وكل هذه الغزوات لم تكن إلا دفاعاً عن النفس , والأسباب التي جَعلت المسلمين يدافعون عن أنفسهم هم كالآتي :
اضطهاد أهل مكة للمسلمين في أوائل الدعوة الإسلامية فكان اضطهاداً قاسياً تعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أيضاً ويشهد بذلك الكثير من المؤرخين والقرآن الكريم أيضاً لهذا الاضطهاد بصورة واضحة وجلية ولعل من شدة عذاب هؤلاء فقد أعلنوا الكفر بألسنتهم ولكنهم في الحقيقة متمسكين بالإيمان في قلوبهم , فيقول الله تعالى : (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )[14]
ومنهم من أفلتوا منهم مهاجرين , فتركوا أموالهم وأهليهم وكل ما لهم في أيدي مضطهديهم وفضلوا هذا عن الكفر بعد الإيمان ولو كان في الظاهر , ولقد تكلم الله تعالى عنهم فيقول : (وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ , الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )[15]
فالله عز وجل تكلم عنهم في عدة مواضع في القرآن الكريم ..
بالإضافة ما تعرض له الرسول صلى الله عليه وسلم فقد تعرض للكثير من الاضطهادات والإهانات فمنعوه من تأدية الصلاة وبصقهم وحثوهم التراب عليه وجرهم إياه من رقبته إلى خارج الكعبة بعد أن ربطوا شال عمامته حول عنقه وقبل كل هذا عرضوا عليه صلى الله عليه وسلم المال والجاه ولكنه تمسك برسالته وقال: (يا عم ! و الله لو وضعوا الشمس في يميني ، و القمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته)
فتحمل النبي صلى الله عليه وسلم كل هذا ودعاهم إلى توحيد رب السماء والأرض بعيداً عن عبادة الأصنام والأحجار وبعد كل هذا هاجروا هروباً من العذاب والاضطهاد .
وبدأت الغزوات التي كان هدفها الأول والأخير هو الدفاع النفس سواء ما كان قبل غزوة بدر الكُبرى أو ما بعدها إلى غزوة تبوك , ولعل الأمر يستلزم بنا أن نشير إلى أمر هام في القرآن الكريم وفي السنة الطاهرة ألا وهو أن الإسلام بصورة عامة لا يوجد فيه مادة القتل ! فالقرآن الكريم كاملاً لا يوجد فيه كلمة أقتلوا أو أقتل أو أقتلوهم إلا في آيتين فقط وكلايهما أنزلهما الله في الحرب ومن الطبيعي أن يكون الحرب فيه قتل للعدو وإلا قتلنا !
والقارئ للكتاب المقدس سيجد فيه الدفاع بنفس الطريقة بل وأكثر بكثير فبكل دومية وكل قسوة نجد الأمر بالقتل وإهارب المسالمين وقبل أن نسرد بعض هذه النصوص ننقل لكم ما قاله الأب متى المسكين وهو أحد آباء الكنيسة الأرثوذكسية فهو راهب قبطي عاش يفسر في الكتاب المقدس وله العديد من التفسيرات له فيقول[16] : ( حينئذاً بدأت بعد ذلك " حروب الرب " التي أكمل بها وعده لموسى بإمتلاك الأرض وكان دموية بأقسى ما يمكن التعبير . ومهما حاول المؤرخون والعلماء أعطاء المبررات والأعذار أو الإدعاء بأنها كانت حرب دفاع فلا يمكن أن يجيزها الضمير ولا يمكن أن يبررها العقل بحسب موازين إيماننا ولكننا نقول إن إسرائيل تصرفت بأكثر مما أوصى بها الله .. )
وتكلم أيضاً عن يشوع ابن نون خادم موسى فيقول[17] : ( لقد أجتمع عليه كل ملوك مقاطعات الجنوب الكنعانيين المتمرنين في الحرب بأعداد وأدوات رهيبة , فكسرهم جميعاً وبدد شملهم وأستولى على مدنهم الواحدة تلوى الأخرى . ثم أجتمع عليه كل مبلوك الشمال من كنعانيين وغير الكنعانيين ولم يأخذوا بعبرة إنكسار الجنوب ولكن لم يرهب يشوع كثرتهم ولا شراستهم , وباغتهم كالأقوى وحطمهم وشردهم وقتل خمسة ملوك دفعة واحدة وأستولى على كل البلاد يشوع 3/7 : (فقال الرب ليشوع: «اليوم أبتدئ أعظمك في أعين جميع إسرائيل ليعلموا أني كما كنت مع موسى أكون معك.) ) أ.هـ.
ولذلك يتضح لنا بأن الإسلام لم يأتي بجديد عندما أمر الله عز وجل فيه بأن يدافعون عن أنفسهم !! ولذلك سوف نوضح الأمر ببعض من الإختصار كالآتي :
1- الحرب في الإسلام دفاعية عكس ما في المسيحية فهي هجومية .
2- الحرب في الإسلام كانت ضد الجيوش وليست على المسالمين عكس المسيحية .
3- الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ عكس المسيحية .
4- إلتزام المسلمين بالعهود مع غير المسلمين عكس المسيحية تماماً .
5- عدم التعدى بالتعذيب بالحرق والنشر في الحروب .
