مجد الإسلام
27.07.2010, 14:47
مفاسد ومخاطر زيارة القدس بتأشيرة صهيونية
مجدى داود
المصدر/ موقع المسلم http://almoslim.net/node/131763
إن القدس هي جزء أصيل من أرض الإسلام, الواجب علينا تحريرها من دنس اليهود الغاصبين, والواجب علينا بذل الغالي والنفيس من أجل إعادتها إلى الأمة الإسلامية, والواجب علينا عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال الغاصب لمدينة القدس وعدم إعطاء الفرصة له ليدعي أن القدس تحت سيطرته ولا يمنع المسلمين من زيارتها.
ولأجل هذا فهذه مقالة مختصرة كتبتها على عجالة أبين فيها مخاطر ومفاسد زيارة القدس بتأشيرة صهيونية, وأرد فيها حجج وأدلة الذين يقولون بجواز ذلك.
فبداية يجب أن يكون راسخا في الأذهان أن زيارة القدس بتأشيرة صهيونية أمر لا يخضع لقاعدة المصالح والمفاسد, بل إن ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بعقيدتنا الإسلامية الراسخة وبالموقف الثابت من الاحتلال الصهيوني وحرمة أي اتفاق معه يفضي إلى الاعتراف بشرعيته أو التنازل عن أي جزء ولو صغير جدا من الأرض الإسلامية أو التنازل والتفريط في حقوق الفلسطينيين الذين ظلموا على مدى عقود طويلة من الزمان, ولكنى أترك هذا الجانب الرئيسي إلى أهل العلم فهم الذين يفتون بحرمة مثل هذه الأمور الجسام, وهم الواجب عليهم القيام بهذا الأمر على وجه السرعة, ولكي لا أفتى في الدين وأنا لست أهلا للفتوى.
ولكنى إذ أتحدث عن المفاسد والمصالح, فإني أوضح أن الأمر وإن لم يكن حراما لذاته, فإنه لا يرجى من ورائه خيرا أبدا, وسيكون له آثارا سلبية خطيرة ومفاسد جمة كثيرة.
فالذين يقولون أنه يجوز زيارة القدس بتأشيرة صهيونية, يدعون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حينما أراد القيام بعمرة إلى بيت الله الحرام في مكة, وأنه صلى الله عليه وسلم استأذن مشركي قريش.
إن هذا وربى كذب مبين, وافتراء على الله ورسوله عظيم, فشتان شتان بين الموقفين, وشتان شتان بين كيفية أداء رسول الله للعمرة وزيارة بيت الله الحرام وبين ما يريدون فعله, أما ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يختلف اختلافا جذريا عما يريد هؤلاء فعله, وأذكر بعض وجوه الاختلاف:
1. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه من رب العزة سبحانه وتعالى, ولأجل هذا فهو قبل ببعض الشروط التي كانت في ظاهرها مجحفة وظالمة للمسلمين, لكنه صلى الله عليه وسلم ربما كان يعلم من ربه أن ذلك فتح من الله عظيم, وأن هذه الشروط التي وضعتها قريش ستكون في صالح المسلمين, أما هؤلاء فهم بشر يخطئون ويصيبون, والتجارب تخبرنا أنهم كثيرا ما يخطئون في تقديراتهم وحساباتهم.
2. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا دون علم قريش ودون استئذان, وفى البداية لم يكن معه سلاح, لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجلب السلاح لأنهم مقدمون على قوم أهل حرب, فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لمشورة الفاروق رضي الله عنه, وهذا يعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة ومعه السلاح الذي يدافع به عن نفسه وعمن معه, أما هؤلاء فلن يخرجوا من ديارهم إلا بتأشيرة صهيونية, ولسوف يمنعون حتى من اصطحاب أي شيء معهم مهما كان تافها.
