سامح
16.08.2010, 12:29
قـف في ربــوع المــجد وابــك الأزهرا ..
هاشم الرفاعــي
قف في ربوع المجد وابك الأزهرا ** واندبه روضاً للمكارم أقفرا
واكتب رثاءَكَ فيهِ نفثةُ موجَعٍ ** واجعل مدادَكَ دمعَك المتحـدرا
المعهد الفرد الذي بجهاده ** بلغت بلاد الضاد أعراف الذُّـــرَى
سار الجميع إلى الأمام وإنه ** في موكب العلياء سار القهقرَى
لهفى على صرحٍ تهاوى ركنه ** قد كان نبعاً بالفخار تفجَّــــرا
من كان بهجةَ كل طرفٍ ناظرٍ ** عادت به الأطماع أشعث أغْبَرَا
ما أبقت الأيدي التي عبثت به ** من مجدِه عرضاً له أو جوهرا
لله ما أروي له في الشرق من ** مجد على الأيام واراه الثَّرَى
كم موكبٍ في مصر سار إلى العلا ** قد كان قائد ركبه المتصدِّرَا
عجباً أيدركه الأفول لدى الضحى ** من بعد ما نشر العلوم مبكرا
سل مهبط الثورات عنها إنه ** قد كان ناديها وكان المنيرا
المشعلون لنارها أبناؤه ** تَخِذوا به جنداً هناك وعسكرا
والمضرمون أوارها بلغاؤه ** في نشر روح البذل فاضوا أنهرا
من كل ذي حجرٍ لخير بلاده ** رسم المكيدة للدخيل ودبَّرَا
لا ينثني عن بعثها دمويةً ** أو يدرك النصر المبين مظفرا
سل موئل الأفذاذ من أشياخه ** عن معشرٍ كانوا به أسد الشَّرَى
العاملين لرفعة الإسلام ما ** منهم كهامٌ قد ونى أو قصَّرا
والمبتغين رضا الإله وما ابتغوا ** من حاكمٍ عرض الحياة محقرا
كانوا المنار إذا الدياجي أسدلت ** ثوب الظلام هدى الأنام ونورا
كانوا لمن ظلموا حصون عدالةٍ ** كانوا الشكيم لمن طغى وتجبَّرا
ردُّوا غواة الحاكمين، وغيرهم ** لتملق الأهواء كان مسخرا
لرضائها يبدي الحرام محللاً ** ويدك معروفاً ويبني منكرا
في وجهها وقفوا وهم عزّلٌ وما ** لبسوا سوى ثوب الهداية مغفرا
وإذا رأى منهم همام ريبةً ** ناداه داعي دينه أن يزأرا
ما قامروا بالدين في سبل الهوى ** كلا ولا تَخِذوا الشريعة متجرا
عاشوا أئمة دينهم وحماته ** لا يسمحون بأن يباع ويشترى
ثم انطوت تلك الشموس وإنها ** لأشد إيماناً وأطهر مئزرا
ولقد مضى دهرٌ ونحن مكاننا ** لا نبتغي في العلم حظاً أكبرا
إن كان مجد الأمس لم نلحق به ** أفلا نود غداً نصيباً أوفرا
هذي العلوم وحشوها لغو به ** من كل جيل لا يزال مسطرا
علم نعالجه بفكر جدودنا ** يبدو به الهذر القديم مكررا
إنا نريد من التقدم قسطنا ** ونريد للإسلام أن يتحررا
ونريد أن نسقي الفنون رفيعةً ** تجدي وليست طلسماً متحجرا
ما العلم إلاّ ما تراه لديك في ** لُجَجِ الحياة إذا مضت بك مثمرا
أنى لمن ألفت نواظره الدجى ** عند الخروج إلى السنا أن يبصرا
قد كان تنقيح العلوم وفحصها ** بالبحث من فرض العمامة أجدرا
للمخبر انتبهوا ولا يعنيكم ** من بعد هذا أن نبدل مظهرا
أنكون في دنيا الرقي نعامة ** نخفي الوجوه وقد عرانا ما عرا
ما ضرني إذ نحن نخدع نفسنا ** لو قلت ما أدري وفهت بما أرى
ليس التعصب للأبوة مانعي ** من أن أقول الحق فيه وأجهرا
أترى تعود إلى المريض سلامةٌ ** أم تصرع الأسقام من قد عُمَّرا؟!
