مع القرآن بل هو مكمل له ووحيٌ من الله تعالى له صلى الله عليه وسلم ... أما ما كان اجتهاداُ بشرياً منه صلى الله عليه وسلم فسيأتي توضيحه بعد ذكر الأحاديث التي أوردها الرفاعي.. فيقول:-
.. ورواياتُ الأحاديثِ ذاتُها تُبيّنُ هذا الجانبَ من أعمالِ النبيِّ التي قامَ بها باجتهادٍ بشريٍّ دونَ وحيٍ من السماءِ .. وفي الحديثِ التالي من صحيحِ مسلم ، رقم ( 4356 ) حسبَ ترقيمِ العالميّةِ ، أكبرُ دليلٍ على ذلك :
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ فَقَالُوا يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا قَالَ فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ] ..
ويقول أيضا:-
.. فَقَولُ النبيِّ (( فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ )) ، يؤكّدُ أنّ بعضَ أقوالِ النبيِّ ليستْ وحياً من السماءِ ، وأنّ السنّةَ التي تُطالَبُ بها الأمّةُ هي فقط التي ينقلُها لنا الرسولُ كوحيٍ من السماءِ يُفَسِّرُ كليّات النصّ القرآني ، لا كاجتهادٍ بشريٍّ .. وهذا ما تُبيّنُهُ العبارةُ (( وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ )) مِنَ الحديثِ ..
ولمزيد من الايضاح حول الموضوع ينظر هذا الرابط http://www.islamqa.com/ar/ref/7208
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:05
بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول الرفاعي:-
.. ولذلك كانَ رسولُ اللهِ حريصاً على عدمِ كتابةِ أيِّ شيءٍ عنه سوى القرآنِ الكريمِ ، وهناك الكثيرُ من الأحاديثِ التي تؤكّدُ ذلك
قلت: هذا الكلام فيه ما فيه ... وهو أشبه بالطعن برسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل نهيُ الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يُكتب شيءٌ من حديثه هو من أجل أن هناك أفعالا له صلى الله عليه وسلم قد يُخطىء فيها أو يُصيب ولهذا نهى عن كتابة السنة؟؟
أقول: لم يقل بمثل هذا القول حتى أعتى أعداء الإسلام ...وقد بينّا في الفتوى المنقولة أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي هي دليل على بشرية الرسول شيء .. والأحكام التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم وحيٌ من الله تعالى كلها صحيحة ..وعدم الأخذ بها كفرٌ مخرجٌ من الملة والعياذ بالله ..
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:06
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمضي الرفاعي قائلاً:-
.. ولو فرضنا جدلاً وتماشياً مع أوهامِ الذين لا يريدون معرفةَ الحقِّ ، أنّ أعمالَ الرسولِ كُتِبَتْ جميعُها بين يديهِ ، بل وصُوِّرَت بكاميرا ( فيديو ) ، فإنّ ذلك لا يعني أبداً أنّ الرواياتِ التي بين أيدينا كُتِبَتْ في العصرِ الأوّلِ ، لأنَّ جميعَ الرواياتِ التي بين أيدينا تبدأُ بالعبارات : حدّثنا ، أخبَرَنا ، سمعنا ، ....... ، ولا يُوجَدُ حديثٌ واحدٌ يبدأُ بالعبارة : هذا ما نُقِلَ حرفيّاً من صحيفةٍ ما كُتِبَتْ بين يديِّ الرسولِ .. إضافةً إلى أنَّ نَقْلَ الحدثِ الواحدِ – عَبْرَ رواياتِ الأحاديثِ – بصيغٍ مختلفةٍ ، ومتناقضةٍ أحياناً ، يؤكّدُ أنّ الحديثَ جُمِعَ بالسماع ، لا عن طريقِ الكتابة ..
وبغض النظر عن استهزاؤه الذي يعبر فيه عن أخلاقه .. فإن الأحاديث قد نُقلت ودونت بأعلى درجات الضبط وقد شهد بذلك العدو قبل الصديق ...
وللرد على كلامه هذا .. أنقل كلام المعلمي رحمه الله تعالى الذي رد على كلام أبو رية سلف الرفاعي .. فقال المعلمي رحمه الله تعالى :-
فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين حتى كتبت ودونت كما يأتي، وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقاً جداً، لأنها تشمل جميع أقول النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك. والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعناه، لأن كلام الله بلفظه ومعناه، معجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير، لاجرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالباً بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء .........
وثم مصالح أخرى منها: تنشئة علوم تحتاج إليها الأمة، فهذه الثروة العظيمة التي بيد المسلمين من تراجم قدمائهم، إنما جاءت من احتياج المحدثين إلى معرفة أحوال الرواة، فاضطروا إلى تتبع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم، ثم تبعهم غيرهم.
ومنها: الإسناد الذي يعرف به حال الخبر، كان بدؤه في الحديث ثم سرى إلى التفسير والتاريخ و الأدب.............أ.هـ بتصرف
وأما عن قول الرفاعي ( لا نجد في الأحاديث إلا حدثنا، أخبرنا، سمعنا ... ) فيقول المعلمي:-
علمنا يقيناً أن الصحابة إنما أمروا بالتبليغ على ماجرت به العادة: من بقي منهم حافظاً على وجهه فليؤده كذلك، ومن بقي ضابطاً للمعنى ولم يبق ضابطاً للفظ فليؤده بالمعنى. هذا أمر يقيني لا ريب فيه، وعلى ذلك جرى عملهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.