3. أن قريش هم أهل مكة وهم ملاك أرضها الأصليين, وهذا يعنى أنهم يتمتعون بشرعية الوجود في مكة فهي بلدهم الذي نشأوا وترعرعوا فيه, أما اليهود فليسوا سكان فلسطين الأصليين, بل لقد تجمعوا من بلاد شتى وجاءوا من كل حدب وصوب وطردوا أهل البلاد الأصليين وقتلوهم واغتصبوا أرضهم ثم نسبوها إليهم وأقاموا عليها دولة عسكرية لم ترسم حدودها حتى اللحظة, وزيارة القدس وهى تحت السيطرة الصهيونية تعنى الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني اللقيط, ولا شك أن الاعتراف بشرعية هذا الكيان حرام حرمة عظيمة, وخيانة لله ولرسوله وللمسلمين, وتفريط في وقف إسلامي لا يجوز بحال التفريط فيه.
4. إن مكة لم تكن بلدا إسلاميا بعد, وبالتالي فإن زيارة النبي للبيت الحرام لا تعطى المشركين شرعية لسيطرتهم على مكة والبيت الحرام, في حين أن زيارة هؤلاء للقدس تعطى شرعية لسيطرة اليهود على القدس, وتعطى الكيان الصهيوني حجة لكي يقولوا للعالم كافة, إن القدس تحت سيطرتنا ومع ذلك لا نمنع المسلمين منها, فقد زارها فلان وفلان وفلان......., بل قد يقولون أيضا –من باب الخداع السياسي- أنهم يرحبون بأي شخص يريد زيارة القدس, وفى الخفاء يضعون شروطا تمنع أي مسلم من زيارة القدس إلا إذا كان من أصدقاء الصهاينة وحلفائهم.
5. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفاوض رسل مشركي قريش من منطق القوة, فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا يوافق على الفتات الذي تعرضه عليه قريش, بل لقد كان يطالب بحقه آنذاك, وهو أن يزور بيت الله الحرام كسائر العرب, بل لقد كان صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام يشنون حربا نفسية وليرجع من شاء إلى كتب السيرة في ذلك, وأفضل من تناول السيرة بتفصيل حسن ورائع واستقى منها دروسا وعبرا هو الدكتور على الصلابي حفظه الله, ويا ترى ما هي القوة التي يملكها هؤلاء الذين يريدون زيارة القدس, وماذا إن رفض الكيان الصهيوني هذه الزيارة, هل سيذهبون إلى السفارات في بلادهم ويجلسون عند أقدام السفير يتوسلون إليه, أم ماذا هم فاعلون؟!
6. أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان يخبر قريش بمراده صلى الله عليه وسلم, ولكن جاءته الأخبار التي تفيد مقتل عثمان رضي الله عنه, فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن دعا أصحابه على مبايعته لقتال المشركين فبايعوه كلهم إلا واحدا لأنه كان من المنافقين, فمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد العمرة, إلا أنه لما جاءه الخبر بالغدر, قرر قتال المشركين, واليوم الصهاينة يقتلون المسلمين في فلسطين بدم بارد, وقبل أكثر من عام كانت حرب ظالمة على قطاع غزة قتل فيها ألف وخمسمائة مسلم منهم رجال ونساء وأطفال وعلماء أجلاء, ولا يزال العدو الصهيوني يفرض حصارا ظالما على أهلنا وإخواننا في قطاع غزة الحبيب, فأين هؤلاء الذين يريدون زيارة القدس مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة بعد الاتفاق مع قريش في صلح الحديبية, إنما دخلها من منطلق القوة, فكان هو القائد المنتصر, وقد استطاع في صلح الحديبية أن يحصل على هدنة لمدة عشر سنوات كاملة بين المسلمين وبين قريش, وفى ذات الوقت لم تستطع قريش أن تعترض على أي مسلم كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم تستطع قريش أن تفرق بين مسلم ومسلم آخر, ولم يتعرض المسلمون لأي إهانة ولم يظهروا في موقف ضعف أبدا, بينما سيقوم الكيان الصهيوني يمنع من يشاء من زيارة القدس, وسوف تعاملهم الحكومة الصهيونية أسوأ معاملة ولسوف تفرض قيودا على تحركاتهم, ولا يدعى أحد أن هذا الأمر من باب التكهنات التي لا دليل, فالواقع هو الدليل, ولا عقل لمن لم يعتبر بالواقع.
