m7b Alrswl
31.08.2010, 20:53
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهد الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وان محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله ، وبعد :
فإن امراض المسلمين في عصرنا هذا – قد تعددت وتشعبت وفشت حتي ،شملت جوانب متعددة من شؤونهم الدينية والدنيوية ،ومن العجب ان الأمة المسلمة لا تزال علي قيد الحياة ،لم تصب منها تلك الأدواء – بحمد الله – مقتلاً علي كثرتها وخطورتها ، وكان بعضها كفيلاً بإبادة أمم وشعوب لم تغن عنها كثرتها ولا وفرة مواردها ،ولعل مرد نجاة هذه الامة إلي هذا اليوم رغم ضعفها هو وجود كتاب الله ربها وسنة نبيها -صلى الله عليه وآله وسلم- بين ظهرانيها ثم دعوة نبيها -صلى الله عليه وآله وسلم- واستغفار الصالحين من أبنائها )وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (لأنفال:33)
وإن من أخطر ما أصيبت به هذه الأمة في الأونة الأخيرة مرض (الاختلاف والمخالفة) ... الأختلاف في كل شئ ،وعلي كل شئ ،حتي شمل العقائد والأفكار والتصورات والآراء إلي جانب الأذواق والتصرفات والسلوك والأخلاق وتعدي الاختلاف كل ذلك حتي بلغ أساليب الفقه وفروض العبادات وكأن كل ما لدي هذه الأمة من أوامر ونواة يحثها علي الأختلاف او يدفعها إليه والأمر عكس ذلك تماماً فإن كتاب الله وسنة رسوله
ما حرصا علي شئ بعد التوحيد حرصهما علي تأكيد وحدة الأمة ونبذ الاختلاف بين أبنائها ومعالجة كل شئ من شأنه أن يعكر صفو العلاقة بين المسلمين او يخدش أخوة المؤمنين ولعل مبادئ الإسلام ما ندت بشئ بعد الإشراك بالله حضها علي الوحدة والائتلاف بين المسلمين وأوامر الله ورسوله واضحة في دعوتها لإيجاد الأمة التي تكون كالجسد الواحد إذا اشتكي بعضه أصابه الوهن كله.
ولكن رسالة الأسلام مع ذلك رسالة واقعية تتعامل مع الأنسان علي ما هو عليه وخالق الانسان تبارك وتعالي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ،فقد وهب لعباده عقولاً ومقدرات متباينة من شأنها أن تؤدي إلي اختلاف في نظرتهم وأفكارهم ومواقفهم في كثير من الاشياء ولذلك فإن الاسلام يتسع إلي تلك الاختلافات كلها التي لا تهدد وحدة الأمة ، فيكفي ان تتفق الآراء ،وتلتقي التصورات وتتوحد المواقف إزاء القضايا الكبري والقواعد الأساسية ، اما ما عدا من أمور فرعية وقضايا ثانوية مما يساعد اختلاف الرأي فيها علي الجنوح نحو الأفضل والأمثل فلا ضير فيه علي أن يكون لهذا الأختلاف ضوابطه وحدوده وقواعده وآدابة والا يأثر علي وحدة فكر الأمة ومواقفها من القضايا الأساسية الكبري فما حقيقة الأختلاف ؟ وما الحدود التي لا يجوز تجاوزها فيه ؟ وماأسبابه ؟ وما القدر المسموح به منه ؟ وما ضوابطه وآدابه ؟ وما السبيل للتخلص من سلبياته ؟ .
هذا ما سنحاول بحثه في هذه المعالجة ،إن شاء الله تعالي .
ونظراً لتعدد جوانب هذا الموضوع فقد تنوعت مصادره فله جانب منطقي جدلي تكلفت ببحثه الكتب المنطقية الخاصة بآداب البحث والمناظرة ((((مثل متن أداب البحث لعضد الدين المتوفي سنة 756هـــ) وهو متن صغير )))) وله جانب تناولته الكتب الأصولية التي تعرضت لمباحث أسباب الأختلاف ((((مثل رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الأسلام بن تيمية ، والأنصاف في بيان الاختلاف في الاحكام الفقهية ، ويمكن ايضاً مراجعة المباحث المتعلقة بقواعد العلة ))) وله جانب فقهي يرد في ثنايا الكتب التي عنيت بالبحث في مجال ((الفقه المقارن ))أو ما يسمي بكتب ((الخلافيات )).
