رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
باحث عن السعادة
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قلتُ لصاحبي – وقد آسفني ما يرتسم على قسمات وجهه من ظلال الكآبة والحزن توحي بما يعانيه في دخلية نفسه من شقوة – قلت له: عجيب أمرك! إن الحزن يكاد يعصف بك، ويبلي شبابك الناضر، مع أنك أُعْطِيت من الدنيا زهرتها: المال الكثير، والبيوت الملأى بحاجات الإنسان، والمراكب الفارهة من أحدث طراز، والأولاد يمرحون بين يديك، فما الذي يجلب لك الهم والنكد وهذه حالك؟! فنظر إلَيَّ نظرة مهموم حائر فاقد لشيء ليس يدريه، وقال: لست أدري، إن في النفس لفراغاً، وفيها جوعة أحس بها، ولا أعرف حقيقتها. إن ما بين يدي من مال وما عندي مما يصبو إليه الكثير لا يفيء علَيَّ ظِلال السعادة، بل قد أتمنى أن أكون فقيراً كأولئك الذين أرى السعادة ترتسم على وُجوههم رغم قِلة ما يملكون مِن زينة الدنيا. 2. أمنية الإنسان: وألقيتُ النظر بعيداً، وسابَق الخيال النظر فسبقه، وحّلَّق في حياة الناس يستشف الغاية التي يريدون مِن وراء سعيهم في الحياة، فإذا بهم يطلبون ما يطلب صاحبي على اختلاف أشكالهم وألوانهم وسعيهم. إن ما يطلبون هو: هناء الروح، وطمأنينة القلب، ونعيم الخاطر، وسعادة النفس في عالمهم المشهود. 3. طريقان وصِنفان: قد يرى بعضُهم أنهم يَصِلون إلى تحقيق أمانيهم بالوصول إلى مُتَع الدنيا وزينتها، ولكنهم يدركون بعد حين، كما أدرك صاحبي أن ما حَصَّلوه لم يُحقق لهم السعادة المرجوة، وقد يظن بعضهم أنهم سعداء بما لديهم، ولكنهم كالمريض الذي يتغلغل المرض في أحشائه، وهو يظن نفسه يتمتع بالصحة والعافية. وعندما يُدرِك الناس ما أدرك صاحبي يحاول بعضهم أن ينغمس في دنياه أكثر وأكثر عَلَّهُ يَرْوي نفسه الظمأى على طريقة القائل: "وداوني بالتي كانت هي الداء"، وقد يهرب بعضهم من دنياهم ويهجرونها، ويبحثون عن السعادة في قمم الجبال بعيداً عن الحياة، يُعذِبون أجسادهم، ويحرمونها من مُتَع الدنيا، وهؤلاء وهؤلاء يحملون السُلُّم من أحد طرفيه، ويعيشون في دنيا الإنسان ويخرجون منها وقد شقوا بدنياهم. 4. أدعياء: وإلى كِلا الفكرتين المتضادتين يقوم دُعاة يُغلَّفون أفكارهم بمعسول القول، وينقسم المُنادون إلى كل من السبيلين على أنفسهم، فإذا هُم مذاهب شتى، وتطغى الدعوات المادية على غيرها، ويَدَّعِي كل داعية أنه يملك إكسير السعادة، وأنه يهدي البشرية الحائرة إلى شاطيء الأمن والسلام، ويقيها لواعج الأحزان ومرارة الآلام. 5. الإنسان لا يصنع السعادة: ولكن التجارب المتكررة قديماً وحديثاً في الشرق والغرب تُثبت أن سبيل السعادة الحقَّة لا يصنعه بنو الإنسان لأنفسهم لأنهم غير مؤهلين لصنعه. 6. عِلَّة ذلك: ذلك أن السبيل الصحيح أن يتصدى للمنهج الذي يُسعِد الإنسان مَن يكون على معرفة كاملة بأسرار النفس البشرية، والعلاقة الحقة التي تقوم بين الإنسان وهذا الكون الذي يعيش فيه، لأن الحُكم على الشيء فرع تصوره، والإنسان في كِلا الأمرين – رغم تقدمه – يقع على أبواب مجاهيل، ولذلك كانت أحكامه ومناهجه التي يضعها على اختلافها وتَبَايُنْها تسير في خَط مُتعرِّج، وهي مناهج تحتاج دائماً إلى تطوير وتحوير وتغيير، لذلك كان لزاماً أن يتوفر فيمن يهدي الإنسان إلى ما يُسعِده أن يكون عليماً بأسرار النفس البشرية، عليماً بعلاقته بالكون وما وراء الكون، لا تخفى عليه خافية، ليأتي المنهج مُتكاملاً شاملاً، ونحن لا نجد هذه الصفات في