أكتفي بهذه النقاط من أوجه الاختلاف بين واقعنا المعاصر, والذي يسعى البعض فيه إلى زيارة القدس بتأشيرة صهيونية وبين الواقع الذي فيه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيارة بيت الله الحرام وهو تحت سيطرة المشركين, وإن هذه النقاط لكفيلة بإجهاض أي محاولة للقياس على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأي قياس لا يضع في الاعتبار هذه النقاط والكثير مما لم يذكر لهو قياس فاسد لا يستند إلى أي أساس شرعي ولا عقلي ولا منطقي.
وبعد أن أثبتنا فساد القياس على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسوف أعرض بعض المفاسد والمصالح المترتبة على زيارة القدس بتأشيرة صهيونية.
يقول هؤلاء المؤيدون لهذه الفكرة, إن هذه الزيارة ستكون أكبر دعم للقضية الفلسطينية, وحقيقة لا أعرف أي دعم هذا, وكيف تكون هذه الزيارة دعما, هل ستكون دعما سياسيا؟! كيف؟! هل ستكون دعما اقتصاديا؟! لا أظن, هل ستكون دعما عسكريا؟! كلا, هل ستكون دعما نفسيا؟! على الإطلاق.
بل إن هذه الزيارة لا يترتب عليها أبدا إلا مفاسد جمة خطيرة, منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. هذه الزيارة والحصول على تأشيرة صهيونية, تعطي الكيان الصهيوني شرعية لاحتلاله الأراضي الإسلامية, والاعتراف بشرعية وجود الكيان الصهيوني حرام قولا واحدا, ولا يلتفت إلى أي قول آخر يجيز الاعتراف بالكيان الصهيوني.
2. إن الحصول على تأشيرة صهيونية لزيارة جزء أصيل من الأمة الإسلامية, وبقعة من أهم وأعز بقاع الإسلام تعنى الاعتراف بشرعية سيطرة الكيان الصهيوني على هذه البقعة الطيبة, وهذا حكمه حكم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني.
3. إن لمثل هذه الزيارة أثار نفسية عديدة بالغة السوء على إخواننا المرابطين والمجاهدين في فلسطين, حيث سيشعرون أنهم وحدهم في الميدان, وأن الأمة قد تخلت عنهم وتركتهم يواجهون العدو الصهيوني بلا أي دعم ولو نفسي, مما قد يدفع بعضهم ممن بلغت به الصعاب مبلغها أن يفرط في بعض حقوقه, ويتجه نحو ما يسمى بالعملية السلمية والتفاوض, ولقد علمنا جميعا مآل هذه المهزلة.
4. كيف يطيب لهؤلاء المؤيدين لهذه الفكرة أن يزوروا القدس والمسجد الأقصى, في حين أن أهل القدس المجاورين للمسجد الأقصى والذين يذودون عنه ليل نهار, ويرابطون فيه وحوله, يمنعون معظم الأيام والأوقات من دخول المسجد الأقصى, بل إن هناك من يمنع من دخول المسجد الأقصى نهائيا, بل إن قوات الاحتلال الصهيوني لتقوم كل عام بهدم المئات من بيوت المقدسيين وطردهم من القدس, ألا تسبب مثل هذه الزيارة أثارا نفسية بالغة السوء لإخواننا وبالتالي تضعف همتهم وتخور عزيمتهم فيتغلب عليهم عدوهم, ألا يتعلم هؤلاء مما فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما دخل مكة فعرض عليه كبار مشركيها أن يطوف بالبيت فأبى أن يفعل ذلك بينما رسول الله لا يزال ممنوعا من ذلك.
