رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
الرد على دعوى أن الدين أفيون الشعوب
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين دعوى أن الدين أفيون الشعوب(*) مضمون الشبهة: يدعي بعض المتوهمين أن "الدين أفيون الشعوب"؛ إذ إنه يفعل فيها ما يفعله المخدر في متعاطيه؛ وذلك أنه يخدر الكادحين والمظلومين عن ثورتهم أو عن إحساسهم بالألم، بما يمنيهم من نعيم الآخرة الذي أعد للصابرين على الظلم، والراضين بالشقاء. ويرون أن هذا الأمر ينطبق تماما على الدين الإسلامي. وجوه إبطال الشبهة: قوله إن: "الدين أفيون الشعوب" دعوى نادى بها كارل ماركس، مريدا بها أن الدين يفعل في الشعوب ما يفعله المخدر في صاحبه. ولقد طبق الشيوعيون في الشرق الإسلامي هذه الدعوة على الإسلام. إن هذه المقولة تصدق على غير الإسلام، ولا تصدق على الإسلام بحال من الأحوال. إن ثمة أدلة من القرآن الكريم والحديث الشريف وأقوال الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - تهدم هذه الفرية من أساسها. التفصيل: أولا. أصل مقولة "الدين أفيون الشعوب": تلك مقولة كارل ماركس، ودعاة الشيوعية في الشرق الإسلامي يرددونها وراءه، ويريدون تطبيقه كذلك على الإسلام. وكارل ماركس أو غيره من الدعاة الأولين للشيوعية ربما كانوا معذورين في ثورتهم على الدين ورجاله، بسبب الملابسات الخاصة التي واجهتهم هناك فقد كان الإقطاع يمثل أبشع أدواره في أوربا، وفي روسيا بوجه خاص، حيث يموت الألوف جوعا كل عام، ويموت الملايين بالسل وغيره من الأمراض، والصقيع يقضي على عدد مماثل.. كل ذلك والإقطاعيون يلغون في دماء أولئك الكادحين، ويعيشون في ترف فاجر يستمتعون فيه بكل ما يخطر على القلب من ألوان المتاع. فإذا خطر للكادحين أن يرفعوا رؤوسهم، بل إذا خطر لهم أن يحسوا مجرد إحساس بالظلم الذين يعيشون فيه، أسرع رجال الدين يقولون لهم: "من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، ومن أخذ رداءك فاترك له الثواب أيضا". وذهبوا يخدرونهم عن ثورتهم أو إحساسهم بالألم، بما يمنونهم به من نعيم الآخرة الذي أعد للصابرين على الظلم، والراضين بالشقاء. فإذا لم تفلح الأماني البعيدة فليفلح التهديد. فمن عصى سيده الإقطاعي فهو عاص لله وللكنيسة ولرجال الدين. ولنذكر أن الكنيسة ذاتها كانت من دورات الإقطاع، وكان لها ملايين من رقيق الأرض تستعبدهم لحسابها الخاص، فكان طبيعيا أن تقف في صف القيصر والأشراف ضد الشعب المكافح. لأن الملاك جميعا معسكر واحد ضد المكافحين، لأن الثورة - يوم تقوم - لن تعفي أحدا من مصاصي الدماء سواء كانو من الأشراف أو من رجال الدين. فإذا لم تفلح الأماني والتهديد معا فلتوقع العقوبات فعلا على الثائرين، ولتوقع باسم تأديب الخارجين على الدين والملحدين بآيات الله. ومن هنا كان الدين عدواحقيقا للشعب هناك. وكانت قولة في محلها تلك التي قالها كارل ماركس: "الدين أفيون الشعوب"... هناك! ××× ثم يخلط الشيوعيون بهذه الحقيقة شبهة مؤداها أن الإسلام ذاته يأمر بهذا الفحش إذ يقول: )ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض( (النساء: ٣٢)، أو يقول: )ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى (131)( (طه) فالإسلام إذن ككل دين أفيون يخدر المكافحين[1]. ثانيا. صدق هذه المقولة على غير الإسلام: قيلت هذه العبارة - الدين أفيون الشعوب - في حق أوربا عندما عطلت الكنيسة فيها العقل وجمدته، وشكلت طبقة من الإكليروس