آخر 20 مشاركات |
|
أدوات الموضوع | أنواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ... ( السنة و أهميتها )
بسم الله الرحمن الرحيم وهذا بحث يوضح أهمية السنة النبوية فالقرآن وحي مُجمل والسنة وحي مفصل ولا غنى لأحدهما عن الأخر كما قيل : وحي بتفصيل ووحي مجمل تفسيره ذاك وحي ثاني وعن المقدام بن معدي كرب الكندي ، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قال :" يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله-عز وجل-فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم –مثل ما حرم الله-" رواه الترمذي وابن ماجه. وفي رواية " ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه" ومن حديث العرباض بن سارية أنه قال: وعظنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب . ومنها قوله " عليكم بسني وسنة الخلفاء الراشدين المهدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعه وكل بدعة ضلالة " رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن ماجه. فصل في تفسير قوله تعالى : { والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى} يقول الله سبحانه :{ما ضل صاحبكم و ما غوى وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحي }. قال ابن كثير في التفسير على قوله : {ما ضل صاحبكم وما غوى} : هذا هو المقسم عليه وهو الشهادة للرسول- صلى الله عليه وسلم – بأنه راشد تابع للحق ليس بضال وهو الذي يسلك على غير طريق بغير علم،والغاوي هو العالم بالحق العادل عنه قصدا إلى غيره فنزه الله رسوله وشرعه عن مشابهة أهل الضلال كالنصارى وطرائق اليهود وهي علم الشيء وكتمانه والعمل بخلافة ، بل هو صلاة الله وسلامه عليه ، وما بعثه الله به من الشرع العظيم في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد { وما ينطق عن الهوى } أي ما يقول قولا عن هوى وغرض { إن هو إلا وحي يوحي} ، أي إنما يقول ما أمر به ، يبلغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان . و عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه عن رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا : إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله و إنه بشر يتكلم في الغضب ، فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله –صلى الله عليه وسلم –فقال: " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق". وعن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لاشك فيه " وعنه أيضا قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - :" لا أقول إلا حقا" قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال : " إني لا أقول إلا حقا".... انتهى . من تفسير ابن كثير. ثم إن الله سبحانه توعد نبيه بأنه لو كذب عليه بادعاء شيء نزل عليه ولم ينزل عليه لأذاقه العذاب الأليم ، فقال سبحانه{ولو تقوَل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين }لأنها أشد بطشا، ثم { لقطعنا منه الوتين } وهو نياط القلب { فما منكم من أحد عنه حاجرين } وحشا نبيه أن يكذب على ربه أو يكتم شيئا من وحيه وقال تعالى : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب و الحكمة} . قال غير واحد من السلف : الحكمة هي السنة ، لأن الذي كان يتلى في بيوت أزواجه-رضي الله عنهن- سوى القرآن هو سنته- صلى الله عليه وسلم - . وقال حسان بن عطية : كان جبريل – عليه السلام – ينزل على النبي –صلى الله عليه وسلم - بالسنة كما ينزل بالقرآن فيعلمه إياها كما يعلمه القرآن . ثم إن الله سبحانه اختار لحمل هذا الدين وتبليغه من هم أفضل الخلق على الإطلاق بعد نبيهم . أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، وأصدقهم لهجة وأمانة، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، ثم و هبهم قوة الحفظ والإتقان فيبلغون الناس ما سمعوه من نبيهم بدون زيادة ولا نقصان ، كما روى ابن مسعود ، قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول :" نضر الله امرء سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع " رواه أبو داود والترمدي وابن حبان فى صحيحه . وعن جبير بن مطعم، قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم –با لخيف من منى يقول :" يضر الله عبدا سمع مقالي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها ، فرب حامل فقه لا فقه له ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن : إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم تحيط من وراءهم " رواه أحمد وابن ماجة والطبراني . قال سبحانه وتعالى : { والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى} تابع تفسير هذه الآية: وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إذا جاءه أحد بحديث لم يسمعه كلفه إثباته بإحضار البينة التي تشهد له بصحة ما يسمعه وإلا أوجعه ضربا من شدة حرصهم على حفظ السنة ، فمن ذلك ما روى البخاري في صحيحه أن أبا موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس استأذن على عمر فلم يؤذن له انصرف ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له فطلبوه فوجدوه قد ذهب ، فلما جاء بعد ذلك قال : ما أرجعك ؟ قال: إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي وإني سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم –يقول: " إن استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف . فقال عمر : لتأتيني على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضربا، فذهب إلي ملاْ من الأنصار فذكر لهم ما قال عمر . فقالوا : لا يشهد لك إلا أصغرنا ، فقام معه أبو سعيد الخدري ، فأخبر عمر بذلك . فقال : ألهاني عنها الصفق بالأسواق . وهذا نوع من تحفظهم بالسنة وحمايتها عن أن يزاد فيها أو ينقص منها ، كما في البخاري أن النبي –صلى الله عليه وسلم – قال : " بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " ولهذا امتنع بعض الصحابة عن التحدث عن رسول الله خشية أن يزيد في الحديث حرفا أو ينقص حرفا ، كما ثبت عن عبد الله بن الزبير أنه قال لأبيه الزبير : يا أبت مالك لا تحدث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما يحدث عنه فلان وفلان فقال : يا بني إني لم أفارق رسول الله في جاهلية ولا إسلام ، ولكن أخشى أن أزيد عليه في الحديث حرفا أو أنقص حرفا فأكون مستوجبا للوعيد في الكذب عليه . والذي جعل الزبير و أمثاله يتورعون عن الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لاتهامهم حفظهم عن ضبط ما سمعوه من أجل ما رواه ابن مسعود ، قال : سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم – يقول :" نضر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع " رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه. ثم إن الله سبحانه حفظ سنة نبيه بما يحفظ به كتابه وذلك بعناية العلماء الحفاظ والجهابذة النقاد الذين سخر هم الله لبذل مهجهم وجهودهم وجهادهم في تنقيح أحاديث رسول الله وعنايتهم بتصحيحها وتمحيصها وبيان ضعيفها وصحيحها ، فكانت هي صنعتهم مدة حياتهم حتى حذقوا فيها وصاروا كصاغة الذهب يعرفون الخالص من المشوب، لأن من تردد في علم شيء أعلي حكمته وكانوا يسألون عن الرجال قبل سؤالهم عن الحديث ، ويقولون الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق. فمتى ذكر المحدث بسوء الفهم أو النسيان أو عدم الثقة والإتقان تركوا الحديث عنه . وعلى كل حال، فإنها لم تعن أمة من الأمم بحفظ حديثها ونصوص أصول دينها أشد من اعتناء علماء المسلمين في سلسلة إسنادهم ، حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن رسول رب العالمين ، فمتى غلط المحدث فأخطأ فهمه أو زل قدمه قالوا له : اثبت وانظر ما تقول ، فهذا السند الذي اعتني به أئمة الحديث في أمانة التبليغ هو من خصائص هذه الأمة لا يشاركهم فيه عيرهم من سائر الأمم كما قيل: قد خصت الأم بالاسناد وهو من الدين بلا ترداد ثم إن السنة تدور على قول الرسول وفعل الرسول وإقرار الرسول . وقول الرسول مقدم على فعله لاحتمال أن يكون الفعل من خصائصه ، إذ الرسول منزه عن الخطأ فيما يبلغه عن ربه. فمن قال : لا أقبل أو لا أصدق إلا بفعل الرسول ، فليس مؤمنا بالرسول ولا بما جاء به ، والنبي –صلى الله عليه وسلم – فال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " وقال:" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي . قيل: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله تستلزم طاعة الرسول فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. يقول الله : {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } { إنما كأن قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقول ا سمعنا وأطعنا وألئك هم المفلحون }. ثم ليعلم أن الله سبحانه قد نصب لعباده في الدنيا حكما عدلا يقطع عن الناس النزاع ويعيد خلافهم إلى مواقع الإجماع وهو الكتاب والسنة . يقول الله : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر }. واتفق العلماء على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته فهما نظام شريعة الإسلام ، وفيهما حل مشاكل سائر الناس من كل ما يتنازعون فيه من صغير وكبير { ولو ردوه إلا الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}. فنجد أن الله سبحانه لم يوجب الرد إليهما عند التنازع إلا وفيهما الكفاءة لحل جميع المشاكل. ثم إن القرآن لا غناء له عن السنة التي تبينه وتفسره وتوضح ما أشكل منه . كما أنه لا غني للسنة عن القرآن فهما و حيان شقيقان ولما يزل قوله سبحانه: { من يعمل سواء يجز به} فزع أصحاب رسول الله وقالوا: هلكنا ، إن كان كل من عمل منا سوءً جزي به . فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - : "ألستم تحزنون، أليس يصيبكم الأذى والمرض ؟ قالوا : بلى . قال: فداك" يشير بهذا إلى أن ما يصيب المسلم من الهم والحزن والمرض حتى الشوكة يشاكها فإنه يكفر بها من خطاياه ، وأن هذا هو من الجزاء الذي وعدوا به. ومثله قوله سبحانه : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم }ففزع الصحابة من ذلك وقالوا: أينا لم يظلم نفسه . فقال لهم رسول الله : إنه الشرك، ألم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه : {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم }. والذي يقول بالاكتفاء بالقرآن عن السنة هو لا يعرف القرآن ولا يعرف السنة ويحاول الحط من السنة ليتوصل به إلى الحط من قدر القرآن ، فإن من تجاهل سنة رسول الله وحاول الطعن فيها بالاكتفاء عنها، فإن من لوازم قوله الطعن في القرآن والتكذيب به. حاجة البشر الضرورية إلى العلم بالسنة والعمل بأحكامها و حلالها و حرامها وإذا أردت أن تعرف قدر منزلة السنة من القرآن ومن الشريعة، وأن الناس في حاجتهم إلى السنة وحكمها وتنظيمها وحلالها وحرامها هو بمثابة حاجتهم للقرآن . فمن ذلك أن الله سبحانه فرض الصلاة على عباده المؤمنين كتابا موقوتا ، أي مفروضة في الأوقات ، وأمر سبحانه في كتابه بإقامة الصلاة و بالمحافظة على الصلاة وباستدامة فعل الصلاة ، فمن أين نجد في القرآن أن صلاة الظهر أربع ركعات بعد زوال الشمس ، وأن صلاة العصر أربع ركعات إذا صار ظل كل شيء مثله ، وأن صلاة المغرب وتر النهار ثلاث ركعات بعد غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق، وأن الصلاة العشاء أربع ركعات بعد غيبوبة الشفق إلى نصف الليل ، وأن صلاة الفجر ركعتان ، وهل يوجد هذا التفصيل بهذا التفسير إلا في السنة المطهرة ، ومن ذلك أن الله سبحانه قال: { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ، فكأن إباحة القصر مشروطة لخوف الفتنة ، وقد قال يعلى بن أمية لعمر بن الخطاب : ما هذا القصر وقد أمنا . فقال عمر : لقد عجبت منه ، فسألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك . فقال : " هو صدقة من الله تصدق بها عليكم فاقبلوا صدقته " فمن أين نجد هذه الصدقة من القرآن ؟ ومثله الزكاة، فقد أوجبها الله حتى على من كان قبلنا ، ومدح في كتابه من آتى الزكاة فيما يزيد على مائة آية ...