5. إن مثل هذه الزيارة لتعطي الكيان الصهيوني فرصة كبيرة يستغلها إعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا, ليقول للعالم كله (لماذا يطالب الفلسطينيون والمسلمون بالقدس, طالما أنهم يستطيعون زيارتها حينما شاؤوا) وسيظهر العدو الصهيوني بمظهر المتسامح, وكلنا نعلم وندرك أن الكيان الصهيوني يجيد استغلال مثل هذه الفرص.
6. إن هذه الزيارة من شأنها أن تكسر وتزيل الحاجز النفسي لدى الشعوب العربية والإسلامية من التعامل مع الكيان الصهيوني, فلا زلنا حتى اللحظة نرى رفضا شعبيا للتطبيع مع الكيان الصهيوني وخاصة في البلاد التي تطبع رسميا مع ذلك الكيان, ولسوف تأتى مثل هذه الزيارة وتكسر هذه القاعدة, ولسوف يستغلها بعض المنافقين في البداية ليبرروا موقفهم من الكيان الصهيوني, ولسوف يقومون بترويجها بأسلوب يزيل ذلك الحاجز النفسي عند الشعوب.
هذه بعض المفاسد المترتبة على هذه الزيارة الشيطانية لمدينة القدس الشريف, وأظن أن هذه المفاسد لكفيلة بأن تقنع أي شخص كان مؤيدا لهذه الفكرة أن يتراجع ويعيد النظر في رأيه, هذا إن كان مخلصا ويريد مصلحة الأمة, أما من يريد القيام بهذه الزيارة, إرضاء لهذه الجهة أو تلك, فلن يلتفت إلى أي شيء سوى أمر أسياده في واشنطن وتل أبيب.
وإني لأهيب بعلمائنا الإجلاء أن يرفعوا النقاب ويزيلوا الستار عن الحكم الشرعي البين الصريح في هذه الزيارة على وجه السرعة, وأدعوهم ألا يخشوا في الحق لومة لائم, وأن يضعوا صوب أعينهم قول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160(}.
مجدى داود
المصدر/ موقع المسلم http://almoslim.net/node/131763
إن القدس هي جزء أصيل من أرض الإسلام, الواجب علينا تحريرها من دنس اليهود الغاصبين, والواجب علينا بذل الغالي والنفيس من أجل إعادتها إلى الأمة الإسلامية, والواجب علينا عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال الغاصب لمدينة القدس وعدم إعطاء الفرصة له ليدعي أن القدس تحت سيطرته ولا يمنع المسلمين من زيارتها.
ولأجل هذا فهذه مقالة مختصرة كتبتها على عجالة أبين فيها مخاطر ومفاسد زيارة القدس بتأشيرة صهيونية, وأرد فيها حجج وأدلة الذين يقولون بجواز ذلك.
فبداية يجب أن يكون راسخا في الأذهان أن زيارة القدس بتأشيرة صهيونية أمر لا يخضع لقاعدة المصالح والمفاسد, بل إن ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بعقيدتنا الإسلامية الراسخة وبالموقف الثابت من الاحتلال الصهيوني وحرمة أي اتفاق معه يفضي إلى الاعتراف بشرعيته أو التنازل عن أي جزء ولو صغير جدا من الأرض الإسلامية أو التنازل والتفريط في حقوق الفلسطينيين الذين ظلموا على مدى عقود طويلة من الزمان, ولكنى أترك هذا الجانب الرئيسي إلى أهل العلم فهم الذين يفتون بحرمة مثل هذه الأمور الجسام, وهم الواجب عليهم القيام بهذا الأمر على وجه السرعة, ولكي لا أفتى في الدين وأنا لست أهلا للفتوى.
ولكنى إذ أتحدث عن المفاسد والمصالح, فإني أوضح أن الأمر وإن لم يكن حراما لذاته, فإنه لا يرجى من ورائه خيرا أبدا, وسيكون له آثارا سلبية خطيرة ومفاسد جمة كثيرة.