هاشم الرفاعي
http://www.sheekh-3arb.net/vb/mwaextraedit4/extra/16.gif
قف في ربوع المجد وابكِ الأزهرَ...!
http://www.almesryoon.com/images/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D 9%87%D9%84%D8%A7%D9%84.bmp
د. عبد الله هلال | 16-08-2010 01:01
وكأني أرى الشاعر الراحل هاشم الرفاعي يقف في فناء الأزهر بعد كارثة تسليم كاميليا المسلمة إلى جلاديها قبيل إشهار إسلامها، ليصرخ من جديد في وجه المتخاذلين المفرطين؛ قائلا:
قف في ربوع المجد وابك الأزهرا..... واندبه روضًا للمكارم أقفرا
واكتب رثاءَكَ فيهِ نفثةَ موجَعٍ..... واجعل مدادَكَ دمعَك المتحدرا
المعهد الفردُ الذي بجهاده..... بلغت بلاد الضاد أعراف الذُّرَى
سار الجميع إلى الأمام وإنه..... في موكب العلياء سار القهقرَى
وليت أزهر اليوم مثل الأزهر يوم صرخ الشاعر هذه الصرخة الباكية، فالفرق كبير للأسف. رحم الله هاشم الرفاعي، ورحم شيوخ الأزهر القدامى الذين حافظوا على استقلال الأزهر ونقائه، أو كما قال شاعرنا نفسه: (عاشوا أئمة دينهم وحماته..... لا يسمحون بأن يباع ويشترى). فبعد نشر صحيفة (المصريون) لقصة إسلام "كاميليا شحاتة" زوجة كاهن دير مواس وحادثة اختطافها واختفائها، تبين أن الأزهر الشريف للأسف هو المُدان الأول في هذه المأساة، رغم إدانتنا للحكومة وأجهزة الأمن والكنيسة.. إذ كيف يتحول الأزهر (الشريف) من ملاذ آمن لمن اختارت الإسلام دينا- اختيار شخصي بحرية كاملة، وسافرت مئات الأميال لتوثق إسلامها وتحمي نفسها.. كيف يتحول إلى مصيدة لاختطاف سيدة رغما عنها ومنعها من إشهار إسلامها؟. هل نسي شيوخنا الكرام الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا....)؟. إن ما حدث من قرصنة وخطف يخالف كل الشرائع والأعراف والقوانين، ويلغي تماما دور الأزهر التاريخي والشرعي كجهة معتمدة لإشهار الإسلام.. ويعلم شيوخنا الأفاضل أن اعتناق الإسلام لا يحتاج إلى شهادة وأختام، فهذه وسيلة إدارية بحتة لمن يحتاج إلى وثيقة كإجراء روتيني، وشهادة الإشهار على أهميتها الإدارية ليست لها أهمية شرعية، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وهناك الآلاف ممن أسلموا لله ويكتمون إيمانهم بسبب هذه المشكلات، والإرهاب الذي يتهددهم. وكان واجب الأزهر كما تأمرنا الآية الكريمة أن يُحسن استقبال الأخت المسلمة ويستضيفها ويدافع عنها. ولا شك أن هذه الحادثة المؤسفة سوف تؤدي إلى إلغاء دور الأزهر كجهة معتمدة لإشهار الإسلام، إذ يكفي من يريد الدخول في الإسلام ترديد الشهادتين بمساعدة إمام أقرب مسجد لبيته، وليفرح مشايخ الأزهر بضياع ما تبقى له من دور!. ونعود فنردد قول هاشم الرفاعي:
لهفي على صرحٍ تهاوى ركنه..... قد كان نبعاً بالفخار تفجَّرا
