الأناجيل تشهد على عدم صلب المسيح طباعة
ليس هذا العنوان أحد مانشيتات الصحف ، ولا هو إعلان تجارى ، ولكنه صدمة مباغتة تشبه صدمة ارتطام رجل أعمى بجدار صخرى .
 لقد أعطى الكثيرون  لأنفسهم الحق فى اقتحام نصوص العهد القديم وتفسيرها وفقا لمعتقداتهم الشخصية ، وادعوا فى جرأة يحسدون عليها أن اليهود والأنبياء لم يفهموا نصوص العهد القديم ، وأنهم هم فقط دون كل البشر من عهد "آدم عليه السلام"  وإلى قيام الساعة الذين لديهم مفاتيح الحقيقة ، أى أنهم وقفوا ضد التاريخ وضد المنطق وضد البشر !

 لماذا لا نعطى لأنفسنا نحن أيضا الحق فى اقتحام النصوص ذاتها ، ولن نكون ضد المنطق ولا التاريخ ولا البشر ؟ سنفاجأ بأن المسيح لم يصلب بشهادة العهد القديم والعهد الجديد معا على السواء .
 لقد قام كاتبو بعض الكتب "المقدسة"   "بحرفية" شديدة ، وبمهارة متقنة فى اجتزاء بعض النبوءات من كتب العهد القديم وطبقوها على المسيح ، أو بمعنى آخر ، كانوا أشبه بمن يقتطع قطعا من الصلصال ، قطعة من هنا وقطعة من هناك ليصنعوا منها تمثالا أطلقوا عليه اسم المسيح ، ولكن الحقيقة لم يكن لها أن تُطمس ، إن الذى يقوم بتزوير العملات الورقية ، يحاول بكل ما أوتى أن يجعل العملة المزورة تشبه العملة الحقيقة ، ويحاول أن يخدع من يمسك بالعملة ، وإذا نحن التمسنا العذر لمن خدعته العملة المزورة ، فإن الفطرة البشرية السوية لا يمكن أن تخدع  ، لأن الله قد وهبها من الأدلة والبراهين ما يكفى لاكتشاف المغالطات  ، فلماذا يصر البعض على التعامل بالعملات المزيفة؟

 الأدلة على عدم صلب المسيح عليه السلام
 
أعيد وأؤكد ما قلته من قبل :
 إن بعض كاتبي الكتب "المقدسة " كانوا محترفين فى دراسة العهد القديم ، استطاعوا أن يجرجروا بعض النبوءات من شعرها لتصبح ثوبا فى حجم المسيح تماما ، ولكن ولأن اللص غالبا ما يترك أثرا لإدانته ، فإنهم أيضا قد تركوا بعض الآثار التى تثبت تلاعبهم ، وسنعود إلى نفس النبوءات التى استدلوا بها على صلب المسيح ، لنفاجأ بأنها تنطبق على يهوذا انطباق القفاز على اليدين .

الأدلّــة

  ربما يلحظ القاريء  أن الأدلة  يمكن أن يعاد ترتيبها بطريقة مختلفة عن ترتيب الكتاب , وقد يكون معه الحق , لكنه  ينبغي  أن يعلم أن  هذه الأدلة  أشبه  بعربات تتسابق بشراسة , كل عربة  ترغب في أن تكون في المقدمة , فتسبق تارة وتتباطأ تارة أخرى .

 1- وليستلم وظيفته آخر  
 جاءت هذه العبارة فى سفر أعمال الرسل عند اختيار خلف ليهوذا الإسخريوطى :
 "لتصر داره خرابا ، لا يسكنها ساكن ، وأيضا ليستلم وظيفته آخر" أعمال الرسل (1 : 20)
 وبالعودة إلى هذه النبوءة فى المزامير ، فوجئنا بشيئين :
 الأول : أن ثمة أنواعا من البشر لديهم القدرة على اختراع أفكار عجيبة  بقدر ما تضحكك  تبكيك.
 الثانى : أن النبوءة التى استدلوا بها عند اختيار خلف ليهوذا ، تشير بإصبعها إلى المصلوب قائلة : إنه  يهوذا لا المسيح .

النبوءة
 " ، وليقف خصمه عن يمينه يتهمه جورا عند محاكمته , ليثبت عليه ذنبه ، ولتحسب له صلاته خطيئة , لتقصر أيامه وليتول وظيفته آخر . ليتيتم بنوه وتترمل زوجته ، وليتشرد بنوه وليتسولوا ، وليلتمسوا قوتهم بعيدا عن خرائب سكناهم ....... لأنه تغافل عن إبداء الرحمة ، بل تعقب الفقير المنسحق القلب  ليميته ، أحب اللعنة فلحقت به ........ أما أنت أيها الرب السيد ، فأحسن إلىّ من أجل اسمك ، وأنقذنى لأن رحمتك صالحة , ......" مزمور( 109 : 6_ آخر المزمور)

 ومن هذا المزمور يتبين الآتى :
 -يهوذا هو الذى سوف يحاكم  لا المسيح.
 -سوف يثبت عليه الذنب .
 -سوف يصلب ، ويتيتم بنوه ، وتترمل زوجته .
 -هو الذى خان المسيح وحاول أن يرشد عليه .
 -سوف ينقذ الله المسيح .
 والدليل السابق هو أهم وأخطر الأدلة التي تثبت نجاة المسيح , وصلب يهوذا , وسوف تفسر جميع النبوءات في إطاره بناء على رغبة كتاب الأناجيل .

2- وفق الشريعة اليهودية فإنه :
 "ملعون كل من علق على خشبه"
 وإليكم النص الذى فى سفر التثنية :
 "إن ارتكب إنسان جريمة عقوبتها  الإعدام ، ونفذ فيه القضاء وعلقتموه على خشبة ، فلا تثبت جثته على الخشبة ، بل ادفنوه فى نفس ذلك اليوم ، لأن المعلق ملعون من الله" تثنية (21 :22 – 23)
 فمن يقبل  أن يكون المسيح ملعونا من الله ؟ أم إن اللعنة قد لحقت بيهوذا كما جاء فى نبوءة المزامير السابقة :
 "بل أحب اللعنة فلحقت به ......"  مزمور (109 : 17)

 3-جاء فى إنجيل يوحنا :
 "وكما علق موسى الحية فى البرية ، فكذلك لابد من أن يعلق ابن الإنسان" يوحنا (3 : 14)
 والحية عندهم رمز للشيطان ، فمن الذى يرمز للشيطان المسيح أم  يهوذا ؟ وقد جاء فى إنجيل لوقا :
 "ودخل الشيطان فى يهوذا الملقب بالإسخريوطى"  لوقا (22:3)

4-المسيح فى كل مواضع الإنجيل لم يقل : سوف أصلب ، وإنما كان يتكلم بضمير الغائب :
 "إن ابن الإنسان سوف يصلب ، ويقتل"
 وواضح أن استخدام ضمير الغائب هنا ليس اعتباطا , بل هو مقصود بالتأكيد , لإثبات الغائب الحاضر أو الحاضر الغائب ، فالشخص الحقيقى (المسيح) غائب , والشخص المصلوب شبيه المسيح (حاضر) , ولذلك  لا يمكن لأى ضمير آخر أن يعبر عن هذا الأمر إلا ضمير الغائب .
 والموضع الوحيد الذى تكلم فيه المسيح بضمير المتكلم : "وحين أعلق مرفوعا من الأرض ، أجذب إلى الجميع"  يوحنا (12 :32)
 فإنه لم يذكر هنا أى إشارة إلى الصلب ، كما أن الترجمة العربية "أعلق" غير صحيحة  ، لأن الكلمة الإنجليزية lifted up  أى "أرُفع" لا "أعلق" ولا خلاف بيننا على أن المسيح قد رفع إلى السماء حيا أو ميتا ، كما أن الجملة باستخدام ضمير المتكلم هى جملة غير صحيحة  أيضا ، وذلك لأن رد الكتبة والشيوخ على هذه العبارة وفى نفس الإنجيل (يوحنا) وفى الآية التى تليها هو الذى يشير إلى عدم صحتها , حيث أنهم قالوا :
 "علمتنا الشريعة أن المسيح يبقى حيا إلى الأبد "
 فكيف تقول : إن ابن الإنسان لابد أن يعلق ؟
 
لقد نسى يوحنا أنه قد بدل  عبارة المسيح عند استخدامه ضمير المتكلم "وحين أعلق ...." ولكن لأن الكذب "مالوش رجلين" عاد هنا وكشف نفسه بنفسه حين استخدم مصطلح ابن الإنسان , ونحن بالتأكيد نتقدم بخالص الشكر إلى يوحنا, وإلى كل من كان عونا لنا فى إثبات التدخل البشر بين النصوص ؛ فهل من المنطقى أن يقول المسيح "وحين أعلق....." دون أن يذكر عبارة ابن الإنسان ,فيكون الرد منهم : فكيف تقول إن ابن الإنسان لابد أن يعلق؟ أم إن المنطقى أن يكون الرد : فكيف تقول إنك لابد أن تعلق ؟ بدليل أنهم قالوا بعد ذلك من هو ابن الإنسان هذا ؟، أى أنه لم يتكلم عن نفسه ابتداء .
 إذن ففى كل مواضع الإنجيل التى تحدث فيها المسيح عن الصلب , لم يقل سوف أصلب ، ولكنه قال إن ابن الإنسان سوف يصلب  ويقتل .