اما الآداب فيمكن الحصول علي أمثلتها ونماذجها من كتب الطبقات والتراجم والمناظرات والتاريخ وغيرها .
الأختلاف والخلاف وعلم الخلاف:
الأختلاف والمخالفة ان ينهج كل شخص طريقاً مغايراً للأخر في حاله أو قوله .
والخلاف أعم من ((الضد)) لأن كل ضدين مختلفان ،وليس كل كل مختلفين ضدين .
ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلي التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة قال تعالي :
)فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ)(مريم: من الآية37) )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود:118)
)إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) (الذريات:8)
)وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرائيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس:93)
وعلي هذا يمكن القول بان الخلاف والاختلاف يراد به مطلق المغايرة في القول والرأي او الحالة او الهيئة او الموقف .
وأما مايعرف لدي اهل الاختصاص بـ (علم الخلاف) فهو علم يمكن من حفظ الأشياء التي استنبطها إمام من الأئمة ،وهدم ما خالفها دون الاستناد إلي دليل مخصوص ،إذ لو استند إلي دليل ،واستدل به لأصبح مجتهداً وأصولياً ،والمفروض في الخلافي ألا يكون باحثاً عن أحوال أدلة الفقة ،بل حسبه أن يكون متمسكاً بقول إمامه لوجود مقتضيات الحكم –إجمالاً – عند إمامه كما يظن هو ،وهذا يكفي عنده لإثبات الحكم ،كما يكون قول إمامه حجة لدية لنفي الحكم المخالف لما توصل إليه إمامه كذلك.
الجدل و((علم الجدل)):
إذا اشتد اعتداد أحد المخالفين او كليهما بما هو عليه من قول أو رأي أو موقف ،وحاول الدفاع عنه ،وإقناع الآخرين به ،أو حملهم عليه سميت تلك المحاولة بالجدل .
فالجدل في الغة (( المفاوضة علي سبيل المنازعة والمغالبة ))مأخوذ من ((جدلت الحبل ))إذا فتلته وأحكمت فإن كل واحد من المتجادلين يحاول أن يفتل صاحبه ويجدله بقوة وإحكام علي رأيه الذي يراه .
واما علم الجدل :: فهو علم يقوم علي مقابلة الأدلة لإظهار أرجح الأقول الفقهية.
(مفتاح السعادة) .
ويظهر في هذا التعريف أثر المعني اللغوي للجدل ،لأنه علي هذا علم لا يتعلق بأدلة معينة ،بل هو قدرة او ملكة يؤتاها الشخص ولو لم يحط بشئ من الكتاب والسنة ونحوهما .
الشـقـاق :
فإذا اشتد خصومة المتجادلين وآثر كل منهما الغلبة بدل الحرص علي ظهور الحق وتعذر ان يقام بينهما تفاهم او اتفاق سميت تلك الحالة بـ ((الشقاق))وأصله أن يكون كل واحد منهم في شق من الأرض أي نصف أو جانب منها فكأن أرضا واحدة لا تسعهم وفي التزيل (()وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا)(النساء: من الآية35) أي خلافاً حاداً يعقبه نزاع يجعل كل واحد منهما في شق غير شق صاحبه وقوله تعالي : ) فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) (البقرة:137)
المقبول والمردود من الأختلاف :
قضت مشيئة الله تعالي خلق الناس بعقول ومدارك متباينة ،إلي جانب اختلاف الألسنة والألوان والتصورات والأفكار ،وكل تلك الأمور تفضي إلي تعدد الأراء والأحكام ،وتختلف بإختلاف قائليها ،وإن كان اختلاف ألسنتنا وألواننا ومظاهر خلقنا آيه من آيات الله تعالي فان اختلاف مداركنا وعقولنا وما تثمره تلك المدارك والعقول آيه من آيات الله تعالي كذلك ،ودليل من أدلة قدرته البالغة ،وإن إعمار الكون وازدهار الوجود وقيام الحياة لا يتحق أي منها لو أن البشر خلقوا سواسية في كل شئ ، وكل ميسر لما خلق له )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود:118)
)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود:119)
إن الاختلاف الذي وقع في سلف الأمة لم يتجاوز حدود ه بل التزم أدابه فكان اختلاف ايجابي يجني منه الكثير من الفوائد والثمر.
