كنت اعمى والان ابصر

[المعتوق]

كنت اعمى والان ابصر

فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي
يو 5 :39

مجموعة خواطر وتأملات في اختباري و بحثي عن الحقيقة

انا عربي عمري 34 سنة ولدت في اسرة ارثوذوكسية متدينة، عشت في دولة عربية و درست هناك في المدارس الى ما اصبحت 17 سنة. درست في المدرسة التربية الاسلامية لأنها كانت من المواد الاجبارية. و ككثير من المواد المدرسية كانت الدراسة للامتحان. فالمادة تحفظ لوقت الامتحان و بعد الامتحان تنسى. مثلها مثل انقسام الخلايا في علم الاحياء أو حل معادلات الهندسة الفراغية في الجبر بعد الامتحان تتسرب العلومات من المخ و تطويها صفحة النسيان.

من الاشياء التي كانت تقال ان الانجيل محرف، و انا كنت لا اعير هذا الكلام اي اهتمام، الكل يقول ان الكتاب الذي لديه احسن من الدين الاخر. و كنت افكر انه كله من الله و كله سوف يوصل للجنة اذا كان الانسان خلوقا و يؤمن بالله.

في بريطانيا درست بعد المدرسة و دخلت الكلية وبعد ذلك الجامعة و التحقت بالناس الموجودين هنا بعاداتهم و تقاليدهم مع محاولة المحافظة على هويتي العربية وقد نجحت الى حد ما، حاولت ان اوفق بين النمط الاوروبي و التقاليد العربية.

انتهيت من الجامعة و اشتغلت في عدة اماكن في وظائف مختلفة و متنوعة فيها رأيت العالم و سافرت كثيرا لدرجة انني زرت 45 دولة و كنت اخطط ان ازور كل دول العالم قبل ان يكون عمري 70 عاما و هذا يتطلب زيارة 3 او 4 دول لم ازرها من قبل كل عام.

رأيت و قابلت و تعاملت مع انواع كثيرة من الناس وحاولت ان اجاريهم في حياتهم ولكن لم استتيغ نمط حياتهم و دائما كنت احس نفسي كغريب و لست منهم. كنت دائما افكر ان زوجتي في المستقبل اريدها ان تكون عربية. لانني اريد ان اتكلم العربية في البيت و بنات العرب فيهم الاصل و ان شاءالله الزواج يدوم و ليس كزواج الاجانب الذي ينتهي بالانفصال و الطلاق بعد 10 سنوات كعادة اهل البلاد هنا.

كنت دائما ارى ان المسيحين العرب في بلاد الغرب تذوب هويتهم بسرعة. الجيل الاول يكون مسيحي عربي، الجيل الثاني مثل اهل البلد ليس بينهم فرق. تعرفت على اقارب لي هاجروا الى امريكا حول 1910 و الجيل الحالي لا يعرف شيئا عن الله و الدين و تاريخ العائلة او اي شيئ مهم.

والدي كان دائما يتذكر اناس كان يعرفهم و يقول فلان مات، علان توفى ، و كنت افكر انني لا اعرف اي احد شخصيا قد مات و انني قد وصلت الى السن الذي سوف ابدء فيه بفقدان الاصدقاء و المعارف عن طريق الموت وانه لما يبدء هذا الموضوع فانه ناقوس الخطر و التحذير بانه دوري اتي و انا التالي.

المهم نرجع للموضوع. اندمجت في المجتمع و ارتكبت ما ارتكبت من الخطايا لمجاراة الناس ولكن من داخلي لم اكن مرتاحا، احسست نفسي بعيد كل البعد عن الله، لدرجة انني احسست انني اذا ناديت و دعوت الله لن يسمعني، و اذا سمعني لن يجيبني لكثرة معاصيي.

كان العمل يعيقني عن الذهاب للكنيسة و تعبت من تلك الوظيفة فاستقلت و بدأت الذهاب للكنيسة للتقرب من الله و اندمجت في نشاطات الكنيسة. في الكنيسة تعرفت على بنت حلال و كانت هي بداية الاشراقة في حياتي. لأول مرة احس ان لدي هدف يستحق التعب و التضحية.