6- الجزية في الإسلام وإعفاء الكثير من دفعها .
7- الغنائم هل محللة للمسلمين وهل إبتدعوها المسلمين ؟!
8- إنتشار المسيحية بالإكراه وإنتشار الاسلام بتوحيده وسماحته وتشريعه .
نوضحها ببعض من التفصيل كالآتي :
الحرب في الإسلام دفاعية عكس ما في المسيحية !!
القارئ للقرآن الكريم يجد أن آياته بها الطابع الدفاعي وليس الهجومي على أعداءه , فيقول الله تعالى في أول آية أنزلها في السماح بالقتال : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ , الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [18]
ومن هذه الآية الكريمة أراد الله عز وجل أن يوضح للبشرية كلها أن هؤلاء الذين أخرجوا من ديارهم وشردت أولادهم ونُهبت أموالهم بأن لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم ولا يوجد هدف أسمى من الدفاع عن النفس , وأيضاً يقول الله تعالى : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)[19]
والقارئ لهذه الآية الكريمة يجد أن القتال في الإسلام ماهو إلا رداً على قتال الأخرين لهم , وأقرأ معي إن شئت قول الله تعالى : (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً)[20]
ويقول الله تعالى : (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً) [21]
فالحرب في الإسلام دفاعاً عن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان وقد تكون الحرب لها أهداف أخرى مثلاً التصدى للدعاة ومنهم عن نشر دعوة الإسلام بالقوة أو غير ذلك ..
فمثلاً عندما نقض أهل مكة صلح الحديبية وأعتدوا على بني خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم حين ذلك دخل النبي مكة فاتحاً لترجع الحقوق إلى أهلها دون إراقة دماء ودون الإعتداء عليهم وهم الذين أضطهدوهم وشردوهم وأخرجوهم من ديارهم , ولأن النبي لم يأتي إلا رحمة للعالمين فقد أعاد الحقوق إلى أهلها دون التعدى عليهم , فمن هذا الذي يدعي أنالإسلام قد أنتشر بحد السيف ؟ أما في المسيحية فالأمر عكس ذلك بل إن إله المسيحية لم يترك قاعدة لأي حرب فأصبحت الحروب هجومية شرسة بالدرجة الأولى , وكما أشرنا بأن متى المسكين نفسه يقول : [22](فلا يمكن أن يجيزها الضمير ولا يمكن أن يبررها العقل بحسب موازين إيماننا ولكننا نقول إن إسرائيل تصرفت بأكثر مما أوصى بها الله )
فيقول كاتب سفر يشوع الإصحاح 10 الأعداد من 40 إلى 43 : (فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح وكل ملوكها. لم يبق شاردا, بل حرم كل نسمة كما أمر الرب إله إسرائيل. , فضربهم يشوع من قادش برنيع إلى غزة وجميع أرض جوشن إلى جبعون. , وأخذ يشوع جميع أولئك الملوك وأرضهم دفعة واحدة, لأن الرب إله إسرائيل حارب عن إسرائيل. , ثم رجع يشوع وجميع إسرائيل معه إلى المحلة إلى الجلجال. )
فالإله يأمر بقتل كل نسمة ولا يترك منهم شيئاً حي !!
ونقرأ الآن في الكتاب المقدس للرب وهو يأمر موسي بعدم الشفقة على أعدائك عند النصر عليهم في سفر التثنية الإصحاح 7 العدد 1 – 5 :
(متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوبا كثيرة من أمامك: الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين سبع شعوب أكثر وأعظم من , ودفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم فإنك تحرمهم. لا تقطع لهم عهدا ولا تشفق عليهم , ولا تصاهرهم. ابنتك لا تعط لابنه وابنته لا تأخذ لابنك , لأنه يرد ابنك من ورائي فيعبد آلهة أخرى فيحمى غضب الرب عليكم ويهلككم سريعا. , ولكن هكذا تفعلون بهم: تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم وتحرقون تماثيلهم بالنار , )
الأمر صعب أن نقرأ مثل هذا الكلام في كتاب يدعي أتباعه أنه كتاب يدعو للمحبة والرحمة , هذه الأوامر لم تصدر أبداً من الإسلام العظيم لأن الإسلام لم يكن هدفه حرب الآخرين بل كل هدفه حماية أتباعه وحرية العقيدة كل هدفه أن يحمي المسلمين من الذين يعتدون عليهم .
بل قد أطُلق علي هذه الحروب في الكتاب المقدس " حروب الرب " الإسم المحبب لدي أتباع الكتاب المقدس فكما ذُكر في الكتاب المقدس: (واصفح عن ذنب أمتك لأن الرب يصنع لسيدي بيتا أمينا, لأن سيدي يحارب حروب الرب, ولم يوجد فيك شر كل أيامك. ) سفر صموئيل الأول 25 / 28.
بل إن إله النصارى قد وعد بني إسرائيل لو إلتزموا بالشريعة بأن كل مكان تدوسه بطون أقدامهم تكون لهم لكي يرثوا الأرض كلها لهم فيقول : (لأنه إذا حفظتم جميع هذه الوصايا التي أنا أوصيكم بها لتعملوها لتحبوا الرب إلهكم وتسلكوا في جميع طرقه وتلتصقوا به , يطرد الرب جميع هؤلاء الشعوب من أمامكم فترثون شعوبا أكبر وأعظم منكم. , كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم. من البرية ولبنان. من نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم. لا يقف إنسان في وجهكم. الرب إلهكم يجعل خشيتكم ورعبكم على كل الأرض التي تدوسونها كما كلمكم. ) سفر التثنية 11 / 22 – 25 .