ويمضي المعلمي رحمه الله تعالى قائلاً
واعلم أن الأحاديث الصحيحة ليست كلها قولية، بل منها ما هو إخبار عن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة. ومنها ما أصله قولي، ولكن الصحابي لا يذكر القول بل يقول: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهانا عن كذا، أو قضى بكذا، أو أذن في كذا.. وأشباه هذا. وهذا كثير أيضاً. وهذان الضربان ليسا محل نزاع، والكلام في مايقول الصحابي فيه: قال رسول الله كيت وكيت، أو نحو ذلك. ومن تتبع هذا في الأحاديث التي يرويها صحابيان أو أكثر ووقع اختلاف فإنما هو في بعض الألفاظ، وهذا يبين أن الصحابة لم يكونوا إذا حكوا قوله صلى الله عليه وسلم يهملون ألفاظه البتة، لكن منهم من يحاول أن يؤديها فيقع له تقديم وتأخير أو إبدال الكلمة بمرادفها ونحو ذلك. ومع هذا فقد عرف جماعة من الصحابة كانوا يتحرون ضبط الألفاظ...
وأما التابعون فقد يتحفظون الحديث كما يتحفظون القرآن كماجاء عن قتادة أنه (( كان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل حتى يحفظه )) هذا مع قوة حفظه، ذكروا أن صحيفة جابر على كبرها قرئت عليه مرة واحدة- وكان أعمى - فحفظها بحروفها، حتى قرأ مرة سورة البقرة فلم يخطيء حرفاً ثم قال: لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة )) ... أما أتباع التابعين فلم يكن فيهم راو مكثر إلا كان عنده كتب بمسموعاته يراجعها ويتعاهدها ويتحفظ حديثه منها. ثم منهم من لم يكن يحفظ، وإنما يحدث من كتابه، ومنهم من جرب عليه الأئمة أنه يحدث من حفظه فيخطيء، فاشترطولصحة روايته أن يكون السماع منه من كتابه.ومنهم من عرف الأئمة أنه حافظ، غير أنه قد يقدم كلمة أو يؤخرها، ونحو ذلك مما عرفوا أنه لا يغير المعنى، فيوثقونه ويبينون أن السماع منه من كتابه أثبت.
فأما من بعدهم فكان المتثبتون لا يكادون يسمعون من الرجل إلا من أصل كتابه. كان عبد الرزاق الصنعاني ثقة حافظاً، ومع ذلك لم يسمع منه أحد بن حنبل ويحيى بن معين إلا من أصل كتابه... هذا، وكان الأئمة يعتبرون حديث كل راو فينظرون كيف حدث به في الأوقات المتفاوته فإذا وجدوه يحدث مرة كذا ومرة كذا بخلاف لا يحتمل ضعفوه. وربما سمعوا الحديث من الرجل ثم يدعونه مدة طويلة ثم يسألونه عنه. ثم يعتبر حرف مرواياته برواية من روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته مايخالف رواية الثقات حكموا عليه بحسبها. وليسوا يوثقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط.، بل معظم اعتمادهم علىحاله في حديثه كما مر، وتجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطيء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، / وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا. ونظرهم عند تصحيح الحديث أدق من هذا، نعم، إن هناك من المحدثين من يسهل ويخفف، لكن العارف لا يخفى عليه هؤلاء من هؤلاء. فإذا رأيت المحققين قد وثقوا رجلاً مطلقاً فمعنى ذلك أنه يروي الحديث بلفظه الذي سمعه، أو على الأقل إذا روى المعنى لم يغير المعنى، وإذا رأيتهم قد صححوا حديثاً فمعنى ذلك أنه صحيح بلفظه أو على الأقل بنحو لفظه، مع تمام معناه، فإن بان لهم خلاف ذلك نبهوا عليه ... أ.هـ
ومن شاء الاستزادة فليرجع الى كتاب المعلمي رحمه الله تعالى ( الأنوار الكاشفة) فهو سفرٌ نفيسٌ حقا ..
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:07
بسم الله الرحمن الرحيم
ويورد الرفاعي هذا الحديث من صحيح البخاري استمراراً في منهجه السقيم العقيم فيقول في حاشية مقاله :-
صحيح البخاري حديث رقم : ( 3085 ) حسب ترقيم العالمية : ( حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ ) ..
صحيح مسلم ، حديث رقم : ( 4781 ) حسب ترقيم العالمية : ( حَدَّثَنَا ....... قَالُوا حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا ) ..
.. ورد في التفسير الكبير للفخر الرازي ، الكتاب الأوّل ، الجزء الثاني ، ص : 54 ، نصٌّ يتعلّقُ بهذا الحديث ، أنقله بحرفيّته : [ ..... وحكى الخطيب في تاريخ بغداد عن عمرو بن عبيد أنّه قال : لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته ، ولو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أحببته ، ولو سمعت عبد الله بن مسعود يقول هذا ما قبلته ، ولو سمعت رسول الله ( ص ) يقول هذا لرددته ، ولو سمعت الله عزّ وجلّ يقول هذا لقلتُ : ليس على هذا أخذت ميثاقاً .. ] ..
والمتابع لكلام الرفاعي يجد أنه يورد الأحاديث لمجرد الإيراد ..واضعاً بعض الكلام من بعض كتب الفرق المخالفة ...كما هو الحال في إيراده لهذين الحديثين ...
