العودة   شبكة كلمة سواء للحوار الإسلامي المسيحي العودة المنتدى الأدلة و البراهين على صدق الإسلام تعرف على الإسلام من أهله

آخر 20 مشاركات
من يدفع لأجل خطايا الكنيسة ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          من يدفع لأجل خطايا الكنيسة - 2 - ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          من يدفع لأجل خطايا الكنيسة - 3 - ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          من يدفع لأجل خطايا الكنيسة - 4 - ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          من يدفع لأجل خطايا الكنيسة - 5 - ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          من يدفع لأجل خطايا الكنيسة - 6 - ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          الرد على أقوال: يسوع المعزى الروح القدس_باسمى_أرسله اليكم _يثبت ان الباراكليت نبى (الكاتـب : النسر المصرى - )           »          نعم ، رب الكنيسة كان له إخوة في الجسد ! (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          جواب عن سؤال : أين إتهمت الأناجيل مريم بالزنا ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          ما حقيقة العلاقة التي جمعت أم النور بيوسف النجار ؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          منطقيّة القرآن الكريم في تكلّم المسيح عليه السّلام في المهد (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          منطقيّة القرآن الكريم في تكلّم المسيح عليه السّلام في المهد (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Esprits volés et génocide au nom de Jésus (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          إجابة عن سؤال : من نسب لله الصّاحبة و الولد ؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          كشف القناع: الله تزوّج فأنجب يسوع (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          قراءة في حديث الملحمة الكبرى (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          هل نبوءة إشعياء 7 : 14 تخص المصلوب ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          ضربة لمعبود الكنيسة تعادل في نتائجها الآثار المرعبة لهجوم نووي (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          أرواح مسلوبة و إبادة جماعية بإسم معبود الكنيسة (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )


 
 
أدوات الموضوع أنواع عرض الموضوع
   
  رقم المشاركة :1  (رابط المشاركة)
قديم 19.03.2012, 22:29

أبوحذيفة الأثري

عضو

______________

أبوحذيفة الأثري غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 12.03.2012
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 170  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
24.05.2012 (15:49)
تم شكره 13 مرة في 8 مشاركة
افتراضي هذا هو الإسلام معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله


الإسلام معالي الشيخ صالح عبدالعزيز الشيخ حفظه الله



هذا هو الإسلام

معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين ، أما بعد :
فهذه كلمات تحت عنوان « هذا هو الإسلام » ، وقد قسمت الموضوع إلى عدة عناصر ومباحث سأعرض لها إجمالاً ، فإذا جدّ السير جاز الجمع والقصر .

وسيتناول الموضوع ما يلي :
- هذا هو الإسلام في العقيدة والعبادات .
- هذا هو الإسلام في الشريعة .
- هذا هو الإسلام في نظام الحكم .
- هذا هو الإسلام في الأخلاق .
- هذا هو الإسلام في الاقتصاد والمال .
- هذا هو الإسلام في الاجتماع والألفة والافتراق .
- هذا هو الإسلام في العلاقات الدولية .
- هذا هو الإسلام في المدنية .
- هذا هو الإسلام في الخلاف والحوار .
- هذا هو الإسلام في المذاهب والأحزاب .
- هذا هو الإسلام في الوسطية والاعتدال والتحذير من الغلو .

عقيدة المسلمين :
أما العقيدة : فأساس الإسلام هو ما اجتمعت عليه الرسل - عليهم صلوات الله وسلامه - من إسلام الوجه والقلب لله - جل وعلا - ، وهو الملخص المختصر في تحقيق الشهادتين : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وفيهما التوحيد الخالص .
ومعنى شهادة « أن لا إله إلا الله » : أنه لا معبود بحق في ملكوت الله - جل وعلا - إلا الله وحده لا شريك له ، وكل ما عُبد سوى الله – عز وجل - فهو معبود بالباطل ، ﴿ ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَـٰطِلُ ﴾ (1) .
ومعنى شهادة « أن محمدًا رسول الله » : الإقرار والإعلام قولا وعلمًا بأن محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي هو آخر رسل الله - صلى الله وسلم عليهم - ، وأنه مرسل من ربه إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا ، وأنه يجب أن يُطاع فيما أمر ، وأن يُنتهى عما نهى عنه - عليه الصلاة والسلام - ، وأن لا يُعبد الله إلا بما شرعه هو - عليه الصلاة والسلام - ، لا بالأهواء والبدع والمحدثات .
والإسلام عقيدة يتلخص في أركان الإيمان الستة : الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره من الله - تعالى - ، وذلك لقوله تعالى ﴿ ءامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ (2) ، وقال أيضًا - جل وعلا - ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ ﴾ (3) ، ومعنى الإيمان بالله هو الإيمان بوحدانية الله - جل وعلا - في كونه ربًّا واحدًا متصرفًا في هذا الكون ، وفي كونه إلهًا واحدًا مستحقًّا للعبادة وحده دون ما سواه ، وفي كونه - جل وعلا - له الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، التي لا يماثله فيها أحد من خلقه ، وإن اشتركوا في إطلاق الصفة بين الخلق وبين الخالق .
والإيمان بأركان الإيمان الستة هو حقيقة العقيدة بالله - جل وعلا - ، ومن الإسلام عقيدة الإيمان بالغيب ، بكل ما أخبر الله - جل وعلا - به ، أو أخبر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والإيمان بالغيب لا يعترضه عقل ، ولا إدراك متصور ، ولا قياس مِثْلِي ، ولا قياس جزئي ، وذلك لأن أمور الغيب مبناها على التسليم ، وعلمها عند الله - جل وعلا - ، فنؤمن بها كما أخبر الله - جل وعلا - دون دخول في الكيفية ، أو دخول في المماثلة ، ولهذا وصف الله عباده في أول القرآن بقوله ﴿ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ ﴾ (4) فجعلها صفة المؤمنين الخاصة ، وهي إيمانهم بالغيب الذي أخبرهم به - جل وعلا - ، إذ لا أحد يخبر عن الغيب أعلم من الله - جل جلاله - .
من أصول الإسلام في العقيدة : التسليم للكتاب والسنة ، ووحدة مصدر التلقي في الاعتقاد والشريعة ، ومصادر التلقي يجب أن تكون منصوصًا عليها ، وبهذا يدخل أساسًا في مصدر التلقي الكتاب والسنة وإجماع الأمة والاجتهاد الذي عليه دليله من الكتاب والسنة ، ويبعد بذلك مصادر التلقي الأخرى ، كالعقول المجردة من الدليل ، أو المنامات ، أو الأحلام ، أو المصالح المتوهمة المناقضة لما دل عليه الشرع .
من أصول الإسلام في العقيدة : أن يوالى أهل الإيمان موالاة خاصة تقتضي محبتهم ومودتهم ونُصْرتهم ، كما قال الله - جل وعلا – ﴿ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾ (5) يعني بعضهم يحب بعضًا ، وبعضهم ينصر بعضًا ، ولهذا جعل علماء الاعتقاد مسألة موالاة المؤمنين في مسائل الاعتقاد ، لا في مسائل الفقه ، مع كونها لها صلة بمسائل الفقه .
ومن أصول الإسلام في العقيدة : الترضي عن جميع الصحابة الذين أثنى الله - جل وعلا - عليهم ، وعن أمهات المؤمنين ، والتسليم للعلماء الربانيين ، وموالاة عباد الله الصالحين ، وموالاة جميع المؤمنين ، على تفاضل في هذه الموالاة بحسب مقتضى الإيمان .