بعض فوائد الاختلاف المقبول :
كما اسلفنا انه اذا التزم حدود الادب الاختلاف وادابه وتأدب الناس في اختلافاتهم كان له بعض الايجابيات :
1. يتيح إذا صدقت النوايا التعرف علي جيمع الاحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل رمي إليها بوجه من وجوه الادلة.
2. وفي الاختلاف بالوصف الذي ذكرناه رياضة للأذهان وتلاقح للأراء وفتح مجالات التفكير للوصول الي سائرالافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول اليها
3.تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعة ليهتدي إلي الحل المناسب للوضع الذي هو فيه بما يناسب ويسر الدين الذي يتعامل مع الناس من واقع حياتهم .
تلك الفوائد وغيرها يمكن ان تتحقق إذا بقي الاختلاف ضمن الحدود والاداب التي يجب الحرص عليها ومراعاتها ،ولكنه إذا تجاوز حدوده ولم تراع آدابه فتحول الي جدال وشقاق كان ظاهرة سلبية سيئة العواقب – تحدث شرخاً في الامة (وفيها ما يكفيها) فيتحول الاختلاف من ظاهرة بناء الي معاول للهدم .
أقسام الخلاف من حيث الدوافع:
· خلاف أملاه الهوي :
قد يكون الخلاف وليد رغبات نفسية لتحقيق غرض ذاتي أو أمر شخصي ،وقد يكون الدافع للخلاف رغبة التظاهر بالفهم او العلم أو الفقه ، وكل هذي الخلافات مذموم لأن حظ الهو ي فيه قد غلب تحري الحق والهوى لا يأتي بخير فهو مطية الشيطان الي الكفر قال تعالي )ِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)(البقرة: من الآية87)
وبالهوي جانب العدل ما جانبه من الظالمين )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء:135)
وبالهوي ضل و انحرف الضالون :
))ِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)(الأنعام: من الآية56)
والهوي ضد العلم ونقيضه وغريم الحق ورديف الفساد وسبيل الضلال:
) وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ...)(صّ: من الآية26) )وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)(المؤمنون: من الآية71) ) وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )(الأنعام: من الآية119)
وأنواع الهوى متعددة، وموارده متشعبة ،وإن كانت في مجموعها ترجع إلي ((هوى النفس وحب الذات))فهذا الهوى منبت كثير من الأخطاء وحشد من الأنحرافات ،ولا يقع إنسان في شباكه حتي يزين له ما من شأنه الانحراف عن الحق ،والأسترسال فى سبيل الضلال، حتي يغدو الحق باطلاً والباطل حقاً والعياذ بالله .
ويمكن رد خلاف أهل الملل والنحل ودعاة البدع في دين الله تعالي إلي آفة الهوى ، ومن نعم الله علي عبده ورعايته – سبحانه – أن يكشف له عن مدى ارتباط مذاهيه وأفكاره ومعتقداته بهوي نفسه ، قبل أن تهوى به في مزالق الضلال ، حيث يضئ المولي –سبحانه – مشاعل الإيمان في قلبه فتكشف زيف تلك المذاهب أو الأفكار أوالمعتقدات ذلك لأن حسنها في نفسه لم يكن له وجود حقيقي ، بل هو موجود ذهني أو خيالي أو صوري صوره الهوى وزينه في النفس ولو كان قبيحاً في واقعه ،أو لا وجود له في ذهن المبتلي به .
ولاكتشاف تأثير الهوى في فكرة ما طرق كثيرة :بعضها خارجي وبعضها ذاتي .
i. فالطرق الخارجية لاكتشاف أن الهوى وراء الفكرة – موضع الاختلاف – أن تكون مناقضة لصريح الوحي من كتاب وسنة ، ولا ينتظر ممن يزعم في نفسه الحرص علي الحق أن يلهث وراء فكرة تناقض كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .
ومما يكشف كون الفكرة وليدة الهوى :تصادمها مع مقتضيات العقول السليمة التي يقبل النا الاحتكام إليها.
ii. أما الطرق الذاتية لاكتشاف ما إذا الهوى محض الفكرةفتكون بنوع من التامل والتدبر في مصدر تلك الفكرة دون غيرها ،وما تأثير الظروف المحيطة بصاحب الفكرة ،ومدى ثباته عليها إن تبدلت ؟ وهل هناك ضغوط وجهت المسار دونما شعور؟ ثم الغوص في أعماق الفكرة نفسها ، فإن كانت قلقة غير ثابتة ،تتذبذ بين القوة والضعف تبعاً لمشاعر معينة ،فاعلم انها وليدة الهوى ونزع من الشيطان فاستعذ بالله من الشيطان .