لكنها مطلقة غير مفصلة لا بنصاب ولا بجنس ، وإنما السنة بينت أنصبة الزكاة والجنس الزكوي الذي تجب فيه الزكاة ، فبينت أن في النقود والتجارة ربع العشر مع بيان نصاب كل جنس من الذهب و الفضة ، وبينت أنصبة الحبوب والتمور ، و أن ما سقي بكلفة و مؤنة ففيه نصف العشر ، وما سقي بالسيح أو المطر ففيه العشر ، وفي الركاز الخمس ومثله التفصيل في زكاة الإبل والغنم .فمن أين نجد في القرآن مثل هذا التفصيل والبيان ؟ ومثل البيع ، فقد أحل الله البيع وحرم الربا ، وليس كل بيع حلالا ، فقد حرمت السنة أشياء من البيوع كبيع الربا وبيع الخمر وبيع لحم الخنزير وبيع الغرر والغش والخداع وبيع الأصنام ، ومنها الصور المجسمة إلى غير ذالك من الميتة وبيع البيوع المحرمة. وكما جاءت السنة أيضا بإثبات خيار المجلس بين المتبايعين ، كما في البخاري عن حكيم بن حزام أن النبي –صلى الله عليه وسلم –قال:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " وهذا يسمى خيار المجلس حتى لو سلم الثمن واستلم المشتري السلعة ،ف:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " وهذا يسمى خيار المجلس حتى لو سلم الثمن واستلم المشتري السلعة ،فلكل واحد منهما الخيار ما داما في المجلس وإن طال ........ فمن أين نجد هذا التفصيل في القرآن متى عدلنا عن السنة أو استغنينا عنها بالقرآن . ثم إن الله حرم أكل الميتة ، فقال سبحانه :{ حرمت عليكم الميتة والدم } فجاءت السنة المطهرة فأباحت للناس ميتتين ودمين وهما السمك والجراد والطحال والكبد .. ومن ذلك أن الله سبحانه حرم الخمر في كتابه المبين على الإطلاق بدون تفصيل ، فجاءت السنة فحرمت كل ما أسكر كثيره فقيله حرام وهو خمر من أي شيء كان. وكل مسكر خمر وكل خمر حرام من أي شيء كان حتى لو وجد عين ماء من شرب منها سكر لحكمنا بكونها خمرا اعتبارا بالميزان الشرعي. ومن ذلك أن الله سبحانه أوجب قطع يد السارق ، بقوله سبحانه : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم }. فجاءت السنة الثابتة من حديث رافع بن خديج قال : سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم – يقول :" لاقطع في ثمر ولا كثير " رواه أحمد والربعة وصححه الترمذي وابن حبان . فأثبتت السنة العفو عن سارق الثمر والكثر وهو جمار النخل . وكما جاءت السنة أيضا بقوله –صلى الله عليه وسلم –" ادر أو الحدود بالشبهات " وبقوله :" ادفعوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم" فبالله قل لي : من أين نجد هذه الأحكام فى كتاب الله وفي أي سورة نجدها لولا أن السنة هي التي تفصل القرآن وتفسره وتعبر عنه وتبين ما سكت عنه . ومن ذلك أن الله سبحانه أباح للناس الزينة فقال سبحانه : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } فجاءت السنة فحرمت الذهب قليله وكثيره على الرجال ، كما في الحديث : " أحل الذهب والحرير لأناث أمي وحرم على ذكور هم". ولما رأى النبي –صلى الله عليه وسلم – خاتم ذهب بيد رجل فطرحه بالأرض غضبا على صاحبه، فقال : " يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في أصبعه" ، فلما انصرف النبي –صلى الله عليه وسلم – قيل لصاحت الخاتم : خذ خاتمك وانتفع به. فقال لا والله لا أرفعه عن الأرض وقد طرحه رسول الله فيها . من شدة استجابته للحق. ومن ذلك قوله سبحانه : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير، فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به } فجاءت السنة فحرمت كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، أي الذي يصيد بنابه، كالكلب والسبع والذي يصيد بمخلبه كالصقر ، وكما حرمت السنة أكل الحمر الأهلية ولن توجد هذه كلها في القرآن . وفي القرآن المنزل : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين } فجاءت السنة فمنعت الإرث بين الوالدين والأولاد مع الاختلاف في الدين ، فقال: { لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر }. وكما أن القاتل لا يرث من قتله ثم إن الله