وأحب أن أذكر هنا قول إلريك زوينجلي وهو أحد الإصلاحيين المسيحيين والذي قاد جيوش البروتستانتضد الكنيسة الكاثوليكية للدفاع عن أنفسهم فيقول (8): ( نحن لا نريد أن نسفك دم أحد , ولكننا نريد أن نقص أجنحة حكومة الصقور , فإن تجنبنا المواجهة فإن حق الإنجيل وحياة الرب لن تكون في أمان في وسطنا , ويجب أن نتكل على الله وحده , ولكن عندما تكون لدينا قضية عادلة يجب أن نعرف أيضاً كيف ندافع عنها , ونظير يشوع وجدعون نسفك الدماء في سبيل وطننا وإلهنا .. )
وقد قال أيضاً إلريك زوينجلي (9): ( إن الحرب العادلة ليست ضد كلمة الله ..)
وأنا أجد أيضاً أن الحرب العادلة والذي يكون فيها الدفاع عن النفس والدين , فلا يوجد مسيحي يترك زوجته تُغتصب بل سيقتل من يعتدي عليها ولن يسكت على حق زوجته فما بالك بحق الدين ؟ الذي وجب الدفاع عنه لبقاءه .
هكذا كانت المسيحية تأمر بالقتل قبل مجيء يسوع وهكذا كانت الدعوة وإحتلال الأراضي واستعباد أهلها لو لم يكن حرقهم وقتلهم وإبادتهم وحتى بعد مجيء يسوع وإنتشار المسيحية, وسنتكلم عن وصف هذه الحروب لنعرف ما يحدث بداخلها من تعديات بكل المقاييس , لكي نعرف الفرق بينحروب الإسلام وحروب المسيحية لنعرف الفرق بين ما يدعوا للبناء وما يدعوا للهدم , لكي نعرف الفرق بين الحرب الدفاعية والحرب الهجومية والتدميرية والآن لنري هل الحرب الإسلامية كانت ضدد مدنيين أم محاربين .
وأحب أن أقول كلمة العلامة أوريجانوس وهو يتكلم عن الحرب الدفاعية فيقول[23] :
(يوجد في شعب الله أشخاص هم جنود الرب ( أنظر 1تي 2/3-4 ) ,الذين لايرتبكون بأمورالحياة . هؤلاءهم الذين يمشون في الحرب ويقاومون الأمم المعادية والأرواح الشريرة لباقي الشعب وكذلك العاجزين الذين يمنعهم السن أوالجنس أوالضعف . هم يدافعون بالصلاة والصوم والبروالرحمة واللطف والعفة .. )
الحرب في الإسلام كانت ضد الجيوش وليست على المسالمين
لم تكن الحرب في الإسلام للإستكبار في الأرض والإعتداء على الآخرين ولكن هذه الحرب في الإسلام كانت لوقف الإعتداء ولأنها لوقف الإعتداء كانت ضد جيوش المعتدين على المسلمين ولم تكن الحرب أبداً ضد المدنيين أما الحرب في المسيحية فكانت ضد المدنيين والأطفال والنساء وقتلهم وإبادتهم جميعاً ولكن عندما نقرأ الآيات القرآنية الكريمة نجد الحق سبحانه وتعالى يقول : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) سورة البقرة 190.
الحرب في الإسلام كما نرى أمر الله تعالى تكون ضد الذين يقاتلونكم ويعتدون عليكم فقط وليس على المسالمين أو المدنيين
بل القاريء للتاريخ الإسلام وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجده لم يحارب مدنيين مسالمين ولكنه حارب جيوش جاءت لتعتدي على النبي صلى الله عليه وسلم وحارب منهم أيضاً من لا يلتزم بعهد المسلمين فمثلاً غزوة بدر لم تكن ضد نساء وأطفال أو مدنيين مسالمين بل كانت ضد جيش المشركين الذي جاء أصلاً للإعتداء على المسلمين , فمثلاً عند فتح مكة المكرمة عندما نقض المشركين العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتهجم النبي صلى الله عليه وسلم على مشركي مكة ولا على بيوتهم ولم ينتقم منهم بما فعلوه فيهم بل ذهب أبي سفيان وصرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش هذا محمد فيما لا قِبل لكم به , فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن , قالوا : قاتلك الله وما تغنى عنك دارك ؟ قال : ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن , فأسرع الناس إلى بيوتهم وإلى المسجد الحرام . [24]
والقارئ لسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم يجد أنه سأل قريش : يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ . قالوا : خير أخٍ كريم وإبن أخِ كريم قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم أذهبووا فأنتم الطلقاء .. [25]
هكذا كانت معاملة المدنيين المجردين من الأسلحة ولكن العكس تماماً في النصرانية فكانت الحرب فيها ما هي إلا تهجم على المدنيين والنساء والأطفال والشيوخ حتى الحيوانات والشجر , فكان هدفها تنجيس البيوت بالدماء !