فالذين يقولون أنه يجوز زيارة القدس بتأشيرة صهيونية, يدعون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حينما أراد القيام بعمرة إلى بيت الله الحرام في مكة, وأنه صلى الله عليه وسلم استأذن مشركي قريش.
إن هذا وربى كذب مبين, وافتراء على الله ورسوله عظيم, فشتان شتان بين الموقفين, وشتان شتان بين كيفية أداء رسول الله للعمرة وزيارة بيت الله الحرام وبين ما يريدون فعله, أما ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يختلف اختلافا جذريا عما يريد هؤلاء فعله, وأذكر بعض وجوه الاختلاف:
1. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه من رب العزة سبحانه وتعالى, ولأجل هذا فهو قبل ببعض الشروط التي كانت في ظاهرها مجحفة وظالمة للمسلمين, لكنه صلى الله عليه وسلم ربما كان يعلم من ربه أن ذلك فتح من الله عظيم, وأن هذه الشروط التي وضعتها قريش ستكون في صالح المسلمين, أما هؤلاء فهم بشر يخطئون ويصيبون, والتجارب تخبرنا أنهم كثيرا ما يخطئون في تقديراتهم وحساباتهم.
2. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا دون علم قريش ودون استئذان, وفى البداية لم يكن معه سلاح, لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجلب السلاح لأنهم مقدمون على قوم أهل حرب, فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لمشورة الفاروق رضي الله عنه, وهذا يعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة ومعه السلاح الذي يدافع به عن نفسه وعمن معه, أما هؤلاء فلن يخرجوا من ديارهم إلا بتأشيرة صهيونية, ولسوف يمنعون حتى من اصطحاب أي شيء معهم مهما كان تافها.
3. أن قريش هم أهل مكة وهم ملاك أرضها الأصليين, وهذا يعنى أنهم يتمتعون بشرعية الوجود في مكة فهي بلدهم الذي نشأوا وترعرعوا فيه, أما اليهود فليسوا سكان فلسطين الأصليين, بل لقد تجمعوا من بلاد شتى وجاءوا من كل حدب وصوب وطردوا أهل البلاد الأصليين وقتلوهم واغتصبوا أرضهم ثم نسبوها إليهم وأقاموا عليها دولة عسكرية لم ترسم حدودها حتى اللحظة, وزيارة القدس وهى تحت السيطرة الصهيونية تعنى الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني اللقيط, ولا شك أن الاعتراف بشرعية هذا الكيان حرام حرمة عظيمة, وخيانة لله ولرسوله وللمسلمين, وتفريط في وقف إسلامي لا يجوز بحال التفريط فيه.
4. إن مكة لم تكن بلدا إسلاميا بعد, وبالتالي فإن زيارة النبي للبيت الحرام لا تعطى المشركين شرعية لسيطرتهم على مكة والبيت الحرام, في حين أن زيارة هؤلاء للقدس تعطى شرعية لسيطرة اليهود على القدس, وتعطى الكيان الصهيوني حجة لكي يقولوا للعالم كافة, إن القدس تحت سيطرتنا ومع ذلك لا نمنع المسلمين منها, فقد زارها فلان وفلان وفلان......., بل قد يقولون أيضا –من باب الخداع السياسي- أنهم يرحبون بأي شخص يريد زيارة القدس, وفى الخفاء يضعون شروطا تمنع أي مسلم من زيارة القدس إلا إذا كان من أصدقاء الصهاينة وحلفائهم.
5. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفاوض رسل مشركي قريش من منطق القوة, فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا يوافق على الفتات الذي تعرضه عليه قريش, بل لقد كان يطالب بحقه آنذاك, وهو أن يزور بيت الله الحرام كسائر العرب, بل لقد كان صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام يشنون حربا نفسية وليرجع من شاء إلى كتب السيرة في ذلك, وأفضل من تناول السيرة بتفصيل حسن ورائع واستقى منها دروسا وعبرا هو الدكتور على الصلابي حفظه الله, ويا ترى ما هي القوة التي يملكها هؤلاء الذين يريدون زيارة القدس, وماذا إن رفض الكيان الصهيوني هذه الزيارة, هل سيذهبون إلى السفارات في بلادهم ويجلسون عند أقدام السفير يتوسلون إليه, أم ماذا هم فاعلون؟!
6. أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان يخبر قريش بمراده صلى الله عليه وسلم, ولكن جاءته الأخبار التي تفيد مقتل عثمان رضي الله عنه, فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن دعا أصحابه على مبايعته لقتال المشركين فبايعوه كلهم إلا واحدا لأنه كان من المنافقين, فمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد العمرة, إلا أنه لما جاءه الخبر بالغدر, قرر قتال المشركين, واليوم الصهاينة يقتلون المسلمين في فلسطين بدم بارد, وقبل أكثر من عام كانت حرب ظالمة على قطاع غزة قتل فيها ألف وخمسمائة مسلم منهم رجال ونساء وأطفال وعلماء أجلاء, ولا يزال العدو الصهيوني يفرض حصارا ظالما على أهلنا وإخواننا في قطاع غزة الحبيب, فأين هؤلاء الذين يريدون زيارة القدس مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة بعد الاتفاق مع قريش في صلح الحديبية, إنما دخلها من منطلق القوة, فكان هو القائد المنتصر, وقد استطاع في صلح الحديبية أن يحصل على هدنة لمدة عشر سنوات كاملة بين المسلمين وبين قريش, وفى ذات الوقت لم تستطع قريش أن تعترض على أي مسلم كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم تستطع قريش أن تفرق بين مسلم ومسلم آخر, ولم يتعرض المسلمون لأي إهانة ولم يظهروا في موقف ضعف أبدا, بينما سيقوم الكيان الصهيوني يمنع من يشاء من زيارة القدس, وسوف تعاملهم الحكومة الصهيونية أسوأ معاملة ولسوف تفرض قيودا على تحركاتهم, ولا يدعى أحد أن هذا الأمر من باب التكهنات التي لا دليل, فالواقع هو الدليل, ولا عقل لمن لم يعتبر بالواقع.
أكتفي بهذه النقاط من أوجه الاختلاف بين واقعنا المعاصر, والذي يسعى البعض فيه إلى زيارة القدس بتأشيرة صهيونية وبين الواقع الذي فيه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيارة بيت الله الحرام وهو تحت سيطرة المشركين, وإن هذه النقاط لكفيلة بإجهاض أي محاولة للقياس على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأي قياس لا يضع في الاعتبار هذه النقاط والكثير مما لم يذكر لهو قياس فاسد لا يستند إلى أي أساس شرعي ولا عقلي ولا منطقي.
وبعد أن أثبتنا فساد القياس على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسوف أعرض بعض المفاسد والمصالح المترتبة على زيارة القدس بتأشيرة صهيونية.
يقول هؤلاء المؤيدون لهذه الفكرة, إن هذه الزيارة ستكون أكبر دعم للقضية الفلسطينية, وحقيقة لا أعرف أي دعم هذا, وكيف تكون هذه الزيارة دعما, هل ستكون دعما سياسيا؟! كيف؟! هل ستكون دعما اقتصاديا؟! لا أظن, هل ستكون دعما عسكريا؟! كلا, هل ستكون دعما نفسيا؟! على الإطلاق.
بل إن هذه الزيارة لا يترتب عليها أبدا إلا مفاسد جمة خطيرة, منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. هذه الزيارة والحصول على تأشيرة صهيونية, تعطي الكيان الصهيوني شرعية لاحتلاله الأراضي الإسلامية, والاعتراف بشرعية وجود الكيان الصهيوني حرام قولا واحدا, ولا يلتفت إلى أي قول آخر يجيز الاعتراف بالكيان الصهيوني.