إن أخطر ما في هذه الحادثة ومثيلاتها أن حكومتنا استسلمت لمخططات الحلف الصهيوني الأمريكي بتقسيم كل الكيانات الإسلامية الكبيرة، وهم يعلمون علم اليقين أن مصر بطبيعتها تعتبر عصيّة على هذه المخططات، نظرا لتميزها بكونها بوتقة لصهر كل الطوائف والقبائل والأديان وإنتاج شعب أقرب إلى التجانس. وكانت تغيظهم دوما ميزة التسامح والعلاقات الحميمة التي تربط بين المسلمين والمسيحيين على مر العصور، بحيث لا يستطيع المراقب أن يميز بين المسلم والمسيحي. وتختلف مصر عن أغلب دول المنطقة والعالم في هذه الميزة، ففي العراق مثلا هناك طائفة معروفة من أصل تركي، لهم كيانهم التركماني المشهور ولم ينصهروا في دولة كبيرة وقديمة مثل العراق.. وهنا في مصر من الأتراك ما يفوق عددهم في العراق- ومنهم جدتي رحمها الله والتي كانت تفاخر بمصريتها، ولكن أين هم الأتراك الآن؟، لقد اندمجوا في الشعب المصري مثل غيرهم بحيث لا تستطيع أن تميز بين المصري ذي الأصول الفرعونية والمصري ذي الأصول التركية أو العربية، وهناك أيضا الأرمن واليونانيين وغيرهم. هذه الميزة جعلت من مصر على مر التاريخ كيانا قويا شامخا يستحيل تقسيمه على أساس عرقي أو طائفي. ولكن الحلف المعادي لم ييأس، ففكروا في النوبة جنوب مصر وفشلوا بالطبع، ولم يعد أمامهم سوى الفرز الطائفي على أساس ديني. ولا شك أن هذه مهمة صعبة، ولكنهم وجدوا ضالتهم فيما سمي أقباط المهجر.. هؤلاء الذين عاشوا بعيدا عن الوطن المتسامح ووجدوا من يزرع فيهم التعصب الأعمى، ولم يرفضوا أن يكونوا أبواقا للحلف الصهيوني الأمريكي، وأداة من أدواته، على عكس الأغلبية العظمى من أهلهم في داخل الوطن، الذين يبادلون المسلمين ودا بود وتسامحا بتسامح. ولقد تطرف هؤلاء المهاجرون المتعصبون لدرجة (إعلان الحرب) على الأغلبية المسلمة بادعائهم أن المسلمين المصريين عرب محتلون ينبغي طردهم إلى الجزيرة العربية!، ولم يخفوا تحالفهم الآثم مع العدو الصهيوني والاستقواء به، وبدأوا يتجرأون ويعلنون عن هذه التخاريف، فضلا عن (إعلان الحرب)، كما أسلفنا.. وعلى الرغم من ذلك لم تتأثر الأغلبية المسلمة بهذا اللعب بالنار، ولم تتأثر بالتالي العلاقات الحميمة بين المسلمين والمسيحيين.
ولكن لا شك أن هناك نسبة من التأثير السلبي لهذه المؤامرات على الداخل المصري.. فالتعصب الأعمى لابد أن يقابله تعصبا أعمى كرد فعل طبيعي، ولا يختلف اثنان على أن التعصب يعمي البصر ويلغي العقل ويجعل المتعصب الجاهل ألعوبة هشة في يد من يحركه. وبالطبع فكلما ازداد عدد المتعصبين كلما سهل للحلف المعادي أن يغذي الشحن الطائفي، والمطلوب في النهاية الوصول إلى حالة من الفرز الطائفي ليسهل صب الوقود على النار وإشعال الحرائق التي تزيد من حالة اللاوعي وتغييب العقل. وعلى الرغم من تسليمنا بأن التعصب صار مزروعا على الجانبين الإسلامي والمسيحي، إلا أن بعض المسئولين في الكنيسة المصرية لم يتعاملوا مع هذه المشكلة بالحكمة المطلوبة، وطفا على السطح اتجاه غريب لاستغلال ضعف الحكومة في تغذية الفرز الطائفي، وشحن الشباب في اتجاهات خاطئة، والتهديد بالتظاهر بمناسبة ودون مناسبة، مما يزيد من التعصب ويقلل من الرشد والحكمة. وأغرب ما في هذا الاتجاه العجيب هو التسرع في اتهام المسلمين (بخطف) الفتيات أو السيدات المسيحيات، كلما غضبت زوجة من زوجها وتركت البيت، أو كلما أسلمت مسيحية!. هل من المعقول أن تترك سيدة بالغة راشدة دينها هكذا بسهولة لمجرد خطفها- كما يدعون- أو التحدث معها؟