فالكلام المذكور في تفسير الرازي إنما نقله عن عمرو بن عبيد ... وعمرو هذا معتزلي جلد ... تجد ترجمته في كتب التراجم ... أما الرازي فهو أشعري ... خالف المعتزلة في بعض الأمور واتفق معهم في بعضها الآخر ... فكيف يُؤخذ قولهما حجة على الإسلام ..!! وكيف يتم الربط بين كلامهم هذا لانتقاد هذه الأحاديث ... وكأن رأيهم هو الصحيح ورأي غيرهم من علماء الأمة باطل ... !!
أما معنى الحديثين فلا يُعارض القرآن ... وليس فيه ظلمٌ للبشر كما يُفهم ضمنياً من كلام الرفاعي ...
وإليك هذه الفتوى حول الموضوع:-
معنى حديث " فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار "
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح هذا الحديث : عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الصادق المصدوق (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفه ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغه مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وٍأجله وعمله وشقي أم سعيد فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) رواه البخاري بصراحة أجد نوعا من التحبيط أني قد أعمل بعمل أهل الجنة ومكتوب أني من أهل النار ، وأرجو من فضيلتكم الإجابة مأجورين ومشكورين على جهودكم ، والله يجعلها في ميزان حسناتكم .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن القيم رحمه الله : " الجهال بالله وأسمائه وصفاته ، المعطلون لحقائقها ، يُبَغِّضون اللهَ إلى خلقه ، ويقطعون عليهم طريق محبته ، والتودد إليه بطاعته من حيث لا يعلمون !!
ونحن نذكر من ذلك أمثلة يُحتذى عليها : فمنها أنهم يقررون في نفوس الضعفاء أن الله سبحانه لا تنفع معه طاعة ، وإن طال زمانها وبالغ العبد وأتى بها بظاهره وباطنه ، وأن العبد ليس على ثقة ولا أمن من مكره ؛ بل شأنه سبحانه أن يأخذ المطيع المتقي من المحراب إلى الماخور ، ومن التوحيد والمسبحة إلى الشرك والمزمار ، ويقلب قلبه من الإيمان الخالص إلى الكفر ، ويروون في ذلك آثار صحيحة لم يفهموها ، وباطلة لم يقلها المعصوم ، ويزعمون أن هذا حقيقة التوحيد .. " انتهى ، الفوائد (159) .
ثم قال رحمه الله : " ... فأفلس هذا المسكين من اعتقاد كون الأعمال نافعة أو ضارة ؛ فلا بفعل الخير يستأنس ، ولا بفعل الشر يستوحش ، وهل في التنفير عن الله وتبغيضه إلى عباده أكثر من هذا ؟!! ولو اجتهد الملاحدة على تبغيض الدين والتنفير عن الله لما أتوا بأكثر من هذا .
وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر ، ويرد على أهل البدع ، وينصر الدين ، ولعمر الله : العدو العاقل أقل ضررا من الصديق الجاهل ، وكتب الله المنزلة كلها ورسله كلهم شاهدة بضد ذلك ، ولا سيما القرآن ؛ فلو سلك الدعاة المسلك الذي دعا الله ورسوله به الناس إليه لصلح العالم صلاحا لا فساد معه .
فالله سبحانه أخبر ، وهو الصادق الوفي ، أنه إنما يعامل الناس بكسبهم ، ويجازيهم بأعمالهم ، ولا يخاف المحِسن لديه ظلما ولا هضما ، ولا يخاف بخسا ولا رهقا ، ولا يضيع عمل محسن أبدا ، ولا يضيع على العبد مثقال ذرة ، ولا يظلمها : (وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) ، وإن كان مثقال حبة من خردل جازاه بها ، ولا يضيعها عليه ، وأنه يجزي بالسيئة مثلها ، ويحبطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب ، ويجزي بالحسنة عشر أمثالها ، ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة !!
وهو الذي أصلح الفاسدين ، وأقبل بقلوب المعرضين ، وتاب على المذنبين ، وهدى الضالين ، وأنقذ الهالكين ، وعلَّم الجاهلين ، وبصَّر المتحيرين ، وذكَّر الغافلين ، وآوى الشاردين ، وإذا أوقع عقابا أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه ، ودعوة العبد إلى الرجوع إلى إليه ...) . انتهى
الفوائد (161) .
وهذا الحديث العظيم رواه البخاري (3208) ومسلم (2643) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وقد أشكل على بعض الناس قوله صلى لله عليه وسلم فيه : (فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) .
وهو مثال لما أشار إليه ابن القيم رحمه الله من الآثار الصحيحة التي لم يفهموها .
والجواب عن ذلك أن هذا في حق من لا يعمل إخلاصا وإيمانا ، بل يعمل بعمل أهل الجنة
(فيما يبدو للناس) فقط ، كما جاء موضحا في الحديث الآخر الذي رواه البخاري (4207) ومسلم (112) عَنْ سَهْلٍ قَالَ الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالُوا أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لَأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَجَاءَ الرَّجلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) .
وأما من يعمل بعمل أهل الجنة حقيقة ، إخلاصا وإيمانا ، فالله تعالى أعدل وأكرم وأرحم من أن يخذله في نهاية عمره .
بل هذا أهل للتوفيق والتسديد والتثبيت ، كما قال تعالى : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) إبراهيم/27 ، وقال : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69 ، وقال : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسيف/90 ، وقال : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران/171
قال ابن القيم رحمه الله في "الفوائد" ص 163 : " وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فإن هذا عمل أهل الجنة فيما يظهر للناس ، ولو كان عملا صالحا مقبولا للجنة قد أحبه الله ورضيه لم يبطله عليه . وقوله : (لم يبق بينه وبينها إلا ذراع) يشكل على هذا التأويل ، فيقال : لما كان العمل بآخره وخاتمته ، لم يصبر هذا العامل على عمله حتى يتم له ، بل كان فيه آفة كامنة ونكتة خُذل بها في آخر عمره ، فخانته تلك الآفة والداهية الباطنة في وقت الحاجة ، فرجع إلى موجبها ، وعملت عملها ، ولو لم يكن هناك غش وآفة لم يقلب الله إيمانه ... والله يعلم من سائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض " انتهى .