2. إن الحصول على تأشيرة صهيونية لزيارة جزء أصيل من الأمة الإسلامية, وبقعة من أهم وأعز بقاع الإسلام تعنى الاعتراف بشرعية سيطرة الكيان الصهيوني على هذه البقعة الطيبة, وهذا حكمه حكم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني.
3. إن لمثل هذه الزيارة أثار نفسية عديدة بالغة السوء على إخواننا المرابطين والمجاهدين في فلسطين, حيث سيشعرون أنهم وحدهم في الميدان, وأن الأمة قد تخلت عنهم وتركتهم يواجهون العدو الصهيوني بلا أي دعم ولو نفسي, مما قد يدفع بعضهم ممن بلغت به الصعاب مبلغها أن يفرط في بعض حقوقه, ويتجه نحو ما يسمى بالعملية السلمية والتفاوض, ولقد علمنا جميعا مآل هذه المهزلة.
4. كيف يطيب لهؤلاء المؤيدين لهذه الفكرة أن يزوروا القدس والمسجد الأقصى, في حين أن أهل القدس المجاورين للمسجد الأقصى والذين يذودون عنه ليل نهار, ويرابطون فيه وحوله, يمنعون معظم الأيام والأوقات من دخول المسجد الأقصى, بل إن هناك من يمنع من دخول المسجد الأقصى نهائيا, بل إن قوات الاحتلال الصهيوني لتقوم كل عام بهدم المئات من بيوت المقدسيين وطردهم من القدس, ألا تسبب مثل هذه الزيارة أثارا نفسية بالغة السوء لإخواننا وبالتالي تضعف همتهم وتخور عزيمتهم فيتغلب عليهم عدوهم, ألا يتعلم هؤلاء مما فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما دخل مكة فعرض عليه كبار مشركيها أن يطوف بالبيت فأبى أن يفعل ذلك بينما رسول الله لا يزال ممنوعا من ذلك.
5. إن مثل هذه الزيارة لتعطي الكيان الصهيوني فرصة كبيرة يستغلها إعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا, ليقول للعالم كله (لماذا يطالب الفلسطينيون والمسلمون بالقدس, طالما أنهم يستطيعون زيارتها حينما شاؤوا) وسيظهر العدو الصهيوني بمظهر المتسامح, وكلنا نعلم وندرك أن الكيان الصهيوني يجيد استغلال مثل هذه الفرص.
6. إن هذه الزيارة من شأنها أن تكسر وتزيل الحاجز النفسي لدى الشعوب العربية والإسلامية من التعامل مع الكيان الصهيوني, فلا زلنا حتى اللحظة نرى رفضا شعبيا للتطبيع مع الكيان الصهيوني وخاصة في البلاد التي تطبع رسميا مع ذلك الكيان, ولسوف تأتى مثل هذه الزيارة وتكسر هذه القاعدة, ولسوف يستغلها بعض المنافقين في البداية ليبرروا موقفهم من الكيان الصهيوني, ولسوف يقومون بترويجها بأسلوب يزيل ذلك الحاجز النفسي عند الشعوب.
هذه بعض المفاسد المترتبة على هذه الزيارة الشيطانية لمدينة القدس الشريف, وأظن أن هذه المفاسد لكفيلة بأن تقنع أي شخص كان مؤيدا لهذه الفكرة أن يتراجع ويعيد النظر في رأيه, هذا إن كان مخلصا ويريد مصلحة الأمة, أما من يريد القيام بهذه الزيارة, إرضاء لهذه الجهة أو تلك, فلن يلتفت إلى أي شيء سوى أمر أسياده في واشنطن وتل أبيب.
وإني لأهيب بعلمائنا الإجلاء أن يرفعوا النقاب ويزيلوا الستار عن الحكم الشرعي البين الصريح في هذه الزيارة على وجه السرعة, وأدعوهم ألا يخشوا في الحق لومة لائم, وأن يضعوا صوب أعينهم قول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160(}.