، فما بالك لو كانت زوجة كاهن؟!.. وهل انعدمت الوسائل للحديث مع هذه السيدة أو تلك للتأكد من (عدم خطفها!) وأنها تصرفت واتخذت قرارها بحرية كاملة؟. لا أدري ما هو المطلوب من المسلمين بالضبط عندما تطلب زوجة كاهن أو غيرها اعتناق الإسلام؟، هل من حق أحد أيا كان أن يسلبها حقها الإنساني في اختيار الدين الذي ترتاح له؟، وإذا كان الكاهن نفسه لم يستطع أن يقنع زوجته وشريكة حياته بالبقاء في دينه.. فماذا يستطيع غيره أن يفعل؟. إن التعامل مع هذا الموضوع بعصبية و (زرزرة) لن يزيد المشكلة إلا تعقيدا.. خصوصا وأن التحول من أي دين سماوي إلى الإسلام لا يعتبر كفرا بالدين السابق لأن الإسلام يفرض الإيمان بالرسل السابقين وبكتبهم، أي أن اعتناق الإسلام مجرد إضافة وزيادة في الإيمان بالخالق سبحانه، وليس ردة عن الدين الأصلي.
إن الاستجابة لمخططات زيادة التعصب والفرز الطائفي لن تفيد أحدا؛ بل إن خطورتها وأضرارها مؤكدة، والنار عندما تنتشر فجأة فهي تحرق اللاعبين بها أولا.. والوطن المظلوم من أبنائه لا يمكن في ظروفه السيئة الحالية أن يتحمل هذا العبث. اتقوا الله في مصر وفي شعبها.
abdallah_helal@hotmail.com
http://abdallahhelal.blogspot.com (http://abdallahhelal.blogspot.com/)
هاشم الرفاعــي
قف في ربوع المجد وابك الأزهرا ** واندبه روضاً للمكارم أقفرا
واكتب رثاءَكَ فيهِ نفثةُ موجَعٍ ** واجعل مدادَكَ دمعَك المتحـدرا
المعهد الفرد الذي بجهاده ** بلغت بلاد الضاد أعراف الذُّـــرَى
سار الجميع إلى الأمام وإنه ** في موكب العلياء سار القهقرَى
لهفى على صرحٍ تهاوى ركنه ** قد كان نبعاً بالفخار تفجَّــــرا
من كان بهجةَ كل طرفٍ ناظرٍ ** عادت به الأطماع أشعث أغْبَرَا
ما أبقت الأيدي التي عبثت به ** من مجدِه عرضاً له أو جوهرا
لله ما أروي له في الشرق من ** مجد على الأيام واراه الثَّرَى
كم موكبٍ في مصر سار إلى العلا ** قد كان قائد ركبه المتصدِّرَا
عجباً أيدركه الأفول لدى الضحى ** من بعد ما نشر العلوم مبكرا
سل مهبط الثورات عنها إنه ** قد كان ناديها وكان المنيرا
المشعلون لنارها أبناؤه ** تَخِذوا به جنداً هناك وعسكرا
والمضرمون أوارها بلغاؤه ** في نشر روح البذل فاضوا أنهرا
من كل ذي حجرٍ لخير بلاده ** رسم المكيدة للدخيل ودبَّرَا
لا ينثني عن بعثها دمويةً ** أو يدرك النصر المبين مظفرا
سل موئل الأفذاذ من أشياخه ** عن معشرٍ كانوا به أسد الشَّرَى
العاملين لرفعة الإسلام ما ** منهم كهامٌ قد ونى أو قصَّرا
والمبتغين رضا الإله وما ابتغوا ** من حاكمٍ عرض الحياة محقرا
كانوا المنار إذا الدياجي أسدلت ** ثوب الظلام هدى الأنام ونورا
كانوا لمن ظلموا حصون عدالةٍ ** كانوا الشكيم لمن طغى وتجبَّرا
ردُّوا غواة الحاكمين، وغيرهم ** لتملق الأهواء كان مسخرا
لرضائها يبدي الحرام محللاً ** ويدك معروفاً ويبني منكرا
في وجهها وقفوا وهم عزّلٌ وما ** لبسوا سوى ثوب الهداية مغفرا
وإذا رأى منهم همام ريبةً ** ناداه داعي دينه أن يزأرا