· خلاف املاه الحق:
كالخلاف بين الايمان والشرك والمسلم واصحاب العقائد الكافرة الملحدة كالنصرانية واليهودية والوثنية والشيوعية ،ولكن الخلاف مع هذه الملل والعقائد لا يمنع من الدعوة الي إزالة أسبابه بدخول الناس في دين الله وتخليهم عن دواعي الخلاف من الكفر والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق والبدع والإلحاد والترويج للعقائد الهدامة فهو خلاف ليس لنفس فيه نصيب ولاللهوى عليه فيه من سلطان .
· خلاف يتردد بين المدح والذم :
وهو الخلاف في الأمور الفرعية التى تتردد أحكامها بين احتمالات متعددة يترجح بعضها علي بعضها الأخر بمرجحات وأسباب - سنأتي علي ذكرها فيما بقي من الموضوع – ومن أمثلة هذا التقسيم :اختلاف العلماء في انتقاض الوضوء من الدم الخارج من الجرح،والقئ المتعمد نواختلافهم في حكم القرأة خلف المام وقرأة البسملة قبل الفاتحة والجهر بـ أمين وغير ذلك من الأمور يضيق الحصر بها: وهذا النوع من الأختلاف مزلة الأقدام ،إذ يمكن فيه ان يلتبس الهوي بالتقوي ،والعلم بالظن ،والراجح والمرجوح ،والمردود بالمقبول ،ولا سبيل إلي تحاشي الوقوع في تلك المزالق إلا بإتباع قواعد يحتكم إليها في الأختلاف ،وضوابطه تنظمه ،واداب تهيمن عليه ،،وإلا تحول إلي شقاق وتنازع وفشل ،وهبط المختلفان عن مقام التقوي إلي درك الهوى ،وساد الفوضي ،وذر الشيطان قرنه .
رأي العلماء في الأختلاف :
ومع كل ما تقدم فإن العلماء قد حذروا من الاختلاف بكل أنواعه وأكدوا علي وجوب اجتنابه.
يقول بن مسعود رضي الله عنه : ((الخلاف شر)) "تأويل مختلف الحديث لابن قتيته" وقال السبكي رحمه الله "".. إن الرحمة تقتضي عدم الأختلاف ،قال تعالي ) وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)(البقرة: من الآية253) وكذا السنة: قال صلى الله عليهوآله وسلم ((إنما هلكت بنوا إسرائيل بكثرة سؤالهم واختلافهم علي أنبيائهم ))رواه الامام احمد ومسلم . والأيات والأحاديث في ذلك كثيرة ،هذا وقد أدرك السبكي رحمه الله تحت النوع الثالث من الأختلاف (الذي يتردد بين المدح والذم )) أقساماً ،أحدها في الأصول ،وهو المشار إليه في القرآن ،ولا شك أنه بدعة وضلال والثاني فى الأراء والحروب هو حرام أيضاً لما فيه من تضييع المصالح ،والثالث في الفروع ،كالاختلاف في الحل والحرمة ونحوهما ))انظر الأبهاج
والذي قطع به ان الاتفاق فيه أي الرأى الثالث – خير من الأختلاف كما نبه رحمه الله إلي كلام بن حزم في ذم الاختلاف فى ذلك أيضاً إذا لم جعل بن حزم رحمه الله شيئاً من الأختلاف رحمة ،بل اعتبره كله عذاباً .
ويكفي لمعرفة أضرار الاختلاف وخطورته أن نبي الله هارون عليه السلام عد الاختلاف أكبر خطراً وأشد ضرراً من عبادة الأوثان ،فحين صنع السامرى لقومه عجلاً من الذهب وقال لهم ) فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى)(طـه: من الآية88) التزم جانب الصمت وبقي ينتظر أخاه موسي عليه السلام ،ولما وصل موسى ورأي القوم عاكفين على العجل وجه أشد اللوم إلى أخيه نفما كان عذر أخيه عليه السلام )قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (طـه:94)
فجعل من خوف الفتنة والاختلاف بين قومه عذراً فى عدم التشديد فى الأنكار ،ومقاومة القوم ،والأنفصال عنهم حين لا ينفع الإنكار!!!