العبادات في الإسلام :
أما من جهة العبادات : فالإسلام بُني على خمس : على شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام ، وهذه العبادات الأربع : الصلاة والزكاة والصيام والحج ، هي أركان الإسلام العملية العظام ، التي من أجمع على تركها ، وعدم امتثال أمر الله - جل وعلا - فيها جميعًا ، فهو خارج من الملة .
شريعة الإسلام :
أما من جهة الشريعة : فالإسلام شريعته من الله - جل وعلا - وحْيُه في كتابه ، أو في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - : « الأنبياء أولاد عَلَّات (6) أمهاتهم شَتَّى ودينهم واحد » (7) . كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال - جل وعلا - ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجًا ﴾ (8) ، وقال لنبيه ولعباده المؤمنين ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾(9) .
وهذه الشريعة من الله - جل وعلا - أوحاها إلى نَبِيِّه - صلى الله عليه وسلم - ، ومنها ما هو منصوص عليه ، وهو المراد بالوحي ، ومنها ما دل الوحي على الاجتهاد فيه والاستنباط منه .
من صفات هذه الشريعة أنها شاملة تشمل جميع ما يحتاجه الناس في حاضرهم ، أو في مستقبلهم ، مع اختلاف الزمان والمكان ، وهذه الشمولية إما بالنص ، وإما بالاجتهاد ، ولذلك كان اجتهاد العلماء ، والأئمة من الصحابة - رضوان الله عليهم - ، والتابعين ، وأئمة الإسلام راجعًا إلى اتباع النص .
والاجتهاد يكون في حالة عدم ورود النص ، أو إذا عرض للنص ما يحتمله الفهم ، ذلك لأن النصوص شاملة ، والوقائع تضيق ، والنصوص واسعة ، والوقائع تختلف ، ولهذا تعتبر الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ، فلزم أن تكون نصوصها ، وقواعدها ، وأصولها فيها من السعة والشمول ما يشمل الأزمنة والأمكنة مهما تعدد الزمان ، وهذا يظهر في أثر اجتهاد العلماء فيما اختلفوا فيه ، فإن علماء الملة اختلفوا في مسائل كثيرة ، ومن أسباب اختلافهم أنهم راعوا اختلاف الزمان والمكان ، ولهذا قال أهل العلم بالأصول والقواعد الفقهية : الأحكام ثابتة لا تتغير ، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان .
فالحكم واحد ، أما الفتوى فقد تتغير لرعاية قاعدة ، أو رعاية مصلحة شرعية راجحة أو نحو ذلك ، ولهذا أدلته المعروفة المبسوطة عند أهل الاختصاص .
والنصوص الشرعية منها ما هو قطعي الدلالة ، ومنها ما هو ضمني الدلالة يقبل الاجتهاد ، وهذه النصوص الشرعية في فهمها من جهة تطبيق الشريعة يجب أن تُفهم بروح مقاصد الشرعية ، ومقاصد الإسلام ، وروح الإسلام التي يقصد منها إصلاح الناس بما ينفعهم في دينهم وآخرتهم ، فصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ظاهر في بقاء الإسلام إلى قيام الساعة ، وظاهر في سعة النصوص وعدم ضيقها ، وهذا يظهر فيما نعاني منه اليوم في كثير من الأنحاء في ضيق النظر في بعض المستجدات الفقهية .
وسبب هذا الضيق أن من نظر في كثير من المسائل المعاصرة ينظر بنظر عالم أو فقيه مضى عليه قرون من الزمان ، ولم يعش الوقت الحاضر ، وذلك يظهر في التعريفات الفقهية وفي الشروط ، والتعريفات الفقهية والشروط الفقهية للمسائل إنما ظهرت بعد ظهور الفروع لكل إمام ، ولكل عالم ، فإذا ارتبط الناس بتعريفات أو بشروط اشترطها الأئمة في وقتٍ ما تصلح لزمانهم وبلدانهم في ذلك الوقت ، فقد لا تصلح لمكان ، أو لوقت آخر ، والنصوص واسعة .
والتعريفات والشروط يجب أن يُرجع فيها إلى سعة النص ، لا إلى تعريفات العلماء في وقت ما ، وذلك إذا كانت التعريفات والشروط اصطلاحية ، وهذا هو الأكثر ، لأننا نجد أن تعريف كثير من المسائل يختلف بين المذاهب ، فتعريف البيع عند الحنابلة يختلف عن تعريفه عند الشافعية وعند الحنفية وعند المالكية ، وذلك لأن تعريفهم لذلك اصطلاح ، وكذلك غيرها من المسائل تختلف تعريفاتهم بحسب ذلك ، وهذا يجعلنا نريد في هذا الزمن أن نخرج من التعريفات إلى سعة النص ، والنص يسع الزمان والمكان فيما يُصلح الناس ، ولهذا تفاصيل يضيق المقام عن بسطها .
من سمات هذه الشريعة أن الشارع راعى فيها مصالح الناس ، فالأحكام كلها قد راعى فيها هذا الجانب ، فأحكام المعاملات ، والعبادات ، وأحكام الأسرة ، والأمور الاجتماعية ، والتبرعات كالوقف والوصايا والهبات ونحو ذلك ، كل هذا للشارع مقصد منه ، فالشريعة لها مقاصد جعلتها تتسع ، فإذا غاب النظر إلى المقاصد في الشريعة ، فسيغيب هدف مهم للشارع في النظر إلى الأحكام الفقهية ، وسعة الإسلام في شريعته ، ومن ذلك ما قاله الشاطبي في كتابه "الموافقات" (10) : المصلحة إذا كانت غالبة فلا اعتبار بالندور في انخرامها ، إذ لا توجد في العادة مصلحة عَرِيَّة عن المفسدة جملة ، إلا أن الشارع إنما اعتبر في مجاري الشرع غلبة المصلحة ، ولم يعتبر ندور المفسدة ، إجراء للشرعيات مجرى العاديات في الوجود .
وهذا وفقًا للقاعدة المقررة عند أئمة الإسلام ، وهي أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وبدرء المفاسد وتقليلها ، والمصالح هذه المقصود منها المصالح في الدنيا بتيسير أمور الناس في حياتهم ، وما فيه قوتهم ، وفيما يحقق لهم الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، وفي مصلحتهم في آخرتهم بغفران الله لهم ، وتحصيل الجنة لعباده .
ومن أصول هذه الشريعة التي يصح أن نقول : إنها سمة لهذا الإسلام أن الشريعة يسر ، كما قال الله - جل وعلا - في وصفها ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ مّلَّةَ ﴾ (11) ، وقال الله - جل وعلا - في وصفها ﴿ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ ﴾ (12) والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد طبق ذلك عمليا في حياته ، فما خُيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أَيْسَرَهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه . (13)
وثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : « أحبُّ الأديانِ إلى الله الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ » (14) . وقال أيضًا : « إن الدين يُسْر ، ولن يُشَادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه » (15) .
وقاعدة التيسير في الشريعة قاعدة مهمة ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يروم التيسير دائما ، بل وجدنا التيسير في كل أمور العبادات ، وكل أمور المعاملات ، فكل شأن الشريعة هو التيسير ، فيجب على المجتهد والناظر في الإسلام ، والذي ينسب قولا ، أو فتوى ، أو حكمًا للإسلام أن يجعل هذا قاعدة عنده ، وهي أن الشريعة مبناها على التيسير ، فكلما كان الحكم مُيَسِّرًا على الناس - فيما لم يرد فيه النص - فهو الأولى بالقبول ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصف هذا الدين ، وهذه الشريعة بأن أحَبَّها إلى الله - جل وعلا - الحنيفية السمحة ، فالسماحة واليسر ورفع الحرج من أهم سمات هذه الشريعة .
نظام الحكم في الإسلام :
الإسلام ليس ذلك الدين الذي جاء ليحبس في المساجد ، بل هو دين للفرد ، ودين للجماعة ، الإسلام نظام للإنسان في نفسه وفي مجتمعه ، وهو أيضًا نظام حكم ، قال - جل وعلا - لنبيه ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ ﴾ (16) ، وقال أيضًا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في هؤلاء الذين يحكمون بحكم الجاهلية ﴿ أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًا لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ (17) .
الحرية الدينية :
راعى الإسلام أساسيات ما يقوم عليه مجتمع الناس في نظام حكمهم فراعى أولا الحرية ، والحرية تتنوع ، فمنها الحرية الدينية ، قال الله - جل وعلا - ﴿ لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيّ ﴾ (18) وقال لنبيه ﴿ فَذَكّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ ﴾ (19) ، وقال أيضًا لنبيه ﴿ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ (20) ، وهذه الحرية طُبِّقت بتطبيق ظاهر واضح في عهده - عليه الصلاة والسلام - ، وفي عهد الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم أجمعين - فلم يُجْبَر أحد على أن يعتنق الإسلام ، بل كان يُعرض له الإسلام ، فإن قبله وإلا تُرِك ، وهذا لأجل هذا الأصل في أنه من كان على ملة كاليهودية والنصرانية ، فإنه لا يُفتن عنها ، فقد كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل اليمن ، فقال : « لاَ يُفْتَنُ يَهُودِىٌّ عَنْ يَهُودِيَّتِهِ » (21) . يعني لا يُلجأ حتى يترك دينه ، وسيرة الخلفاء في التسامح في هذا الجانب ظاهرة بيِّنة .
الحرية الاقتصادية والحرية الشخصية :
من أساسيات الشرع في الحريات رعاية الحرية الاقتصادية ، ورعاية الحرية الشخصية ، قال الله - جل وعلا - ﴿ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرّبَوٰاْ ﴾ (22) ، فقد راعى الإسلام الحرية الشخصية للإنسان في شئون حياته ، وهذا أصل قَعَّدَه الشرع ، ولذلك راعى الشرع حرية الإنسان في بيته ، فعندما نظر أحد الناس إلى داخل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال في ذلك : « لو أن امْرَأ اطلع عليك بغير إذن فَخَذَفْتَه (23) بحصاة فَفَقَأْتَ عَيْنَه ، لم يكن عليك جناح » (24) . ذلك لأنه تدخل ونظر إلى ما لا يجوز له النظر فيه ، فالإسلام راعى الحريات ، ولا يمكن أن يكون هناك اجتماع حكم ، أو اجتماع دولة ، أو اجتماع للناس ، يجتمعون فيه لقضاء مصالحهم إلا بنوع من الحريات ، وهذا كله قد كفله الشرع لهم .
العدالة والمساواة :
أيضًا من أساسيات الشرع في حكم الناس ، العدالة والمساواة ، العدل بين الناس والمساواة ، فأصل الحكم في الناس إنما هو لأجل تحصيل مصالحهم ، الناس يجتمعون على واليهم ، أو على أميرهم ، أو على دولتهم ، أو على حاكمهم ، لأجل تحقيق مصالحهم ، وأعظم ما يرضي الناس ، وما تُحقق به المصالح العدلُ فيما بينهم ، والعدل عرَّفه العلماء بأنه إعطاء كل ذي حَقٍّ حَقَّه ، ومعلوم أن أصحاب الحقوق يتفاوتون كما فرق عمر - رضي الله عنه - بين الناس في إعطائهم بعض الحقوق . العدالة أن يوصل الحق إلى صاحبه ، دون مماطلة أو تسلط ، ودون طغيان على صاحب الحق .
والمساواة من آكد الأشياء المطلوبة ، فكما أن الناس في التكليف سواء ، ولا فرق بين أعرابي ولا أعجمي إلا بالتقوى ، والناس سواسية - في التكليف - كأسنان المُشْط ، فإنهم كذلك يُطلب أن يكونوا سواسية فيما يحتاجونه في دنياهم ، في مصالحهم ، وفيما يدفعون به الأذى ، وفي القضاء ، ونحو ذلك .
ولهذا فقد أكد الشرع على سواسية الناس في مُجْمَل حقوقهم ، وما به حياتهم ، وعلى سواسية الناس أمام القاضي ، وعلى سواسية الناس في تحصيل مصالحهم .
من أساسيات الشرع في الحكم أن تُحْفظ بيضتهم (25) ، وأن يحفظ اجتماعهم وقُوتُهم ، فهذا أول مهمات الحكم ، ومن أساسيات ذلك التي راعاها الشرع النصح بين المؤمنين ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إن الدين النصيحة ، إن الدين النصيحة ، إن الدين النصيحة » . قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : « لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » (26) .
فالنصح يكون للعامة ، ويكون لولاة الأمر ، وهذا أصل من أصول الشريعة ، وقد عاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض الصحابة (27) على أن يقولوا الحق ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وعاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - طائفة من الصحابة على أن ينصحوا لكل مسلم (28) ، وذلك على اختلاف طبقات المسلمين ، وهذا داخل في أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقد وصف الله - جل وعلا - هذه الأمة بهذه الصفة ، قال - جل علا - ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ ﴾ (29) .
والنصح من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا هو القاعدة ، أما أشكاله وضوابطه وظروفه فتختلف باختلاف الزمان والمكان ، ولذلك فإن الأنظمة الحديثة كمجلس الشورى ، أو مجلس الأمة ، ونحو ذلك ، إنما هي وسيلة من وسائل النصح التي راعى الشرع فيها القاعدة العامة ، وتَرَك الوسيلة للناس ليطوروها كلما احتاجوا إلى ذلك ، فإذا تعقدت علاقات الناس ، ولم يُتوصل إلى النصح إلا بأسلوب ينظمه ولي الأمر ، فإنه يجب عليه أن ينظمه حتى تكون النصيحة واضحة واصلة إلى الحاكم وولي الأمر .
كذلك النقد ، أو ما يُسمى في هذا العصر بالمعارضة ، إذا كانت بالضوابط الشرعية فهي مقبولة ، ومن أهم هذه الضوابط أن لا تُحدث فتنة ، وأن لا تفرق المسلمين ، فإذا كان النقد والمعارضة فيه مصلحة الناس ، ولا يسبب فتنة قولية ، أو عملية ، ولا يؤدي بهم إلى فساد في اجتماع كلمتهم ، فإنه حينئذ يكون مأذونا به .