ما قامروا بالدين في سبل الهوى ** كلا ولا تَخِذوا الشريعة متجرا
عاشوا أئمة دينهم وحماته ** لا يسمحون بأن يباع ويشترى
ثم انطوت تلك الشموس وإنها ** لأشد إيماناً وأطهر مئزرا
ولقد مضى دهرٌ ونحن مكاننا ** لا نبتغي في العلم حظاً أكبرا
إن كان مجد الأمس لم نلحق به ** أفلا نود غداً نصيباً أوفرا
هذي العلوم وحشوها لغو به ** من كل جيل لا يزال مسطرا
علم نعالجه بفكر جدودنا ** يبدو به الهذر القديم مكررا
إنا نريد من التقدم قسطنا ** ونريد للإسلام أن يتحررا
ونريد أن نسقي الفنون رفيعةً ** تجدي وليست طلسماً متحجرا
ما العلم إلاّ ما تراه لديك في ** لُجَجِ الحياة إذا مضت بك مثمرا
أنى لمن ألفت نواظره الدجى ** عند الخروج إلى السنا أن يبصرا
قد كان تنقيح العلوم وفحصها ** بالبحث من فرض العمامة أجدرا
للمخبر انتبهوا ولا يعنيكم ** من بعد هذا أن نبدل مظهرا
أنكون في دنيا الرقي نعامة ** نخفي الوجوه وقد عرانا ما عرا
ما ضرني إذ نحن نخدع نفسنا ** لو قلت ما أدري وفهت بما أرى
ليس التعصب للأبوة مانعي ** من أن أقول الحق فيه وأجهرا
أترى تعود إلى المريض سلامةٌ ** أم تصرع الأسقام من قد عُمَّرا؟!
هاشم الرفاعي
http://www.sheekh-3arb.net/vb/mwaextraedit4/extra/16.gif
قف في ربوع المجد وابكِ الأزهرَ...!
http://www.almesryoon.com/images/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%20%D 9%87%D9%84%D8%A7%D9%84.bmp
د. عبد الله هلال | 16-08-2010 01:01
وكأني أرى الشاعر الراحل هاشم الرفاعي يقف في فناء الأزهر بعد كارثة تسليم كاميليا المسلمة إلى جلاديها قبيل إشهار إسلامها، ليصرخ من جديد في وجه المتخاذلين المفرطين؛ قائلا:
قف في ربوع المجد وابك الأزهرا..... واندبه روضًا للمكارم أقفرا
واكتب رثاءَكَ فيهِ نفثةَ موجَعٍ..... واجعل مدادَكَ دمعَك المتحدرا
المعهد الفردُ الذي بجهاده..... بلغت بلاد الضاد أعراف الذُّرَى
سار الجميع إلى الأمام وإنه..... في موكب العلياء سار القهقرَى
وليت أزهر اليوم مثل الأزهر يوم صرخ الشاعر هذه الصرخة الباكية، فالفرق كبير للأسف. رحم الله هاشم الرفاعي، ورحم شيوخ الأزهر القدامى الذين حافظوا على استقلال الأزهر ونقائه، أو كما قال شاعرنا نفسه: (عاشوا أئمة دينهم وحماته..... لا يسمحون بأن يباع ويشترى). فبعد نشر صحيفة (المصريون) لقصة إسلام "كاميليا شحاتة" زوجة كاهن دير مواس وحادثة اختطافها واختفائها، تبين أن الأزهر الشريف للأسف هو المُدان الأول في هذه المأساة، رغم إدانتنا للحكومة وأجهزة الأمن والكنيسة.. إذ كيف يتحول الأزهر (الشريف) من ملاذ آمن لمن اختارت الإسلام دينا- اختيار شخصي بحرية كاملة، وسافرت مئات الأميال لتوثق إسلامها وتحمي نفسها.. كيف يتحول إلى مصيدة لاختطاف سيدة رغما عنها ومنعها من إشهار إسلامها؟. هل نسي شيوخنا الكرام الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا....)