انتظرونا في الحلقة الثانية تاريخ الأختلاف وتطوره
تنيه / ما تم طرحه ما هو الا نقل مما قرأت وليس لي فيه الا حظ جامع الثمر والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل . محب الرسول
فإن امراض المسلمين في عصرنا هذا – قد تعددت وتشعبت وفشت حتي ،شملت جوانب متعددة من شؤونهم الدينية والدنيوية ،ومن العجب ان الأمة المسلمة لا تزال علي قيد الحياة ،لم تصب منها تلك الأدواء – بحمد الله – مقتلاً علي كثرتها وخطورتها ، وكان بعضها كفيلاً بإبادة أمم وشعوب لم تغن عنها كثرتها ولا وفرة مواردها ،ولعل مرد نجاة هذه الامة إلي هذا اليوم رغم ضعفها هو وجود كتاب الله ربها وسنة نبيها -صلى الله عليه وآله وسلم- بين ظهرانيها ثم دعوة نبيها -صلى الله عليه وآله وسلم- واستغفار الصالحين من أبنائها )وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (لأنفال:33)
وإن من أخطر ما أصيبت به هذه الأمة في الأونة الأخيرة مرض (الاختلاف والمخالفة) ... الأختلاف في كل شئ ،وعلي كل شئ ،حتي شمل العقائد والأفكار والتصورات والآراء إلي جانب الأذواق والتصرفات والسلوك والأخلاق وتعدي الاختلاف كل ذلك حتي بلغ أساليب الفقه وفروض العبادات وكأن كل ما لدي هذه الأمة من أوامر ونواة يحثها علي الأختلاف او يدفعها إليه والأمر عكس ذلك تماماً فإن كتاب الله وسنة رسوله
ما حرصا علي شئ بعد التوحيد حرصهما علي تأكيد وحدة الأمة ونبذ الاختلاف بين أبنائها ومعالجة كل شئ من شأنه أن يعكر صفو العلاقة بين المسلمين او يخدش أخوة المؤمنين ولعل مبادئ الإسلام ما ندت بشئ بعد الإشراك بالله حضها علي الوحدة والائتلاف بين المسلمين وأوامر الله ورسوله واضحة في دعوتها لإيجاد الأمة التي تكون كالجسد الواحد إذا اشتكي بعضه أصابه الوهن كله.
ولكن رسالة الأسلام مع ذلك رسالة واقعية تتعامل مع الأنسان علي ما هو عليه وخالق الانسان تبارك وتعالي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ،فقد وهب لعباده عقولاً ومقدرات متباينة من شأنها أن تؤدي إلي اختلاف في نظرتهم وأفكارهم ومواقفهم في كثير من الاشياء ولذلك فإن الاسلام يتسع إلي تلك الاختلافات كلها التي لا تهدد وحدة الأمة ، فيكفي ان تتفق الآراء ،وتلتقي التصورات وتتوحد المواقف إزاء القضايا الكبري والقواعد الأساسية ، اما ما عدا من أمور فرعية وقضايا ثانوية مما يساعد اختلاف الرأي فيها علي الجنوح نحو الأفضل والأمثل فلا ضير فيه علي أن يكون لهذا الأختلاف ضوابطه وحدوده وقواعده وآدابة والا يأثر علي وحدة فكر الأمة ومواقفها من القضايا الأساسية الكبري فما حقيقة الأختلاف ؟ وما الحدود التي لا يجوز تجاوزها فيه ؟ وماأسبابه ؟ وما القدر المسموح به منه ؟ وما ضوابطه وآدابه ؟ وما السبيل للتخلص من سلبياته ؟ .
هذا ما سنحاول بحثه في هذه المعالجة ،إن شاء الله تعالي .
ونظراً لتعدد جوانب هذا الموضوع فقد تنوعت مصادره فله جانب منطقي جدلي تكلفت ببحثه الكتب المنطقية الخاصة بآداب البحث والمناظرة ((((مثل متن أداب البحث لعضد الدين المتوفي سنة 756هـــ) وهو متن صغير )))) وله جانب تناولته الكتب الأصولية التي تعرضت لمباحث أسباب الأختلاف ((((مثل رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الأسلام بن تيمية ، والأنصاف في بيان الاختلاف في الاحكام الفقهية ، ويمكن ايضاً مراجعة المباحث المتعلقة بقواعد العلة ))) وله جانب فقهي يرد في ثنايا الكتب التي عنيت بالبحث في مجال ((الفقه المقارن ))أو ما يسمي بكتب ((الخلافيات )).
اما الآداب فيمكن الحصول علي أمثلتها ونماذجها من كتب الطبقات والتراجم والمناظرات والتاريخ وغيرها .
