و جاء في إنجيل يوحنا (17 / 1ـ 3):
" تكلم يسوع بهذا و رفع عينيه نحو السماء و قال: أيها الآب قد أتـت الساعة... و هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإلـه الحقيقي وحدك و يسوع المسيح الذي أرسلته ".
قلت: ففي هذه الآية بين عيسى عليه السلام أن النجاة الأخروية تكمن في الإيمان بأن الآب هو الإلـه الحقيقي وحده، فلفظة وحدك صريحة قاطعة في انفراد الآب بالألوهية، و عدم مشاركة أي أحد آخر ـ و منهم المسيح الابن ـ له فيها. و يؤكد هذه أكثر عطف المسيح، كرسولٍ لله تعالى، فيما يجب معرفته و الإيمان به. و هذا هو عين ماقاله القرآن الكريم و هو وجوب الإيمان بالله وحده لا شريك له، و بأن المسيح رسول الله، على نبينا و عليه الصلاة و السلام.
(3) و جاء في إنجيل متى (4 / 8ـ10) قصة امتحان الشيطان للمسيح :
" ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدا وأراه جميع ممالك العالم و مجدها. و قال له: أعطيك هذه جميعها إن خررت و سجدت لي! حينئذ قال له يسـوع: اذهب يا شيـطان. لأنه مكتوب: للرب إلـهك تسجد و إياه وحده تعبد"[4] .
قلت: فسيدنا المسيح عليه السلام يؤكد على ما هو منصوص في التوراة بأن الرب الإله وحده فقط الذي ينبغي و يصح السجود له و عبادته، و بالتالي فلا تجوزالعبادة و لا السجود لأي شيء آخر غيره، سواء كان المسيح الابن أو العذراء الأم أوالصليب أو أي كائن آخر سوى الله تعالى.
ثم إن نفس امتحان الشيطان لعيسى عليه السلام و وسوسته له و محاولته إضلاله لأكبر دليل، في حد ذاته، على بشرية عيسى المحضة و عدم إلـهيته، إذ ما معنى امتحان الشيطان لله خالقه و ربه؟! و متى و كيف يكون الله تعالى في حاجة للامتحان و الاختبار؟!
(4) و في إنجيل متى (19 / 16 ـ 17):
" و إذا واحد تقدم و قال: أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكونلي الحيوة الأبدية؟ فقال (المسيح) له: و لماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالحا إلاواحد و هو الله. و لكن إذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا "[5] .
قلت: لقد نفى سيدنا عيسى عليه السلام بكل صراحة عن نفسه الصلاح، و لعل المقصود به الصلاح الذاتي المطلق أي القداسة الذاتية المطلقة، و أثبته لله الواحد الأحد فقط. و لا أدلمن هذا على نفيه الألوهية عن نفسه، و ليت شعري، إذا كان عليه السلام لم يرض بأني وصَفَ حتى بالصالح فقط، فكيف يمكن أن يرضى بأن يوصَف بأنه إلـهنا و ربنا؟!
(5) و في إنجيل متى (23 / 8 ـ 10) يقول المسيح عليه السلام لأتباعه:
" و أما أنتم فلا تدعوا سيدي، لأن معلمكم واحد المسيح و أنتم جميعا أخوة، ولا تدعوا لكم أبـاً على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السماوات ".
قلت: المعروف أنه في لغة الإنجيل، كثيرا ما يعبر عن الله بالآب، و هنا كذلك، فقول عيسى عليه السلام " لا تدعوا لكم أبـا على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات " يعنى ليس لكم إله إلا الله وحده الذي في السماوات، و هذا صريح في نفي ألوهية كل أحد ممن هو على الأرض، و يدخل في هذا النفي المسيح كذلك لكونه على الأرض.
و يؤكد ذلك أيضا الاقتصار على وصف المسيح بالسيد و المعلم و عدم وصفه بالإلـه.
هذا وفيما يلي نورد عبارتين للقديس بولس الذي يحتل مكانة عظيمة لدى إخواننا ال***** حيثتعتبر رسائله من إلهام الله تعالى و بالتالي لها منزلة الوحي المعصوم عندهم، لذاألحقت رسائله الأربعة عشر بالأناجيل و اعتبرت جزءا من كتاب العهدالجديد:
(6) جاء في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس (الإصحاح الثامن / 4ـ 6):
"... فمن جهة أكل ما ذبح للأوثان نعلم أن ليس وثن في العالم و أن ليس إله آخر إلا واحدا. لأنه و إن وجد ما يسمى آلـهة سواء كان في السماء أو على الأرض،كما يوجد آلهة كثيرة و أرباب كثيرون. لكن لنا إلـه واحد: الآب الذي منه جميعا لأشياء و نحن به. و رب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء و نحن به. ".
قلت: فقوله " ليس إله آخر إلا واحداً " هو نفس الكلمة الطيبة و شعارالتوحيد الخالد الذي بعث به جميع الأنبياء: " لا إله إلا الله ". و قوله " و لكنلنا إلـه واحد: الآب الذي منه جميع الأشياء " في غاية الصراحة و الوضوح في إفراد الآب وحده بالإلـهية و أن كل ما سواه ـ بما فيهم المسيح ـ مخلوق منه.
و يزيدهذا الإفراد للآب بالألوهية، تأكيداً، ذكر يسوع المسيح بعده بصفة الرب فقط، و لا شك أنه لا يريد بالرب هنا الألوهية و إلا عاد مناقضا لنفسه إذ يكون قد أثبت لنا إلـهين اثنين بعد أن أكد أنه ليس لنا إلا إله واحد، لذلك لابد أن يكون مراده بالرب معنى غير الله، و هذا المعنى هو السيد المعلم، كما تدل عليه رسائله الأخرى و كما هو مصرحبه في إنجيل يوحنا من أن لفظة الرب ـ عندما تطلق على المسيح ـ يقصد بها المعلم، ففي الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا (الآية 38):
" فقالا ربي ! ـ الذي تفسيره: يامعلم! ـ أين تمكث؟ "
و كذلك في إنجيل يوحنا (الإصحاح 20 / آية 16):
" قال لها يسوع: يا مريم! فالتفتت تلك و قالت له ربّ وني! الذي تفسيره يامعلم."
(7) و أخيراً في رسالة بولس إلى أهل أفسس (4 / 6):
" ربٌّ واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة. إلـه و آب واحد للكل، الذي على الكل و بالكل و فيكلكم ".
للمزيد من مواضيعي