؟. إن ما حدث من قرصنة وخطف يخالف كل الشرائع والأعراف والقوانين، ويلغي تماما دور الأزهر التاريخي والشرعي كجهة معتمدة لإشهار الإسلام.. ويعلم شيوخنا الأفاضل أن اعتناق الإسلام لا يحتاج إلى شهادة وأختام، فهذه وسيلة إدارية بحتة لمن يحتاج إلى وثيقة كإجراء روتيني، وشهادة الإشهار على أهميتها الإدارية ليست لها أهمية شرعية، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وهناك الآلاف ممن أسلموا لله ويكتمون إيمانهم بسبب هذه المشكلات، والإرهاب الذي يتهددهم. وكان واجب الأزهر كما تأمرنا الآية الكريمة أن يُحسن استقبال الأخت المسلمة ويستضيفها ويدافع عنها. ولا شك أن هذه الحادثة المؤسفة سوف تؤدي إلى إلغاء دور الأزهر كجهة معتمدة لإشهار الإسلام، إذ يكفي من يريد الدخول في الإسلام ترديد الشهادتين بمساعدة إمام أقرب مسجد لبيته، وليفرح مشايخ الأزهر بضياع ما تبقى له من دور!. ونعود فنردد قول هاشم الرفاعي:
لهفي على صرحٍ تهاوى ركنه..... قد كان نبعاً بالفخار تفجَّرا
إن أخطر ما في هذه الحادثة ومثيلاتها أن حكومتنا استسلمت لمخططات الحلف الصهيوني الأمريكي بتقسيم كل الكيانات الإسلامية الكبيرة، وهم يعلمون علم اليقين أن مصر بطبيعتها تعتبر عصيّة على هذه المخططات، نظرا لتميزها بكونها بوتقة لصهر كل الطوائف والقبائل والأديان وإنتاج شعب أقرب إلى التجانس. وكانت تغيظهم دوما ميزة التسامح والعلاقات الحميمة التي تربط بين المسلمين والمسيحيين على مر العصور، بحيث لا يستطيع المراقب أن يميز بين المسلم والمسيحي. وتختلف مصر عن أغلب دول المنطقة والعالم في هذه الميزة، ففي العراق مثلا هناك طائفة معروفة من أصل تركي، لهم كيانهم التركماني المشهور ولم ينصهروا في دولة كبيرة وقديمة مثل العراق.. وهنا في مصر من الأتراك ما يفوق عددهم في العراق- ومنهم جدتي رحمها الله والتي كانت تفاخر بمصريتها، ولكن أين هم الأتراك الآن؟، لقد اندمجوا في الشعب المصري مثل غيرهم بحيث لا تستطيع أن تميز بين المصري ذي الأصول الفرعونية والمصري ذي الأصول التركية أو العربية، وهناك أيضا الأرمن واليونانيين وغيرهم. هذه الميزة جعلت من مصر على مر التاريخ كيانا قويا شامخا يستحيل تقسيمه على أساس عرقي أو طائفي. ولكن الحلف المعادي لم ييأس، ففكروا في النوبة جنوب مصر وفشلوا بالطبع، ولم يعد أمامهم سوى الفرز الطائفي على أساس ديني. ولا شك أن هذه مهمة صعبة، ولكنهم وجدوا ضالتهم فيما سمي أقباط المهجر.. هؤلاء الذين عاشوا بعيدا عن الوطن المتسامح ووجدوا من يزرع فيهم التعصب الأعمى، ولم يرفضوا أن يكونوا أبواقا للحلف الصهيوني الأمريكي، وأداة من أدواته، على عكس الأغلبية العظمى من أهلهم في داخل الوطن، الذين يبادلون المسلمين ودا بود وتسامحا بتسامح. ولقد تطرف هؤلاء المهاجرون المتعصبون لدرجة (إعلان الحرب) على الأغلبية المسلمة بادعائهم أن المسلمين المصريين عرب محتلون ينبغي طردهم إلى الجزيرة العربية!، ولم يخفوا تحالفهم الآثم مع العدو الصهيوني والاستقواء به، وبدأوا يتجرأون ويعلنون عن هذه التخاريف، فضلا عن (إعلان الحرب)، كما أسلفنا.. وعلى الرغم من ذلك لم تتأثر الأغلبية المسلمة بهذا اللعب بالنار، ولم تتأثر بالتالي العلاقات الحميمة بين المسلمين والمسيحيين.