أما الحكم في نفسه ، فأركانه التي طُبقت هي : الحاكم ، وأهل الحل والعقد ، وأهل الشورى والرقابة ، والقضاء ، والدواوين والأجهزة التنفيذية .
وكذلك بين الشرع للحاكم ما يجب عليه ، وما يجب له ، وكيف يُختار ، وكيف تكون ولايته ، وكذلك في أهل الحل والعقد ومن يكونون ، وكيف يكون التعامل بينه وبين كل هؤلاء ، وكذلك الشورى والرقابة ، فقد كان أهل الشورى عند عمر – رضي الله عنه - معروفين ، وهذا الأمر يتطور بتطور الزمان ، فربما صار اليوم له مجالس وأعداد كثيرة يمثلون شرائح الأمة حتى في اختلافهم في علومهم ، وفي إدراكاتهم ، وفي بلدانهم ، وفي قبائلهم ، حتى تكون مسألة الشورى ، أو مجالس الشورى هي التي يُناط بها - كما يسمى - التشريع ، أو يُناط بها وضع الأنظمة والرقابة على أداء الأجهزة التي تنفذ هذه الأنظمة .
والقضاء أصل من أصول الشرع ، ولم تَرْعَ حضارة ، أو دين ، أو شريعة القضاء كما راعته هذه الشريعة ، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في وصف القضاة : « القُضَاة ثلاثة ، اثنان فى النار ، وواحد فى الجنة ، رجل علم الحق فقضى به ، فهو فى الجنة ، ورجل قضى للناس على جهل ، فهو فى النار ، ورجل عرف الحق فجار فى الحكم ، فهو فى النار » (30) .
فالقاضي يجب عليه أن يبلغ حكم الله - جل وعلا - ، وقوله في ذلك ملزم ، وقد يكون القضاء على رتبة واحدة ، وقد يكون على عدة رتب ، كما هو الحال عندنا ، فعندنا القضاء في المحاكم ، ثم التمييز ، ثم مجلس القضاء الأعلى ، وفي بلدان أخرى له مراتب ثلاث ، والمهم أن تكون سلطة القضاء نزيهة ، لا سلطان لحاكم ، ولا لمحكوم عليها ، لأن القاضي يحكم بحكم الله - جل وعلا - ، فإذا تدخل أحد في السلطة القضائية ، فإنه تدخل في حكم الله - جل وعلا - فيما شرعه للفصل بين الناس ، فإذا تدخل الناس في السلطة القضائية ارتفع العدل ، وحل بعض الظلم فيما بين الناس ، وهذا مما يفكك الجماعة ، وينشر الكراهية والبغضاء بين الناس ، لأن الشرع رعى كل الوسائل التي تجلب للناس سعادة الدنيا والآخرة .
وهناك الأجهزة التنفيذية من الوزارات ، والمصالح المختلفة ، وهذه الوزارات ، والمصالح المختلفة ، والدواوين إنما هي أجهزة للتنفيذ ، لتنفيذ ما أمر الله - جل وعلا - به ، لتنفيذ ما جعله ولي الأمر لهؤلاء من الأمانة ، لتنفيذ الأنظمة والتشريعات . ويجب على هؤلاء أن يؤدوا الأمانة كما أمرهم الله – جل وعلا – ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلامَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ﴾ (31) .
الأخلاق في الإسلام :
أما الأخلاق فإن أعظمها ما وصف الله - جل وعلا - نبيه - صلى الله عليه وسلم - به ، حيث قال لنبيه – صلى الله عليه وسلم – ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (32) ، وقد قال نبينا - صلى الله عليه وسلم - : « إنما بُعِثْت لأتمم مكارم الأخلاق » (33) . وهذا الحصر في قوله « إنما بُعثت » يفيد أن القصد من البعثة إنما هو تتميم مكارم الأخلاق ، وهو بهذا يجعل الأخلاق شاملة لكل ما اشتملت عليه الشريعة ، وما اشتمل عليه دين الإسلام ، وهذا هو الظاهر .
والإنسان فيه خَلق وخُلق ، أما الخَلق فهو الصورة الظاهرة ، وأما الخُلق فهو الصورة الباطنة لروحه ، وكما أن الإنسان يجب عليه أن يعمل على تحسين ظاهره ، فإنه كذلك يجب عليه أن يعمل على تحسين باطنة ، وهذا الأمر يدخله التكليف ، لأنه متعلق بالروح والنفس والغرائز ، لهذا نقول : إن الأخلاق التي دعا إليها الإسلام متنوعة ، فأولها خُلق الإنسان مع ربه ، فالإنسان المسلم خُلقه مع ربه يجب أن يكون أسمى الأخلاق في جميع ما يتصل بروحه ، وهل محبة الله - جل وعلا - ورجاؤه ، والخوف منه ، والأنس به ، ودعاؤه ، والذل له ، والتوكل عليه ، وحسن الظن به ، إلا من الأخلاق الواجبة بين الإنسان وبين ربه - جل وعلا - .
خُلق الإنسان مع ربه يدخل فيه إخلاصه لربه - جل وعلا - فلا يُشرك مع الله أحدا ، ولا يقصد بعمله سوى وجه الله - جل وعلا - ،
كما قال ابن القيم – رحمه الله - :

