بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد
وآله
قال أو محمد على بن أحمد بن حزم رضى الله عنه
:
الحمد
لله رب العالمين حمداً كثيراً ، وصلى الله على سيدنا محمد عبده
ورسوله وسلم تسليماً
، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
.
اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل
الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم ، وبعمارة قصور ـ
يتركونها عما قريب ـ
عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم فى معادهم ودار قرارهم ، وبجمع أموال
ـ ربما كانت
سبباً إلى انقراض أعمارهم وعوناً لأعدائهم عليهم ـ عن حياطة ملتهم
التى بها عزوا فى
عاجلتهم ، وبها يرجون الفوز فى آجلتهم ، حتى استشرف لذلك أهل القلة
والذمة ،
وانطلقت ألسنة أهل الكفر والشرك بما لو حقق النظر أرباب الدنيا
لاهتموا بذلك ضعف
همنا ؛ لأنهم مشاركون لنا فيما يلزم الجميع من الامتعاض للديانة
الزهراء والحمية
للملة الغراء ، ثم هم بعد متردون بما يئول إليه إهمال هذه الحال من
فساد سياستهم ،
والقدح فى رياستهم ، فللأسباب أسباب ، وللمداخل إلى البلاء أبواب ،
والله أعلم
بالصواب
.
وقد قال على بن العباس
:
لا تـحـقـرن سُـبَـيْـبـاً .. .. .. .. .. كـم جـرَّ أمـراً سُـبَـيْـبُ
وقال أبو نصر بن نباتة :
فلا تحقرن عــدواً رمــاك .. .. .. .. .. وإن كان فى ساعديه
قصر
فإن السـيوف تجـذ الرقاب .. .. .. .. .. وتعجـز عمـا تـنـال الأبـر
لا سيما إن كان العدو من عصابة لا تحسن إلا الخبث مع مهانة الظاهر ،
فيأنس المغتر إلى الضعف البادى ، وتحت ذاك الختل والختر والكيد
والمكر ، كاليهود
الذين لا يحسنون شيئاً من الحيل ، ولا آتاهم الله شيئاً من أسباب
القوة ، وإنما
شأنهم الغش والتخابث والسرقة على التطاول والخضوع مع شدة العداوة
لله تعالى ولرسوله
صلى الله عليه وسلم .
وبعد ، فإن بعض من تقلى قلبه للعداوة للإسلام وأهله ،
وذُوِّبَت كبده ببغض الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من متدهرة
الزنادقة المستسرين
بأذل الملل وأرذل النحل من اليهود التى استمرت لعنة الله على
الموقمين بها ، واستقر
غضبه ـ عز وجل ـ على المنتمين إليها .. أطلق الأشّرُ لسانه ، وأرخى
البطر عنانه ،
واستشمخت لكثرة الأموال لديه نفسه المهينة ، وأطغى توافر الذهب
والفضة عنده همته
الحقيرة ، فألف كتاباً قصد فيه ـ بزعمه ـ إلى إبانة تناقض كلام الله
ـ عز وجل ـ فى
القرآن ؛ اغتراراً بالله تعالى أولاً ، ثم بملكٍ ضعفةٍ ثانياً ،
واستخفافاً بأهل
الدين بدءاً ، ثم بأهل الرياسة فى مجانة عَوْداً
.
فلما اتصل بى أمر هذا
اللعين ، لم أزل باحثاً عن ذلك الكتاب الخسيس ؛ لأقوم فيه بما
أقدرنى الله ـ عز وجل
ـ عليه ، من نصر دينه بلسانى وفهمى ، والذب عن ملته ببيانى وعلمى ،
إذ قد عدمها
المشكى إلى الله ـ عز وجل ـ ووجود الأعوان والأنصار على توفية هذا
الخسيس الزنديق ،
المستبطن فى مذهب الدهرية فى باطنه ، المتكفن بتابوت اليهودية فى
ظاهره ، حقه
الواجب عليه ، من سفك لدماء ، واستيفاء ماله ، وسبى نسائه وولده ،
لتقدمه طَوْرَه ،
وخلعه الصَّغار عن عنقه ، وبراءته من الذمة الحاقنة دمه ، المانعة
من ماله وأهله ،
وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل
.
فأظفرنى القدر بنسخة ، رد فيها عليه رجل
من المسلمين ، فانتسخت الفصول التى ذكرها ذلك الراد عن هذا الرذل
الجاهل ، وبادرت
إلى بطلان ظنونه الفاسدة بحول الله تعالى وقوته
.
ولعمرى إن اعتراضه الذى
اعترض به ليدل على ضيق باعه فى العلم ، وقلة اتساعه فى الفهم ، على
ما عهدناه عليه
قديماً ، فإننا ندريه عارياً إلا من المخرقة ، سليماً إلا من الكذب
، صفراً إلا من
البهت ، وهذه عقوبة الله تعالى المعجلة لمن سلك مسلك هذا الزنديق
اللعين مقدمة ،
أما ما أعد الله له ولأمثاله من الخلود فى نار جهنم ، فهو المقر
لعيون أولياء الله
ـ عز وجل ـ فيه وفى ضربائه ، وبالله تعالى التوفيق ، ولا حول ولا
قوة إلا بالله
العلى العظيم .