البنت كانت متدينة، خلوقة و عربية الاشياء المهمة التي كنت اريدها في زوجتي. ساعدتني على البداية بقراءة الانجيل، الشيئ الذي عليك معرفته ان قليلا من المسيحين يقرؤون الانجيل. بدأنا بقراءته معا و كل شيئ كان يسير على ما يرام. لدي وظيفة جديدة و محترمة وجدت بنت حلال و ايضا اتقرب من الله. ماذا يريد الانسان بعد ذلك؟

من الاشياء التي لم اكن مرتاحا لها انني كنت اصلي لما اكون في ضيقة و واجهتني مشكلة عويصة احتاج فيها لله اصلي بشكل مستمر وعندما تنتهي الضيقة ويأتي الفرج كنت انسى الله لأيام و اسابيع وأشهر.

في يوم و خلال قراءتي للانجيل قرأت سفر حزقيال 18 ووجدت في هذا تناقض مع تعاليم الكنيسة، هذا التناقض يهدم اساس المسيحية ولكن كنت مشغولا بترتيبات الخطبة و الزفاف فازحت الشك جانبا و وضعته في ملف "بعدين" كل رجل اعرفه عنده ملف بعدين هذا الملف عادة توضع فيه الاشياء المفيدة التي يريد الشخص عملها و اكثر كلمة تستعمل مع هذا الملف هي بكرة، بكرة بشوف، بكرة سوف اعمل.

انشغلت بتحضيرات الخطوبة و البيت و الزفاف اكثر و نسيت الموضوع ولكنه زرع الشك في داخلي، في يوم اخر قراءت في المزامير (الزبور) اية لم افهمها "و يتجدد مثل النسر شبابك" ( مز 103: 5 ) فسألت القسيس عنها، فقال لي قصة طويلة ان النسر يعيش أكثر من ستين سنة، وعندما يبلغ الثلاثين من عمره، نراه يجلس هناك بريشه العتيق المتنافر، خائراً ضعيفاً، ويصبح منقاره مُشققاً كبير الحجم يفتحه بصعوبة بالغة ليتناول طعامه. ثم لا يلبث أن ينهض فجأة من هذه الحالة ليذهب الى اعلي الجبال وينتف كل ريشه و يكسر مخالبه على الصخر ويضرب منقاره القديم بكل قوة في الصخر مرات كثيرة حتى يتكسر ويسقط هشيماً، فيتجرح وتسيل منه الدماء، لكن يبدأ الريش الجديد ينمو. وعادة يعيش بعد ذلك حوالي ثلاثين سنة اخرين.

اعجبتي القصة و كنت افكر فيها و انا ذاهب للبيت. و لما وصلت للكمبيوتر القصة ما زالت في ذهني و تذكرت البطريق في القطب الجنوبي في برامج الطبيعة انه يبدا الشتاء سمينا و لا يأكل اي شيئ طول مدة الشتاء و بعد الشتاء يكون هزيلا و نحيفا. فاردت ان ارى صور لنسر سمين (لانه لا يمكنه الصيد أو الطيران) عاري بمنقار مكسور.

بحثي لم يوصلني لشيئ الا الى عدد من معروضات البور بوينت التي تسرد نفس القصة بتفاصيل مختلفة 100 سنة، 50 سنة. ووجدت موقعا متخصصا في تصديق او دحض الشائعات على الانترنت اسمه سنوبس http://www.snopes.com/critters/wild/eaglerebirth.asp
هذا الموقع صنف القصة على انها مكذوبة مع رد من جامعة مينيسوتا من القسم المتخصص في دراسة طيور الصيد.

هذا أوضح لي ان القسيس لا يتأكد من المعلومات التي عنده و ان كانت من مصادر غير موثوقة مثل الانترنت.