وقال ابن رجب رحمه الله :
" وقوله : (فيما يبدو للناس) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك ، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس ؛ إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك ، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت .
وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار ، وفي باطنه خصلة خفيه من خصال الخير ، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره ، فتوجب له حسن الخاتمة .
قال عبد العزيز بن أبي رواد : حضرت رجلا عند الموت يلقن الشهادة : لا إله إلا الله ، فقال في آخر ما قال : هو كافر بما تقول ، ومات على ذلك !!
قال : فسألت عنه ، فإذا هو مدمن خمر !!
وكان عبد العزيز يقول اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته .
وفي الجملة : فالخواتيم ميراث السوابق ؛ وكل ذلك سبق في الكتاب السابق ، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم ، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق .
وقد قيل : إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم ، يقولون : بماذا يختم لنا ؟!!
وقلوب المقربين معلقة بالسوابق ، يقولون : ماذا سبق لنا ؟!! ...
وقال سهل التستري : المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي ، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر !!
ومن هنا كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ، ويشتد قلقهم وجزعهم منه ؛ فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر ، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر ؛ كما تقدم أن دسائس السوء الخلفية توجب سوء الخاتمة " انتهى .
جامع العلوم والحكم (1/57-58) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إن حديث ابن مسعود : (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: بين الجنة ، ليس المراد أن عمله أوصله إلى هذا المكان حتى لم يبق إلا ذراع ، لأنه لو كان عمله عمل أهل الجنة حقيقة من أول الأمر ما خذله الله عز وجل ؛ لأن الله أكرم من عبده، عبد مقبل على الله ، ما بقي عليه والجنة إلا ذراع ، يصده الله؟! هذا مستحيل ، لكن المعنى: يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، حتى إذا لم يبق على أجله إلا القليل زاغ قلبه والعياذ بالله -نسأل الله العافية- هذا معنى حديث ابن مسعود . إذاً: لم يبق بينه وبين الجنة إلا ذراع بالنسبة لأجله ، وإلا فهو من الأصل ما عمل عمل أهل الجنة -نعوذ بالله من ذلك ، نسأل الله ألا يزيغ قلوبنا- عامل وفي قلبه سريرة خبيثة أودت به إلى أنه لم يبق إلا ذراع ويموت " انتهى من "اللقاء الشهري" (13/14) .
وأشار بعض أهل العلم إلى أن المذكور في الحديث قد يعمل بعمل أهل الجنة حقيقة ، حتى إذا اقترب أجله ساءت خاتمته ، فمات على كفر أو معصية ، لكن هذا نادر ، وهو راجع أيضا إلى خبيئة وبلية يقيم عليها هذا الشخص ، من اعتقاد فاسد أو كبيرة موبقة ، أوجبت سوء خاتمته ، نسأل الله العافية . فيكون الحديث فيه تحذير من الاغترار بالأعمال ، وتوجيه إلى سؤال الله الثبات حتى الممات، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " الْمُرَاد بِالذِّرَاعِ التَّمْثِيل لِلْقُرْبِ مِنْ مَوْته وَدُخُوله عَقِبه , وَأَنَّ تِلْكَ الدَّار مَا بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن أَنْ يَصِلهَا إِلَّا كَمَنْ بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن مَوْضِع مِنْ الْأَرْض ذِرَاع , وَالْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَع فِي نَادِر مِنْ النَّاس , لَا أَنَّهُ غَالِب فِيهِمْ , ثُمَّ أَنَّهُ مِنْ لُطْ اللَّه تَعَالَى وَسَعَة رَحْمَته اِنْقِلَاب النَّاس مِنْ الشَّرّ إِلَى الْخَيْر فِي كَثْرَة , وَأَمَّا اِنْقِلَابهمْ مِنْ الْخَيْر إِلَى الشَّرّ فَفِي غَايَة النُّدُور , وَنِهَايَة الْقِلَّة , وَهُوَ نَحْو قَوْله تَعَالَى : {إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَغَلَبَتْ غَضَبِي} وَيَدْخُل فِي هَذَا مَنْ اِنْقَلَبَ إِلَى عَمَل النَّار بِكُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَة , لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي التَّخْلِيد وَعَدَمه ; فَالْكَافِر يُخَلَّد فِي النَّار , وَالْعَاصِي الَّذِي مَاتَ مُوَحِّدًا لَا يُخَلَّد فِيهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره . وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَصْرِيح بِإِثْبَاتِ الْقَدَر , وَأَنَّ التَّوْبَة تَهْدِم الذُّنُوب قَبْلهَا , وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْء حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ , إِلَّا أَنَّ أَصْحَاب الْمَعَاصِي غَيْر الْكُفْر فِي الْمَشِيئَة . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .
على أن الذي ينبغي أن ننتبه إليه في هذا السياق ، أن في نفس الحديث الذي أشكل عليك حل هذا الإشكال ؛ وذلك أنه لم يتضمن مجرد إثبات القدر ، وعلم الله تعالى السابق في خلقه ، وكتابته لأعمالهم ، وإنما تضمن ، هو وأمثاله من النصوص ، إلى جانب ذلك كله ، إثبات أمره ونهيه ، وأن الله تعالى لا يعذب عباده ، ولا ينعمهم ، على مجرد علمه فيهم ، بل على ما عملت أيديهم ، وكسبت نفوسهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَهَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ فِيهِ فَصْلَانِ : أَحَدُهُمَا : الْقَدَرُ السَّابِقُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلِمَ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْمَلُوا الْأَعْمَالَ وَهَذَا حَقٌّ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ ; بَلْ قَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّ مَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدَ كَفَرَ ; بَلْ يَجِبُ الْإِيمَانُ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ كُلَّهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ...
[والفصل الثاني] : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُ الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَدْ جَعَلَ لِلْأَشْيَاءِ أَسْبَابًا تَكُونُ بِهَا ؛ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَكُونُ بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يُولَدُ لَهُ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَةً فَيُحْبِلَهَا ؛ فَلَوْ قَالَ هَذَا : إذَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُولَدُ لِي فَلَا حَاجَةَ إلَى الْوَطْءِ كَانَ أَحْمَقَ ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ بِمَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْوَطْءِ ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا يُنْبِتُ لَهُ الزَّرْعَ بِمَا يَسْقِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَيَبْذُرُهُ مِنْ الْحَبِّ ؛ فَلَوْ قَالَ : إذَا عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَذْرِ كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ بِذَلِكَ ...
وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ سَعِيدًا فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا شَقِيًّا فِي الْآخِرَةِ ، قُلْنَا : ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِعَمَلِ الْأَشْقِيَاءِ ؛ فَاَللَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْقَى بِهَذَا الْعَمَلِ ، فَلَوْ قِيلَ : هُوَ شَقِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَانَ بَاطِلًا ; لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُدْخِلُ النَّارَ أَحَدًا إلَّا بِذَنْبِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} ؛ فَأَقْسَمَ أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا مِنْ إبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ ، وَمَنْ اتَّبَعَ إبْلِيسَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَا يُعَاقِبُ اللَّهُ الْعَبْدَ عَلَى مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ حَتَّى يَعْمَلَهُ ...
وَكَذَلِكَ الْجَنَّةُ خَلَقَهَا اللَّهُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ فَمَنْ قَدَّرَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ يَسَّرَهُ لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ ؛ فَمَنْ قَالَ : أَنَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَوَاءٌ كُنْت مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا ، إذَا عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَهْلِهَا كَانَ مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا بِالْإِيمَانِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، بَلْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ، بَلْ كَافِرًا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .
وَلِهَذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ . وَمَنْ قَالَ : أَنَا لَا أَدْعُو وَلَا أَسْأَلُ اتِّكَالًا عَلَى الْقَدَرِ كَانَ مُخْطِئًا أَيْضًا ; لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الدُّعَاءَ وَالسُّؤَالَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنَالُ بِهَا مَغْفِرَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَهُدَاهُ وَنَصْرَهُ وَرِزْقَهُ . وَإِذَا قَدَّرَ لِلْعَبْدِ خَيْرًا يَنَالُهُ بِالدُّعَاءِ لَمْ يَحْصُلْ بِدُونِ الدُّعَاءِ ، وَمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَعَلِمَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْعِبَادِ وَعَوَاقِبِهِمْ فَإِنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ بِأَسْبَابِ يَسُوقُ الْمَقَادِيرَ إلَى الْمَوَاقِيتِ ؛ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَيْءٌ إلَّا بِسَبَبِ ، وَاَللَّهُ خَالِقُ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ...
وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَلَّ طَائِفَتَانِ مِنْ النَّاسِ : " فَرِيقٌ " آمَنُوا بِالْقَدَرِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ ، فَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَهَؤُلَاءِ يَئُولُ بِهِمْ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَكْفُرُوا بِكُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَدِينِهِ !!
وَفَرِيقٌ أَخَذُوا يَطْلُبُونَ الْجَزَاءَ مِنْ اللَّهِ كَمَا يَطْلُبُهُ الْأَجِيرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ مُتَّكِلِينَ عَلَى حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَعَمَلِهِمْ ، وَكَمَا يَطْلُبُهُ الْمَمَالِيكُ ، وَهَؤُلَاءِ جُهَّالٌ ضُلَّالٌ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْعِبَادَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ حَاجَةً إلَيْهِ ، وَلَا نَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ بُخْلًا بِهِ ؛ وَلَكِنْ أَمَرَهُمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ فَسَادُهُمْ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ : {يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي} ...
فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ نَاظِرًا إلَى الْقَدَرِ فَقَدْ ضَلَّ ، وَمَنْ طَلَبَ الْقِيَامَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُعْرِضًا عَنْ الْقَدَرِ فَقَدْ ضَلَّ ; بَلْ الْمُؤْمِنُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ؛ فَنَعْبُدُهُ اتِّبَاعًا لِلْأَمْرِ وَنَسْتَعِينُهُ إيمَانًا بِالْقَدَرِ ..." انتهى .
مقتطفات من مجموع الفتاوى (8/66) وما بعدها .
والله أعلم .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:08
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمضي الرفاعي قائلا:-
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 3614 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنِي ....... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ] ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 3284 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ....... ] ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4340 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ و حَدَّثَنِي ....... حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ ....... ] ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4335 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ] ..
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4330 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً ....... ] ..