الأختلاف والخلاف وعلم الخلاف:
الأختلاف والمخالفة ان ينهج كل شخص طريقاً مغايراً للأخر في حاله أو قوله .
والخلاف أعم من ((الضد)) لأن كل ضدين مختلفان ،وليس كل كل مختلفين ضدين .
ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلي التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة قال تعالي :
)فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ)(مريم: من الآية37) )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود:118)
)إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) (الذريات:8)
)وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرائيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس:93)
وعلي هذا يمكن القول بان الخلاف والاختلاف يراد به مطلق المغايرة في القول والرأي او الحالة او الهيئة او الموقف .
وأما مايعرف لدي اهل الاختصاص بـ (علم الخلاف) فهو علم يمكن من حفظ الأشياء التي استنبطها إمام من الأئمة ،وهدم ما خالفها دون الاستناد إلي دليل مخصوص ،إذ لو استند إلي دليل ،واستدل به لأصبح مجتهداً وأصولياً ،والمفروض في الخلافي ألا يكون باحثاً عن أحوال أدلة الفقة ،بل حسبه أن يكون متمسكاً بقول إمامه لوجود مقتضيات الحكم –إجمالاً – عند إمامه كما يظن هو ،وهذا يكفي عنده لإثبات الحكم ،كما يكون قول إمامه حجة لدية لنفي الحكم المخالف لما توصل إليه إمامه كذلك.
الجدل و((علم الجدل)):
إذا اشتد اعتداد أحد المخالفين او كليهما بما هو عليه من قول أو رأي أو موقف ،وحاول الدفاع عنه ،وإقناع الآخرين به ،أو حملهم عليه سميت تلك المحاولة بالجدل .
فالجدل في الغة (( المفاوضة علي سبيل المنازعة والمغالبة ))مأخوذ من ((جدلت الحبل ))إذا فتلته وأحكمت فإن كل واحد من المتجادلين يحاول أن يفتل صاحبه ويجدله بقوة وإحكام علي رأيه الذي يراه .
واما علم الجدل :: فهو علم يقوم علي مقابلة الأدلة لإظهار أرجح الأقول الفقهية.
(مفتاح السعادة) .
ويظهر في هذا التعريف أثر المعني اللغوي للجدل ،لأنه علي هذا علم لا يتعلق بأدلة معينة ،بل هو قدرة او ملكة يؤتاها الشخص ولو لم يحط بشئ من الكتاب والسنة ونحوهما .
الشـقـاق :
فإذا اشتد خصومة المتجادلين وآثر كل منهما الغلبة بدل الحرص علي ظهور الحق وتعذر ان يقام بينهما تفاهم او اتفاق سميت تلك الحالة بـ ((الشقاق))وأصله أن يكون كل واحد منهم في شق من الأرض أي نصف أو جانب منها فكأن أرضا واحدة لا تسعهم وفي التزيل (()وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا)(النساء: من الآية35) أي خلافاً حاداً يعقبه نزاع يجعل كل واحد منهما في شق غير شق صاحبه وقوله تعالي : ) فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) (البقرة:137)
المقبول والمردود من الأختلاف :
قضت مشيئة الله تعالي خلق الناس بعقول ومدارك متباينة ،إلي جانب اختلاف الألسنة والألوان والتصورات والأفكار ،وكل تلك الأمور تفضي إلي تعدد الأراء والأحكام ،وتختلف بإختلاف قائليها ،وإن كان اختلاف ألسنتنا وألواننا ومظاهر خلقنا آيه من آيات الله تعالي فان اختلاف مداركنا وعقولنا وما تثمره تلك المدارك والعقول آيه من آيات الله تعالي كذلك ،ودليل من أدلة قدرته البالغة ،وإن إعمار الكون وازدهار الوجود وقيام الحياة لا يتحق أي منها لو أن البشر خلقوا سواسية في كل شئ ، وكل ميسر لما خلق له )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود:118)
)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود:119)
إن الاختلاف الذي وقع في سلف الأمة لم يتجاوز حدود ه بل التزم أدابه فكان اختلاف ايجابي يجني منه الكثير من الفوائد والثمر.
بعض فوائد الاختلاف المقبول :
كما اسلفنا انه اذا التزم حدود الادب الاختلاف وادابه وتأدب الناس في اختلافاتهم كان له بعض الايجابيات :
1. يتيح إذا صدقت النوايا التعرف علي جيمع الاحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل رمي إليها بوجه من وجوه الادلة.