ابن الإنسان
            
 لقد استطاع المسيح عليه السلام بتأييد من الله سبحانه وتعالى أن يمكر بهؤلاء الذين سعوا إلى قتل نبيهم ، بعدما رآوا بأعينهم كل هذه المعجزات الباهرة التى أيده الله بها ، إذن فقد خُدعوا من حيث أرادوا أن يخدعوا , وهم بلا شك يحملون ذنب قتل نبى ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنه هو ، ولا يشفع لهم ولا يعفيهم من الذنب أن المصلوب هو يهوذا حقيقة ، لأنهم يحاسبون وفق نيتهم هم , وهي "محاولة قتل نبى"
 
شبهة :
 قد يقولون : جاء فى إنجيل متى :
 " من  ذلك الوقت بدأ يسوع يعلن لتلاميذه أنه لابد أن يمضي إلى أورشليم , ويتألم على أيدى الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل ......"                    متى (16 : 21)
 والجواب
 نعم لقد أعلن المسيح ذلك من خلال ضمير الغائب ابن الإنسان لا من خلال ضمير المتكلم , حيث أن هذه الرواية فى هذا الموضع جاءت متعارضة مع روايتى مرقس ولوقا  اللذين استخدما مصطلح ابن الإنسان .

يقول مرقس : "وأخذ يعلمهم أن ابن الإنسان لابد أن يتألم كثيرا ، ويرفضه الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل ....." مرقس (8 : 31)
 ويقول لوقا : "وسوف تتم جميع الأمور التى كتبها الأنبياء عن ابن الإنسان ، فإنه سيسلم إلى أيدى الأمم ، فيستهزأ به ويهان ويبصق عليه وبعد أن يجلدوه يقتلونه......" لوقا (8 : 31)
 إذن يتضح أن مرقس ولوقا قد اتفقا على مصطلح ابن الإنسان ، أما متى فقد كتب ما فهمه هو لا ما قاله المسيح حرفيا ، فإما أن المسيح قد قال عبارة ابن الإنسان , وإما أنه قد تحدث عن نفسه ، فهل نقبل هذا التعارض ؟  أم نقبل روايتى كل من مرقس ولوقا ؟ أم نرفض الجميع ؟ إذن ليس أمامنا حل سوى هو , ما قاله المسيح حرفيا .
 
صاعقة :
 لم يفهم أحد من التلاميذ عمن كان يتكلم المسيح , حتى موته المزعوم وقيامته المزعومة , وهذا دليل على نسف رواية متى .
 " ولكنهم لم يفهموا شيئا من ذلك , وكان هذا الأمر خافيا عليهم ولم يدركوا ماقيل . " لوقا ( 18  : 34 )
 "فإن التلاميذ لم يكونوا  حتى ذلك الوقت قد فهموا أن الكتاب تنبأ بأنه لابد أن يقوم من بين الأموات "  يوحنا (20 : 9 )

 سؤال :
 من المقصود بابن الإنسان ؟
 جواب :
 يتفق "أهل الكتاب " على أن المقصود بابن الإنسان هو المسيح عليه السلام ، ونحن – مجاراة لهم – سنوافقهم على ذلك ، على الرغم من هلامية المصطلح , وهشاشته الدلالية  , وقد حاول اليهود بالتأكيد  قتل المسيح عليه السلام ، ولكن كما قلنا: إن استخدام ضمير الغائب على لسان المسيح ليس اعتباطا ، وإنما هو مقصود , وذلك لإثبات أن المصلوب شكلا هو المسيح (يهوذا), لكن الحقيقة أن المسيح "غائب" , ولا يمكن أن يؤدى هذا المعنى إلا ضمير الغائب , وعبارة ابن الإنسان , لأنه  لم  يكن معقولا أن يقول المسيح سوف  يلقى شبهي على يهوذا ؛ فلم يكن من عادة المسيح الكلام المباشر , بل التلميح فقط , وسوف نثبت ذلك في موضعه .
 لقد جاءت عبارة  ابن الإنسان في سفر حزقيال بمعنى ابن آدم ,وجاءت في سفر دانيال عن النبي المنتظر  في آخر الزمان .لكننا سنجاريهم في اعتباره المسيح .
 كما أننى أضيف معنى جديدا إلى مصطلح ابن الإنسان ، كما جاء فى مزامير دواد عليه السلام :
 "من هو الإنسان حتى تهتم به ؟ أو "ابن الإنسان" حتى تعتبره"  مزمور (8 : 4) أي الإنسان العادي جدا .     

ومن هذا المزمور نضيف  معنى جديدا لابن الإنسان.
 ابن الإنسان المسيح أو النبى المنتظر  أو  الإنسان العادى جدا (كما جاء فى المزامير)
 
وبذلك تصبح العبارة الواردة فى الإنجيل عن قتل ابن الإنسان تخص الإنسان العادى (يهوذا) أى – وكما أن كل الطرق تؤدى إلى روما – فإن كل الطرق تؤدى إلى قتل يهوذا بدلا من المسيح .
 من هو الإنسان حتى تهتم به أو ابن الإنسان حتى تعتبره ؟"
 نعم من (يهوذا) حتى يعتبره الله سبحانه وتعالى ؟"

5-لا يوجد آية واحدة استخدم فيها المسيح  عبارة  ابن الله  عند حديثه  عن الصلب , وعلى الرغم من استخدام كلمة ابن الله مرات كثيرة في الأناجيل , غير أن المسيح تعمد أن لا يستخدمها فيما يخص الصلب حتى لا يكون لأى أحد منهم  العذر في زعم صلبه , وقد كنا نظن أن هناك آية واحدة عن الصلب , ورد فيها عبارة ابن الله , فدل ذلك على أن المصلوب هو يهوذا .

6-ألمح المسيح بأن الذى سوف يعذب ويتألم بدلا منه هو يهوذا  حيث قال :
 "إن ابن الإنسان لابد أن يمضى (تأمل لم يقل يقتل) كما كتب عنه , ولكن الويل  (أى العذاب والألم) لذلك الرجل الذى على يده يسلم ابن الإنسان ، كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد . متى (26 : 24 )
 فتأمل الكلمات التى تحتها خط ، إنها إخبار عن شدة العذاب والألم الذى سوف يتعرض له " يهوذا" على أيدى الرومان واليهود, حتى أنه يتمنى فى تلك الساعة أنه لم يولد, وهذا ما قد حدث حرفيا ، حيث أن ذلك الخائن قد تعرض للسخرية والشتم والجلد والضرب والصفع , وكل ما يمكن أن يحدث من إهانات وتعذيب كما روى الإنجيل ، وأرجو أن لا يحاول أحد إيهامنا بأن الويل المذكور سيكون في  يوم الدينونة لا فى الدنيا ، وذلك لأنه لا يوجد فى أى سفر من أسفار العهد القديم  أو أى إصحاح من إصحاحات العهد الجديد عبارة واحدة عن إنسان يتمنى لو لم يولد إلا هذه العبارة التى قيلت عن يهوذا ، وتمني عدم الولادة لا يحدث إلا فى الدنيا .