فلواحدٍ كُنْ واحدًا في واحدٍ أعْني طريقَ الحق والإيمان
وخُلق المسلم مع والديه وأهله وأولاده ، مع جميع المسلمين بأن يُعاملهم بالصدق والأمانة ، وأن يحب لهم ما يُحب لنفسه ، وأن يرعى فيهم الأمانة ، وأن يجنب نفسه وإياهم كل ما فيه نزغ للشيطان في الصدور ، ولهذا قال - جل وعلا - في جماع ذلك ﴿ وَقُل لّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ (34) .
ولم تَعْلُ الأخلاق إلا بالفعل الحسن ، والقول الجميل ، ولم تتصدع الأخلاق إلا بالقول المشين ، أو الفعل المعيب ، فلهذا كلما حسُنت الأقوال والأفعال في تعاملات الإنسان ، وأحب للناس ما يحب لنفسه من الخير ، صار على خلق محمود ، وجميع الصفات ، مثل الصدق والأمانة والوفاء بالعهد وأداء الحقوق هذه جميعها من أنواع الأخلاق المحمودة .
كذلك خُلق المسلم مع غير المسلمين ، فكون الرجل ليس مسلما لا يعني أن نسيء معاملته ، ونكون معه على خُلق غير حسن ، فقد قال الله - جل وعلا – ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ (35) ، وقال أيضا ﴿ لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَـٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ ﴾ (36) ، فلم يَنْهَ الله - جل وعلا - في هذا الخُلق الحميد عن بِرِّ مَن لا يقاتلنا في الدين ، وعن الإحسان إليه ، وعن العدل معه ، فالعدل أساس في كل أنواع التعاملات مع غير المسلمين ، وكذلك بِرّهم ، والإحسان إليهم ، وهذا كله مع من لم يظهر العداوة للإسلام وأهله .
كذلك خُلق المسلم في الحرب ، الإسلام أول تشريع جاء في الحرب بعزل المدنية والمدنيين عن الحرب ، واختص في الحرب بمواجهة المحاربين دون مواجهة المدنيين ، فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الشيخ ، والمرأة ، والوليد ، ونهى عن قطع الشجر ، وهدم البيوت ، وذلك لأن المدنيين لم يحاربوا ، وإنما الحرب تكون على المحاربين ، وهذا عُلُوٌّ في الانتقائية حتى في حال الحرب ، فالحرب ليس معناها في الإسلام أن تحصد الأخضر واليابس ، أو أن تحصد الناس لأجل الانتصار ، وإنما راعى الإسلام في الحرب انتقاء من يُهاجَم ومن يُقتل .
الخُلق في تعريف وجيز فيما راعاه الإسلام : هو حمل الغرائز في صفاتها على موافقة أمر الخالق - جل وعلا - .
الاقتصاد في الإسلام :
الإسلام أعطى المال والاقتصاد أهمية كبيرة جدًّا ، وذلك لأن الاقتصاد والمال قوة للأمة ، واقتصادها يقويها ، ويقوي تكاتفها ، ويقوي أيضًا أمرها مع أعدائها ، فقوة الدولة في الإسلام ، وقوة المسلمين في داخلهم تنبع من عدة أشياء ، ومنها قوتهم الاقتصادية والمالية ، وذلك لأن مظهر القوة في أمة الإسلام لا يكون إلا بالاهتمام بالاقتصاد والمال ، وأن يُراعى هذا الجانب كثيرًا ، ولكن الشرع في رؤيته للمال مع كل هذا جعل هناك عدة أصول :
الأصل الأول : أن المال مال الله - جل وعلا - ، قال الله - تبارك وتعالى - ﴿ وَءاتُوهُمْ مّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى ءاتَـٰكُمْ ﴾ (37) والبشر مستخلفون في هذا المال ، يسيرون فيه على وَفْق مراد الله - جل وعلا - ، قال سبحانه ﴿ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾(38) ، فجعل الإنفاق مما استخلفنا فيه ، فالمال بأنواعه مما استخلفنا الله - جل وعلا - فيه ، ولذلك قال العلماء : التبذير هو أن يُنْفَق المال في غير ما أمر الله - جل وعلا - به ، فالإنفاق في الحرام تبذير ، والإنفاق على وفق الشرع هو الإنفاق المحمود .
الأصل الثاني : من أصول النظر إلى الاقتصاد والمال هو ضمان حد الكفاية لأفراد الأمة ، فالشرع راعى أن يوفر حد الكفاية لأفراد الأمة بحسب حاجتهم ، وذلك قد يكون عن طريق الدولة من خزانتها ، كما فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيت المال أشياء للمحتاجين ، وكما فرض أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - إلى آخره ، وقد يكون من التشريعات الإسلامية كالزكاة ، والصدقة ، والواجب في الإنفاق على الأقربين ، ونحو ذلك .
من أصول نظرة الإسلام للاقتصاد والمال احترام الملكية الخاصة ، فالملكية الخاصة محترمة ، والشرع يعمل دائما على تنمية الملكيات الخاصة ، الصغيرة قبل الكبيرة ، فالإسلام يهتم بالصغار قبل الكبار ، وهذا بخلاف النظرة الرأس مالية ، أو النظرات الأخرى التي تُحَرِّم الغِنَى ، أو التي تجعل الغَنِيَّ هو السلطان ، بل رغب الشرع في عمل الصغير حتى يكون منتجا ليكون المال في يده ، قال الله - جل وعلا - ﴿ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلاْغْنِيَاء مِنكُمْ ﴾ (39) .
من أصول ذلك أيضًا إعطاء الحرية الاقتصادية ، فلا اقتصاد ، ولا قوة إلا بنوع من الحرية ، ولهذا فتح الشرع باب الاقتصاد ، وجعل المحرم من المعاملات الجاهلية محدودا ، فأهل الجاهلية كانوا يتعاملون بمعاملات كثيرة متنوعة ، فحرم الشرع منها أشياء ، وجعل الباقي على أصل الجواز .
أيضًا من أصول ذلك الحث على أنواع التنمية الاقتصادية ، والعقارية والزراعية ، والصناعية ، والتجارية ، ولكل هذا أدلته من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعل الخلفاء - رضي الله عنهم أجمعين - .
من أصول الشرع في نظرته للاقتصاد والمال ترشيد الإنفاق ، والنهي عن التبذير والإسراف .
من أصول ذلك أيضا تحريم كل معاملة تئول إلى الظلم الفردي أو الجماعي ، لأنه قد يتسلط صاحب المال ، فيسعى من جهته في حريته الاقتصادية إلى أن يظلم الفرد ، أو يظلم المجموع ، قد لا يحس الفرد بظلمه ، ولكن قد يظلم المجموع ، والشرع حرم الظلم في الاقتصاد بأنواعه ، وجعل التشريعات المتنوعة كفيلة بصد الظلم بأنواعه ، وأن يكون العدل هو المطلوب ، العدل في الرؤية للفرد ، والعدل في الرؤية للجماعة .
كذلك راعى الشرع نمو رأس المال ، وأن يكون ذلك متاحًا للصغير والكبير .
من القواعد العامة في نظرة الشرع للاقتصاد والمال ، أن الأصل في المعاملات المالية والاقتصادية الحل والإباحة إلا ما ثبت تحريمه في الشرع ، وهذه قاعدة معروفة عند أهل العلم ، أن العبادات الأصل فيها الحظر - يعني المنع - حتى يأتي دليل بالأمر بها ، لأن العبادات لا يدخلها العقل ، ولا الرأي فيُنظر فيها إلى أمر الشارع ، وأما المعاملات فهي حياة الناس ، وهي دنياهم ، فلهم ما يجعلون من التفريعات في المعاملات ، ومن أنواع المعاملات ، والأوضاع الاقتصادية ، والمالية ما يشاءون ، ولكن بشرط أن لا يكون فيها خمسة أنواع من المحاذير : الأول : الربا ، الثاني : الميسر والقمار ، والثالث : الجهالة التي تؤدي إلى الخصومات والنزاعات ، الرابع : الغش والخداع ، والخامس : الظلم .
فإذا انتفت هذه الخمسة في أي نوع من المعاملة ، أو أي نوع من الوضع الاقتصادي ، أو أي نوع مما يريد الناس أن يحدثوه في أوضاعهم المالية ، والاقتصادية ، أو مؤسساتهم المالية ، والاقتصادية ، فلا بأس بذلك ، وهو عمل مشروع .