ففي سفر يشوع 11/10-15 : (ثم رجع يشوع في ذلك الوقت وأخذ حاصور وضرب ملكها بالسيف, لأن حاصور كانت قبلا رأس جميع تلك الممالك , وضربوا كل نفس بها بحد السيف. حرموهم. ولم تبق نسمة. وأحرق حاصور بالنار, فأخذ يشوع كل مدن أولئك الملوك وجميع ملوكها وضربهم بحد السيف. حرمهم كما أمر موسى عبد الرب.
غير أن المدن القائمة على تلالها لم يحرقها إسرائيل, ما عدا حاصور وحدها أحرقها يشوع ,وكل غنيمة تلك المدن والبهائم نهبها بنو إسرائيل لأنفسهم. وأما الرجال فضربوهم جميعا بحد السيف حتى أبادوهم. لم يبقوا نسمة , كما أمر الرب موسى عبده هكذا أمر موسى يشوع, وهكذا فعل يشوع. لم يهمل شيئا من كل ما أمر به الرب موسى. )
ويقول القمص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره للإصحاح السادس : (ألعلك تعي عظمة هذا الجيش المعادي لك، والذي يتقدم نحوك في أعماق قلبك؟ هؤلاء هم أعداؤنا الذين يجب أن نذبحهم في المعركة الأولى، ونطمسهم في التراب في الخط الأول، إن كنا قادرين أن نهدم أسوارهم ونستأصلهم ولا تبقى منهم نسمة (يش 11: 14)، ولا يبقى منهم فرد واحد يستريح فينا ويحيا من جديد ويبرز في أفكارنا. بهذا يعطينا يسوع الراحة العظمى: "يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته ولا يكون من يرعب أمناء إسرائيل" (في 4: 4) )
ويقول في تفسيره للنص : (لقد كان الأمر الإلهي هو إبادة الشر تمامًا، فلا يُترك له أثر حتى لا يعود فيملك على القلب ثاينة، ها هو الأمر الذي أطاعه يشوع، إذ قيل "لأنه كان من قبل الرب أن يشدد قلوبهم (الملوك) حتى يلاقوا إسرائيل للمحاربة، فُيحرموا، فلا تكون عليهم رأفة بل يُبادون كما أمر الرب موسى" [20]. يقول العلامة أوريجانوس: [لم يقل أن يشوع قد أمسك بواحد أثناء الحرب وترك الآخر، لكنه أمسك بالكل، أي أخذهم وقتلهم جميعًا، لأن الرب يسوع طهرنا من كل أنواع الخطايا وهدم جميعها. لقد كنا قبلاً في الحقيقية جميعنا "أغبياء، غير طائعين، ضالين، مستعبدين لشهوات ولذات مختلفة، عائشين في الخبث والحسد، ممقوتين، مبغضين بعضنا بعضًا" (تي 3: 3)، أي كانت فينا كل أنواع الخطايا التي توجد في الإنسان قبل الإيمان، لكن يشوع قتل كل الذين خرجوا للرب )
فالحرب كانت للجميع ! وليست لشخص واحد أو للمحاربين ولكن كانت للجميع .. والغريب جداً أن القارئ للنص يجد أن سبب قتل هؤلاء وذبحهم وإبادتهم (لأن حاصور كانت قبلا رأس جميع تلك الممالك ) !! هذا هو سبب القتل وهذا ما يخالف تماماً حقيقة القتال في الإسلام .. وهذا يذكرنا بقول إله إسرائيل ( لأنك شعب مقدس للرب إلهك وقد اختارك الرب لتكون له شعبا خاصا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. ) التثنية 14/2 .
ويقول أيضاً في التثنية 20/16 :
(وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما , بل تحرمها تحريما: الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين كما أمرك الرب إلهك , )
هكذا الحرب عند إله المسيحية !! عكس الحرب في الإسلام , لم يقتصر الأمر في المسيحية على المعاديين أو المحاربيين ولكن أشتمل أيضاً ضد المسالمين والمدنيين ..
أهداف الحرب في المسيحية هي أن لا يكون غير إسرائيل على رأس البلاد وكل ما هو أفضل منها يجب تدميره وتحطيمه أما في الإسلام كانت الحروب دفاعاً عن النَفس ولو عاش المسلمون بدون حرب على الإسلام لم يكن بين المسلمين وغيرهم عداء ! ولكن في المسيحية يجب إبادة كل ماهو أفضل منهم !!