متميزة، ظهر منها، ما لا يليق بها، وخاضت صراعا عنيفا بين العلم والدين، وقالت للإنسان: "أطع وأنت أعمى". لذلك جابهت العلماء وحرقت بعضهم، وعلى سبيل المثال جعلت القول بكروية الأرض ودورانها جريمة. هذه الأحوال المعطلة للعقل، والصادة عن العلم، والواقفة عقبة كئود في سبيل تقدمه - يحق فيها ما قيل عنها. أما الدين الذي جعل من تعاليمه تقديس العقل، وتكريم العلم والعلماء في أي اختصاص، فلا ينطبق عليه مثل هذا القول، إن الديـن الذي مـن تعاليمه )قل هاتـوا برهانكــم إن كنتــم صادقيـن (111)( (البقرة)، لا ينطبق كذلك عليه القول المذكور، والدين الذي جعل من مبادئه: )يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات( (المجادلة: ١١) لا ينطبق عليه القول المذكور. "ونخلص مما سبق إلى أن الصياغة الصحيحة الموافقة للواقع لمثل هذه المقولة التي نحن بصدد مناقشتها: الدين - في أوربا - أفيون الشعوب". ثالثا. الأدلة التي تهدم هذه المقولة: هناك شواهد وأدلة من إسلامنا، كل واحد منها كاف لرد الفرية القائلة: "الدين أفيون الشعوب". يقول الله - عز وجل - في محكم التنزيل: )لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغـاء مرضــات الله فســـوف نؤتيـه أجـرا عظيمــا (114)( (النساء)، فهل يصح جعل هذا الدين الذي يجعل المجالس التي ليس فيها إصلاح للمجتمع لا خير فيها، أفيونا؟! إنه دين المجتمع الفاضل المتكافل المتحاب. دين يجعل مــن مبادئــه: )وأن ليـس للإنســان إلا مـا سعـى (39)( (النجم)، دين ينبذ الكسل والتواكل، ويحب السعي والعمل، استعاذ نبيه - صلى الله عليه وسلم - من الجبن والبخل والعجز والكسل، دين يجعل السعي مبدأ، والعمل أساسا، - ليس أفيونا. دين يجعل من تعاليمه: )وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون( (التوبة:105)، دين يقدس العمل ويأمر به، دين يحث على الحركة الدائبة في طلب الرزق الحلال - ليس أفيونا. دين ورد في دستوره: )وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا (25) فكلي واشربي وقري عينا( (مريم)، فدين يعلم أتباعه، ألا تواكل، وأنتم في أضعف حالة من القوة والنشاط، لن يصلكم رزقكم إلا بالعمل، قدموا طاقتكم وابذلوا ما في وسعكم، فهو دين حياة، وليس أفيونا، فالخطاب في الآية الكريمة لمريم وهي في ساعة الولادة، ومع ذلك لم يرسل الله لها رزقها دون حركة وعمل، بل قال لها: )وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا (25)( (مريم)، وهذا تعليم للمؤمنين، ألا رزق بدون سعي، فلا رطب بدون جذع النخلة، فدين هذه تعاليمه، هل هو أفيون؟ لا أحسب عاقلا يقول هذا. قال نبي الإنسانية صلى الله عليه وسلم: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحد فيعطيه أو يمنعه»[2]. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده»[3]. فهل دين فيه هذا التقدير للعمل والعمال،دين تخدير وأفيون؟ وأيقول عاقل هذا؟ كان عمر - رضي الله عنه - يرى الرجل فيسأله عن مهنته، فإذا قال لا مهنة لي، سقط من عينه رضي الله عنه. ونظر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة، وقال: "لا تمت علينا ديننا، أماتك الله". وقال على المنبر: «من أحيا أرضا ميتة فهي له».[4] وكان يشجع الناس على استقطاع الأرض الفلاة؛ بغية إعمارها، فأين تخدير الأفيون؟ قال النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -:«اللهم بارك لأمتي في بكورها»[5]، فالإسلام نبذ للكسل، وهمة عالية في استقبال نهار جديد. وأخيرا - والأدلة الداحضة كثيرة - نقول: لقد كانت هذه الأمة في أفيون - في مخدر - عندما كان بأسها بينها شديدا، وعدوها يتربع فوق أرضها، مخدرة عن عدوها بثاراتها وغزوها، سكرانة في تفاخر أجوف، وعظمة مفتعلة. فجاء الموقظ، جاءها المنشط، جاءها الحافز، جاءها المنبه. لقد لامست "الله أكبر" أسماع العرب فأيقظتهم، وجاءت تربية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلت حب المعالي هدفا فتحفز المارد المسلم.. فإذا جيشه في الصين شرقا، وفي قلب فرنسا غربا، إن دينا يجعل العرب الذين كانوا ضائعين في جزيرتهم يفتحون العالم بعقيدة إخاء ومحبة وإنسانية وعزة، ليس أفيونا فلو كان الإسلام أفيونا لما وصل به المسلمون إلى الصين والهند، وأندونيسية، وغيرها. ونقول: إن كل عقيدة - ولو أنها ادعت العلمية وجعلتها شعارا براقا - جعلت من أتباعها نسخا كربونية من عقل إنسان يخطئ ويصيب، بل جعلتهم آلات انعدمت فيهم الروحانية، يشقون ويتعبون ويحلمون بجنة موعودة، وفردوس منتظر، بينهم وبينها اختلاف في الاتجاه قدره مئة وثمانين درجة، مثل هذه العقيدة، ولو ادعت العلمية، واتهمت غيرها بما اتهمت، هي أفيون الشعوب، والمصيبة أكبر عندما نعلم أنها غارقة في مخدراتها ونراها تنطق وهي بهذه الحال، أن غيرها مخدر، وهي اليقظة العلمية.. رحم الله العقاد، عندما اطلع على فكر وفلسفة هؤلاء، ثم كتب كتابه "المذاهب الهدامة أفيون الشعوب"؟! يقول المفسرون في آية: )ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض( (النساء:٣٢) إنها نزلت بشأن امرأة قالت: لماذا يختص الرجال بالجهاد في سبيل الله وتحرم من ذلك النساء؟ وقيل إنها نهى عن التمني الفارغ مع القعود عن العمل؛ لأنه يؤدي إلى الحسد - وهو شعور منحرف - دون إنتاج عملي يفيد منه المجموع. أي أنها دعوة للناس أن يعملوا ما ينالون به الفضل، بدل أن يتمنوا وهم قاعدون. أما الآية الأخرى: )ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيـا لنفتنهم فيــه ورزق ربــك خيـر وأبقــى (131)( (طه) فهي دعوة إلى الاستعلاء على القيم المادية، التي قد تدعو إلى إكبار أصحابها في أعين المحرومين منها. والخطاب فيها على الأرجح موجه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإصغار شأن الكافرين الذين في أيديهم من متاع الحياة الشيء الكثير، ولكنه هو أعلى منهم بما معه من الحق القوي. فهي في واد آخر غير ما يفهمه منها السطحيون! ويظهر أن هؤلاء المفسرين في صدر الإسلام كانوا يعلمون أن الشيوعية ستظهر بعد ألف عام، وأن دعاتها سيتهمون الإسلام، فقاموا ينفون عنه التهمة، وينتحلون التفاسير التي تحول الحق عن وجهته، فأبدوا هذه الآراء التي تحمل الرد الكافي على الشيوعيين وغير الشيوعيين[6]! الخلاصة: "الدين أفيون الشعوب" مقالة نطق بها كارل ماركس اليهودي، اخترعها؛ ليزعم بها أن التدين مخدر ومبلد للشعوب، وكلامه مردود بالحق، وهو أن الدين الصحيح الحنيف ملة إبراهيم، الذي أمر الله خلقه بإقامته، دين يلهب القلوب والمشاعر، محرك لجميع الأحاسيس والقوى، دافع بها إلى الأمام، لا يقبل من أهله الذل والاستكانة، والخضوع للظلم، ومجاملة الأعداء، والسكوت عن الباطل، والفساد، أو الجمود على طقوس وأوضاع ما أنزل الله بها من سلطان. إنه يوجب عليهم النهوض والاستعداد بكل قوة، وتسخير كل دابة ومادة على وجه الأرض، أو في جوفها أو أجوائها؛ كيلا يغلبهم عدوهم في ذلك، وأن يجعلوا جميع مواهبهم وطاقتهم في سبيل