من القواعد في ذلك أن الاقتصاد يجب أن يحقق مصالح الفرد ، ومصالح المجتمع ، ومصالح الدولة ، فلا يحقق مصلحة أفراد مخصوصين ، أو مصلحة طائفة معينة ، أو مصلحة حزب بعينه فقط ، قال الله - جلا وعلا - ﴿ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلاْغْنِيَاء مِنكُمْ﴾ (40) ، ولهذا لما قال الناس : يا رسول الله غلا السعر فَسَعِّر لنا . قال : « إن الله هو الْمُسَعِّر ، القابض ، الباسط ، الرازق ، وإنى لأرجو أن ألقى الله ، وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ، ولا مال » (41) .
وذلك في فتح المجال ، حتى يستفيد الصغير ، والكبير ، وأن لا يتحكم أناس في الأسعار لصالحهم ، مما يؤدي إلى الضرر العام .
الاجتماع وعدم الافتراق :
يحرص الإسلام على الاجتماع وعدم الافتراق ، وهذا من قواعد الإسلام ، قال الله - جل وعلا - ﴿ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ (42) ، وقال ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ (43) ، وقال ﴿ شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ ﴾(44) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الحسن : « الجماعة رحمة ، والفُرْقة عذاب » (45) . وبهذا يتضح لنا أن الإسلام أساسه الاجتماع ، وعدم الافتراق ، وينقسم هذا إلى نوعين :
الأول : هو الاجتماع وعدم التفرق في الدين ، بألا يُشَرِّع الناس في الدين ما يريدونه من عبادات ، ومن أقوال ، ومن أوضاع ، ومن طقوس ، فالأساس أن يجتمعوا على الدين الحق في عقيدتهم ، وفي عباداتهم ، وألا يفتأتوا على الشارع ، وأن لا يتجاوزوا حدهم ، وأن يتركوا التشريع لله وحده ، قال الله - جل وعلا - في سورة الشورى ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾ (46) .
الثاني : هو الأمر بالاجتماع ، والنهي عن الافتراق في أمور الدنيا ، والدولة والإمام ، فالله - جل وعلا - أمر بالاجتماع على الوالي المسلم ، وأن يُنصر ، وأن يُنصح ، وألا يُخذل في أي موطن من المواطن ، أمر الإسلام بحفظ ذلك ، ونهى عن التفرق عنه ، وأمر بالجماعة مع الإمام الحق ، وأن يؤيد ويُنصر ، لأن في ذلك نصرة للدين ، وقوة له ، حتى لو كان عنده بعض القصور ، أو الأخطاء ، أو الآراء التي قد لا يوافقه عليها الآخرون ، ولكن لا بد للناس من اجتهاد ، وإذا صار الاجتهاد هنا وجب على الجميع أن يقفوا مع ولي الأمر فيما فيه مجال للاجتهاد ، حتى لا تحدث الفرقة ، وأقوى ما تجتمع به الأمة عدم فراقها على دولتها ، وأقوى ما تتفرق وتضعف به أن تكون أحزابًا وشِيَعًا ، قال الله - جل وعلا - ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ (47) ، فأثنى على أهل الاجتماع ، لأنهم أهل الرحمة .
العلاقات الدولية :
الحال دائمًا بين الدول إما حال سلم ، وإما حال حرب ، فإذا كانت حال الحرب قائمة ، فالشرع لا يتشوف للحرب ، بل الحرب تقوم مقام الضرورة في ذلك ، وإذا كان المجال مفتوحًا للدعوة إلى الله - جل وعلا - وإلى تبليغ رسالة الله - جل وعلا - فإن أصل الجهاد في سبيل الله - جل وعلا - لم يُشرع - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أول كتابه في رده على النصارى - : إن الجهاد لم يُشرع إلا حماية للدعوة ، فإذا كانت الدعوة يمكن تبليغها ، فإن جهاد الطلب لا وجه له . وأعطى أدلة على ذلك وشواهد معروفة .
وفي حال الحرب يجب أن يكون هناك دفاع ، وهذا واجب على الإمام ، وواجب على الأمة أن تدفع عنها الأعداء بحسب ما تستطيع ، فإذا كانت لا تستطيع ، فإنها ترتكب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما ، لأن الظلم وقع بالصحابة ، ولم يؤذن لهم بالجهاد في وقتها ، قال الله - جل وعلا - ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ (48) فجهاد الدفع مطلوب بحسب القدرة ، وبحسب الحال ، وبإذن وأمر ولي الأمر .
أما حال السلم فالعلاقات بين الدولة الإسلامية ، وبين غيرها تكون إما حال عهد وميثاق ، وإما حال أمان ، وهذه ما يُعبر عنها العلماء بحال المعاهدين ، أو حال المستأمنين ، أما حال العهد ، فالشرع رعى المواثيق والعهود ، قال الله - جل وعلا - ﴿ يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ﴾ (49) ، وقال ﴿ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا﴾ (50) ، وقال - جل وعلا - لنبيه - عليه الصلاة والسلام - ﴿ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ ﴾ ، يعني المؤمنين ، يعني لو أن طائفة من المؤمنين استنصروكم ﴿ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مّيثَاقٌ ﴾ (51) ، فإذا كان هناك ميثاق بين الدولة الإسلامية ، وبين دولة غير مسلمة ، ووقع اعتداء على بعض المسلمين ، فهنا يكون لولي الأمر الخيار بين أن ينبذ العهد ، وأن يقاتل العدو ، وبين أن يرعى الميثاق ، وذلك على وفق المصالح لحفظ بيضة الأمة ، بحسب ما تراه الدولة .
العهود كثيرة متنوعة ، فالعلاقات الدولية مقررة فيما فيه مصلحة للمسلمين ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - استقبل الرسل ، وأدناهم ، وأجلسهم في مجلسه ، وأخذ الرسائل منهم ، وبعث الرسائل لرؤساء الدول والأقاليم والأمصار التي كانت في زمنه .
المدنية والحضارة :
المدنية والحضارة قامت بمفهومها الشامل والواسع في العهد الإسلامي ، ذلك أن المسلمين رأوا في الشريعة ما يحثهم على عمارة الأرض ، وعلى أن يخدموا مدنيتهم بما فيه راحتهم وسعادتهم . والبناء المدني في الداخل سواءً من جهة بنائهم للمدن ، أو من جهة التشريعات ، أو من جهة الأنظمة ، وهذا لن يكون إلا بالتعاون بين النظام التشريعي ، وبين الناس ، وبين الجهات التنفيذية ، ولذلك أقام الشرع الاهتمام الكبير بالنظام المدني بأنواعه ، فأقام الولاية ، ووضع الدواوين ، والأجهزة التنفيذية ، والقضاء ، وحث الناس على التعاون فيما فيه مصلحتهم وخدمتهم .
وبناء الأحوال المدنية ببناء الاقتصاد ظاهر ، بل شَرْعُ الإسلام في بيت المال أن يُنظم ، وأن يكون هناك أناس مخصصون للحفاظ على هذا المال ، وأن يُتصرف فيه على وفق الشرع ، كما حث الإسلام على الوقف ، وعلى أنواع التبرعات ، فالوقف سمة من سمات التنوع المدني ، وتوسيع الاهتمامات المدنية ، ولهذا نرى في زمن الحضارة والمدنية الإسلامية أنه ليس هناك مجال إلا غُطي بالوقف ، سواءً في مجال المساجد ، أو التعليم ، أو الصحة ، أو المكتبات ، أو الطرق ، أو المياه ، كما أن هناك أيضا أوقافا على الأرامل والمساكين ، وعلى المحتاجين ، وعلى من لا وسيلة له للكسب .
وهذا كله نوع من أنواع اهتمام الإسلام بحث الناس على أن يسهموا في هذا الجانب ، وألا يَكِلُوه إلى خزانة الدولة ، بل تشريعات الإسلام تحث على التكامل في البناء المدني ، في تشريع الزكاة ، والصدقات ، والتكافل الاجتماعي وما إلى ذلك .
الخلاف والحوار :