ولا يعتقد أحد بأن هذه الحرب قبل المسيح بل هذا ما تبنته الكنائس في عصور مختلفة فالكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية وقفت أمام كنائس الموحدين بالقتل والدمار فيقول المؤرخ المسيحي جون لوريمر في كلامهِ عن كنائس الموحدين [26]: ( ولكنها أضطهدت بقسوة من كل من الكاثوليك والبروتستانت ولم تُكتب لها الحياة وقم تميز إثنان من الموحدين بأنهما أخر رجال الإنجليز الذين أعدموا حرقاً بتهمة الهرطقة سنة 1916م . )
ويقول المصلح مارتن لوثر : ( في الثورة أنا ذبحت كل الفلاحين , دمهم جميعاً على رأسي لكني أحول الأمر إلى الله ربنا الذي أمرني أن أتفوه بذلك . )[27]
فالأمر لا يقتصر على اليهود أو العهد القديم ولكن هذه أمور مُشرعة لكل من يؤمن بهذا الكتاب الدَموي وأتذكر كلمة قالها الرئيس الأمريكي ( من ليس معي فهو علي ّ ) ففي الحقيقة ليست هذه الكلمة للرئيس الأمريكي جورج بوش ولكنها ليسوع الذي يؤمن به النصارى كإله معبود !! [28]
الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ عكس المسيحية
لم تكن الحرب في الإسلام كما تكلمنا سابقاً ضد الأطفال ولا ضد النساء ولا الشيوخ وإنما كانت لوقف الإعتداءات ولذلك فلن تجد أمراً من الإسلام بقتل جميع الأطفال ولكن على العكس تجد ما يحرم علينا قتل الأطفال وقتل النساء والشيوخ المسالمين , المدنيين فالنبي صلى الله عليه وسلم قد حرم علينا قتل الأطفال والنساء وحرم علينا الغدر والتمثيل بالميت ولا قتل الرهبان في كنائسهم , فعن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : (اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع)[29]
ولا ننسي أيضاً قول سيدنا أبي بكر خليفة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لأسامة بن زيد و جنده: ( لا تخونوا و لا تغدروا و لا تغلوا و لا تمثلوا ، و لا تقتلوا طفلاً و لا شيخاً كبيراً و لا امرأة ، و لا تعزقوا نخلاً و لا تحرقوه ، و لا تقطعوا شجرة مثمرة ، و لا تذبحوا شاة و لا بقرة و لا بعيراً إلا للأكل.و إذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم و ما فرغوا أنفسهم له .. )
فهكذا كان الإسلام الذي حرم علينا قتل هذا الوليد أو الشيخ الكبير أو المرأة ولا تقطيع الأشجار ولا الغدر ولا التمثيل وغيرها من مكارم الأخلاق التي تدل على عظمة هذا الدين والتي توضح أن الحرب في الإسلام هي للدفاع عن النفس ولم تكن أبداً للدمار والتخريب , ولكن الأمر عكس ذلك تماماً فقد أمر إله المسيحية بإبادة الوثنيين وأولاد الوثنيين ونساءهم وشيوخهم ورجالهم وبيوتهم وبيوت عبادتهم وتنجيس مدينتهم وملأها بالدماء والإرهاب , قتل وحرق ودمار التي لا تُبقي حي يتنفس على وجه الأرض حتى الأشجار والحيوانات فننظر الآن نظرة بسيطة حول نصوص التي تأمر بقتل الأطفال والنساء وغيرهم فهاهو يشوع عبد الرب وبأمر الرب فيدخل مدينة ليحرقها بأكملها ما عدا راحاب الزانية : (وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة, من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف , وقال يشوع للرجلين اللذين تجسسا الأرض: ادخلا بيت المرأة الزانية وأخرجا من هناك المرأة وكل ما لها كما حلفتما لها , فدخل الجاسوسان وأخرجا راحاب وأباها وأمها وإخوتها وكل ما لها, وكل عشائرها وتركاهم خارج محلة إسرائيل , وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها. إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب .. ) سفر يشوع 6 / 21 – 24 .
هكذا أمر إله المسيحية والأمر لا يقتصر فقط على يشوع بل إن رب الجنود قد أمر كل أنبيائه وأتباعه بهذا الدمار والقتل :
(فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامرأة, طفلا ورضيعا, بقرا وغنما, جملا وحمارا.) سفر صموئيل الأول 15/3.
وحتى عندما جاء القمص تادرس يعقوب ملطي ليفسر هذا النص فقال : (رمز عماليق لعدو الخير الذي يقف في طريق صعودنا من هذا العالم إلى كنعان السماوية ليعوقنا عن التمتع بالحياة الأبدية، وكان تحريمه رمزًا لنزع كل أثر للخطية فينا، خطايا النفس (كل رجل) والجسد (كل امرأة)، كل فكر مهما كان مبتدئًا (كل طفل ورضيع) الخ... )
إنها المسيحية التي أمرت بقتل كل ما هو مخالف للعقيدة ,والتي أمرت بقتل النساء وحتى الأطفال الذين لا يعرفون الحق من الباطل , هكذا كانوا يقُتلون ويذبحون وهم مسالمين مدنيين لم يفعلوا أي ذنب ولا معصية في حياتهم .
