queshta
25.08.2010, 03:57
صحيفة السبيل الأردنيه الأحد 12 رمضان 1431 – 22 أغسطس 2010
لأن الإرادة في إجازة مفتوحة– فهمي هويدي
اكتشاف العلاقة بين انقطاع التيار الكهربائي في مصر، وبين تصدير الغازلـ»إسرائيل» ليس خبرا عاديا يقرأ في الصحف ثم يعبره الناس إلى غيره منأخبار الصباح، ولكنه حدث كبير يفترض أن يزلزل أي مجتمع، لذا ينبغي أن يعطى حجمه من الاهتمام والصدى. صحيح أننا استهولنا فكرة تصدير الغاز إلى «إسرائيل» بما يوفر لها طاقة تمكنها من تعزيز قدرتها وممارسة سياسة البطش بالفلسطينيين وتهديد الأمن العربي. وأذهلنا ما قيل عن بيع الغاز إلى الدولة العبرية بأقل من الأسعار العالمية، واستغربنا بشدة فكرة أن تستمر مصر في تزويد «إسرائيل» بالغاز في الوقت الذي تغرق فيه غزة في الظلام، لكنما لم يخطر على بالنا أن يدفع الشعب المصري ثمن هذه الخطيئة في نهاية المطاف. إذ لم نتصور يوما ما أن تستمر في عملية تصدير الغاز رغم أن ذلك يؤثر على كفاءة تشغيل محطات الكهرباء. بما يؤدي إلى انقطاع التيارالكهربائي في أنحاء البلاد، ويعيدها إلى أجواء القرون الوسطى كما قيل بحق.
هذاالربط بين أزمة انقطاع التيار الكهربائي في أنحاء البلاد وبين توريد الغاز لـ»إسرائيل» ليس تكهنات صحفية أو اجتهادات إعلامية، ولكن خبراء وزارة الكهرباء هم الذين نبهونا إليه، إذ قال قائلهم إن نسبة الغاز الطبيعي المستخدم في محطات الكهرباء تراجعت بسبب تصديره، حتى وصلت إلى نحو 79٪ بعدأن كانت 89٪، الأمر الذي اضطر المسؤولين إلى استخدام المازوت لتعويض النقص، مما أضر بكفاءة تشغيل محطات الكهرباء وتعطيل بعضها عن العمل.
المشهد الراهن يستدعي بقوة ملف الاتفاقية المشؤومة والظروف الغريبة بل والمريبة التي أحاطت بها. وهي التي مازالت تثير العديد من التساؤلات حول ملابسات ودوافع السرية غير المبررة التي أحيطت بها، رغم أنها اتفاقية تجارية تتعلق بثروة طبيعية للبلد. خصوصا أن السرية لم تقف عند حد إخفاء تفاصيلها عن الرأي العام المصري، وإنما تجاوزت ذلك إلى تحرير الاتفاقية من وراء ظهرمجلس الشعب، بالمخالفة للقانون.
على صعيد آخر، فإن الأزمة تسلط الضوء على أمر آخر أشد غرابة وأكثر مدعاة للدهشة والحيرة. ذلك أن ملابسات الموضوع استفزت الجماعة الوطنية في مصر. وباسمها رفع المحامي الدولي والسفير السابق الأستاذ إبراهيم يسري قضية طالب فيها بإبطال الاتفاقية استنادا إلى فساد الإجراءات التي اتبعت في توقيعها وإضرارها باقتصاد مصروأمنها القومي. ومرت القضية بمراحل مختلفة، كان آخرها حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة الذي أصدره المستشار محمد أحمد الحسيني رئيس المجلس الذي انتقد ثغرات الاتفاقية؛ «لعدم توفيرها لآلية المراجعة الدورية للكميات والأسعار خلال مدة التعاقد (15 عاما) بما يحقق الصالح المصري ويضمن توفير الاحتياجات المحلية».
أهمية الحكم الذي صدر في 27 من شهر فبراير من العام الحالي «2010» تكمن فيما يلي:
إن هنهائي وواجب النفاذ، بعد صدوره من أعلى سلطة في القضاء الإداري ــ إنه يقضي بعدم تصدير الغاز إلا بعد سد حاجات الاستهلاك المحلي ــ أن يكون التعاقد على أساس السعر العالمي المعمول به في الأسواق ــ أن يراجع العقد بصفة دورية كل سنة في ضوء الاعتبارات سابقة الذكر «حاجة الاستهلاك المحلي وأسعار السوق العالمية».