 7-كان المسيح عليه السلام يخشى أن يقبض عليه ، وسجد لله سبحانه وتعالى وصلى لكى  ينجيه من أيدى الأشرار ، فكيف يقال بأنه جاء ليخلص العالم من خطيئة آدم بالصلب والقيامة؟  قال مرقس فى إنجيله : "وبدأ يشعر بالرهبة والكآبة ، وقال لهم نفسى حزينة جدا حتى الموت ، ابقوا هنا اسهروا" . ثم ابتعد قليلا وخر على الأرض ، وأخذ يصلى لكى تعبر عنه الساعة إن كان ممكنا وقال "آبا" ، أى أبى ، كل  شيء  مستطاع لديك فأبعد عنى هذه الكأس ، ولكن ... ليكن لا ما أريد أنا ، بل ما تريد أنت !" مرقس (14 : 33 – 36)
 
8-أن المسيح (يهوذا) وهو على الصليب قد قال وفقا لرواية متى :
 "إيلى  إيلى لما شبقتنى أى إلهى إلهى لماذا تركتنى ؟ ، فلو كان المصلوب هو المسيح لما كان يمكن أن يقول ذلك لأنه :
 ‌أ)راض بقضاء الله وقدره (ناسوتا ولاهوتا!)
 ‌ب)لأنه ينبغى أن يفرح ولا يتضجر؛ لأنه قد قام بفداء البشر, وهذه هي مهمته ، فكيف يمكن لمن يؤدى مهمته أن يتضجر وخاصة إذا كان نبيا أو إلها أو ابنا للإله كما يزعمون ؟ .

9-المسيح وفقا لرواية يوحنا قد قال :
"بعد قليل لا تروننى ، وبعد ذلك بقليل تروننى" يوحنا (16 : 16)
 فكيف لا يرونه وهو على الصليب ؟ (إلا إذا كان المصلوب شخصا آخر) .
 بدليل أنهم لم يفهموا عبارته كما جاء فى نفس الإصحاح : "فتساءل بعض التلاميذ : "ترى ما معنى قوله : بعد قليل لا تروننى ، وبعد ذلك بقليل  تروننى ، وأيضا : لأنى عائد إلى الآب ؟ " وقالوا : "ما هو هذا القليل الذى يتحدث عنه ؟ لسنا نفهم ما يقوله" يوحنا (16 : 17 – 18)
 لقد كان من الواضح أن عبارات المسيح الغامضة قد سببت لهم الكثير من التشويش ، ومن الواضح أيضا أن المسيح لم يرد أن يطلعهم على ما سيحدث تمحيصا لإيمانهم ، وحتى لا يساور الشك صدور اليهود والرومان إذا لمحوا عدم اكتراث من تلاميذ المسيح (يهوذا) وهو على الصليب . ولو علم الحواريون حقيقة ما سوف يحدث لاطمأنوا وربما ابتسموا وهم يعلمون أن الخائن هو الذى يصلب بدلا من سيدهم ، لابد إذن أن يتعرضوا لاختبار عملى ليحكموا بأنفسهم على قوة إيمانهم ، وليحاكموا أنفسهم محاكمة عادلة . وحينما تتضح لهم الحقيقة (عند ظهور المسيح ثانية) ، يدركون ساعتها أن كل تلك الآلام (آلام الصلب) والعذابات ، تحملها ذلك الخائن المذنب ، وأنها لا تدوم ، وعندئذ ستهون عليهم كل الصعاب وسيتلذذون مع كل سوط ينهش جلودهم لأنهم مؤمنون أصحاب رسالة . إذا كان هذا الكافر (يهوذا) قد تحمل قهرا ، أفلا يتحملون هم اختيارا ؟ وإذا كان الزمان بفرحه وحزنه سيمر (وقد مر على يهوذا) فحتما ستمر عليهم أزمنة الآلام والاضطهاد .... لابد من الصبر إذن .

10-أشار المسيح إلى هذا الاختبار الشديد الذى سوف يتعرض له تلاميذه حين يظنون أن الذى صلب وأهين هو المسيح ، لكن حزنهم هذا سيتحول إلى فرح بعد أن يظهر لهم سالما لم تطله يد الأذى .
 "الحق أقول لكم : إنكم ستبكون وتنوحون ، أما العالم (اليهود والرومان) فيفرح ، إنكم ستحزنون ، ولكن حزنكم سيتحول إلى فرح . المرأة تحزن إذا حانت ساعتها لتلد ، ولكنها حالما تلد طفلها ، لا تعود تتذكر عناءها لفرحها بأن إنسانا قد ولد فى العالم . فكذلك أنتم تحزنون الآن ولكن عندما أعود للقائكم ، تبتهج قلوبكم ، ولا أحد يسلبكم فرحكم" يوحنا  (16  : 20 –23)
 إذن فآلام المخاض تختص بالتلاميذ ، لا بالمسيح ، هم الذين سوف يحزنون ويتألمون لاعتقادهم أن المصلوب أمامهم هو نبيهم ، لكن حينما يظهر لهم ثانية ويعود معلنا عن وجوده وحياته ، تتلاشى أحزانهم ويغمرهم الفرح ، فيكون ذلك دافعا لهم لمواصلة الطريق الذى سلكوه خلف معلمهم .
 وينبغى الانتباه إلى عبارة المسيح . وعندما أعود للقائكم . فإنه لم يقل وعندما أقوم من الموت إنها عودة ظهور لا عودة حياة , ونحن من حقنا أن نسأل هؤلاء : لماذا لم يقل المسيح . وعندما أعود من الموت إذا كان سوف يموت على وجه الحقيقة .

 11-قال المسيح فى إنجيل يوحنا : "أيها الآب ، قد حانت الساعة ، مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضا ...... أنا مجدتك على الأرض وأنجزت العمل الذى كلفتنى" يوحنا (17 – 4)
فكلمة "أنجزت" تدل على أنه قد أنهى مهمته , وإذا كان المسيح  قد أنجز مهمته قبل الصلب بنص الإنجيل, فإنه لا فائدة من الصلب والقيامة  ، وحيث إن مهمته قد اكتملت بدون هذه الأشياء التى هى لديهم جوهر النصرانية, دل ذلك على بطلان ادعاءاتهم بالصلب والقيامة , ودل ذلك أيضا على أنه لم يصلب , ونعيد صياغة السؤال مرة أخرى :
 "كيف أنهى مهمته وهو لم يبدأ بعد ؟"

12-جاء فى إنجيل يوحنا : "فإن كنتم تريدوننى أنا فدعوا هؤلاء يذهبون" يوحنا (18 : 8)
 علق يوحنا فى إنجيله :
 وذلك لتتم الكلمة التى قالها:" إن الذين وهبتهم لى ، لم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك"   يوحنا (17 : 12)
 أى أن المقصود بالنجاة فى هذا الموضع هو النجاة بحياتهم (لا بإيمانهم) والدليل على ذلك قوله : فدعوا هؤلاء يذهبون ، لأنه لو كان يقصد نجاة الإيمان, لما قال تلك العبارة , فإن الإنسان قد يقتل أو يعذب وهو من الناجين إيمانيا, فلا مبرر إذن لقوله فدعوا هؤلاء يذهبون إلا أنه نجاة الجسد ، وبالتالى فإن الهلاك يكون هلاك الجسد ، فدل ذلك على أن يهوذا لم ينج بجسده وأنه الذى صلب لأنه ابن الهلاك .

 13-جاء فى إنجيل متى أن الفريسين لما طلبوا آية أجابهم المسيح بقوله :
 "جيل شرير خائن ، يطلب آية ، ولن يعطى آية إلا آية يونان النبى ، فكما بقى يونان فى جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال ، هكذا سيبقى ابن الإنسان فى جوف الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" متى (12 – 39)
 ومن المعلوم بداهة أن يونان (يونس) النبى لم يمت ولم يقتل فى جوف الحوت ، فإذا كان المسيح مثل يونان فإنه أيضا لم يقتل ولم يمت فى جوف الأرض أى أنه لم يصلب .