وأيضاً عندما وجه إله الحرب ( إله المسيحية ) كلاماً لشعبه فأمرهم بقتل النساء والأطفال والرجال والشيوخ والتدمير لنقرأ على صفحات الكتاب المقدس هذا الأمر فيقول إله المسيحية :
(وقال له: اعبر في وسط المدينة أورشليم, وسم سمة على جباه الرجال الذين يئنون ويتنهدون على كل الرجاسات المصنوعة في وسطها , وقال لأولئك في سمعي: اعبروا في المدينة وراءه واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا. الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء. اقتلوا للهلاك. ولا تقربوا من إنسان عليه السمة, وابتدئوا من مقدسي. فـابتدأوا بـالرجال الشيوخ الذين أمام البيت , وقال لهم: نجسوا البيت, واملأوا الدور قتلى. اخرجوا. فخرجوا وقتلوا في المدينة .. ) سفر حزقيال 9 / 4 – 7
هذا الأمر بالإبادة لأنهم عبدوا غير الله لم يكن موجوداً في الإسلام فقد أمر الإسلام بالقتال لحرب المعتدي فقط وصده ولم يُشرع لإكراه البشر على دين الله ويعلق التفسير التطبيقي للكتاب المقدس على هذا الأمر فيقول[30] : ( بكل وقاحة شجع القادة الروحيون ( الشيوخ ) المعتقدات الوثنية وتبعهم الشعب وتركوا الله فالقادة الروحيون على الأخص سيعطون حساباً أمام الله لأنه تم الوثوق بهم لمهمة تعليم الحق أنظر يع 3/1 فعندما يحرفون الحق فبمقدورهم تضليل أناس كثيرين بعيداً عن الله بل يتسببون في سقوط أمة بأكلمها . فليس من المستغرب إذاً عندما شرع الله بمحاكمة الأمة أن بدأ بالهيكل ثم إتجه خارجاً أنظر 1 بط 4/17. كم هو محزن أنهم علموا الأكاذيب في داخل هيكل الله حيث كان من المفترض أن يعلموا حق الله ..)
هكذا كانت معاملة المخالف والذي يعمل عكس ما أمر الرب أن يتم قتله وقتل أولاده ونساءه وأهله , والمحزن ان يسوع حسب الكتاب المقدس استخدم نفس الأسلوب فقد دخل الهيكل ووجد أناس يبيعون ويشترون فقام عليهم بالسوط ( الكرباج ) وطردهم خارج الهيكل جميعاً ففي إنجيل يوحنا 2 / 14 – 16 : (ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما، والصيارف جلوسا , فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل، الغنم والبقر، وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم , وقال لباعة الحمام: ارفعوا هذه من ههنا! لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة !. )
الحقيقة أن النصوص التي تدعوا لقتل الأطفال والنساء والشيوخ والتدمير والتنجيس كثيرة فلا يسعنا المجال لسردها كلها ولكن فقط أخذنا بعض الأمثلة للتوضيح .
هكذا رأي إله المسيحية وهكذا إتبعه المسيحيين على مر التاريخ فعندما نعرف أن المصلح إلريك زوينجلي البروتستانتي قام بتحويل أديرة الراهبات إلى مستشفيات بعد طردهم لأنه قد وجدها مخالفة للتعاليم المسيحية فيقول جون لوريمر[31] : ( أرُغم الأسقف الكاثوليكي على المغادرة . الراهبات والرهبان بدأوا الإرتحال وصودرت الأديرة , وتحول دير للراهبات إلى مستشفي .. )
هكذا أمر المسيحية كل شيء بالسيف لا توجد نصيحة ولا يوجد أمر إلا بالسيف حتى الأطفال لم يرحمهم إله المسيحية من هذا التعدي عليهم وقتلهم وحرقهم وأمهاتهم وكل هذا دون سبب , الأمر الذي يرفضه الإسلام فقد حرم الإسلام قتل الأطفال والنساء والشيوخ وهذا التدمير الذي لا يفيد وأحب أن أختم هنا بكلمة من القرآن الكريم فيقول الحق سبحانه وتعالى : (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ) سورة الإسراء 33 .
إلتزام المسلمين بالعهود مع غير المسلمين عكس المسيحية
لم يلتزم أحد على مر التاريخ بعهده إلا المسلمين وليس هذا أمر من أنفسهم بل هو أمر الله تعالى للمسلمين بأن يلتزموا بالعهود ويردون الأمانات إلى أهلها فهو أمر الله سبحانه وتعالى للمسلمين فيقول الحق سبحانه وتعالى : (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) سورة النحل 91 .
ويقول أيضاً الحق سبحانه وتعالى : (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) سورة الإسراء 34.
بل إن الحق سبحانه وتعالى قد إمتدح الراعون لأمانتهم فقال : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ .) سورة المعارج 32.
ويقول أيضاً الله سبحانه وتعالى : (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً ) سورة الأحزاب 15.
ولو سردت أصول المعاهدات في الإسلام من الكتاب والسنة لن أنتهى منها , أما في المسيحية فالأمر عكس ذلك تماماً حيث أن الإله في المسيحية لا يُحب أصلاً أن يُعطي أتباعه عهداً مع غير المؤمنين ! فلقد أمر إله الكتاب المقدس لأتباعه بأنه سيعطيهم الأرض ويستعبدوا أهلها بل وحرم عليهم عمل عهود مع غير المؤمنين ..
فيقول إله الكتاب المقدس في سفر الخروج 34/ 11-14 :[32] (فاعمل بما أنا آمرك به اليوم. هاأنا أطرد من أمامكم الأموريين والكنعانيين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين. , لا تعاهدوا سكان الأرض التي أنتم سائرون إليها، لئلا يكون ذلك شركا لكم، بل اهدموا مذابحهم وحطموا أصنامهم، واقطعوا غاباتهم المقدسة لآلهتهم , لا تسجدوا لإله آخر لأني أنا الرب إله غيور .. )
ويقول القمص تادرس يعقوب في تفسيره لهذا النص : (إذا يقطع الرب عهدًا مع الشعب بعد سقوطه في عبادة الأوثان قدم لهما شرطين أساسيين: أ. شرط سلبي: هو تحطيم الخطية بكل صورها، إذ يقول "إحترز من أن تقطع عهدًا مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخًا في وسطك، بل تهدمون مذبحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم، فإنك لا تسجد لإله آخر، لأن الرب إسمه غيور. إله غيور هو...". وكما قلنا قبلاً لم يكن ممكنًا للشعب أن يميز بين الخطية والخطاة، فإبادة كل ما يتعلق بالخطاة كان رمزًا لإبادة الخطية في حياتنا.)