سبحانه قال في كتابه من بعد قسمه للمواريث فقال : { من بعد وصية يوصى بها أو دين }. فجاءت السنة فحكمت ببداءة الدين قبل الوصية ، كما حكمت بأن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ، وهذه إنما توجد في السنة لا في القرآن ، ثم إن رجلا أعتق ستة مماليك له عند موته ولم يكن له مال غيرهم ، فجزأهم النبي – صلى الله عليه وسلم – أثلاثا ، فأعتق اثنين وأرق غيرهم ، فجزأهم النبي –صلى الله عليه وسلم – أثلاثا ، فأعتق اثنين وأرق أربعة ، وقال له قولا شديدا ، فدل دلالة قطعين على أن المريض محجور عليه فيما زاد على الثلث ، فمن أين نجد هذا في القرآن لو لم يرجع في تفصيلها إلى السنة لاستحللنا أشياء مما حرم الله علينا . ولهذا قال بعض السلف : إن السنة تقضي على القرآن وتعبر عنه وتبين ما سكت عنه ، ومن ذلك أن الله سبحانه قال : {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطا ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } فأطلق هذه الدية ولم يقيدها بجنس ولا صفة ولا عدد ، فجاءت السنة ففصلتها وفسرتها بالإبل وبالذهب والفضة. ومثله قوله –صلى الله عليه وسلم –"ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر" . رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس ، وهذا الحديث يشتمل على قاعدة عظيمة من قواعد علم الفرائض وقسم التركات . فهو مع اختصار لفظه وجزالة معناه قد جمع علم الفرائض مما اختص رسول الله ببيانه من كل ما أجمل أم أتهم في القرآن مما لا يستطيع أحد القواعد الأصولية المستفادة عن طريق السنة النبوية إن من الغباوة والحمق دعوى الاكتفاء بالقرآن عن السنة ومحاولة عزل السنة القولية عن العمل ، ومن المعلوم من دين الإسلام ومن إجماع علماء السلف الكرام أن السنة هي شقيقة القرآن ، فهي الوحي الثاني لقوله سبحانه: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي }. فالسنة تفسر القرآن وتفصل ما أجمله وتأتي بما سكت عنه ، يقول الله: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم و لعلهم يتفكرون } من سورة النحل . فمن حاول أن يتصدى لتفسير القرآن أو تأليف أي كتاب من العلوم الشرعية مع عزمه على عزل السنة النبوية وعدم احتياجه لها ، فهذا بلا شك أخرق وأحمق، أشبه من يقتحم لجة البحر وليس بماهر في السباحة،فهذا مما لا شك في غرفه، لأن بعض الناس لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ، فذلك مائق فاتركوه. وسنورد من القواعد الأصولية والواصلة إلى الناس عن طريق السنة النبوية إن أكثر القواعد والعقائد والأصول إنما استفادها العلماء و الحكماء عن طريق السنة النبوية مع العلم أن القرآن هو الأصل ، فمن ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم - : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىءٍ ما نوى " وهذا الحديث رواه البخاري عن عمر . وقد اعتمده الفقهاء من إحدى القواعد التي عليها مدار صحة الأعمال وفسادها وهي خمس قواعد ، أحدها الضرر يزال والثانية ,العادة محكمة والثالثة ,المشقة تجلب التيسير والرابعة الشك لا يرفع اليقي والخامسة ’ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى " إذ مدار الأعمال الصالحة على إخلاص العمل وصوابه ، ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر ، أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال :" بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج." فهذه الأركان التي بني عليها الإسلام ذكرت مفرقة في القرآن بدون ذكر البناء ومن غير السهل حفظ العوام لها مفرقة. وقد وضحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بانسجام حسن لتكون عقيدة للعلماء والعوام والخاص والعام ، ولن توجد بهذه الصفة في غير السنة حتى صارت عقيدة وطريقة لسائر الموحدين السلفيين يحفظها العوام فضلا عن العلماء الأعلام . ومنها قوله –صلى الله عليه وسلم – " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة .وفي رواية لمسلم :" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" فهذا الحديث مبني على الإخلاص والمتابعة لكون العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا على نهج السنة ، فإنه مر دود على فاعله. إذ أن من واجب الإيمان برسول الله –صلى الله عليه وسلم –هو طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وألا يعبد الله إلا بما شرع ، إذ لا مدخل للعقول والآراء في عبادة الله-عز و جل – لكون العبادة هي ما أتى به الشارع حكما من غير اضطراد عر في ولا اقتضاء عقلي ، وهي تبنية علي التوقيف والاتباع لا على الاستحسان والابتداع . يقول الله سبحانه : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله –: إنه يجب على كل مسلم التصديق بما أخبر الله به ورسوله ، وأنه ليس موقوفا على أن يقوم دليل عقلي على ذلك الأمر أو النهي بعينه ،فإن مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الرسول إذا أخبر بشيء وجب علينا التصديق به وإن لم نعلم بعقولنا حكمته، ومن لم يقر بما جاء به الرسول حتى يعلمه بعقله فقد أشبه الذين قالوا:{لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتى رسل الله } ومن سلك هذا السبيل فليس في الحقيقة مؤمنا بالرسول ولا متلقيا عنه الأخبار بالقبول ولا فرق عنده بين أن يخبر الرسول بشيء من ذلك أو لم يخبر به. فإن ما أخبر به إذا لم يعلمه بعقله لا يصدق به ، بل يتأوله أو يفوضه ، وما لم يخبر به إن علمه بعقله آمن به ، فلا فرق عند من سلك هذا السبيل بين وجود الرسول وإخباره وبين عدم وجود الرسول وإخباره . وصار ما يذكر من القرآن والحديث والإجماع عديم الأثر عنده ....انتهى. ومنها قوله –صلى الله عليه وسلم –في حديث بريرة : "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق و دين الله أو ثق و إنما الولاء لمن أعتق " رواه البخاري من حديث عائشة. ومنها ما رواه البخاري عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي هل عندكم شيء من الوحي غير القرآن ؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله تعالى رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل و فكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر . رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث علي " بلفظ المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسقى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم " ، و صححه الحاكم فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم - : أن الإسلام يساوي بين الناس في دمائهم ودياتهم ، فيجعل دية المقعد الأعمى والأصم بمثابة دية الشاب السوي الواعي إذ النفس بالنفس والجروح قصاص . ثم قال : ويسعى بذمتهم أدناهم، فأيما رجل آجر رجلا أو رجالا في ذمته ، فحرام على المسلمين أن يخفروا ذمته حتى ولو كان المجير امرأة، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم - "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ". وأما قوله : " وهم يد على من سواهم "، فمعناه : أنه متى بغى عدو على طائفة أو أهل بلد من المسلمين ، فإن الواجب أن يكونوا كاليد الواحدة في دحر نحره ودفع شره ، إذ المؤمنون بعضهم أولياء بعض، ولو ذهبنا نتبع النصوص والأصول المستفادة عن طريق السنة لخرج بنا الاستطراد عن موضوع ما عزمنا عليه من الاختصار والاقتصار . وحتى الحيوان فقد جاءت السنة بمشروعية رحمته والرفق به والإحسان إليه . ففي الحديث أن النبي _صلى الله عليه وسلم –قال:"إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم من حديث عن أبي يعلى شداد بن أوس. وفي البخاري أن النبي _صلى الله عليه وسلم –قال:"بينا كلب يدور على بئر يلهث عطشا إذ نزعت له امرأة بغي موقها فسقته فشكر الله لها ذلك فغفر لها. فقالوا : يا رسول الله أو لنا في البهائم أجر ؟ فقال: نعم . إن في كل كبد رطبة لأجرا " .