لا بد للناس أن يختلفوا ، وإذا كان الأمر كذلك ، فلا بد أن يتحاوروا ، ولهذا دعا الله - جل وعلا - المؤمنين أن يكون القول بينهم فيما يتحاورون فيه بالأحسن ، قال الله - جل وعلا - ﴿ وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ (52) ، وأكثر ما يكون القول السيئ عند المناقشة ، وعند الحوار ، فإذا اختلف الناس ، ولم يأخذوا بأحسن ما يجدون من الأقوال ، فإنهم سيختلفون ، ولذلك علَّمنا الشرع عند الخلاف أنه لا بد من الأدب ، بأن يكون قولنا بالتي هي أحسن ، أن يكون قولنا بالحكمة ، قال - سبحانه وتعالى - ﴿ ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ (53) ، وهذا مع جميع أصناف الناس من المسلمين ، وغير المسلمين يُجادَلون بالتي هي أحسن ، والْحَظ أن الله - تعالى - قال ﴿ بِٱلَّتِي هِىَ أَحْسَنُ ﴾ ولم يقل : بالحسنى . لأنه عليك أن تبذل من القول أحسن ما تجد ، لأن المقصود هو الوصول إلى النتيجة ، فالناس سيختلفون ، وإذا لم نَرْعَ هذا الاختلاف فيما بيننا بالحوار بالتي هي أحسن ، فسينشق المجتمع ، وتتعدد فيه الطوائف وتنتشر فيه البغضاء ، وهذا خلاف ما أوجب الشرع من حماية البيضة ، واجتماع الكلمة .
وقال أيضًا في حوار ومجادلة غير المسلمين ﴿ وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ﴾ (54) ، فالمجتمع بطبيعته بتنقصه وبنمائه وبكبره ، لا بد أن يكون فيه بعض الاتجاهات المذهبية ، أو الطائفية ، وهذه بذرت من أول يوم ، والانتماءات المختلفة موجودة ، سواءً كانت انتماءات عرقية ، أو قبلية ، أو بلدانية ، أو مذهبية ، أو نحو ذلك ، وفي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - انقسم الناس إلى مهاجرين وأنصار ، وكان هذان الاسمان - أعني المهاجرين والأنصار - اسمين شرعيين ذكرهما الله في كتابه ، ومع ذلك لما تعصب الناس من الأنصار للأنصار ، ومن المهاجرين للمهاجرين أنكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك أنهم لما كانوا في إحدى الغزوات منصرفين منها اقْتَتَلَ غُلاَمَانِ ، غُلاَمٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ، وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ : يَا لَلأَنْصَارِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : « أَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ » (55) . مع أن اسم المهاجرين اسم شرعي ، واسم الأنصار اسم شرعي ، فلما كانت الموالاة والمعاداة على اسم غير اسم الإسلام ، وكان هذا من العوامل التي قد تؤدي إلى تفرق الأمة نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فالاختلاف المذهبي ، والاختلاف الحزبي ، واختلاف الواقع ، لا بد أن يوجد ، لا سيما مع هذا التمدد ، ومع تنوع الناس في معارفهم ، لا بد أن يكون هناك انتماءات ، وأن يكون هناك أنواع من التعصبات ، وأنواع الآراء المختلفة ، ولكن يجب أن يُراعى الشرع فيها ، وأن لا يكون الولاء لاسم غير اسم الإسلام ، وأن لا يكون الاجتماع على غير كلمة الله - جل وعلا - ، وتحت راية ولي الأمر .
وأما إذا تفرق المجتمع في وجود المذاهب والأحزاب والطوائف إلى أن يطعن بعضهم في بعض ، ويفتأت على ما يراه ولي الأمر ، فإن هذا يضعف الأمة ، ويُفَتِّت قوة كلمتها ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان في وقته بعض المنافقين ، وكان يراعي الظاهر منهم ولم يحاسبهم على بواطنهم ، بل ترك ذلك إلى الله - جل وعلا - ، ولذلك لما قال عبد الله بن أُبَيٍّ - وهو رأس المنافقين - : أو قد فعلوا ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « دعه ، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه » (56) .
الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال :
الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال ، وهو الدين الذي يحارب الغلو ، وينهى عنه ، قال الله - جل وعلا - ﴿ وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ (57) ، وهذه الوسطية ظاهرة جَلِيَّة في جميع عقائد الإسلام وتشريعاته ، فعقيدة الإسلام وَسَطٌ ، وتشريعاته وسط ، وهذا الذي يجب أن نمارسه فيما بيننا في أقوالنا وآرائنا ، حتى في تفكيرنا يجب أن نكون وسطًا بين المغالين ، وبين الجافين وحتى في رؤيتنا لبعضنا البعض ، يجب أن نسعى للمنهج الوسط ، والمنهج الوسط هو الذي يجب أن نَحُضَّ عليه ، وندعو الناس إليه ، لأنه هو أساس الإسلام .
والغلو منهي عنه أعظم نهي ، قال الله - جل وعلا - لأهل الكتاب ﴿ يأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ ﴾ (58) ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الغلو ، فقال : « إياكم والغُلُوَّ في الدين ، فإنما هلك من كان قبلكم بالغُلُوِّ في الدين » (59) .
والغلو هو مجاوزة الحد ، كل ما تجاوز به حده فقد غلا فيه ، والغلو في الدين مذموم ، وأصحابه خارجون عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما ظهرت الفرق ، والطوائف الضالة ، والمحدثات إلا بظهور الغلو ، فالخوارج ما ظهروا إلا بالغلو في دين الله - جل وعلا - ، وهل نَكَبَ الأمة في تاريخها إلا الغلو والازدياد في التدين بما لا دليل عليه .
وربما نحا أصحاب الغلو إلى أدلة ، ولكن الغلو والانحراف موجود في النفوس قبل أن يبحث أصحابه في الأدلة ، وهذا ما نص الله عليه في كتابه حيث قال ﴿ هُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِ ﴾ ، هناك متشابهات يشتبه علمها ، يمكن أن تستدل بها على كذا ، ويمكن أن تستدل بها على كذا ، قال الله - جل وعلا - ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ ﴾ ، الذي في قلبه زيغ أصلا في قلبه غلو ، في قلبه انحراف ، فيتبعون ما تشابه منه ، فصار اتباع المتشابه من القرآن ، أو من السنة ، لا لأنه يوقع في الحيرة ، ولكن لما وُجِدَ الزَّيْغُ في قلبه ذهب إلى غير دليل يستدل به ، ليقنع نفسه بأنه على صواب ﴿ وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا ﴾ (60) .
أسأل الله - جل وعلا - أن يغفر لي زللي وخطئي وقصوري ، وأن يجعلني فيما ذكرت متحريًّا الصواب ، وكلمة الحق في وصف الإسلام ، وفي شرحه وبيانه ، وأستغفر الله مما قصرت به عبارتي ، أو نحا به فهمي على غير الصواب ، أسأل الله - جل جلاله - أن يجعلنا من الهداة المهتدين ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يُعِزَّ هذه الأمة ، وأن يُقَوِّيَها على أعدائها ، وأن ينصرها نصرًا مؤزرًا إنه - سبحانه - جواد كريم ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .
==========================================
(1) سورة الحج : الآية 62 .
(2) سورة البقرة : الآية 285 .
(3) سورة القمر : الآية 49 .
(4) سورة البقرة : الآية 3 .
(5) سورة التوبة : الآية 71 .
(6) أولادُ العَلَّات : الذين أمَّهاتُهم مُخْتَلفةٌ ، وأبوهم واحِدٌ . أرادَ أنَّ إيمانَهم واحِدٌ وشرائِعَهُم مُخْتَلِفة . النهاية : علل .
(7) أخرجه البخاري (3/1270 ، رقم 3258) ، ومسلم (4/1837 ، رقم 2365) .
(8) سورة المائدة : الآية 48 .
(9) سورة الجاثية : الآية 18 .
(10) راجع تفصيل ذلك في كتاب الموافقات للشاطبي 3/74 بتحقيق مشهور بن حسن آل سلمان .
(11) سورة الحج : الآية 78 .
(12) سورة المائدة : الآية 6.

