آخر 20 مشاركات |
|
أدوات الموضوع | أنواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
هل في القرآن ما يدل على أن التوراة و الإنجيل لم يتم تحريفهم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم السؤال : و به نستعين سؤالي بخصوص الآيتين رقم 47 و 68 من سورة المائدة ، بعض المسيحيين يستخدم هاتين الآيتين ليستدل بهما على أن الإنجيل لم يُحرّف ؛ لأن الله أمر باتباعه، فكيف نجلّي لهم الرؤية ونرفع هذه الشبهة ؟ جزاكم الله خيراً الجواب : الحمد لله تحدث القرآن الكريم في العديد من المواضع عن التوراة والإنجيل ، فهما من وحي الله عز وجل لاثنين من أولي العزم من الرسل ، وكانا كتاب نور وهداية للبشرية في زمانهما ، والقرآن الكريم نفسه جاء مصدقا لهما ، ومؤمنا بهما ، ومهيمنا عليهما ، كما قال سبحانه : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ . مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) آل عمران/3-4. وقال عز وجل : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة/48 ويبقى التساؤل عن موقف القرآن الكريم من النسخ التي بين يدي اليهود والنصارى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، إن كانت هي النسخ الحقيقية المشتملة على كلام الله عز وجل ، أم إنها تغيرت وتبدلت . وللجواب على هذا السؤال يمكننا تقسيم حديث القرآن الكريم عن هذين الكتابين المقدسين – من حيث مصداقية ما فيهما – إلى الأنواع الآتية : النوع الأول : آيات تثبت وقوع التحريف مطلقا لهذه الكتب ، ولا تقيد التحريف بشيء من أنواعه وصوره ، كما لا تذكر مقداره ونسبته ، وإنما تثبت الوقوع في هذا العمل المذموم . ومن ذلك : قول الله سبحانه وتعالى : ( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة/75. وقول الله عز وجل : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) المائدة/13. النوع الثاني : آيات صريحة في وقوع أحبار اليهود بكتمان بعض ما عندهم من الكتب المنزلة ، وإخفائها ، ومحاولة دفنها وطمس حقائقها . ومن ذلك : قوله عز وجل : ( قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ) الأنعام/91. وقول الله تعالى : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة/146. قال الإمام ابن حزم رحمه الله : " كيف يستحل مسلم إنكار تحريف التوراة والإنجيل وهو يسمع كلام الله عز وجل ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) الفتح/29. وليس شيء من هذا فيما بأيدي اليهود والنصارى ، مما يدعون أنه التوراة والإنجيل " انتهى من " الفصل في الملل " (1/160) النوع الثالث : آيات صريحة في الإخبار عن دخول قدر من الزيادة في كل هذه الكتب ، وأنه اختلط بها بعض ما ليس منها . ومن ذلك : قول الله عز وجل : ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران/78. وقوله سبحانه : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) البقرة/79. قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ ، وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الكِتَابَ ، فَقَالُوا : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ) رواه البخاري في " صحيحه " (2685) النوع الرابع : آيات تقرر بقاء بعض الحق في هذه الكتب التي بأيديهم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل مثل هذا القدر من الحق الباقي في أيديهم ، حجة عليهم، ودليلا على بطلان ما هم عليه. ومثل هذه الآيات هي المقصودة للسائل ، وهي التي اشتبه أمرها على من قال ما قال ، أو ظنها حجة على صحة كتبهم بجملتها ، حتى في زماننا ، وهذا كله لا دلالة عليه في هذه الآيات وأمثالها . ومن ذلك قول الله عز وجل : ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) المائدة/43، فأخبر عنها بأن فيها حكم الله . وفي قوله سبحانه : ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ) المائدة/47 : أمر لأهل الإنجيل بالعمل بما فيه ، والحكم بما أنزل الله فيه . ومثله أيضا قول الله جل وعلا : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) المائدة/68. وحكى القرآن أن نسخ الكتب التي كانت في أيدي أحبار اليهود والنصارى اشتملت على ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك في قول الله جل وعلا : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ) الأعراف/157. وهكذا أيضا جاء في القرآن وفي السنة الصحيحة تصديق بعض ما ورد في تلك الكتب ، قال سبحانه : ( قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) آل عمران/93. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ . فَقَالُوا : نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ : كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ . فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا ، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ : ارْفَعْ يَدَكَ ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ . فَقَالُوا : صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ . فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ ) رواه البخاري (3635) ومسلم (1699) وقد وكل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى علمائهم ورهبانهم ، بدليل قوله : ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ) المائدة/44 ومن مجموع ما سبق : نخلص بالآتي : 1. تشتمل نسخ التوراة والإنجيل على شيء من الحق ، الذي وصفته الآيات الكريمة بأنه ( حكم الله )، ودعا القرآن الكريم اليهود والنصارى إلى إقامة هذا الحق واتباعه ، وجعله حجة عليهم في باطلهم. 2. في هذين الكتابين كلام من كلام البشر ، نُسب إلى الله كذبا وزورا . 3. وقع في هذين الكتابين نقص ظاهر عن الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم السلام ، وذلك بسبب كتمان بعض الأحبار والرهبان شيئا مما استحفظهم الله عليه . 04 تضمن تحريف الكتب السابقة أمرين : التحريف اللفظي ، بزيادة أو نقصان عما كان فيه ، والتحريف المعنوي ، بصرف الحق الباقي في هذه الكتب بلفظه ، إلى معاني باطلة ، تناقض ما أراده الله لعباده ، ومنهم . وبناء على ذلك كله : فإذا احتج محتج بأن في القرآن آيات تدل على صحة ما في التوراة والإنجيل ، فإننا لا نحتاج إلى الرد على كذبه وزعمه إلى أن نقول : إن كل كلمة في هذين الكتابين : هي باطلة في نفسها ، لم ينزل الله بها سلطانا ؛ بل كل ما نحتاج إليه أن ندله على باقي الآيات التي تكتمل بها الصورة ؛ فمتى تمسكت وصدقت بالآيات التي تقرر وجود الحق فيها ، فاضمم إليها الآيات الأخرى التي تذكر تحريفهم لكتبهم ، وكتمانهم لما فيها من الحق ، وزيادتهم أشياء فيها ، كتبوها بأيديهم ، ثم نسبوها إلى الله كذبا ، وزورا . فأما المؤمن : فهو مؤمن بكل ما قال الله في كتابه . وأما المبطل : فمتى كذب بشيء منه ، لم يحق له أن يحتج بغيره ، ولهذا أنبهم الله على مثل ذلك ، فقال : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة/85 وإلا فليأتونا بآية واحدة : تمدح وتزكي ( كل ) ما بقي في أيدي الناس من هذه الكتب ، وتنفي عنه التحريف والكتمان . ولن نطالبهم بعد ذلك بدليل على أن هذه الكتب لم يدخل فيها تغيير عما كان عليه الحال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن من ادعى أن القرآن زكاها ، قد يقول له قائل : إنما زكى ما كان منها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأين الدليل على أنها باقية على ما كان عليه الحال في ذلك العهد ، وهذا ما لا يمكنهم أن يقيموا دليلا عليه ، بل كثير من الدارسات النقدية للكتاب المقدس عندهم في الغرب ، تثبت عكس ذلك تماما . يقول ابن حزم رحمه الله : " إن كفار بني إسرائيل بدلوا التوراة والزبور فزادوا ونقصوا ، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) ( لا معقب لحكمه )، وبدل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا ، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) ... وقد قلنا آنفا إن الله تعالى أطلعهم على تبديل ما شاء رفعه من ذينك الكتابين ، كما أطلق أيديهم على قتل من أراد كرامته بذلك من الأنبياء الذين قتلوهم بأنواع المثل ، وكف أيديهم عما شاء إبقاءه من ذينك الكتابين حجة عليهم ، كما كف أيديهم الله تعالى عمن أراد أيضا كرامته بالنصر من أنبيائه الذين حال بين الناس وبين أذاهم " انتهى باختصار من " الفصل في الملل والأهواء والنحل " (1/ 157) ويقول رحمه الله أيضا : " وأما قوله تعالى ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ) المائدة/47 فحق على ظاهره ؛ لأن الله تعالى أنزل فيه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، واتباع دينه ، ولا يكونون أبدا حاكمين بما أنزل الله تعالى فيه إلا باتباعهم دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنما أمرهم الله تعالى بالحكم بما أنزل في الإنجيل الذي ينتمون إليه ، فهم أهله ، ولم يأمرهم قط تعالى بما يسمى إنجيلا وليس بإنجيل ، ولا أنزله الله تعالى كما هو قط ، والآية موافقة لقولنا ، وليس فيها أن الإنجيل لم يبدل ، لا بنص ولا بدليل ، إنما فيه إلزام النصارى الذين يتسمون بأهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه ، وهم على خلاف ذلك " ينظر " الفصل " (1/ 159) وقد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية فصلا كاملا مطولا ، جعله المحققون بعنوان : " فصل الرد عليهم في زعمهم أن الإسلام عظم إنجيلهم الذي بين أيديهم "، أطال فيه النفس جدا بالجواب عن هذه الشبهة ، وبيان تواتر ما في القرآن والسنة من إثبات كفر اليهود والنصارى ومناقضتهم دين الأنبياء ، واشتمال كتبهم على كثير من الكفر والباطل . فكان مما قاله رحمه الله : " تصديق القرآن للتوراة والإنجيل مذكور في مواضع من القرآن ، وقد قال : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) [المائدة: 48] . فبين أنه أنزل هذا القرآن مهيمنا على ما بين يديه من الكتب ، والمهيمن الشاهد المؤتمن الحاكم ، يشهد بما فيها من الحق ، وينفي ما حرف فيها ، ويحكم بإقرار ما أقره الله من أحكامها ، وينسخ ما نسخه الله منها ، وهو مؤتمن في ذلك عليها . وأما قوله في سورة المائدة : ( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) [المائدة: 46 - 47] فهذا ثناء منه على المسيح والإنجيل ، وأمر للنصارى بالحكم بما أنزل فيه ; كما أثنى على موسى والتوراة بأعظم مما عظم به المسيح والإنجيل ...