الله؛ لإعلاء كلمته وقمع المفتري والبراءة ممن جانب دينه وتنكر حكم شريعته. هذا الدين الصحيح على العكس مما قاله هذا اليهودي وأتباعه وتلاميذه، أما الأديان الأخرى المزعومة من لاهوتية وثنية فيصح أن يقال عنها بكلمة اليهودي: إنها أفيون للشعوب؛ لتقيد أهلها بالخرافات. إن ثمة أدلة من القرآن الكريم والحديث الشريف وأقوال الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - تهدم فكرة الأفيونية تلك من أساسها. (*) إفلاس الماركسية، أحمد حسين، دار الوفاء، مصر، ط1، 1410هـ/ 1989م. آراء يهدمها الإسلام، شوقي أبو خليل، دار الفكر، سوريا، ط5، 1406هـ/ 1986م. موقع البلاغ www. balogh.com، موقع www.louemorocco.net [1]. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط23، 1422هـ/ 2001م، ص184، 185. [2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشرب والمساقاة، باب بيع الحطب والكلأ (2245)، وفي مواضع أخرى. [3]. أخرجـه البخـاري في صحيحـه، كتـاب البيـوع، بـاب كسـب الرجـل وعملـه بيـده (1966). [4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضا مواتا، معلقا عنه به. [5]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1319)، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب ما يرجى من البركة في البكور (2236)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1300). [6]. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط23، 1422هـ/ 2001م ، ص187. منقول بتصرف للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
الرد على دعوى أن الدين أفيون الشعوب
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
الشهاب الثاقب
المزيد من مواضيعي
آخر تعديل بواسطة الشهاب الثاقب بتاريخ
07.06.2014 الساعة 20:21 . و السبب : حذف جزء مخالف
|
رقم المشاركة :2 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
بسم الله الرحمن الرحيم جزاك الله خيراً على المتابعة فعلاً هذا هو المقصد الذى يعالجه المقال فيوضح وجهة نظر الشيوعيين لأى دين جاء أنه من إختراع الأغنياء حتى يَبعدوا عنهم الفقراء ويطفئ فيهم روح التنافس و العمل و العلم مستشهدين بالآيات المذكورة فيتضح فى الجزئية المقتبسة مناقشة أنّ الإسلام ليس على هذه الفكرة التى إستنتجوها عن النصرانية ________________ و لو لم تكن بالقدر الكافى فهناك مَن يمكن أن يضيف عليها
المزيد من مواضيعي
آخر تعديل بواسطة الشهاب الثاقب بتاريخ
07.06.2014 الساعة 22:06 .
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
أفيون, الدين, الرد, الشعوب, دعوى |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
الموضوعات المتماثلة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
الرد على شبهة ( دعوى خطأ القرآن في حساب مدة الحمل والرضاعة ) | شعشاعي | الإعجاز فى القرآن و السنة | 2 | 15.05.2012 01:48 |
الرد على دعوى خطأ القرآن في وصفه السماء بالبناء | شعشاعي | الإعجاز فى القرآن و السنة | 1 | 25.04.2012 00:44 |
الرد على شبهة ( دعوى خطأ القرآن في وصف القلب بانه يعقل ) | شعشاعي | الإعجاز فى القرآن و السنة | 2 | 17.03.2012 17:05 |
الرد على شبهة ( دعوى خطأ القرآن في ذكر نشاة الجبال وتكوينها ) | شعشاعي | الإعجاز فى القرآن و السنة | 0 | 24.02.2012 15:29 |
الرد على دعوى تحريف القرآن | كلمة سواء | ركن الفتاوي | 1 | 28.12.2010 00:41 |