(13) أخرجه البخاري (3/1306، رقم 3367) ، ومسلم (4/1813، رقم 2327) .
(14) أخرجه أحمد (1/236 ، رقم 2107) ، والبخاري فى الأدب (1/108 ، رقم 287) قال الحافظ فى الفتح (1/94) : إسناده حسن .
(15) أخرجه البخاري (1/23 ، رقم 39) .
(16) سورة النساء : الآية 58 .
(17) سورة المائدة : الآية 50 .
(18) سورة البقرة : الآية 256 .
(19) سورة الغاشية : الآية 21 - 22 .
(20) سورة يونس : الآية 99 .
(21) أخرجه البيهقي 9/187 وقوَّاه الألباني في الإرواء 5/97 .
(22) سورة البقرة : الآية 275 .
(23) الخَذْفُ : رَمْيُكَ بحَصاة ، أَو نواة تأْخُذها بين سَبّابَتَيْك ، أَو تَجْعَلُ مِخْذَفةً من خشب ترمي بها بين الإبهام والسبابة . النهاية : حذف .
(24) أخرجه البخاري (6/2525 ، رقم 6493) ، ومسلم (3/1699 ، رقم 2158) .
(25) أي مجْتَمعهُم ومَوْضِع سُلطانهم ومُسْتَقَرّ دَعْوتهم . النهاية : بيض .
(26) أخرجه مسلم (1/74 ، رقم 55) .
(27) منه حديث أَبِي ذَرٍّ – رضي الله عنه – قَالَ : أَمَرَنِي خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ : أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي ، وَلاَ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ ، وَأَمَرَنِي أَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا ، وَأَمَرَنِي أَنْ لاَ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ . أخرجه أحمد ( 5/159 ، رقم 21745) . وصححه الألباني في الصحيحة 2166 .
(28) منه حديث جَرِيرٍ – رضي الله عنه – قَالَ : بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ . أخرجه البُخَارِي ( 1/22 ، رقم 57 ) .
(29) سورة آل عمران : الآية 110 .
(30) أخرجه أبو داود (3/299 ، رقم 3573) ، والترمذي (3 /613 ، رقم 1322) ، والنسائي فى الكبرى (3/461 ، رقم 5922) ، وابن ماجه (2/776 ، رقم 2315) . وصححه الألباني في الإرواء 2614 .
(31) سورة النساء : الآية 58 .
(32) سورة القلم : الآية 4 .
(33) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " رقم ( 273 ) ، وأحمد (2/381 ، رقم 8939) وغيرهما . وصححه الألباني في الصحيحة 45 .
(34) سورة الإسراء : الآية 53 .
(35) سورة البقرة : الآية 83 .
(36) سورة الممتحنة : الآية 8 .
(37) سورة النور : الآية 33 .
(38) سورة الحديد : الآية 7 .
(39) سورة الحشر : الآية 7 .
(40) سورة الحشر : الآية 7 .
(41) أخرجه أبو داود (3/272 ، رقم 3450) ، والبيهقي (6/29 ، رقم 10926) ، والطبراني في الأوسط (1/136 ، رقم 427) . وقال الهيثمي (4/99) : رجاله رجال الصحيح .
(42) سورة آل عمران : الآية 103 .
(43) سورة آل عمران : الآية 105 .
(44) سورة الشورى : الآية 12 .
(45) أخرجه أحمد ( 4 / 278 ) ، وابن أبى الدنيا في فضيلة الشكر (1/62 ، رقم 82) ، والبيهقي في شعب الإيمان (4/102 ، رقم 4419) . وحسنه الألباني في الصحيحة 667 .
(46) سورة الشورى : الآية 21 .
(47) سورة هود : الآية 118-119 .
(48) سورة الحج : الآية 39 .
(49) سورة المائدة : الآية 1 .
(50) سورة الإسراء : الآية 34 .
(51) سورة الأنفال : الآية 72 .
(52) سورة الإسراء : الآية 53 .
(53) سورة النحل : الآية 125 .
(54) سورة العنكبوت : الآية 46.