ولكن لا شك أن هناك نسبة من التأثير السلبي لهذه المؤامرات على الداخل المصري.. فالتعصب الأعمى لابد أن يقابله تعصبا أعمى كرد فعل طبيعي، ولا يختلف اثنان على أن التعصب يعمي البصر ويلغي العقل ويجعل المتعصب الجاهل ألعوبة هشة في يد من يحركه. وبالطبع فكلما ازداد عدد المتعصبين كلما سهل للحلف المعادي أن يغذي الشحن الطائفي، والمطلوب في النهاية الوصول إلى حالة من الفرز الطائفي ليسهل صب الوقود على النار وإشعال الحرائق التي تزيد من حالة اللاوعي وتغييب العقل. وعلى الرغم من تسليمنا بأن التعصب صار مزروعا على الجانبين الإسلامي والمسيحي، إلا أن بعض المسئولين في الكنيسة المصرية لم يتعاملوا مع هذه المشكلة بالحكمة المطلوبة، وطفا على السطح اتجاه غريب لاستغلال ضعف الحكومة في تغذية الفرز الطائفي، وشحن الشباب في اتجاهات خاطئة، والتهديد بالتظاهر بمناسبة ودون مناسبة، مما يزيد من التعصب ويقلل من الرشد والحكمة. وأغرب ما في هذا الاتجاه العجيب هو التسرع في اتهام المسلمين (بخطف) الفتيات أو السيدات المسيحيات، كلما غضبت زوجة من زوجها وتركت البيت، أو كلما أسلمت مسيحية!. هل من المعقول أن تترك سيدة بالغة راشدة دينها هكذا بسهولة لمجرد خطفها- كما يدعون- أو التحدث معها؟، فما بالك لو كانت زوجة كاهن؟!.. وهل انعدمت الوسائل للحديث مع هذه السيدة أو تلك للتأكد من (عدم خطفها!) وأنها تصرفت واتخذت قرارها بحرية كاملة؟. لا أدري ما هو المطلوب من المسلمين بالضبط عندما تطلب زوجة كاهن أو غيرها اعتناق الإسلام؟، هل من حق أحد أيا كان أن يسلبها حقها الإنساني في اختيار الدين الذي ترتاح له؟، وإذا كان الكاهن نفسه لم يستطع أن يقنع زوجته وشريكة حياته بالبقاء في دينه.. فماذا يستطيع غيره أن يفعل؟. إن التعامل مع هذا الموضوع بعصبية و (زرزرة) لن يزيد المشكلة إلا تعقيدا.. خصوصا وأن التحول من أي دين سماوي إلى الإسلام لا يعتبر كفرا بالدين السابق لأن الإسلام يفرض الإيمان بالرسل السابقين وبكتبهم، أي أن اعتناق الإسلام مجرد إضافة وزيادة في الإيمان بالخالق سبحانه، وليس ردة عن الدين الأصلي.
إن الاستجابة لمخططات زيادة التعصب والفرز الطائفي لن تفيد أحدا؛ بل إن خطورتها وأضرارها مؤكدة، والنار عندما تنتشر فجأة فهي تحرق اللاعبين بها أولا.. والوطن المظلوم من أبنائه لا يمكن في ظروفه السيئة الحالية أن يتحمل هذا العبث. اتقوا الله في مصر وفي شعبها.
abdallah_helal@hotmail.com
http://abdallahhelal.blogspot.com (http://abdallahhelal.blogspot.com/)