 14-إحياء الموتى أو عودتهم إلى الحياة ، على الرغم من أنه معجزة , فإنه لم يكن مفاجئا بالنسبة إلى معاصرى المسيح عليه السلام وخصوصا أن العهد القديم قد أخبر عن حالات حدثت فيها قيامة الموتى وعودتهم إلى الحياة ثانية ، وكذلك أشار العهد الجديد إلى أن القيامة من بين الأموات أمر مسلم به لدى بنى إسرائيل .
 "ويقول بعضهم : إنك يوحنا المعمدان ، وآخرون إنك إيليا وآخرون إنك واحد من الانبياء القدامى وقد قام ."  لوقا (9 : 19)
 تأملوا معى النص ! ! إنهم يتحدثون عن شئ مألوف ليس فيه أى غرابة أو مفاجأة .
 وبعدها صعد المسيح الجبل وقد تجلى له موسى وإيليا ، لم يكن ثمة شئ غريب بالنسبة إليهم حتى لقد قال بطرس بكل بساطة .
 "يارب ما أحسن أن نبقى هنا ، فإذا شئت ، أنصب هنا ثلاث خيام ، واحدة لك ، وواحدة لموسى ، وواحدة لإيليا" متى (17 : 4)
 بل إن الأمر كان مألوفا لدى الرومان كذلك :
 وأما هيرودس , فلما سمع ,قال :"ما هو إلا يوحنا الذي قطعت أنا رأسه ,وقد قام  " مرقس (6 :16)
 
وها هى بعض النصوص من العهد القديم :      
 "ثم تمدد إيليا على جثة الصبى ثلاث مرات ، وابتهل إلى الرب : يا رب إلهى ، أرجع نفس هذا الولد إليه" فاستجاب الرب دعاء إيليا ، ورجعت نفس الولد إليه فعاش" ملوك أول (17 :21 –22)
 "ودخل أليشع البيت وإذا الصبى ميت فى سريره , فدخل العلية وأغلق الباب وتضرع إلى الرب ، ثم اضطجع فوق جثة الصبى, ووضع فمه على فمه ، وعينيه على عينيه ، ويديه على يديه ، وتمدد عليه ، فبدأ الدفء يسرى فى جسد الصبى فأخذ النبى يذرع أرض العلية , ثم عاد وتمدد على الولد فعطس هذا سبع مرات وفتح عينيه ..... وعندما مثلت أمه أمامه قال "احملى ابنك" ملوك ثانى (4 : 32 – 36)
 إذن بعد هذه النصوص , نستطيع أن نقول إن القيامة من بين الأموات لا ترقى لأن تكون آية لجيل كامل ,لأنها أمر عادي في ذلك الزمان ,  وإنما أن يلقى الشبه على إنسان آخر ، هذا هو الأمر المتفرد الذى لم يحدث من قبل ، وهو أليق بمعجزات المسيح فى تفردها .

 15-جاء فى إنجيل "مرقس" بعد حادثة التجلى :
 "فيما هم نازلون من الجبل ، أوصاهم ألا يخبروا أحد بما رآوا ، إلا بعد أن يكون ابن الإنسان قد قام من بين الأموات ، فعملوا بهذه الوصية متسائلين فيما بينهم ، ماذا يعنى بالقيامة من بين الأموات ؟" مرقس  (9 : 9)
 أى أنهم لم يفهموا من الذى سوف يموت , ومن الذى سوف يقوم !!

16-جاء فى إنجيل متى أنه بعد صلب المسيح (يهوذا), تقدم رؤساء الكهنة و الفريسيون معا إلى بيلاطس ، وقالوا يا سيد ، تذكرنا أن ذلك المضلل قال وهو حى : "إنى بعد ثلاثة أيام أقوم ، فأصدر أمرا بحراسة القبر إلى اليوم الثالث  ؛ لئلا يأتى تلاميذه ويسرقوه ، ويقولوا للشعب إنه قام من بين الأموات , فيكون التضليل الأخير أسوأ من الأول " متى (27 : 63 – 66)

ولنتأمل هذا النص  المريب:
 فى جميع روايات الإنجيل  , لم يحدث أن الكتبة والفريسين ولا حتى تلاميذ المسيح قد فهموا أنه سوف يقوم من بين الأموات , بل كانوا يقولون : فكيف تقول إن ابن الإنسان لابد أن يعلق ، من هو ابن الإنسان هذا" يوحنا (12 : 34)
 وإذا كان التلاميذ لم يفهموا أنه سوف يقوم من بين الأموات ، فكيف يأتى تلاميذه لكى يسرقوه ؟ وهل إذا اختفت الجثة يكون ذلك دليلا على القيامة من الموت ؟ هل سرقة الجثة تساوى العودة إلى الحياة  ؟ إذن نستطيع أن نقول إن أية جثة مفقودة قد قام صاحبها من بين الأموات ‍‌‍‍! من حقنا أن نطلب نصا واحدا يدل على أنهم فهموا أنه يعني نفسه بالقيامة من الموت .   
 إذا كان جميع تلاميذ المسيح قد خذلوه ، وهربوا ، وأنكروا أنهم يعرفونه  وذلك خوفا من بطش اليهود والرومان ، فهل يكون من المنطق أن يطلب رؤساء الكهنة بعدما رشوا حراس القبر أن يدعوا أن تلاميذه جاءوا وسرقوه ليلا وهم نائمون؟ ، وقد وعدهم رؤساء الكهنة بأن يدافعوا عنهم ، فهل يمكن الدفاع عن حراس أقروا على أنفسهم  أنهم نائمون ؟، وبأى وسيلة يمكن أن يتم الدفاع  عن  حارس نائم ؟ ، وإذا ثبت لدى الرومان أن تلاميذ المسيح قد سرقوا الجثة ، أفلم  يكن أحرى بهم حفاظا على هيبة الحكم والسلطة أن يقبضوا على التلاميذ بتهمة السرقة وتحدى السلطات؟ وبكل هذه  البساطة  يصدق الكهنة والشيوخ الحراس حينما أخبروهم أن المسيح قد عاد للحياة ؟, لماذا لم يتهموهم بالكذب والخيانة ؟ ولماذا لم يشككوا فيما رأوه ؛ فلربما كان شبحا ؟ ولماذا لم يبحثوا عنه مرة ثانية وهو الذي  يقاوم السلطات ؟
 ولنعد معا إلى النص :
 "وبينما كانت المرأتان ذاهبتين ، إذا بعض الحراس قد ذهبوا إلى  المدينة  وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما جرى فاجتمع رؤساء الكنهة والشيوخ ، وتشاوروا فى الأمر ، ثم رشوا الجنود بمال كثير,  وقالوا لهم "قولوا إن تلاميذه جاءوا ليلا وسرقوه ونحن نائمون ! فإذا بلغ الأمر الحاكم ، فإننا سندافع عنكم  فتكونون فى مأمن من أى سوء" متى (28 : 11 – 15)

17-لم تنقل لنا كل الأناجيل ردود فعل التلاميذ  تجاه يهوذا عند القبض على المسيح عليه السلام ، بل نقلت ردود الفعل تجاه الرومان وعند رؤساء الكهنة ، وكان الأحرى أن يحاول تلاميذ المسيح عليه السلام أن  يفتكوا بيهوذا أو على الأقل  يتصادموا معه , لا مع الجنود لأنه هو الذى أرشد عن سيدهم ، فدل ذلك على عدم وجود شخصية يهوذا ابتداء من لحظة قدومه مع الجنود ، أى أن صورته قد تبدلت وصار غائبا عن هذا المشهد المثير ، لأنه ببساطة قد صار المسيح كما تنبأ النبى داود .

 18-جاء في إنجيل يوحنا أن المسيح قال :
 " لن أترككم يتامى , بل سأعود إليكم . بعد قليل لا يراني العالم , أما أنتم فسوف ترونني . ولأني أنا حي فأنتم أيضا ستحيون " يوحنا (14 :18 –20 )
 فماذا يمكن أن يقال إذن؟ , إنه قال عن نفسه : إنه حي , ولم يقل سوف أحيا  فهو لم يمت أصلا . وقال : إنه سوف يختفي أثناء صلب يهوذا ( بعد قليل لا يراني العالم )
من الذي ألبس المسيح  الحي الكفن؟لقد  أعلن أنه لم يمت  , فهل نصدقهم  أم نصدق ؟ أم نصدق المسيح عليه السلام  ؟

19-عند محاكمة المسيح , فوجئنا بأن هيرودس  احتقر المسيح , وقد كان يتمنى أن يشاهده لما سمعه عن  معجزاته وحكمته , فلماذا احتقره هيرودس إلا لأنه كان يهذي أثناء المحاكمة , لأنه لم يكن المسيح بل يهوذا .
 "فاحتقره  هيرودس , وجنوده , وسخروا منه " لوقا (23: 7-11 )

20-لم يقم المسيح بآية واحدة أثناء مشهد  المحاكمة , وهو الذي قام بالعديد من الآيات في مناسبات أخرى كثيرة  أقل تأثيرا  من المحاكمة النهائية والصلب , على الأقل ليثبت  لهم  أنه المسيح . لقد كان هذا المشهد هو الفرصة الأخيرة أمام الجمهور , وقد كان فرصة لا تعوض , لقد احتشد الجميع من اليهود والرومان لمشاهدة هذا الرجل الخارق , وهو رجل صاحب رسالة , جاء بالإيمان لا الضلال , بالحق لا الباطل , ومن حق الذين آمنوا به  أن يمنحهم آية واحدة ترفع رؤوسهم المنكسة , لقد خذلهم وسط الجموع ,  كانوا عطشى وهو يحمل أقداح الماء , كانوا جوعى ومعه سلال الطعام  ,كانوا يحدقون في وجهه , ويضغطون على قبضة أيديهم , وبعضهم كان يعض على أنامله من الغيظ ,لكنه خذل الجميع . ليست هذه أخلاق المسيح , وليست هذه أهداف الرسل والأنبياء ,ببساطة لم يكن هذا الرجل هوالمسيح , لقد كان يـهوذا .