جاء الحكم صادما لما سمي بـ«لوبي» تصدير الغاز في مصر، الذي يضم أناسا من الموالين والمنافقين والعاجزين سياسيا والبيروقراطيين الذين يميلون مع الريح. لكنه أشاع فرحة غامرة في أوساط الجماعة الوطنية المصرية، إلا أن الفرحة لم تدم طويلا للأسف. ذلك أن فريق المحامين الذين رفعوا القضية، وعلى رأسهم الأستاذ إبراهيم يسري، قاموا بإعلام وزارة البترول والهيئة العامة للبترول بصيغة الحكم النهائي؛ لاتخاذ إجراءات الالتزام به وتنفيذه، لكن الجهتين تجاهلتا الحكم وامتنعتا عن تنفيذه، رغم أنه واجب النفاذ ولا مجال للطعن فيه. ورغم أن الامتناع عن تنفيذه يعرض مسؤولي الجهة المختصة للمساءلة القانونية والعقاب بالحبس والغرامة. وبطبيعة الحال فإن مسؤولي الوزارة والهيئة ما كان لهم أن يتحدوا حكم الإدارية العليا ما لم يكونوا قد أعطوا ضوءا أخضر بذلك ممن هم أعلى منهم. ولا يزال حكم المحكمة مجمدا وممنوعا من الصرف لأسباب سياسية منذ ستة أشهر. في حين لم تتوقف أبواق السلطة عن التشدق بسيادة القانون في أزهى عصور مصر!
هذه الخلفية تقدم الإجابة عن السؤال الذي تلقيته من أحدالقراء (أحمد فؤاد ــ من الجيزة) الذي قال فيه: لماذا لا نفعل مثلما فعلت روسيا التي أوقفت تصدير القمح حين واجهت أزمة في محصولها، فتوقف حكومتنا تصدير الغاز إلى «إسرائيل»؛ لأن مصر تعاني من أزمة مماثلة؟ السؤال وجيه،وصاحبنا معه كل الحق في طرحه. إلا أن الشيء الوحيد الذي لم يلحظه أن روسيا دولة تملك إرادتها، ولكن الإرادة المصرية في الموضوع الإسرائيلي مغيبة وفي إجازة مفتوحة!............................
لأن الإرادة في إجازة مفتوحة– فهمي هويدي
اكتشاف العلاقة بين انقطاع التيار الكهربائي في مصر، وبين تصدير الغازلـ»إسرائيل» ليس خبرا عاديا يقرأ في الصحف ثم يعبره الناس إلى غيره منأخبار الصباح، ولكنه حدث كبير يفترض أن يزلزل أي مجتمع، لذا ينبغي أن يعطى حجمه من الاهتمام والصدى. صحيح أننا استهولنا فكرة تصدير الغاز إلى «إسرائيل» بما يوفر لها طاقة تمكنها من تعزيز قدرتها وممارسة سياسة البطش بالفلسطينيين وتهديد الأمن العربي. وأذهلنا ما قيل عن بيع الغاز إلى الدولة العبرية بأقل من الأسعار العالمية، واستغربنا بشدة فكرة أن تستمر مصر في تزويد «إسرائيل» بالغاز في الوقت الذي تغرق فيه غزة في الظلام، لكنما لم يخطر على بالنا أن يدفع الشعب المصري ثمن هذه الخطيئة في نهاية المطاف. إذ لم نتصور يوما ما أن تستمر في عملية تصدير الغاز رغم أن ذلك يؤثر على كفاءة تشغيل محطات الكهرباء. بما يؤدي إلى انقطاع التيارالكهربائي في أنحاء البلاد، ويعيدها إلى أجواء القرون الوسطى كما قيل بحق.
هذاالربط بين أزمة انقطاع التيار الكهربائي في أنحاء البلاد وبين توريد الغاز لـ»إسرائيل» ليس تكهنات صحفية أو اجتهادات إعلامية، ولكن خبراء وزارة الكهرباء هم الذين نبهونا إليه، إذ قال قائلهم إن نسبة الغاز الطبيعي المستخدم في محطات الكهرباء تراجعت بسبب تصديره، حتى وصلت إلى نحو 79٪ بعدأن كانت 89٪، الأمر الذي اضطر المسؤولين إلى استخدام المازوت لتعويض النقص، مما أضر بكفاءة تشغيل محطات الكهرباء وتعطيل بعضها عن العمل.