.. لا شكّ أنَّ من يملكُ حداً أدنى من الوعي والإدراكِ يرى تناقضاً بين هذه الرواياتِ ، فلا يمكنُ من خلالِ هذه الرواياتِ أنْ نَصِلَ إلى نتيجةٍ في معرفةِ كم عاشَ النبيُّ ، وكم لَبِثَ في مكةَ .. ويأتي السادةُ الذين يقدّمون التاريخَ نصَّاً مقدّساً ، ليبرّروا هذه التناقضات ، على حسابِ العقلِ والمنطقِ ، ظانّين أنّهم بذلك يخدمون سنّةَ رسول الله ..
والحق أن الأمر لا يوجب كل ما قاله الرفاعي ...فان اختلف في بعض ألفاظ الحديث ..أو وهم الراوي في لفظ دون آخر ...فليس هذا بموجب لرد الروايات .. خاصة وأن رواية تكون أثبت من جهة ضبط الرواة من رواية أخرى ويكون سند الروايتين صحيحاً ...
وإليك شيئا مما قاله أهل العلم في بيان الاختلاف في هذه الروايات ...
فقد قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كشف المشكل من حديث الصحيحين:-
وفي الحديث الثامن والخمسين مكث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين والمكث الإقامة وهذا مقدار ما أقام بمكة بعد أن أوحي إليه وقوله وتوفي وهو ابن ثلاث وستين وهو الصحيح في مقدار عمره وقد روي مثل هذا عن معاوية وأنس وعائشة وعن أنس أنه قال توفي على رأس ستين وعن ابن عباس أنه توفي وهو ابن خمس وستين وكل هذه الأطراف في الصحيح فأما خمس وستون فالجواب عنه من وجهين أحدهما أنه من أفراد مسلم والمتفق عليه عن ابن عباس ما قدمنا والثاني أنه إشارة إلى ما كان يرى قبل النبوة من النور ويسمع من الصوت وهذا مبين في الحديث ومن قال ستين قصد أعشار السني والإنسان قد يقول عمري خمسون سنة ولعله قد زاد عليها لأن الزيادة لما لم تبلغ عشرا لم يذكرها وأما قول ابن عباس لبث بمكة عشرا يوحي إليه فله وجهان أحدهما أنه ذكر العقد وترك ما زاد عليه كما بينا والثاني أنه لما أوحي إليه استسر بالنبوة ثلاث سنين حتى نزل عليه ( فاصدع بما تؤمر ) الحجر 94 فأنذر حينئذ فحسب ابن عباس ما ظهر
وقال ابن حجر في الفتح رحمه الله تعالى:-
هَذَا يُخَالِف الْمَرْوِيّ عَنْ عَائِشَة عَقِبه أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ، إِلَّا أَنْ يُحْمَل عَلَى إِلْغَاء الْكَسْر كَمَا قِيلَ مِثْله فِي حَدِيث أَنَس الْمُتَقَدِّم فِي " بَاب صِفَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مِنْ كِتَاب الْمَنَاقِب . وَأَكْثَر مَا قِيلَ فِي عُمْره أَنَّهُ خَمْس وَسِتُّونَ سَنَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار عَنْ اِبْن عَبَّاس ، وَمِثْله لِأَحْمَد عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَانَ عَنْ اِبْن عَبَّاس ، وَهُوَ مُغَايِر لِحَدِيثِ الْبَاب لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُون عَاشَ سِتِّينَ إِلَّا أَنْ يُحْمَل عَلَى إِلْغَاء الْكَسْر ، أَوْ عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهُ بُعِثَ اِبْن ثَلَاث وَأَرْبَعِينَ وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَة عَمْرو بْن دِينَار عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ مَكَثَ بِمَكَّة ثَلَاث عَشْرَة وَمَاتَ اِبْن ثَلَاث وَسِتِّينَ ، وَفِي رِوَايَة هِشَام بْن حَسَّان عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " لَبِثَ بِمَكَّة ثَلَاث عَشْرَة وَبُعِثَ لِأَرْبَعِينَ وَمَاتَ وَهُوَ اِبْن ثَلَاث وَسِتِّينَ " وَهَذَا مُوَافِق لِقَوْلِ الْجُمْهُور ، وَقَدْ مَضَى فِي " بَاب هِجْرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . وَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَة مَا يُخَالِف الْمَشْهُور - وَهُوَ ثَلَاث وَسِتُّونَ - جَاءَ عَنْهُ الْمَشْهُور ، وَهُمْ اِبْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأَنَس ، وَلَمْ يُخْتَلَف عَلَى مُعَاوِيَة أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ، وَبِهِ جَزَمَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالشَّعْبِيّ وَمُجَاهِد ، وَقَالَ أَحْمَد : هُوَ الثَّبْت عِنْدنَا . وَقَدْ جَمَعَ السُّهَيْلِيُّ بَيْن الْقَوْلَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ بِوَجْهٍ آخَر ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَالَ : مَكَثَ ثَلَاث عَشْرَة عَدَّ مِنْ أَوَّل مَا جَاءَهُ الْمَلَك بِالنُّبُوَّةِ ، وَمَنْ قَالَ : مَكَثَ عَشْرًا أَخَذَ مَا بَعْد فَتْرَة الْوَحْي وَمَجِيء الْمَلَك بِيَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر ، وَهُوَ مَبْنِيّ عَلَى صِحَّة خَبَر الشَّعْبِيّ الَّذِي نَقَلْته مِنْ تَارِيخ الْإِمَام أَحْمَد فِي بَدْء الْوَحْي ، وَلَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد اِبْن سَعْد مَا يُخَالِفهُ كَمَا أَوْضَحْته فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث عَائِشَة فِي بَدْء الْوَحْي الْمُخَرَّج مِنْ رِوَايَة مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ فِيمَا يَتَعَلَّق بِالزِّيَادَةِ الَّتِي أَرْسَلَهَا الزُّهْرِيّ ، وَمِنْ الشُّذُوذ مَا رَوَاهُ عُمَر بْن شَبَّة أَنَّهُ عَاشَ إِحْدَى أَوْ اِثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَلَمْ يَبْلُغ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ، وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن عَسَاكِر مِنْ وَجْه آخَر أَنَّهُ عَاشَ اِثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَنِصْفًا ، وَهَذَا يَصِحّ عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ وُلِدَ فِي رَمَضَان ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبَاب الْمَذْكُور أَنَّهُ شَاذّ مِنْ الْقَوْل ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضهمْ بَيْن الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة بِأَنَّ مَنْ قَالَ : خَمْس وَسِتُّونَ جَبَرَ الْكَسْر ، وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ يَخْرُج مِنْهُ أَرْبَع وَسِتُّونَ فَقَطْ وَقَلَّ مَنْ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ .
وقال الكشميري في فيض الباري:-
قوله: (لَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سَنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وبالمَدِينَةِ عَشْراً) ولعلَّ هذا مخرَّجٌ على قول من اختار زمن الفَتْرَةِ ثلاث سنين، فإنه نُبِّىء على رأس أربعين، وتُوُفِّي وهو ابن ثلاث وستين، فلو نقَّصت من مجموع عمره ثلاث سنين زمن الفَتْرَةِ، حصل عشر، وعشر لإِقامته بمكة والمدينة.أ.هـ
فانظر كيف تم الجمع بين هذه الأحاديث بوجوه حسنة كثيرة ... ولم يقل أيٌ من العلماء بأنها ضعيفة أو مردودة ... وهل كل ما اختلف من ألفاظ الحديث رددناه بحجة الاختلاف أو ضعفناه !! هذا لعمري في القياس بديع ..
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:09
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمضي الرفاعي قائلا:-
صحيح مسلم .. حديث رقم ( 4997 ) حسب ترقيم العالميّة ..
[ حَدَّثَنِي ..... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ..... ] ..
قلت:- هذا الحديث من الأحاديث التي انتقدت على صحيح مسلم رحمه الله تعالى ... وقد سبق وأشرنا أن مثل هذه الأحاديث لا تقلل من قيمة الصحيحين لضآلة عددها ونسبتها مقارنة مع مجموع أحاديث الصحيحين ...
ومع ذلك فقد رد المعلمي اليماني والشيخ الألباني رحمهم الله تعالى على من انتقد هذا الحديث ... وبالمقابل فقد بين أهل الحديث أن الحديث به علة .. وهي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو من كلام كعب الأحبار ...
http://www.ebnmaryam.com/vb/t116267.html
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:10
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمضي الرفاعي قائلاً:-
.. ولننظر إلى الحديث التالي من صحيح البخاري رقم : ( 4853 ) حسب ترقيم العالميّة :
[ حَدَّثَنَا ....... قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ الشَّوْطُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسُوا هَا هُنَا وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَبِي نَفْسَكِ لِي قَالَتْ وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ قَالَ فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ فَقَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ يَا أَبَا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا ....... ] ..
.. والتأويلاتُ التي لُبِّسَت على هذه الرواية لإيهام الناس بصحّتِها ، تزيدُ من الإساءةِ للنبيِّ ، ولزوجاتِه رضي الله تعالى عنهنّ .. فصياغةُ هذه الرواية – كما نرى – لا تحملُ للنبيِّ إلاّ الإساءة
والصحيح أن الصحابة ورواة الأحاديث الثقات أبعد ما يكونوا عن الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. وأن من يسيء إلى النبي فعلا هو من يُنكر سنته ..ويرفض الأحاديث الصحيحة ...
أما الرد على ما أثاره من شبهة حول هذا الحديث فهو:-
جاء في فتح الباري لابن حجر رحمه الله تعالى :-
قَالَ اِبْن الْمُنَيِّرِ : هَذَا مِنْ بَقِيَّة مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْجَاهِلِيَّة ، وَالسُّوقَة عِنْدهمْ مَنْ لَيْسَ بِمَلِكٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ ، فَكَأَنَّهَا اِسْتَبْعَدَتْ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَلِكَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَلِكٍ ، وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خُيِّرَ أَنْ يَكُون مَلِكًا نَبِيًّا فَاخْتَارَ أَنْ يَكُون عَبْدًا نَبِيًّا تَوَاضُعًا مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ . وَلَمْ يُؤَاخِذهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامِهَا مَعْذِرَةً لَهَا لِقُرْبِ عَهْدهَا بِجَاهِلِيَّتِهَا ...
وأشار ابن حجر أيضا فيما ذكره من روايات بعد ذلك إلى ندم المرأة وتوبيخ قومها لها فقال:-
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لِابْنِ سَعْد عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ " فَأَمَرَنِي فَرَدَدْتهَا إِلَى قَوْمهَا " وَفِي أُخْرَى لَهُ " فَلَمَّا وَصَلْت بِهَا تَصَايَحُوا وَقَالُوا : إِنَّك لَغَيْرُ مُبَارَكَة ، فَمَا دَهَاك ؟ قَالَتْ : خُدِعْتُ . قَالَ فَتُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَة عُثْمَان " ْر . قَالَ " وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة أَنَّهَا مَاتَتْ كَمَدًا "
فكيف يُقال بعد ذلك أن إيراد مثل هذه الأحاديث فيه إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا خير من حرص على النبي صلى الله عليه وسلم ... وأفضل القرون بعده كما ثبت في الصحيح ..!!