2. وفي الاختلاف بالوصف الذي ذكرناه رياضة للأذهان وتلاقح للأراء وفتح مجالات التفكير للوصول الي سائرالافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول اليها
3.تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعة ليهتدي إلي الحل المناسب للوضع الذي هو فيه بما يناسب ويسر الدين الذي يتعامل مع الناس من واقع حياتهم .
تلك الفوائد وغيرها يمكن ان تتحقق إذا بقي الاختلاف ضمن الحدود والاداب التي يجب الحرص عليها ومراعاتها ،ولكنه إذا تجاوز حدوده ولم تراع آدابه فتحول الي جدال وشقاق كان ظاهرة سلبية سيئة العواقب – تحدث شرخاً في الامة (وفيها ما يكفيها) فيتحول الاختلاف من ظاهرة بناء الي معاول للهدم .
أقسام الخلاف من حيث الدوافع:
· خلاف أملاه الهوي :
قد يكون الخلاف وليد رغبات نفسية لتحقيق غرض ذاتي أو أمر شخصي ،وقد يكون الدافع للخلاف رغبة التظاهر بالفهم او العلم أو الفقه ، وكل هذي الخلافات مذموم لأن حظ الهو ي فيه قد غلب تحري الحق والهوى لا يأتي بخير فهو مطية الشيطان الي الكفر قال تعالي )ِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)(البقرة: من الآية87)
وبالهوي جانب العدل ما جانبه من الظالمين )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء:135)
وبالهوي ضل و انحرف الضالون :
))ِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)(الأنعام: من الآية56)
والهوي ضد العلم ونقيضه وغريم الحق ورديف الفساد وسبيل الضلال:
) وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ...)(صّ: من الآية26) )وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)(المؤمنون: من الآية71) ) وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )(الأنعام: من الآية119)
وأنواع الهوى متعددة، وموارده متشعبة ،وإن كانت في مجموعها ترجع إلي ((هوى النفس وحب الذات))فهذا الهوى منبت كثير من الأخطاء وحشد من الأنحرافات ،ولا يقع إنسان في شباكه حتي يزين له ما من شأنه الانحراف عن الحق ،والأسترسال فى سبيل الضلال، حتي يغدو الحق باطلاً والباطل حقاً والعياذ بالله .
ويمكن رد خلاف أهل الملل والنحل ودعاة البدع في دين الله تعالي إلي آفة الهوى ، ومن نعم الله علي عبده ورعايته – سبحانه – أن يكشف له عن مدى ارتباط مذاهيه وأفكاره ومعتقداته بهوي نفسه ، قبل أن تهوى به في مزالق الضلال ، حيث يضئ المولي –سبحانه – مشاعل الإيمان في قلبه فتكشف زيف تلك المذاهب أو الأفكار أوالمعتقدات ذلك لأن حسنها في نفسه لم يكن له وجود حقيقي ، بل هو موجود ذهني أو خيالي أو صوري صوره الهوى وزينه في النفس ولو كان قبيحاً في واقعه ،أو لا وجود له في ذهن المبتلي به .
ولاكتشاف تأثير الهوى في فكرة ما طرق كثيرة :بعضها خارجي وبعضها ذاتي .
i. فالطرق الخارجية لاكتشاف أن الهوى وراء الفكرة – موضع الاختلاف – أن تكون مناقضة لصريح الوحي من كتاب وسنة ، ولا ينتظر ممن يزعم في نفسه الحرص علي الحق أن يلهث وراء فكرة تناقض كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .
ومما يكشف كون الفكرة وليدة الهوى :تصادمها مع مقتضيات العقول السليمة التي يقبل النا الاحتكام إليها.
ii. أما الطرق الذاتية لاكتشاف ما إذا الهوى محض الفكرةفتكون بنوع من التامل والتدبر في مصدر تلك الفكرة دون غيرها ،وما تأثير الظروف المحيطة بصاحب الفكرة ،ومدى ثباته عليها إن تبدلت ؟ وهل هناك ضغوط وجهت المسار دونما شعور؟ ثم الغوص في أعماق الفكرة نفسها ، فإن كانت قلقة غير ثابتة ،تتذبذ بين القوة والضعف تبعاً لمشاعر معينة ،فاعلم انها وليدة الهوى ونزع من الشيطان فاستعذ بالله من الشيطان .