بني البشر، ولا في أحد من الخليقة. والمُتَّصِف بذلك هو خالق البشر الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، الذي يعلم الإنسان جهره وسره، وهو أعلم به من نفسه، ذلك أنه هو الذي أنشأ هذه النفس من تراب، ونفخ فيها الروح، فكانت بشراً سوياً، وجعل نسلها من سلالة من ماء مهين، وخلقها في أحسن تقويم، فَمِن الواحد الأحد الخالق الباريء السميع العليم نستمد السبيل السليم، والنور الكاشف، والسُبُل مِن غيره لا تخلو من عوار، وهي تؤدي بصاحبها إلى هاوية سحيقة الغور ليس لها قرار. 7. بداية الطريق: ولقد أخبرنا الله بعد أن قص علينا قصة إهباط آدم من الجنة الآمنة الخالية من التعب والنصب: أنه أعطى آدم عهداً له ولذريته أن يعطيهم السعادة والهناء في دنياهم وأخراهم إن هم اتبعوا منهجه وهداه الذي ينزله لهم، فإن هم تولوا وأعرضوا عن سبيله فالشقوة نصيبهم في دنياهم وأخراهم؛ قال الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سورة طه – الآيات 123-126]. 8. السعادة تقوم على أساسين: قال صاحبي وكأنه قد أفاق من رؤيا، وكأنه بدأ يحس بما يريد: كأنك تدعوني إلى أن أترك دنياي لأجد سعادتي؟! قلت: كلا. ولكنني أدعوك لتأخذ المنهج الذي يتلاءم مع فطرتك، ويُعَرِّفك بنفسك وبالكون وبخالقك وخالق الكون، بالحق الذي يرسم لك معالم الطريق، وستجد أنه منهج يدعوك أن تأخذ نصيبك من الدنيا ولا يحرمك منها، ولكنه يُوَجِّه هَمَّك الأكبر إلى تفضيل ما عند الله وإيثار الآجل على العاجل. إنه يدعوك لتطهير نفسك وتزكيتها وتخليصها من قيود ثقيلة تشدها إلى الأرض، وتهبط بها إلى الحضيض. انظر يا صاحبي إلى بني البشر وقد بلغوا ما بلغوا من تقدم في عالمهم المشهود، انظر إليهم إذ أعرضوا عن ذِكر الله، هل حققوا السعادة في الحياة؟! الدول الراقية والمتقدمة، الدول التي جاوزت الأرض إلى القمر، والتي تملك من أسباب الرفاهية ما يعجز عنه الحصر، هذه الدول تعيش في فراغ نفسي كبير: جوعة روحية، قلق وضياع، ظلم وجبروت، في الأفراد والأُسَر والدُوَل، وفي الأطفال والشباب والشيب، وما حديثهم بِسر، وأخبارهم تَتْرى تحكي أن القوم على شفى هاوية. وتركت صاحبي يفكر على أن أعود إليه بعد حين، وكل أملي أن يجد سعادته التي يبحث عنها. كتبه: أ.د. عُمَر سُلَيمان الأَشْقَر كلية الشريعة، الجامعة الأردنية من كتاب "مواقف ذات عِبَر". _ http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=223006__ _______________ للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
باحث عن السعادة
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
نوران
المزيد من مواضيعي
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
السعادة, بايت |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
أدوات الموضوع | |
أنواع عرض الموضوع | |
|
|
الموضوعات المتماثلة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
مكتبة الجامع الكبير للتراث الإسلامي(11.3 جيجا بايت ) ،،، تورنت | أبو عبد الله محمد بن يحيى | كتب إسلامية | 10 | 13.02.2014 06:54 |
كتاب: تعرف على الإسلام (هدية إلى كل باحث عن الحق من غير المسلمين) للدكتور منقذ السقار | د/مسلمة | تعرف على الإسلام من أهله | 2 | 14.08.2013 02:06 |
الكل يبحث عن السعادة | عائدة الدمع | قسم الحوار العام | 2 | 29.07.2010 09:05 |
جرب رحلة السعادة | عائدة الدمع | قسم الحوار العام | 3 | 28.07.2010 08:41 |