ابو علي الفلسطيني
31.07.2010, 15:11
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمضي الرفاعي قائلاً:-
.. ولننظرْ إلى الاختلافِ الواضحِ بين الحديثينِ التاليين ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 553 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[ حَدَّثَنَا ....... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ] ..
صحيح البخاري .. حديث رقم ( 557 ) حسبَ ترقيمِ العالميّة ..
[حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ ] ..
.. وهل هناك من استخفافٍ بدلالاتِ كلماتِ هذا الحديثِ ، وبعقولِنا ، كهذا الاستخفاف ؟ .. أليس القولُ بعدمِ صحّةِ بعضِ الأحاديث – في الصحاحِ – أفضلُ بكثيرٍ من هذه التأويلات ؟ ..
أما الاختلاف الوارد في هذه الأحاديث فقد اقره أهل العلم وبحثوه في كتبهم ... غير أنهم لم يرفضوا الأحاديث ولم يضعفوها ... فاللجوء إلى تضعيف الأحاديث التي ظاهرها التعارض وهي صحيحة مسلكٌ شائن .. وضعف في علم ومعرفة من يفعل ذلك .. فهلاّ نظروا في وجوه الجمع والتأويل ؟؟
ولكن تجدهم يرفضوا التأويل مطلقاً ..بل يضعفوا الحديث وهذا أهون عندهم .. ولا شك أنه أمر مرفوض ..
ومن أفضل من تحدث في هذه المسألة ابن رجب رحمه الله تعالى في شرحه على البخاري فقال:-
وكانت عائشة عندها علم من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه يصلي قبل صلاة العصر ركعتين في بيتها، وكان عندها رواية عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في بيتها مرة ركعتين بعد العصر، فكانت ترد بذلك كله قول من نهى عن الصلاة بعد العصر.
فإذا وقع التحقيق معها في الصلاة بعد صلاة العصر كما أرسل إليها معاوية يسألها عن ذلك تقول: لا أدري، وتحيل على أم سلمة؛ لأن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة العصر لم تره عائشة، إنما أخبرتها به أم سلمة، وإنما رأت عائشة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها؛ وذلك بعد دخول وقت العصر وقبل صلاة العصر، مع أنها كانت -احياناً - تروي حديث أم سلمة وترسله، ولا تسمي من حدثها به.
وهذا وجه حسن يجمع بين عامة اختلاف الأحاديث في هذا الباب ... وقد صح عن أم سلمة كما تقدم أنها قالت: لم أره صلاها إلا يوماً واحداً، وذكرت سبب ذلك.
وأمادخوله - صلى الله عليه وسلم - على نسائه بعد العصر، فذاك كان يفعله دائماً أو غالباً، وعائشة إنما أخبرت عما رأته يفعله في يومها المختص بها.
يدل على ذلك: ما خرجه مسلم في (صحيحه) من حديث شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود ومسروق، قالا: نشهد على عائشة أنها قالت: ما كان يومه الذي كان يكون عندي إلا صلاهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي - تعني: الركعتين بعد العصر.
فتبين بهذا أنها أرادت يومها المختص بها الذي كان يكون مكثه عندها في بيتها، فكان يتوضأ عندها للعصر ويصلي ركعتين، ثم يخرج للصلاة، وربما كان يدخل بيتها في وقت العصر كذلك....
فدل هذا: على أن مرادها: انه كان يصلي ركعتين بعد دخول وقت العصر، ولكن كان ذلك قبل صلاة العصر، وكانت تظن أن هذا يرد قول عمر ومن وافقه بالنهي عن الصلاة بعد العصر، وإنما كان مراد عمر وغيره من الصحابة: النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر...
والثاني: أن ركعتي الفجر لم يكن فيها اختلاف بين الصحابة أنها قبل الصلاة، ولم يكن أحد منهم يصلي بعد الصبح تطوعاً، ولا نقله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك كانت أحياناً تقول: كان يصلي قبل الفجر، وأحياناً تقول: بعد الصبح؛ لأن المعنى مفهوم.
وأما الركعتان بعد العصر، فهما اللتان وقع فيهما الاختلاف بين الصحابة، وكان كثير منهم يصليهما وكان ابن الزبير قد أشاعهما بعد موت عمر، وكان عمر في خلافته ينهى عنهما، ويعاقب عليهما، وكانت عائشة تخالفه في ذلك، وكانت تروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عندها بعد العصر؛ لترد على من قال: لا يصلى بعد العصر.
ولكن ليس في روايتها ما يرد عليهم؛ لأنهم إنما نهوا عن الصلاة بعد صلاة العصر، وهي كان عندها علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين بعد دخول وقت العصر. ولعل عمر كان ينهى عن الصلاة بعد دخول وقت العصر، كما نهى ابنه وغيره عن الصلاة بعد طلوع الفجر سوى ركعتي الفجر، وكانت عائشة تنكر ذلك لكنها كانت تسوى بين حكم ما قبل الصلاة وبعدها في الرخصة في الصلاة.
فتبين بهذا كله: أنه لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى ركعتين بعد صلاة العصر، سوى ما روته عنه أم سلمة وحدها... أ.هـ
ياسر أبو عمّار
18.01.2013, 02:12
جزاكم الله خيراً
جعله الله في ميزان حسناتك اخي الكريم
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
diamond