 21- فى إنجيل يوحنا :" فناداها يسوع "يا مريم" فالتفتت وهتفت بالعبرية "ربونى" أى معلم , فقال لها لا تمسكى بى فإنى لم أصعد ‍بعد إلى الآب" يوحنا (20 : 16)
 ولو كان المصلوب هو عيسى , لقال لها لقد قمت من بين الأموات ، وهذا لم يحدث ، ولكنه قال لها : فإنى لم أصعد إلى الآب, أى أنى لم أمت ولم أقتل , وهذا هو المقصود بالصعود هنا ، لأن المسيح لم يخبر أحدا من قبل بصعود الرفع إلى السماء ، وإن كان قد ألمح إلى ذلك ,فإن كلامه لم يفهم, فلا مفر هنا من تفسير عبارته لأنى لم أصعد بعد إلى الآب إلا بأنه لم يمت بعد .
 
 22-جاء فى إنجيل مرقس أن المسيح بعدما ظهر لتلاميذه وبخهم على عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين شاهدوه حيا : مرقس (16 :15)
 ونحن نسأل هؤلاء : ألم يكن الحواريون يؤمنون بعودة الموتى إلى الحياة كما أشرنا من قبل ؟ فهل وبخهم المسيح على شئ يؤمنون به ؟ هل هذا  منطق ؟ أم عدم التوبيخ على شئ آخر, هو أنهم لم يصدقوا أن المسيح حى ولم يصلب ابتداء" ؟ وخاصة أن متى قد ذكر صراحة أن كثيرا من أجساد الموتى قد قامت بعد صلب المسيح (يهوذا)
 "وقامت أجساد كثيرة لقديسين كانوا قد رقدوا"  متى (27 : 52)
 أفيصدق التلاميذ قيام أجساد القديسين ولا يصدقون قيامة جسد نبيهم صاحب المعجزات ؟
 لقد وبخهم المسيح عليه السلام ,لأنه لم يكن أمرا معهودا لديهم أن يلقى شبه إنسان على إنسان آخر, وأن الذى صلب مكانه هو يهوذا ، ولكنهم يستحقون التوبيخ , لأنه قد أشار وألمح إلى ذلك , لكن لم يفهموه ,كما أن  الآيات التى قد رآوها على يديه كفيلة بأن يؤمنوا أن الله قادر على أن يجعل يهوذا شبيها بالمسيح .

 23-جاء فى إنجيل مرقس :
 "ولما انتهى السبت ، اشترت مريم المجدلية ، ومريم أم يعقوب وسالومة طيوبا عطرية ليأتين ويدهنه ، وفى اليوم الأول من الأسبوع أتين القبر ........" مرقس (16 : 1)
 فإن كن يعلمن أن المسيح سوف يقوم من بين الأموات فى اليوم الثالث ,فما فائدة الطيوب العطرية والحنوط إذن ؟ وهي أشياء تخص الموتى .

 24-فى إنجيل يوحنا عندما رجعت مريم المجدلية بشرت التلاميذ قائلة "إنى رأيت الرب 20 : 18" ولو كان المسيح قد صلب ، لقالت لقد قام المسيح من بين الأموات .

 25-فى إنجيل يوحنا "ولما حل مساء ذلك اليوم ، وهو اليوم الأول من الأسبوع  كان التلاميذ مجتمعين فى بيت أغلقوا أبوابه خوفا من اليهود ، إذا بيسوع يحضر وسطهم قائلا سلام لكم , وإذا قال هذا أراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ إذا أبصروا الرب" يوحنا  (20 : 19 – 21)
 فلماذا إذن أراهم يديه وجنبه ؟ وقد أخبرتهم مريم المجدلية أنها رأته ، هل يتأكد الإنسان من إنسان آخر برؤية وجهه أم يديه ؟ لقد أراهم يديه ليتأكدوا أنه لا يوجد أثر للمسامير, أى أنه لم يصلب أصلا , أما إذا  كان قام من بين الأموات, فلا معنى لأن يريهم أثر المسامير؛ لأن الذى يستطيع أن يقوم من بين الأموات ويعود واقفا أمامهم , ليس فى حاجة لإثبات نفسه بالمسامير, فهل عودته ووقوفه أمامهم أقل شأنا من أثر المسامير فى يديه ؟، لو كان الذى أمامهم شخصا مزيفا استطاع أن يتشبه بالمسيح ، أفلا يكون قادرا على أن يجعل فى يديه أثرا للمسامير ؟ أى منطق هذا ؟    
 إن وجه المسيح يكفى لأن يكون المسيح ,ولو كانوا يتشككون في أنه شبح , لجعلهم يلمسونه,أو لأكل معهم , كما جاء في رواية لوقا , لكنه أراد فقط أن يثبت لهم أنه لم يصلب وليس ثمة أثر للمسامير فى يديه ، أليس هذا هو المنطق ؟

 26-فى إنجيل يوحنا :  
 "ولكن توما أحد التلاميذ الاثنى عشر وهو المعروف بالتوأم ، لم يكن مع التلاميذ ، حين حضر يسوع فقال له التلاميذ الآخرون : "إننا رأينا الرب " فأجاب: إن كنت لا أرى أثر المسامير فى يديه ، وأضع إصبعى فى مكان المسامير وأضع يدى فى جنبه ، فلا أؤمن . يوحنا (20 : 24 – 25)  
 لنتأمل معا قول التلاميذ :   "إننا رأينا الرب ، ولم يقولوا  لقد قام من بين الأموات , فلو كانت المعجزة فى قيامته, لقالوا لقد قام ، ولكنهم قالوا رأينا ، فالمعجزة فى رؤيته . أى أنه لم يصلب ولم يقتل وبالتالى لم يقم .

27-أخبر المسيح عليه السلام اليهود على طريقته المعهودة فى التلميح أنهم لن يقدروا على القبض عليه ولا على صلبه . "ثم قال لهم يسوع : "سوف أذهب فتسعون فى طلبى ، ولكنكم لا تقدرون أن تأتوا إلى حيث أكون ، بل تموتون  فى خطيئتكم" يوحنا (8 : 21)
وهذا النص هو أخطر النصوص التي تدل على نجاته
ومن هذا النص يتضح الآتى :
-سيسعى اليهود للقبض على المسيح ولكنهم لن يقدروا على ذلك .
-سيتحملون خطيئة قتله عندما يقتلون يهوذا باعتباره المسيح (تموتون فى خطيئتكم)
ولا يمكن تأويل النص على أن المقصود "بالطلب" هو الإيمان ، لأنه لم يثبت أن اليهود قد ندموا على قتل المصلوب يهوذا (المسيح) , فهل يكون منطقيا قوله : "ولكنكم لا تقدرون أن تأتوا إلى حيث أكون . كيف يكون تحت أيديهم أثناء محاكمته وأثناء صلبه ، ثم يقال إنهم لم يقدروا عليه ؟