فيجب على اليهودي والمسيحي وكل من يؤمن بهذا الكتاب الدموي أن يقتل كل ما يخص الخاطئ , فالتعبير دقيق الأمر لا ينحصر على الخاطئ فقط بل كل ما يخصه !! أولاده نساءه وكل ما يتعلق حيوانات وغيره ! يجب إبادته ..
هذا الفارق بين الإسلام العظيم والمسيحية واليهودية , فأين هذا الدمار والهلاك من قول عمر بن الخطاب خليفة رسول الله وأمير المؤمنين[33] : ( أوصي الخليفة من بعدي بأهل الزمة خيراً , وأن يوفي لهم بعهدهم , وأن يقاتل من ورآئهم , وأن لا يكلفهم فوق طاقتهم .. )
بالإضافة إلى أن الأمر في عدم وجود عهد في الكتاب المقدس بين المؤمنين وغير المؤمنين يعود هذا لأمر الرب فيقول بأن سُكان الأرض جَميعاً سيخضعون لكم ويكونوا عبيداً لَكم فيقول سفر العدد 33/55-56 : (وإن لم تطردوا سكان تلك الأرض من وجهكم، كان من تبقون منهم كإبرة في عيونكم كمهامز في جوانبكم، وهم يضايقونكم في الأرض التي تقيمون فيها., فيكون أني كما نويت أن أصنع بهم أصنع بكم .)[34]
فكل الأرض مملوكة لمؤمني الكتاب المقدس فإله الكتاب المقدس يذكرهم دائماً (اسألني فأعطيك الأمم ميراثا لك وأقاصي الأرض ملكا لك , تحطمهم بقضيب من حديد. مثل إناء خزاف تكسرهم. )مزمور2/8-9 !!
هذا هو وعد إله الكتاب المقدس لهم , وأنا أعلم أن النصارى لا يقرأون كتابهم فلو قرأ كل نصراني كتابه لتيقن له أن الحرب في الإسلام في منتهى الشرف والأمانة والرفق ..
عدم التعدى بالتعذيب بالحرق والنشر في الحروب
في الحقيقة أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي حَرم الحرق بالنار والتعذيب للغير على خلاف تام مع المسيحية أو من يؤمن بالكتاب المقدس !!
ففي الإسلام نهى الله عز وجل عن العذاب عموماً فيقول الله صلى الله عليه وسلم[35] : ( إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا )
ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم[36] : ( صنفان من أهل النار لم أرهما . قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس)
ويقول أيضاً[37] : (أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة أشدهم عذابا للناس في الدنيا)
ويقول أيضا خطيباً في الناس[38] : ( فإن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ، وأبشاركم، عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت)
ويقول أيضاً مخاطباً أبي ذر[39] : (يا أبا ذر ! إنك امرؤ فيك جاهلية ، فقال : إنهم إخوانكم ، فضلكم الله عليهم ، فمن لم يلائمكم فبيعوه ، ولا تعذبوا خلق الله)
ويقول أيضاً عن ضرب المملوك[40] : (من ضرب مملوكه سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة)
بالإضافة إلى عدم الإكراه على شئ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم [41]: (إن الله تجاوز عن أمتي : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه .)
ويقول رسول الله أيضاً بخصوص الحرق بالنار والتعذيب بها [42]: (لا تعذبوا بعذاب الله) أي النار ..
هذه تعاليم الإسلام وهذا هو ما يخص الإسلام فقد حرم على كل مسلم أن يعذب أي مخلوق , ولكن المسيحية تأمر بعكس ذلك فالمسيحية هي الدين الوحيد الذي أمر بنشر البشر وحرقهم والمسيحية هي الدين الوحيد الذي أمر بالتمثيل بالأعداء ورجمهم حتى بعد الموت , وهذا إن دل فيدل على الحقد الذي دُفن بداخل كل من يؤمن بالكتاب المقدس .
فهاهو هو يشوع عبد الرب الذي قام بإبادة أريحا وعندما أبادها علقوا جثة ملك عاي على خشبة إلى وقت المساء وعند غروب الشمس يشوع فأنزلوا جثته عن الخشبة وأقاموا عليها رجمة حجارة عظيمة فيقول الكتاب المقدس : (وأحرق يشوع عاي وجعلها تلا أبديا خرابا إلى هذا اليوم , وملك عاي علقه على الخشبة إلى وقت المساء. وعند غروب الشمس أمر يشوع فأنزلوا جثته عن الخشبة وطرحوها عند مدخل باب المدينة, وأقاموا عليها رجمة حجارة عظيمة إلى هذا اليوم. ) سفر يشوع 8 / 28-29 .