المشهد الراهن يستدعي بقوة ملف الاتفاقية المشؤومة والظروف الغريبة بل والمريبة التي أحاطت بها. وهي التي مازالت تثير العديد من التساؤلات حول ملابسات ودوافع السرية غير المبررة التي أحيطت بها، رغم أنها اتفاقية تجارية تتعلق بثروة طبيعية للبلد. خصوصا أن السرية لم تقف عند حد إخفاء تفاصيلها عن الرأي العام المصري، وإنما تجاوزت ذلك إلى تحرير الاتفاقية من وراء ظهرمجلس الشعب، بالمخالفة للقانون.
على صعيد آخر، فإن الأزمة تسلط الضوء على أمر آخر أشد غرابة وأكثر مدعاة للدهشة والحيرة. ذلك أن ملابسات الموضوع استفزت الجماعة الوطنية في مصر. وباسمها رفع المحامي الدولي والسفير السابق الأستاذ إبراهيم يسري قضية طالب فيها بإبطال الاتفاقية استنادا إلى فساد الإجراءات التي اتبعت في توقيعها وإضرارها باقتصاد مصروأمنها القومي. ومرت القضية بمراحل مختلفة، كان آخرها حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة الذي أصدره المستشار محمد أحمد الحسيني رئيس المجلس الذي انتقد ثغرات الاتفاقية؛ «لعدم توفيرها لآلية المراجعة الدورية للكميات والأسعار خلال مدة التعاقد (15 عاما) بما يحقق الصالح المصري ويضمن توفير الاحتياجات المحلية».
أهمية الحكم الذي صدر في 27 من شهر فبراير من العام الحالي «2010» تكمن فيما يلي:
إن هنهائي وواجب النفاذ، بعد صدوره من أعلى سلطة في القضاء الإداري ــ إنه يقضي بعدم تصدير الغاز إلا بعد سد حاجات الاستهلاك المحلي ــ أن يكون التعاقد على أساس السعر العالمي المعمول به في الأسواق ــ أن يراجع العقد بصفة دورية كل سنة في ضوء الاعتبارات سابقة الذكر «حاجة الاستهلاك المحلي وأسعار السوق العالمية».
جاء الحكم صادما لما سمي بـ«لوبي» تصدير الغاز في مصر، الذي يضم أناسا من الموالين والمنافقين والعاجزين سياسيا والبيروقراطيين الذين يميلون مع الريح. لكنه أشاع فرحة غامرة في أوساط الجماعة الوطنية المصرية، إلا أن الفرحة لم تدم طويلا للأسف. ذلك أن فريق المحامين الذين رفعوا القضية، وعلى رأسهم الأستاذ إبراهيم يسري، قاموا بإعلام وزارة البترول والهيئة العامة للبترول بصيغة الحكم النهائي؛ لاتخاذ إجراءات الالتزام به وتنفيذه، لكن الجهتين تجاهلتا الحكم وامتنعتا عن تنفيذه، رغم أنه واجب النفاذ ولا مجال للطعن فيه. ورغم أن الامتناع عن تنفيذه يعرض مسؤولي الجهة المختصة للمساءلة القانونية والعقاب بالحبس والغرامة. وبطبيعة الحال فإن مسؤولي الوزارة والهيئة ما كان لهم أن يتحدوا حكم الإدارية العليا ما لم يكونوا قد أعطوا ضوءا أخضر بذلك ممن هم أعلى منهم. ولا يزال حكم المحكمة مجمدا وممنوعا من الصرف لأسباب سياسية منذ ستة أشهر. في حين لم تتوقف أبواق السلطة عن التشدق بسيادة القانون في أزهى عصور مصر!
هذه الخلفية تقدم الإجابة عن السؤال الذي تلقيته من أحدالقراء (أحمد فؤاد ــ من الجيزة) الذي قال فيه: لماذا لا نفعل مثلما فعلت روسيا التي أوقفت تصدير القمح حين واجهت أزمة في محصولها، فتوقف حكومتنا تصدير الغاز إلى «إسرائيل»؛ لأن مصر تعاني من أزمة مماثلة؟ السؤال وجيه،وصاحبنا معه كل الحق في طرحه. إلا أن الشيء الوحيد الذي لم يلحظه أن روسيا دولة تملك إرادتها، ولكن الإرادة المصرية في الموضوع الإسرائيلي مغيبة وفي إجازة مفتوحة!............................