28-عندما ظهر المسيح لاثنين من التلاميذ فى طريقهما إلى عمواس , لم يستطيعا أن يتعرفا على المسيح ، على الرغم من الحوار الذى دار بينهما، ونحن من حقنا أن نتساءل : كيف لا يعرف التلميذان سيدهما شكلا وصوتا، إلا إذا كان المسيح عليه السلام متنكرا حتى لا يراه اليهود إلا بعد أن يطمئن تلاميذه أولا على حياته ونجاته من أيدى اليهود والرومان ؟ وكان التلميذان يخاطبانه على أنه غريب عن هذه المنطقة ، وبعد أن أخبراه بأن رؤساء الكهنة صلبوه (وقد كان التلاميذ يعتقدون صلبه قبل ظهوره) بعد أن أخبراه بذلك , قالا جملة تقلب النصرانية رأسا على عقب ، وتنسف عقيدة الفداء من جذورها ، قالا : "ولكننا كنانرجوأنه هو الذى سوف يفدى إسرائيل" لوقا (24 : 21)
 أى أن التلاميذ كانوا لا يعتقدون بأن قتل المسيح تم من أجل  فداء البشر عن خطيئة آدم ، ولكنهم كانوا يعتقدون فى الفداء من ظلم واضطهاد الرومان ،  ولو كانوا يعتقدون بالفداء من الخطيئة , فكيف قالوا بأنهم كانوا يرجون أن يكون هو الفادى ؟ ألم يقم بعملية الفداء بمجرد قتله ؟
 المهم أنه على الرغم من كل هذا الحوار ، لم يتعرفا على المسيح ، وبعد أن وصفهما بعبارته المعهودة بأنهما قليلا الإيمان وبطيئا الفهم ، لم يعرفاه أيضا ، فماذا يعنى كل ذلك سوى أنه كان متنكرا بالفعل لأنه لم يصلب .

29-طلب المسيح من تلاميذه أن يقوموا ويصلوا  , حتى لا يدخلوا فى تجربة , وهو قد صلى بالفعل , حتى إن عرقه صار كقطرات دم نازلة على الأرض , فهل يكون النبى كاذبا فى وعده بأن من يصل لا يدخل فى تجربة ؟
 "وإذا كان فى صراع ، وأخذ يصلى بأشد إلحاح ، حتى إن عرقه صار كقطرات دم نازلة على الأرض . ثم قام من الصلاة ، وجاء إلى التلاميذ ، فوجدهم نائمين من الحزن ، فقال لهم : "ما بالكم نائمين ؟ قوموا وصلوا لكى لا تدخلوا فى تجربة " لوقا (22: 44 – 45)

30-شبهة حول صلب المسيح (ولقد أرجأنا هذه النقطة إلى آخر الأدلة) :
 يستدلون بنبوءة فى سفر "إشعياء" على صلب المسيح ، وقبل عرض النص الذى يشير إلى ذلك ، أعتقد أنه ينبغى على أن أسكب بعض الضوء على مدخل أى نبوءة لتحديد فصيلة الدم ، وبصمة الأصابع ، وملامح الوجه ، والشفرة الوراثية ، عندئذ فقط يمكن القول بأن هذه النبوءة تنطبق أو لا تنطبق على المسيح عليه السلام.إن النبوءات أشبه بالفن التجريدى لا تحتوى إلا على إشارات, فلا توجد نبوءة واحدة تتجاسر على أن تبوح باسم المسيح صراحة ، وإنما هى – كما قلت – إشارات يستطيع كل من أراد بموضوعية أو بدون موضوعية أن يطبقها على من أراد . وقد قدمت مثالا على ذلك عند تقديم الأدلة من خلال العهد القديم على أن المصلوب "يهوذا" لا المسيح ، وبينت كيف أن كاتبى الأناجيل اجتزؤا من المزمور رقم (109) نصف آية ليطبقوها على يهوذا ، وألقوا المزمور كله فى سلة النسيان ، مع أن المزمور من أوله إلى آخره يشير إلى نجاة المسيح من الصلب ، وأن عدوه هو الذى سوف يحاكم بدلا منه . وأستطيع أن أتجرأ وأقول  : إن كل النبوءات التى قيلت فى العهد القديم ، لا علاقة لها بالمسيح عليه السلام ، وأنها تنطبق على أناس آخرين إذا أردناها أن تنطبق عليهم ، حتى نبوءة أن العذراء تحبل وتلد ولدا ويدعى عمانوئيل ، لا علاقة لها بالمسيح ، وإنما لها تفسير آخر مختلف تماما عما ادعاه النصارى  , ولكننا فقط نجارى القوم فيما ذهبوا إليه ، لتقديم الأدلة على أنهم ذهبوا فى طريق الخطأ والخطيئة .
 بعد عرض النص الذى يتشبثون به تشبث الغريق بالقشة ، سنقوم بتحليل النص تحليلا بنائيا , ونحاول أن نفهم العلاقة بين الدال والمدلول لنصل إلى الدلالة كما يقول علماء اللغة ,وينبغى أن نفرق بين الدلالة والدليل ، فالدلالة هى مفهوم ظنى داخلي (نابع من  الشخص) يحاول أن يقدم للقارئ القرائن التى تؤكد فهمه ، أما الدليل فهو لا يتوقف على الخارج (الشخص) وإنما يستمد قوته من ذاته
 النص
 "من آمن بكلامنا ، ولمن ظهرت يد الرب ، نما كبرعم أمامه وكجذر فى أرض يابسة ، لا صورة لـه ولا جمال يسترعيان نظرنا ولا منظر فنشتهيه ، محتقر منبوذ من الناس ، رجل آلام ومختبر الحزن ، مخذول كمن حجب الناس عنه وجوههم فلم نأبه له . لكنه حمل أحزاننا وتحمل أوجاعنا ، ونحن حسبنا أن الرب قد عاقبه وأذله ، إلا أنه كان مجروحا من أجل آثامنا ، ومسحوقا من أجل معاصينا ، حل به تأديب سلامنا ، وبجراحه برئنا . كلنا كغنم شردنا ، ملنا كل واحد إلى سبيله ، فأثقل الرب كاهله بإثم جميعنا . ظلم وأذل ، ولكنه لم يفتح فاه ، بل (كشاة سيق إلى الذبح) وكنعجة صامته أمام جازيها لم يفتح فاه . بالضيق والقضاء قبض عليه . وفى جيله من كان يظن أنه استؤصل من أرض الأحياء بالحزن ، وحين يقدم نفسه ذبيحة إثم فإنه يرى نسله وتطول أيامه ، وتفلح مسرة الرب على يده ، ويرى ثمار تعب نفسه ويشبع ، وعبدى البار يبرر بمعرفته كثيرين، ويحمل آثامهم . لذلك أهبه نصيبا بين العظماء فيقسم غنيمة مع الأعزاء ، لأنه سكب للموت نفسه ، وأحصى مع أثمه ، وهو حمل خطيئة كثيرين ، وشفع فى المذنبين" إشعياء (53)

والأسئلة التقليدية حول هذا النص يمكن أن تكون هكذا :
 1-هل يشير هذا النص إلى المسيح ؟
 2-هل فى النص ما يفيد صلب المسيح ؟
 3-هل يمكن أن يشير النص إلى شخص آخر غير المسيح ؟
 4-هل النص نبوءة عن مستقبل آت أم حكاية عن ماضٍ ذهب ؟

ويمكننى إثارة العديد من الأسئلة المفاجئة والمعقولة وغير المعقولة ، وما يمكن أن يكون ثرثرة وفقاعات وسفسطة وما شابه ذلك ، ولكن الأمر المدهش أن إثارة هذه الأسئلة هو فى ذاته نفى لأية إجابة ، وأننا بقدر ما نتساءل , بقدر ما نعجز أن يكون لدينا إجابة محددة ! إن كثرة الأسئلة دليل على قلة الأجوبة المحددة ، ولو كان النص يشير إلى المسيح ، لما كنا فى حاجة إلى طرح تلك الأسئلة العديدة ، ولنتصور إذن كيف تكون عقيدة أمة بكاملها قائمة على أساس من الوهم والخيالات إنها أشبه ببناء عظيم من "الكرتون" أو الورق ، لا يمكن أن يصمد فى وجه  الرياح .