· خلاف املاه الحق:
كالخلاف بين الايمان والشرك والمسلم واصحاب العقائد الكافرة الملحدة كالنصرانية واليهودية والوثنية والشيوعية ،ولكن الخلاف مع هذه الملل والعقائد لا يمنع من الدعوة الي إزالة أسبابه بدخول الناس في دين الله وتخليهم عن دواعي الخلاف من الكفر والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق والبدع والإلحاد والترويج للعقائد الهدامة فهو خلاف ليس لنفس فيه نصيب ولاللهوى عليه فيه من سلطان .
· خلاف يتردد بين المدح والذم :
وهو الخلاف في الأمور الفرعية التى تتردد أحكامها بين احتمالات متعددة يترجح بعضها علي بعضها الأخر بمرجحات وأسباب - سنأتي علي ذكرها فيما بقي من الموضوع – ومن أمثلة هذا التقسيم :اختلاف العلماء في انتقاض الوضوء من الدم الخارج من الجرح،والقئ المتعمد نواختلافهم في حكم القرأة خلف المام وقرأة البسملة قبل الفاتحة والجهر بـ أمين وغير ذلك من الأمور يضيق الحصر بها: وهذا النوع من الأختلاف مزلة الأقدام ،إذ يمكن فيه ان يلتبس الهوي بالتقوي ،والعلم بالظن ،والراجح والمرجوح ،والمردود بالمقبول ،ولا سبيل إلي تحاشي الوقوع في تلك المزالق إلا بإتباع قواعد يحتكم إليها في الأختلاف ،وضوابطه تنظمه ،واداب تهيمن عليه ،،وإلا تحول إلي شقاق وتنازع وفشل ،وهبط المختلفان عن مقام التقوي إلي درك الهوى ،وساد الفوضي ،وذر الشيطان قرنه .
رأي العلماء في الأختلاف :
ومع كل ما تقدم فإن العلماء قد حذروا من الاختلاف بكل أنواعه وأكدوا علي وجوب اجتنابه.
يقول بن مسعود رضي الله عنه : ((الخلاف شر)) "تأويل مختلف الحديث لابن قتيته" وقال السبكي رحمه الله "".. إن الرحمة تقتضي عدم الأختلاف ،قال تعالي ) وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)(البقرة: من الآية253) وكذا السنة: قال صلى الله عليهوآله وسلم ((إنما هلكت بنوا إسرائيل بكثرة سؤالهم واختلافهم علي أنبيائهم ))رواه الامام احمد ومسلم . والأيات والأحاديث في ذلك كثيرة ،هذا وقد أدرك السبكي رحمه الله تحت النوع الثالث من الأختلاف (الذي يتردد بين المدح والذم )) أقساماً ،أحدها في الأصول ،وهو المشار إليه في القرآن ،ولا شك أنه بدعة وضلال والثاني فى الأراء والحروب هو حرام أيضاً لما فيه من تضييع المصالح ،والثالث في الفروع ،كالاختلاف في الحل والحرمة ونحوهما ))انظر الأبهاج
والذي قطع به ان الاتفاق فيه أي الرأى الثالث – خير من الأختلاف كما نبه رحمه الله إلي كلام بن حزم في ذم الاختلاف فى ذلك أيضاً إذا لم جعل بن حزم رحمه الله شيئاً من الأختلاف رحمة ،بل اعتبره كله عذاباً .
ويكفي لمعرفة أضرار الاختلاف وخطورته أن نبي الله هارون عليه السلام عد الاختلاف أكبر خطراً وأشد ضرراً من عبادة الأوثان ،فحين صنع السامرى لقومه عجلاً من الذهب وقال لهم ) فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى)(طـه: من الآية88) التزم جانب الصمت وبقي ينتظر أخاه موسي عليه السلام ،ولما وصل موسى ورأي القوم عاكفين على العجل وجه أشد اللوم إلى أخيه نفما كان عذر أخيه عليه السلام )قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (طـه:94)
فجعل من خوف الفتنة والاختلاف بين قومه عذراً فى عدم التشديد فى الأنكار ،ومقاومة القوم ،والأنفصال عنهم حين لا ينفع الإنكار!!!
انتظرونا في الحلقة الثانية تاريخ الأختلاف وتطوره
تنيه / ما تم طرحه ما هو الا نقل مما قرأت وليس لي فيه الا حظ جامع الثمر والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل . محب الرسول