(55) أخرجه مسلم (4/1998 ، رقم 2584) .
(56) أخرجه البخاري (4/1861 ، رقم 4622) ، ومسلم (4/1998 ، رقم 2584) .
(57) سورة البقرة : الآية 143 .
(58) سورة النساء : الآية 171 .
(59) أخرجه أحمد (1/347 ، رقم 3248) ، والنسائي (5/268 ، رقم 3057) ، وابن ماجه (2/1008 ، رقم 3029) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه 2455 .
(60) سورة آل عمران : الآية 7 .



المصدر


للمزيد من مواضيعي

 






رد باقتباس
 

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية
أغاني, الله, الإسلام, الشيخ, حفظه, سامح, عبدالعزيز


الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة موضوعات جديدة
لا تستطيع إضافة رد
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

رمز BB تمكين
رمز[IMG]تمكين
رمز HTML تعطيل

الانتقال السريع

الموضوعات المتماثلة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى ردود آخر مشاركة
لا يوجد فرق بين ( الفرق الناجية ) و ( الطائفة المنصورة ) لفضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله أبوحذيفة الأثري ركن الفتاوي 0 03.04.2012 12:56
[هو الذي أنزل عليك الكتاب] فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله أبوحذيفة الأثري القرآن الكـريــم و علـومـه 0 26.03.2012 11:08
هذا هو الإسلام معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله أبوحذيفة الأثري القسم الإسلامي العام 0 19.03.2012 22:29
سفينة الجوديّ أم تابوت أراراط ؟ ج2 - الشيخ عرب حفظه الله مع الشيخ عماد المهدي join_islam مصداقية الكتاب المقدس 1 03.06.2010 02:03
سفينة الجوديّ أم تابوت أراراط ؟ ج1 - الشيخ عرب حفظه الله مع الشيخ عماد المهدي دعاة ضد التنصير مصداقية الكتاب المقدس 1 03.06.2010 01:55



لوّن صفحتك :