فإذا كان ما ذكره من مدح موسى والتوراة ، لم يوجب ذلك مدح اليهود الذين كذبوا المسيح ومحمدا صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه ثناء على دين اليهود المبدل المنسوخ باتفاق المسلمين والنصارى ، فكذلك أيضا ما ذكره من مدح المسيح والإنجيل : ليس فيه مدح النصارى الذين كذبوا محمدا ، وبدلوا أحكام التوراة والإنجيل ، واتبعوا المبدل المنسوخ . ويقال : إن قولكم بتصديق [ القرآن للإنجيل ]: إن أردتم أنه صدق التوراة والإنجيل والزبور التي أنزلها الله على أنبيائه ، فهذا لا ريب فيه . وإن أرادوا بتصديقه كتبهم : أنه صدق ما هم عليه من العقائد والشرائع التي ابتدعوها بغير إذن من الله ، وخالفوا بها ما تقدمه من شرائع المسلمين ، أو خالفوا بها الشرع الذي بعث به ، مثل القول بالتثليث والأقانيم ، والقول بالحلول والاتحاد بين اللاهوت والناسوت ، وقولهم : إن المسيح هو الله ، وابن الله ، وما هم عليه من إنكار ما يجب الإيمان به من الإيمان بالله واليوم الآخر ، ومن تحليل ما حرمه الله ورسله كالخنزير وغيره : فقد كذبوا على محمد صلى الله عليه وسلم كذبا ظاهرا معلوما بالاضطرار من دينه . وإنما صدق ما جاءت به الأنبياء قبله ، وأما ما أحدثوه وابتدعوه فلم يصدقه ; كما أنه لم يشرع لهم أن يستمروا على ما هم عليه من الشرع الأول ، بل دعاهم وجميع الإنس والجن إلى الإيمان به ، وبما جاء به ، واتباع ما بعث به من الكتاب والحكمة ، وحكم بكفر كل من لم يتبع كتابه المنزل عليه ، وأوجب مع خلودهم في عذاب الآخرة جهادهم في الدنيا ، حتى يكون الدين كله لله ، وحتى تكون كلمة الله هي العليا . وقد دعا أهل الكتاب من اليهود والنصارى عموما ، ثم كلا من الطائفتين خصوصا في غير موضع ، مع دعائه الناس كلهم أهل الكتاب وغيرهم ، كقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [الأعراف157-158] وقال تعالى يخاطب النصارى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا . لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ) [النساء: 171 - 173] وقال تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) [المائدة: 17] . وقال تعالى : ( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [المائدة: 14] وقال تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) [المائدة: 77] وقال تعالى : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) [التوبة: 29] وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم لقتالهم بنفسه عام تبوك ، واستنفر لقتالهم جميع المؤمنين ، ولم يأذن لأحد من القادرين على الغزو في التخلف . وإن أرادوا بذلك أنه صدق ألفاظ الكتب التي بأيدينا أي التوراة والإنجيل ، فهذا مما يسلمه لهم بعض المسلمين ، وينازعهم فيه أكثر المسلمين ، وإن كان أكثر ذلك مما يسلمه أكثر المسلمين . فأما تحريف معاني الكتب بالتفسير والتأويل وتبديل أحكامها : فجميع المسلمين واليهود والنصارى يشهدون عليهم بتحريفها وتبديلها ; كما يشهدون هم والمسلمون على اليهود بتحريف كثير من معاني التوراة وتبديل أحكامها ، وإن كانوا هم واليهود يقولون إن التوراة لم تحرف ألفاظها . وحينئذ فليس شهادة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته للمسيح عليه السلام ولما أنزل عليه من الإنجيل في تثبيت ما عند النصارى ، بأعظم من شهادة المسيح عليه السلام والحواريين وسائر من اتبعه لموسى ولما أنزل عليه من التوراة ، في تثبيت ما عند اليهود... فكيف تكون شهادة محمد وأمته للإنجيل بأنه منزل من عند الله ، وللمسيح بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : مانعة من كفر النصارى ، مع تبديلهم شرع الإنجيل ، وتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وشرع القرآن " انتهى باختصار من " الجواب الصحيح " (2/268-386) والله أعلم . منقول ( الإسلام سؤال وجواب ) للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
هل في القرآن ما يدل على أن التوراة و الإنجيل لم يتم تحريفهم ؟
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
الشهاب الثاقب
المزيد من مواضيعي
آخر تعديل بواسطة الشهاب الثاقب بتاريخ
22.11.2015 الساعة 11:50 .