وقال :" دخلت النار امرأة في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت"، ونهى أن تتخذ ذات روح غرضا –أي هدفا _ للرمي ، كما لعن من وسم دابة في وجهها. فهذه النصوص تستفاد من السنة ، ولو ذهبنا نتتبع أمثال ذلك لخرج بنا عن موضوع الاختصار والاقتصار. والحاصل أن من ادعى الاكتفاء بالقرآن عن السنة فإنه ليس مؤمنا بالقرآن ولا بالسنة ، لكون التكذيب بأحدهما مستلزما للتكذيب بالآخر ، فيكون ممن قال الله فيهم : { يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل، أولئك هم الكافرون حقا و أعتدنا للكافرين عذابا مهينا} من سورة النساء . السنة التي ندعو إلى الإيمان بها والحكم بموجبها إن من الواجب على كل مسلم متابعة الرسول في المنقول و المعقول ، لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد بين للناس بطريق التلقين والتعليم جميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم ودنياهم . قال تعالى : { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}. فأخبر سبحانه أنه أرسل رسولا منهم يعرفون نسبه وصدقه وأمانته ، يتلو عليهم آياته القرآنية ويلقنهم حفظها ، ويسألونه عما أشكل عليهم منها . قال ابن مسعود : كنا إذ تعلمنا عشر آيات لم نتجاوز هن حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن ، ثم قال: {ويزكيكم } ، أي بالمحافظة على الفرائض و الفضائل ، واجتناب منكرات الأخلاق والرذائل ، لأن هذه الأعمال هي التي تزكي النفوس وتشرفها وتنشر في العالمين فخرها ، وقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. ثم قال :{ ويعلمكم الكتاب والحكمة}، فالكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة ، فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم –يعلم أصحابه الكتاب والسنة ، ويقول :" إنما بعثت معلما" {ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} من كل ما يحتاجون إليه في أمر دينهم ودنياهم . فالرسول بين للناس جميع الدين بالكتاب والسنة . وأن الله لم يرسل رسولا إلا ليطاع بإذن الله ، يقول الله :{ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا}. ومعنى شهادة أن محمدا رسولا الله هي طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وان لا يعبد الله إلا بما شرع، فمن واجب المؤمن أن يعرف حقيقة ما أخبر به رسول الله ، وأنه الحق لكونه لا يقول إلا حقا. وأن من عصى الرسول فقد عصى الله. فمن واجب أهل العلم والإيمان التسليم والقبول لما جاء به الرسول من صحيح المنقول ، إذ الحكمة في بعث الرسل هو طاعتهم فيما أمروا واجتناب ما عنه نهوا وز جروا ، وسواء أدركوا معرفة ذلك بعقولهم أو لم يدركوه. ثم إن السنة التي ندعو إلى الإيمان بها والعمل بموجبها . هي السنة الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وسلم –بنقل الثقات الأثبات عند أهل المعرفة والعلم بالحديث ، الذين يميزون بين الصحيح والضعيف ، فهم يعرفون رجال الحديث وصحته كما يعرفون أبناءهم. ولسنا نعني ما في بطون الكتب من التفاسير وكتب الفقه الترغيب والترهيب ونحوها ، فإن في هذه الكتب الشيء الكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة مما يتبرأ منها الإسلام ، وليست من كلام محمد رسول الله –صلى الله عليه وسلم -. وقد تصدى لهذه الأحاديث علماء نقاد فأخرجوها عن حيز الاعتبار بما يسمى كتب الموضوعات. فمن واجب أهل العلم بالله أن لا يتجر أو على الاستشهاد والاحتجاج بالحديث إلا بعد التأكد من ثبوته وصحته، إذ أن كتب الفقه المتداولة بأيدي الناس من شتى المذاهب مشحونة بالأحاديث الضعيفة الموضوعة، ينقلها بعضهم عن بعض. وعلى كل حال فإن كل من تصدى للقضاء أو التفسير أو التأليف في الفقه أو في غير ه من سائر العلوم الشرعية، فإنه لن يستغني عن الاستعانة بسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم – القولية والفعلية ، إذ هي من الأمر الضروري ولن يتم أمره بدونها ، إذ هي بمثابة المصابيح التي يهتدي بها. وكلما كان الشخص عالما بالسنة ومتوسعا في حفظها وفهمها ، فإنه سيكون أقدر وأجدر على معرفة تفسير القرآن واستنباط المعاني والأحكام ممن هو جاهل بها { أفمن يعلم كمن لا يعلم أفلا تذكرون}. إن أكثر ما أعبد ضلال المسلمين