مرت الايام و جاء وقت الميلاد (الكريسماس) و كنت اقرأ في الانجيل قصة الميلاد وبدأت افكر، أين شهود المعجزة، في قصة الانجيل يأتي الملاك بالبشارة الى مريم و زكريا - خال مريم، و يأتي الملاك الى يوسف النجار خطيب مريم، وايضا الى الرعاه، و يتبع النجم المجوس. بدأت افكر، اين الشهود؟ الهدف من أي معجزة ان تكون واضحة و يكون شاهدا على المكذبين، انهم لم يصدقوا ما رأوه بأم اعينهم. من هم شهود الميلاد العجائبي، كيف يمكنك أن تثبت للشخص الذي في الشارع أن مريم الفتاه البارة قد حملت من الروح القدس. من هم شهودها؟ زكريا شهادته ضعيفة لأنه خالها ومن العائلة الناس ممكن أن يقولوا أنه يريد أن يسترها. يوسف النجار؟ يوسف خطيبها ولا يمكن لعاقل ان يقبل شهادته، تخيل أن يقول شخص، خطيبتي الحامل حبلت من الروح القدس روح الله و لا تزال عذراء! الرعاة؟ لا يعرفهم احد سوى ان التقاليد الكنسية تقول انهم جاؤو من بيت ساحور. المجوس؟ المجوس اناس وثنين هل لعاقل ان يقول ان اليهود شعب الله سوف تصلهم اخبار المسيح المنتظر من اناس وثنين من جهة ايران وهو مولود في يهودا بينهم ؟
تذكرت هذه القطعة من الانجيل
«لَيْسَ أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجًا وَيَضَعُهُ فِي خِفْيَةٍ، وَلاَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ، لِكَيْ يَنْظُرَ الدَّاخِلُونَ النُّورَ. لوقا 11: 33
وبحثت على الانترنت و جدت قصة الميلاد في القران و قرأتها و كانت القصة في القران اوضح و اسهل على الفهم. لا يوجد نجم، ولا مجوس، ولا يوسف النجار، ولا رعاه، تبدأ القصة بمريم و الملاك اولا، و مريم تستغيث بالله منه لأنه مثل البشر وهي لوحدها ومنعزلة! ويخبرها البشارة وتعتزل الناس أكثر و تذهب الى مكان بعيد و وتولد تحت النخلة، لوحدها، فتاه من غير اهلها ربما تفكر ماذا سوف يقول الناس وكيف سوف ترد عليهم، وقتها تمنت ان تكون ميتة ولا يتذكر احد اسمها، وقتها تكلم المسيح وهو طفل صغير أن تهز النخلة و تأكل من الرطب التي تتساقط و أن ترتاح وقال لها أن تصوم عن تكليم الناس في ذلك اليوم. ورجعت الى اهلها تحمله وبدأ الناس في الكلام، ما هذا الذي عملتيه يا مريم، كنا نعرفك بنت صالحة و اهلك جماعة كويسين، كيف تعملين هذا! فلم تكلمهم و اشارت الي الصبي، فردوا كيف نسأله؟ وهو طفل صغير. فرد عليهم المسيح ودافع عن امه و اخبرهم انه مرسل من الله. هذه هي المعجزة. هذه هي المعجزة التي كنت ابحث عنها. المعجزة ان الشخص الذي في الشارع و لا يعلم النبؤات في العهد القديم قد رأى المعجزة بأم عينه واذا كذبها كان شاهد زور و كاسر للوصية التاسعة من الوصايا العشرة. ايضا فكرت كيف يكون هناك رطب في ديسمبر في بيت لحم، الرطب من النخيل يكون في الصيف فقط.
و انشغلت و ايضا وضعت هذا التناقض في ملف البعدين.

مرت الايام و كنت اقوم بترتيبات الزفاف و بدأت ادعو الناس الى الزفاف . اتصلت بواحد من اصدقائي، هذا الشخص وعدني انه سوف يأتي الى زفافي مهما كان مكانه و موقعه لانه يعلم بأنني اسافر كثيرا، لما دعوته رد على انه لن يقدر على المجيئ مع ان الزفاف بعد 5 شهور. لما استفسرت و الححت عليه اجابني بان اخته قد توفت الى رحمة الله تعالى. قال لي انها كانت جالسة في البيت تحضر تراتيب زفافها و لما دخلو عليها بعد مدة بسيطة وجدوها ميتة! اخته تصغره بعدة سنوات و اظن انها كانت 25 او حول ذلك.

بعد المكالمة جلست افكر…………. ناقوس الخطر قد رن، الدور عليك، اصحى يا نايم، الى اين انت ذاهب؟
انت اصبح عمرك 34 سنة، ال 34 سنة الذين فاتوا مروا مر الريح كانهم يوم، و على ذلك انا لم يبقى لي الا يوم اخر او يوم و نصف على الأكثر!

لأيام لم اقدر ان انام! افكر، اقرأ ابحث، ملف البعدين اصبح ملف الان، لا يوجد وقت، الحق نفسك قبل ما وقتك ينتهي.
وفتحت الملف……..

للمزيد من مواضيعي