|
الأعضاء الذين شكروا الشهاب الثاقب على المشاركة : | ||
رقم المشاركة :2 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس رضي الله عنهما قال كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرءونه محضا لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم صحيح البخاري حدثني محمد بن بشار حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم الآية صحيح البخاري قوله : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ) هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والبزار من حديث جابر أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه عليه فغضب وقال : لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ورجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفا وأخرج البزار أيضا من طريق عبد الله بن ثابت الأنصاري أن عمر نسخ صحيفة من التوراة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف ، واستعمله في الترجمة لورود ما يشهد بصحته من الحديث الصحيح ، وأخرج عبد الرزاق من طريق حريث بن ظهير قال " قال عبد الله لا تسألوا أهل الكتاب فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم فتكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل ، وأخرجه سفيان الثوري من هذا الوجه بلفظ لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل وسنده حسن ، قال ابن بطال عن المهلب : هذا النهي إنما هو في سؤالهم عما لا نص فيه ، لأن شرعنا مكتف بنفسه فإذا لم يوجد فيه نص ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم ، [ ص: 346 ] ولا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا والأخبار عن الأمم السالفة ، وأما قوله تعالى فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك فالمراد به من آمن منهم ، والنهي إنما هو عن سؤال من لم يؤمن منهم ، ويحتمل أن يكون الأمر يختص بما يتعلق بالتوحيد والرسالة المحمدية وما أشبه ذلك والنهي عما سوى ذلك . فتح الباري شرح صحيح البخاري » كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة » باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء والحديث الذي رواه البخاري في الحديث عن بني إسرائيل، فقد روى عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عنّي ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذبَ عليّ متعمداً، فليتوأْ مقعده من النار» . أما معنى الحديث فقد أورده ابن حجر العسقلاني: وقال الشافعي من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجيز التحدث بالكذب فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم وهو نظير قوله إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم. ومعنى الحديث: حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه . المزيد من مواضيعي
آخر تعديل بواسطة الشهاب الثاقب بتاريخ
22.11.2015 الساعة 14:42 .
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
الإنجيل, التوراة, القرآن, تحريفهم |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
الموضوعات المتماثلة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
كيف يصل بك الإنجيل إلى القرآن | مؤمن ابراهيم داود | منتدى القس السابق بيشوي / مؤمن إبراهيم حاليًا | 2 | 09.09.2014 14:13 |
'الإنجيل' في ضوء القرآن الكريم | صاحب القرآن | القرآن الكـريــم و علـومـه | 13 | 02.06.2014 00:16 |
كيف تزعمون أن التوراة و الأنجيل حرفوا؟؟ و هل الله ضعيف لا يستطيع أن يحفظ كلمته؟؟ | د. نيو | مصداقية الكتاب المقدس | 2 | 29.10.2011 17:07 |
كيف تزعمون أن التوراة و الأنجيل حرفوا؟؟ و هل الله ضعيف لا يستطيع أن يحفظ كلمته؟؟ | د. نيو | رد الشبـهـات الـعـامـــة | 2 | 29.10.2011 17:07 |
هل الكتاب المقدس هو التوراة و الإنجيل ؟ | Just asking | مصداقية الكتاب المقدس | 0 | 09.09.2009 22:40 |