 من المشار إليه إذن  ؟  
 كيف نحدد المشار إليه إذن ؟ فى ظل لغة ضبابية تعتمد على المجاز أكثر مما تعتمد على الحقيقة ؟ نعم إن لغة الكتاب (المقدس) فى سمتها لغة مجازية ، وهذا ما يؤدى إلى تداخل الأبعاد واختلاط المفاهيم ، ولنعط لذلك أمثلة :
"مع الرحيم تكون رحيما ، ومع الكامل تكون كاملا ، ومع الطاهر تكون طاهرا ، ومع المعوج تكون معوجا ، لأنك تخلص الشعب المتضايق ، أما المترفعون فتخفض عيونهم لأنك أيها الرب تضئ مصباحى .مزمور (18 : 25 - 28)
"افدِ إسرائيل يا الله من جميع ضيقاته" مزمور (25 : 22)
"حين سكت عن الاعتراف بالذنب  , بليت عظامى فى تأوهى النهار كله كانت يدك ثقيلة الوطأة على نهارا وليلا, حتى تحولت نضارتى إلى جفاف حر الصيف" مزمور (38 : 3 – 4)
"ألست أنت الله الذى أقصيتنا ولم تعد تخرج مع جيوشنا" مزمور (60 : 10)
"خلصنى يا الله فإن المياه قد غمرت نفسى ، غرقت فى حمأة ولا مكان فيها أستقر عليه ، خضت أعماق المياه وطما علىّ السيل" مزمور (69 : 1 –2)
"حُسبت فى عداد الهابطين إلى قعر هوة الموت ، كرجل لا قوة له, تركونى أموت كقتلى الحرب الممدين فى القبر" مزمور (88 : 4 – 5)
"هل تصنع عجائب للأموات أم تقوم أشباح الموتى فتمجدك؟" مزمور (88 : 10)
"هل شاهدت ما فعلت الخائنة إسرائيل ؟ كيف صعدت إلى كل أكمة عالية وتحت كل شجرة خضراء وزنت هناك (أى عبدت الأوثان)" إرميا (3 : 7)
"قد ارتكبت العذراء إسرائيل أمرا شديد الهول" إرميا (18 : 13)
"تلفعت (الرب) السحاب حتى لا تبلغ إليك صلاة" إرميا (3 : 44)
"وها أنا أجعلك نورجا محددا جديدا مسننا فتدرس الجبال ، وتجعل التلال كالعصافة  فتذريها" إشعياء (41 : 15)

وأنا لا أود الإطالة على القارئ بذكر أمثلة كثيرة  , حتى لا يصاب بالملال, ولكن أريد فقط أن يعلم أن القاعدة فى الكتاب المقدس هى المجاز ، والاستثناء هو الحقيقة ، وفى ظل هذه الفوضى المجازية يستطيع كل من أراد أن يستنتج ما يشاء  من فوضى دلالية ومعنوية .
 لنقتحم إذن فضاء هذا النص المفعم بالغمام ، المشتبك الدلالات ، الفائض بالمجاز ، الملئ بالألغاز .

بعض المواصفات  الخلقية في النص :
 لا صورة ولا جمال يسترعيان نظرنا ، ولا منظر فنشتهيه محتقر ومنبوذ من الناس , لا تنطبق أية صفة من هذه الصفات على المسيح ، فقد كان وسيما ، وها هى صوره الساحرة فى الأفلام واللوحات وعلى جدران الكنائس .    
 "لم يكن المسيح محتقرا ولا منبوذا من ا لناس ، بل كانوا يدعونه يا معلم ، ويا سيد ويا رب ، وكانوا يتوسلون إليه لكى يشفى مرضاهم لما رآوه من معجزات .
 على من يمكن أن تنطبق هذه المواصفات إذن ؟
 على النبى إرميا ؟ من الممكن ، أو على الإمبراطور الفارسى كورش ؟ من الجائز .
 تعالوا  نجرب  هذه  المواصفات  على   النبي  إرميا :

"فأصبحت مثار سخرية طوال النهار وكل واحد يستهزئ بى"  إرميا (20 : 7)

"فجلبت على كلمة الرب الاحتقار والعار طوال النهار" إرميا (20 : 8)

المواصفات  النفسية
 "ولكنه حمل أحزاننا ، وتحمل أوجاعنا ، ونحن حسبنا أن الرب قد عاقبه وأذله إلا أنه كان مجروحا من أجل آثامنا ......"

وهذه المواصفات أيضا تنطبق على إرميا حيث يقول :
"إن قلبى منكسر فى داخلى ، وجميع عظامى ترتجف" إرميا (23 : 9)
"لماذا خرجت من الرحم لأقاسى التعب والأوجاع وأفنى أيامى بالخزى ؟" أرميا (20 : 18)

ردود  أفعاله
 "ظلم وأذل ، ولكنه لم يفتح فاه ، بل (كشاه سيق إلى الذبح) .
 وهذه هى العبارة التى يتشبثون بها ، ويستدلون بها فى أناجيلهم على أنها نبوءة عن المسيح .
 مع أن هذه العبارة لا تدل على صلب ولا على قتل ، وإنما تدل على استسلام وضعف فى مواجهة الأشرار ، وقد وردت كثيرا جدا فى كتب العهد القديم , ولكنى أوثر أن أبدأ بما جاء فى حق إرميا, حتى نحسم المعركة من أول جولة وبالضربة القاضية ، ثم بعد ذلك نبحر خلال الكتاب "المقدس" لاستخراج عبارات مماثلة .
 "ولكنى كنت كحمل أليف يساق إلى الذبح" إرميا (11 : 19)
ونحن نتساءل ، ومن حقنا أن نتساءل هل قتل إرميا ؟ وهل ذبح ؟ هل صلب ؟ أم إن عبارته تدل على الضعف وقلة الحيلة فى مواجهة الأشرار ؟ لقد أراد كاتبو الإنجيل أن ينصبوا لنا فخاخ مكرهم ، فأبينا إلا أن يقعوا فى أنيابها .
"وقد حسبنا مثل غنم معدة للذبح" مزمور (44 : 22) 
"أسلمتنا كغنم معدة للذبح" مزمور   (8 : 22)
"الجهال يساقون للموت كالأغنام" مزمور (49 : 14)
 فهل يقبلون أن يكون المسيح عليه السلام من الجهال ؟
 إن هذه العبارة تراثية بالدرجة الأولى مفادها الاستسلام وقلة الحيلة كما قلنا ولا تدل على أن أحدا  سيذبح أو سيقتل .
 كما أن هناك ترجمة أخرى لهذه العبارة وهى "كشاة تساق نحو الذبح" فتصبح جملة النعت "تساق" نعتا للشاة لا المسيح أو غير المسيح ، وبالتالى فإنه لا يساق أصلا ، ولا شئ قد حدث من هذه الأوهام .

عودة إلى النص :
"وكنعجة صامتة أمام جازيها (جازريها ) لم يفتح فاه"
وهى أيضا تنطبق على إرميا لا على المسيح
قال لهم إرميا : "أما أنا فإنى فى أيديكم اصنعوا بى ما يحلو لكم"
أما المسيح – وفقا لرواياتهم الإنجيلية- فقد تذمر وغضب وبكى وندم وسخط . يقول المسيح الذى كان كشاة لم يفتح فاه !
"أكما على لص خرجتم بالسيوف والعصى لتقبضوا على ؟" ! متى (26 : 55)

وقال وهو على الصليب (كما يزعمون)
 "ألوى ألوى ، لما شبقتنى ؟" أى إلهى إلهى لما تركتنى ؟" مرقس (15 :34)

عودة إلى النص
"بالضيق والقضاء قبض عليه ، وفى جيله من كان يظن أنه استؤصل من أرض الأحياء وضرب من أجل شعبى" وهذه أيضا تنطبق على إرميا

"فلما فرغ إرميا من الإدلاء بكل ما أمره الرب أن يخاطب به الشعب ، قبض الكهنة والانبياء وسائر الشعب عليه قائلين : لابد أن تموت" إرميا (26 :4)

"لم أدرك أنهم يتآمرون على قائلين : لنتلف الشجرة وثمارها ولنستأصله من أرض الأحياء فيندثر اسمه إلى الابد" إرميا (11 :19)

"فلما بلغ بوابة بنيامين قبض عليه رئيس الحراس واسمه يرئيا بن شلميا بن حننيا قائلا لإرميا النبى أنت هارب للانضمام إلى الكلدانين ، فأجابه إرميا هذا كذب ، أنا لست هاربا للانضمام إلى الكلدانين, فلم يصغ إليه يرئيا بل اعتقله ، وأتى به إلى الرؤساء ، فثار الرؤساء على إرميا, وضربوه وزجوه فى بيت "يوناثان" الكاتب الذى حولوه إلى سجن" إرميا (37 : 13 – 15)