بل إن الأمر أبشع من ذلك في الكتاب المقدس وبأمر الإله أن داود ذهب إلى ربة وحاربها وليس هذا فقط بل أتي بهذا الشعب ونشرهم بمناشير ونوارج حديد :
(فجمع داود كل الشعب وذهب إلى ربة وحاربها وأخذها , وأخذ تاج ملكهم عن رأسه ووزنه وزنة من الذهب مع حجر كريم، وكان على رأس داود. وأخرج غنيمة المدينة كثيرة جدا , وأخرج الشعب الذي فيها ووضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد وأمرهم في أتون الآجر، وهكذا صنع بجميع مدن بني عمون. ثم رجع داود وجميع الشعب إلى أورشليم. ) سفر صموئيل الثاني 12/29 - 31
ويعلق القمص تادرس يعقوب ملطي على هذا النص متجاهلاً نشر الشعب فيقول: (عاد الكاتب إلى خبر الحرب مع بني عمون الذي بدأه في (١١: ١)، حيث هزم يوآب ربّة عاصمة بني عمون. أرسل إلى داود الملك ليأتي ويدخل المدينة حتى تُحسب النصرة لداود وتنسب إليه المدينة كغالب ومنتصر. بالفعل خرج داود وحاربها وأخذ تاج ملكها الذي يزن وزنة ذهب (حوالي ٢٨ رطلاً) مع حجر كريم. لبسه داود، وذلك بأن أمسكه اثنان من العظماء ورفعاه على رأسه بعض الوقت علامة تسلطه على مملكة بني عمون. تمتع داود بغنائم كثيرة بعد أن قتل شعب المدينة)
وأيضاً نجد أن المسيحية قد أمرت بتخريب الأماكن وحرقها فيقول: (تخربون جميع الأماكن حيث عبدت الأمم التي ترثونها آلهتها على الجبال الشامخة وعلى التلال وتحت كل شجرة خضراء , وتهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتحرقون سواريهم بالنار وتقطعون تماثيل آلهتهم وتمحون اسمهم من ذلك المكان.)
وغيرها الكثير من النصوص التي تثبت أن الرب قد أمر بالدمار والخراب والحرق والنشر والتعذيب والتمثيل مما يخالف تماماً المنهج الإسلامي الذي كان هدفه هو الدفاع عن النفس ولم يكن هدفه التمثيل او التعذيب بل جاء رحمة للعالمين ..
الأستاذ/ معاذ عليان
___________________
[1]آل عمران:19
[2] آلعمران:20
[3] آل عمران:85
[4] البقرة:131-132
[5] آل عمران:67
[6]البقرة 133 .
[7] الأعراف:126
[8] يونس:72
[9]يونس 84
[10] النمل:30-31
[11] آلعمران:52
[12] البقرة190
[13] المائدة 2
[14]النحل 106
[15]النحل 41-42
[16]تاريخ إسرائل من واقع نصوص التوراة والأسفار وكتب ما بين العهدين للأب متى المسكين صفحة53 .
[17]تاريخ إسرائل من واقع نصوص التوراة والأسفار وكتب ما بين العهدين للأب متى المسكين صفحة53 .
[18] الحج39-40
[19]البقرة 190
[20]النساء 74-75
[21]النساء 84 .
[22]تاريخ إسرائل من واقع نصوص التوراة والأسفار وكتب ما بين العهدين للأب متى المسكين صفحة53 .
(8)كتاب مختصر تاريخ الكنيسة – للمؤرخ المسيحي أندرو ملر – صفحة 555 , 556 .
(9)كتاب مختصر تاريخ الكنيسة – للمؤرخ المسيحي أندرو ملر – صفحة 559 .
[23]عظات أوريجانوس على سفر العدد – للعلامة أوريجانوس صفحة 182 .
[24]مختصر الرحيق المختوم صفحة 223 .
[25]مختصر الرحيق المختوم صفحة 224 .
[26]تاريخ الكنيسة لجون لوريمر الجزء الخامس صفحة 60 .
[27] تاريخ الكنيسة لجون لوريمر الجزء الرابع صفحة 154 .
[28] لوقا 11/23 .
[29] رواه الإمام أحمد « 5/352 » .. من تفسير ابن كثير
[30]التفسير التطبيقي – لجنة من العلماء واللاهوتيين صفحة 1612.
[31]كتاب تاريخ الكنيسة – للمؤرخ المسيحي جون لوريمر – الجزء الرابع صفحة 179 .
[32]الترجمة العربية المشتركة , تم تغيير الألفاظ بترجمة الفانديك لتخفيف حدة ما يأمر به الإله !!
[33]كتاب أهل الذمة في الاسلام صفحة 158 .
[34]الترجمة الكاثوليكية .
[35]صحيح مسلم برقم 2613
[36]رواه مسلم برقم 2128 .
[37]إسناده صحيح رجاله ثقات : السلسلة الصحيحة للألباني رقم 1442
[38]رواه البخاري 7078 .
[39]صحيح : صحيح الترغيب للألباني برقم 2282 .
[40]صحيح : صحيح الترغيب للألباني 3607 .
[41]صحيح بتعدد طرقه : تخريج مشكاة المصابيح للألباني برقم 6248 .
[42]صحيح : صحيح الجامع للألباني برقم 7367.