المقـامَــــة التاريـخـيــــة
تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا
اقرأ التأريخ إذ فيه العبر
وتأمل كيف أفنى ملكهم
ضل قوم ليس يدرون الخبر
من على الملك تولَّى وقهر
قال أبو كثير ، جرير بن الأثير ، سلوني عن التاريخ ، فإني في علمه شيخ .
قلنا : يا أبا كثير ، فضلك كبير ، فما هو التعليق ، على أحداث نذكرها لك بالتحقيق .
قال : تقدموا وتكلموا .
قلنا : مولد النبي محمد .
قال : مولد النور ، وإشراق السرور ، وهو فتح من الله على هذا الكون ، ونبأ عظيم ما سمع بمثله في حركة ولا سكون .
قلنا : فهجرته إلى المدينة .
قال : بداية الانطلاق ، وفجر الإشراق ، بها قامت الدولة ، وصار للإسلام جولة، وللحق صولة .

قلنا : فغزوة بدر .
قال : إثبات صدق الصحابة ، واجتثاث تلك العصابة ، وقطع الرؤوس الكذابة ، وجلال للدين ومهابة .
قلنا : فوفاة الرسول .
قال : نزفت منها القلوب دما ، وامتلأت النفوس ألما ، وهي دليل على أن لا بقاء إلا للواحد ، وما مخلوق بهذه الدنيا خالد .
قلنا : فمعركة القادسية .
قال : مشهد من مشاهد الحق إذا هجم ، ونهاية ماحقة ساحقة لدولة العجم ، وأن من عادى الرحمن فليس له سلطان ، ولا أمان ولا صولجان .
قلنا : فمعركة اليرموك .
قال : فرار الروم كالبوم ، ولكل طاغية يوم معلوم ، وإن الدين أمضى سيف للمجاهدين .
قلنا : فعين جالوت .
قال : نهاية المغول ، ومأساة حظهم المغلول ، وجندهم المخذول ، على أيدي أتباع الرسول .
قلنا : في حطين .
قال : حطين ، تمريغ الباطل في الطين ، وهي يوم جلاء الصليب من فلسطين .
قلنا : فموت خالد بن الوليد على الفراش .
قال : دليل على أن الرجل درع حصين ، وموته مصيبة للموحدين ، وفرحة عابرة للكافرين ، وعيد للجبناء الفاشلين . وكأن القتل هاب من خالد ، فأتاه على غرة وهو قاعد .
قلنا : ففتنة القول بخلق القرآن .
قال : هي نتاج الفلسفة الشنعاء ، التي زاحم بها المأمون الشريعة الغراء ، ولكن الله نصر الحق وأتباعه ، وهزم الباطل وأشياعه .
قلنا : أحسنت في هذا الحوار ، فحدثنا عن بعض ما ورد في التاريخ من الأخبار .
• قال : لما ابتلى المأمون الناس بالمحنة ، قيض الله له بطل السنة ، فكان المأمون رأساً في علوم اليونان ، وأحمد رأساً في علوم السنة والقرآن .
• أما رأيت الحجاج قتل ابن الزبير ، وذبح سعيد بن جبير ، ووضع إبراهيم التيمي في بير ، ثلاث عورات لكم .
• قال فرعون ثلاث كلمات مهلكات ،
يقول : مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فدس أنفه في الطين ، و أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ فأخرج منها وهو لعين ، و مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى فأراهم سبيل الهالكين .
• علي بن أبي طالب ، مرفوع بين الرافضة والنواصب ، لأنها لا تدخل على المرفوع النواصب .
• يا لله العجب ، جولدا مائير امرأة ، هزمت رجال العرب ، كيف لو كانت رجلاً ذا شنب .
• قال جميّل : سوف أبيد إسرائيل ، فألقى على اليمن البراميل ، قلنا : ضللت السبيل .
• وقال صدام : سوف أحرق اليهود ، فأرسل إلى الكويت الجنود . قلنا : أسد عليّ وفي الحروب نعامة شرود .
• يوم كانت تركيا تحكم بالشريعة السمحاء ، أرسلت للعالم الزعماء والعلماء والأدباء . فلما حكمت بمنهج الكافرين ، أرسلت للعالمين الحلاقين والراقصين والمغنيين.
• أخذ العرب في فجر الإسلام قياد العالم ، فلما خفيت عليهم المعالم ، منوا بالهزائم .
فنقل الله السلطان للأكراد ، لأنهم نصروا رب العباد ، فملّكهم البلاد .
ثم أخذ الريادة السلاجقة ، وأمم لاحقة ، ثم انتقل مفتاح الأملاك ، إلى الأتراك ، فلما صاروا في ترف وانهماك ، سلب منهم المفتاح ، لأنه لا يحمله إلا من صدق في حي على الفلاح ، واعلم أن في هذا برهان ، على أن الإسلام لا يعترف بالألوان ، وليس لبلد خاص من البلدان . لكنه لكل من نصر الحق ، وأتى بالصدق .
• أهدت لنا خراسان سلمان ، وأهدت صهيباً لنا الرومان ، فأهدى لهم رسولنا القرآن والإيمان .
• الجيش إذا لم يصم رمضان ، يهزم في حزيران ، وجيش لا يؤمن بتعاليم جبريل ، لا ينتصر على إسرائيل .
• التأريخ إن شئت جعلته شريفاً أو سخيفا ، فالتاريخ الشريف : تاريخ الفتوحات والانتصارات ، والنكبات والدروس المستفادات . والتاريخ السخيف : تاريخ القيان، وكيف كانت تضرب العيدان ، وخبر الجواري في قصر السلطان .
• اشغلونا في التاريخ بأخبار سخيفة ، فقالوا : الجارية غضبت على الخليفة ، فأهداها قطيفة ، فعادت للوظيفة .
• لابد أن يقرن التأريخ بالأثر ، ويُرَصَّع بالسير ، وتستفاد منه العبر .
• تاريخ ابن خلدون مقدمة بلا كتاب ، لكنها عجب من العجاب . وتاريخ ابن الجوزي غرائب وعجائب ، كأنه لابد في كل قصة من مصائب . وتاريخ الطبري دقائق ، أشغلتنا عن الحقائق ، وتاريخ ابن كثير ، أحسن الجميع بلا نكير ، لكنّه طول في تراجم الشعراء ، وقصر في تراجم العلماء .
• الذهبي يكتب بقلم السلف ، فتجده كثير النقد للخلف ، تخرج من مدرسة المحدّثين، فتراه يشن الغارة على الـمُحدَثِين .
• العظمة في اتباع المعصوم ، لا في المناصب والرسوم ، والدليل على ما أقول ، أن دائرة المعارف البريطانية ، ترجمت بعشرين صفحة للدولة العباسية ، وترجمت لابن تيمية بأربعين صفحة ، لجهوده الإسلاميّة .
• ألسنة البشر ، أقلام تكتب بها السير ، إذا ذكر عمر بن عبد العزيز قال الناس : رحمه الله ، وإذا ذكر الحاكم الفاطمي قال الناس : قاتله الله .
• لما تولى بنو أمية الخلافة قالوا : سوف تبقى لنا دواما ، فما أكملوا ثمانين عاما . فلما تولى بنو العباس قالوا : سوف نحكم الأرض بالأثر والنظر ، حتى خروج المهدي المنتظر، فلم يبق الله لهم في الأرض مكانا ، كأنهم خبر كان .
• من قرأ التاريخ هيجه على البكاء ، والاتساء ، والاقتداء . كم في التاريخ من زفرة ؟ وحسرة وعثرة ؟ لقد كان في قصصهم عبرة .
للمزيد من مواضيعي