عودة إلى النص
"جعلوا قبره مع الأشرار ومع ثرى عند موته
مع أنه لم يرتكب جورا ولم يكن فى فمه غش"
وهذا لا ينطبق على وجه الحقيقة على إرميا ولا على المسيح ، لأن المسيح (كما زعموا) وضع فى قبر وحده ، فليس أمامهم إلا تأويل كلمة قبر بأنه الصليب  ومع ذلك فلم يصلب المسيح مع الأشرار ولا مع  ثري , بل مع لصين أحدها استهزأ به والآخر آمن به وفقا لرواية "لوقا"
 "ثم قال : يا يسوع اذكرنى عندما تجئ فى ملكوتك ، فقال له يسوع الحق أقول لك : اليوم ستكون معى فى الفردوس" لوقا (23 : 42 – 43)

ولم يكن معه ثرى عند موته ، وإذا لم يكن ثمة مفر أمامهم من التأويل ، فنحن أيضا نأول النص على إرميا كالأتى :
تستخدم  كلمة القبر والموت على وجه الحقيقة وعلى وجه المجاز, إذا  استخدمت على وجه الحقيقة , فإن النص من أوله إلى آخره لا ينطبق على أحد  من البشر ؛ لأنه في نهاية النص سيتضح أن صاحب النص قد تزوج وأنجب وحارب , أي أنه لم يمت حقيقة  بل مجازا , وكذلك كلمة القبر  تستخدم مجازا  للتعبير عن اليأس والإحباط والتعاسة .
 إذن  فالقبر هو كل ماسبق ، ويمكن أن يكون السجن أو الجب (البئر) الذى وضع فيه إرميا (ألقى فى السجن مرة ، وفى الجب مرة) ، ومعلوم أن السجن يضم الأشرار والآثمة والمذنبين والأثرياء والفقراء ، .....
 "فأخذوا إرميا وطرحوه فى جب ملكيا ابن الملك القائم فى دار الحرس ، ودلوا إرميا بحبال ، ولم يكن فى الجب ماء بل وحل فغاص فيه إرميا" إرميا (38 :6)
 "فأمر الملك عبد ملك الأثيوبى : اصطحب معك من هنا ثلاثين رجلا واسحب إرميا من الجب قبل أن يموت" إرميا (38 : 10)  
 وواضح أن النص ينطبق على إرميا , وخصوصا أن بقية النص فيها إشارة إلى أنه لن يموت , كما قلنا من  قبل ,بل  سيتزوج ويرى نسله ، وهذا لم يحدث للمسيح .

عودة إلى النص
وحين يقدم نفسه ذبيحة إثم فإنه يرى نسله وتطول أيامه ، وتفلح مسرة الرب على يديه ، ويرى ثمار تعب نفسه ، ويشبع ، وعبدى البار يبرر بمعرفته كثيرين ، ويحمل آثامهم ، لذلك أهبه نصيبا بين العظماء فيقسم غنيمة مع الأعزاء ، لأنه سكب للموت نفسه ، وأحصى مع آثمة . وهو حمل خطيئة كثرين ، وشفع  فى المذنبين .
 وواضح أن هذا النص ليس له علاقة بالمسيح من قريب أو بعيد ، فهو لم يتزوج ,ولم ير نسله , ولم تطل أيامه ، ولم يقسم غنيمة مع الأعزاء ، ولم يسجن ، ولم يتحمل أثام شعبه ، بل تمرد عليهم ، وشتمهم وفق روايات الإنجيل
 "جيل شرير" لوقا (11 : 29)
 "ولكن لى معمودية على أن أتعمد بها ، وكم أنا متضايق حتى تتم , أتظنون أنى جئت لأرسى سلاما على الأرض ؟ أقول لكم لا بل بالأحرى الانقسام" لوقا ( 12 :50 –51)

أما إرميا فقد قال له الرب :
 "ها أنا قد وليتك على أمم وشعوب لتستأصل وتهدم وتبدد وتقلب وتبنى وتغرس"إرميا (1: 10)
 ولكن الأهم من كل ما قيل هو أن تفسير أية نبوءة  يجب أن  يكون فى سياقها التاريخى, حتى تكون ذات معنى ، وإلا فإننا نصف قائليها من الأنبياء بالعبث والاستهتار ، نعوذ بالله من ذلك  , فمثلا هل يمكن أن يقال لأى أحد قد فقد أباه وأمه وإخوته ومنزله ، هل يمكن أن نعزيه بقولنا : أبشر فسوف تذاع المباراة بعد أسبوع مثلا ؟! أى منطق هذا ، وكذلك الحال بالنسبة لنبوءة "إشعياء" التى نحاول تشريحها لغويا ، وبنائيا ، لابد من معرفة سياقها التاريخى ، لاستنتاج ما يمكن أن تشير إليه .
 لقد قيلت هذه النبوءة فى ظل السبى البابلى لبنى إسرائيل وتعرض هيكلهم للهدم ، ونسائهم وأطفالهم للقتل والاغتصاب , لقد كانت مرحلة قاسية فى تاريخ بنى إسرائيل ، فهل يمكن فى ظل هذه الظروف أن يحدثهم نبيهم عن شخص ما سوف يجئ ويصلب؟ أم عن شخص يجئ ويخلصهم تخليصا حقيقيا من أنياب الأسى ، ويعيدهم إلى أرضهم التى يشتاقون إليها .
 أين العبث والمنطق إذن ؟ إن دلالة بهذه الهشاشة واللا معقولية لا يمكن أن ننتظر منها إلا  الفوضى !
 كارثة
 لقد قمت بتفسير النبوءة باعتبار أنها تشير إلى حدث في  المستقبل الآتي , على الرغم من أن أكثر الأفعال المستخدمة  تدل على ماض  ذهب , لقد جاريتهم فقط في ادعائهم أنها  نبوءة  مستقبلية ,  حاولوا أن يجعلوا قفازها في  حجم المسيح , وأستطيع  أنا  كما يستطيع غيري أن يجعل القفاز في حجم إنسان آخر , فالملابس المعروضة في الفاترينات ليس مكتوبا عليها أسماء من يرتديها .
 إن التحليل الموضوعي لهذا الإصحاح  يحدد  مساره ذاتيا , دون أن يحتاج  إلى صناع ملابس  بحجم من يفصلونها  لهم , إن الإصحاح يشير إلى الماضي , فلماذا يصرون على المستقبل؟ إن هذا الإصحاح يشير إلى ذلك النبي المضطهد , الذي اغتصبت التوراة  إنسانيته  ونبوته  ومكانته , إن  الحقد  الأسود لم يكن فقط  يعشش  في قلوبهم , بل كان أيضا يسيل في أحرفهم  وأقلامهم , لكن الحقيقة تخرج من تحت الأنقاض , وتقفز من النوافذ , وتدخل من ثقب الباب , ولا يمكن أن تموت . إن هذا الإصحاح عن الذبيح إسماعيل عليه السلام , الذي استسلم لقضاء الله , ولم يفتح فاه , بل قال "يا أبت افعل ما تؤمر  ستجدني إن شاء الله من الصابرين "   سورة الصافات آية 102
 لقد كان إخوته وأقرباؤه  بنو إسحاق يكرهونه كما قالت التوراة , لأنه ابن الجارية , احتقروه  فعاش في الصحراء , لكن الله اجتباه , وأخرج من نسله محمدا صلى الله عليه وسلم , وخير أمة أخرجت للناس , ولذلك كان الإصحاح التالي له مباشرة  , نبوءة عن بلاد العرب وعن مكة المكرمة ,  وذكرت كذلك في الإصحاح الستين , حيث جاء الوصف في الإصحاحين  كالتالي:
- ترنمي أيتها العاقر (مكة) , وصفت بالعاقر ؛ لأنها  لم يخرج  منها أنبياء , لذلك فهي كالعاقر .
-أوسعي مكان خيمتك (صحراء )
- وأمجد بيتي البهي (بيت الله الحرام )
-يرث نسلك أمما
-تغطيك كثرة الجمال .
-كل غنم "قيدار" (اسم جد النبي صلى الله عليه وسلم ) تجتمع إليك .
-لا يسمع بظلم ولا خراب في أرضك .
- وبعد أن كنت ممقوتة مهجورة لا يعبر بك أحد , سأجعلك بهية إلى الأبد
-شعبك إلى الأبد يرثون الأرض.
لقد وقف الأوغاد من اليهود  ضد إسماعيل , لكن الله كان معه , وها هي " زمزم" إلى يوم القيامة  , تشهد بكرامة ونبوة هذا الرضيع المبارك الذي صار من العظماء .


ياسر أنور