"الودود" من صيغ المبالغة
وتعلمنا كثيراً أن صيغ المبالغة تعني مبالغة كم ، ومبالغة نوع
مودة الله عز وجل لعباده كبيرة جداً ومتنوعة جداً
من حيث النوع ، ومن حيث العدد ...
ودَ الشيء ودّاً ، ووِدّاً ، ووَدّاً
العلماء تسمي هذه الكلمات التي تأتي على حركات ثلاث كلمات مثلثة
كأن تقول مُصحف ، ومِصحف ، ومَصحف
وكل هذه الصيغ صحيحة
نقول : هذه كلمة مثلثة
تأتي على حركات ثلاث بمعنى واحد ..
الودود من صيغ المبالغة
وهي كلمة مثلثة معناها واحد من معانيها :
المعنى الأول : التمني :
﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ﴾
يعني إنسان يعتني بصحته عناية فائقة ، جيدة ، جيد جداً
لكن لو أنه يقيم على معصية مهما عمر لابد من الوفاة .
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزل الـــــقبر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *
إذاً
﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ﴾
المعنى الأول : ﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ ﴾ ؛ أي يتمنى أحدهم ، من التمني .
المعنى الثاني : الودّ ؛ بمعنى المحبة
كما في قوله تعالى :
﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾
هذا المعنى في هذه الآية ينقلنا إلى ما يسمى بالولاء والبراء
فالمؤمن الصادق بل من لوازم إيمانه أنه يوالي المؤمنين ، ولو كانوا فقراء ، وضعفاء
والمؤمن الصادق من لوازم إيمانه أنه يتبرأ من الكفرة ، والضالين ، والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء
فإلى من تنتمي أنت أيها المؤمن ؟ !
المعنى الثالث: المعية و المرافقة و المصاحبة :
والودّ أيضاً في اللغة قد يأتي على معنى المعية ، والمرافقة ، والمصاحبة
هذا معنى ثالث ، كلازم من لوزام المحبة
إن أحببت إنساناً راقبته ، صاحبته ، كنت معه ، كنت كظله
من المعاني الفرعية الناتجة عن الحب : الملازمة ...
فذلك المعنى دقيق جداً
إذ ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر :
(( أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة ، فسلم عليه عبد الله ، وحمله على حمار كان يركبه ، وأعطاه عمامة كانت على رأسه ، فقال ابن دينار له : أصلحك الله إنهم الأعراب ، وإنهم يرضون باليسير ، فقال عبد الله : إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب كان ملازماً له ، وإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنَّ من أبَرِّ البرِّ صِلَةَ الرجل أهلَ وُدِّ أبيه )) .
[ مسلم عن عبد الله بن عمر]
لذا .. فإن من فضل الله على الإنسان
أنه يسمح له بأن يكون باراً بوالديه بعد موتهما ..
ومن فضل الله عز وجل أتاح الله للابن أن يكون باراً بوالديه بعد موتهما
حينما يصل الرجل أهل ود أبيه
حينما ينفذ عهد أبيه
و حينما يدعو له في كل صلاة
هذه من مسلكيات البر بعد الموت ...
(( لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم ، كانوا على أفجرِ قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أتْقَى قلب رجل واحدِ منكم ، ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً ، لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم ، وإنسَكم وجِنَّكم ، قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ، ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام ، فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ )) .
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ] .
توقيع زهراء |
مَـا خـَابَتْ قُـلُـوْب أَوْدَعَـتْ الْـبـَارِي أَمـَانِيـْهَـا |