من علماء الكلام قديما وحديثا عن الدين ، هو بعدهم عن السنة وضعف نصيبهم منها، فحكموا عقولهم وآراءهم في القول على الله و تحريف كلام الله وصفاته حتى وصفوا الرب بالجمادات ، فأنكروا كلام الله وأنكروا صفاته بطريق تحريفها عن المعنى المراد منها. فقالوا : القرآن مخلوق والله لا يتكلم . وقالوا : إن الله سميع بلا سمع وبصير بلا بصر ، ووجه الله عظمته ، ويده قدرته، ونزوله نزول أمره ، والاستواء على العرش بالاستيلاء، وأنكروا رؤيته في الآخرة . وغير ذلك من تحريف الكلم إلى فير المعنى المراد منه. وهذه التحريفات إنما حدثت بعد انقضاء عصر الصحابة الذين بلعوا معاني التنزيل من الرسول –عليه أفضل الصلاة والتسليم- فكانوا أعلم الناس بالتأويل ولم يقع منهم تحريف للصفات بصرفها عن غير المعنى المراد بها، وبعد انقضاء عصر التابعين انقسم العلماء فريقين : فريق يقال لهم علماء السنة، وفريق يقال لهم علماء الكلام . فأهل السنة وقفوا مع القرآن ، فأثبتوا ما أثبته الله لنفسه من الصفات بدون تشبيه ولا تعطيل { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وقالوا: إن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، فكما أن الله ذاتا لا تشبه ذوات المخلوقين، وقد قال في شرح العقيدة الطحاويه. كيف يتكلم في أصول الدين من لا يتلقاه من الكتاب والسنة ، وإنما يتلقاه من قول فلان وعلماء الكلام ومن زعم أنه يأخذه من كتاب الله وهو لا يتلقى تفسيره من كتاب الله ولا من أحاديث رسول الله ، ولا ينظر فيما قاله الصحابة فإنه يعتبر بأنه خاطئ خارج عن حدود الحق . فإن المنقول إلينا من السنة عن الثقات الذين تخيرهم النقاد : أنهم لم ينقلوا إلينا نظم القرآن وحده فقط ، بل نقلوا نظمه ومعناه ،ولا كانوا يتعلمون القرآن كما يتعلم الصبيان ، بل كانوا يتعلمونه بمعانيه، وكل من لا يسلك سبيلهم في العلم والتعلم والعلم، فإنما يتكلم برأيه و هواه، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله. والحاصل : أن من يتكلم برأيه وبما يظنه من دين الله ولم يتلق ذلك من الكتاب والسنة ، فإنه مأثوم وإن أصاب ، وإن أخذه من الكتاب والسنة، فإنه مأجور وإن أخطأ.... انتهى. فالواجب على المسلمين جميعا وجوب الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله وإقامة التشريع عليهما، فإن هذا هو الضمان لهم والكفيل بعلاج عالمهم وإصلاح مجتمعهم { قل هو للذين آمنوا هدى شفاء } وحتى لا يرجعوا القهقرى ضلالا كما حذرهم رسول الله عن ذلك بقوله :" تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض" . رواه مالك بلاغا والحاكم موصولا بإسناد حسن. ضلال القائلين بالاستغناء بالقرآن عن السنة إنه من المعلوم بطريق العقل والنقل أنه لا غنى للناس عن السنة أبدا، إذ هي المصدر الثاني في التشريع ، وأن دعوة الناس إلى الاستغناء بالقرآن عن السنة هي دعوة إلحادية حاولوا بها الحط من شطر الدين وتفسير ما أجمل أو أبهم في القرآن ، ليتمكنوا بذلك من الحط من الشطر الثاني – أي القرآن الحكيم – حتى يعيشوا في الدنيا عيشة البهائم ، ليس عليهم أمر ولا نهي ، ولا صلاة ولا صيام ، ولا حلال ولا حرام ، { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}. وقد قال عمر بن عبد العزيز أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –قد سن سننا الأخذ بها اعتصام بكتاب الله وقوة في دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر في أمر يخالفها، من اهتدى بها فهو المهتدي ومن استنصر بها فهو المنصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا. فالرسول –صلى الله عليه وسلم – كان يبين للناس ما نزل إليهم من القرآن بمقتضى أقواله وأفعاله وتقريراته ، ويقول :"ما تركت من شيء يقربكم من الجنة إلا أخبرتكم به ، ولا شيء يباعدكم عن النار إلا حذرتكم عنه". وعن عمران بن حصين أنه قال لرجل يريد أن يقتصر على القرآن دون السنة، فقال له إنك امرؤ أحمق ، أتجد في القرآن أن الظهر أربع ركعات لا يجهر فيها بالقراءة حتى عد علية الصلاة والزكاة ونحوها ، ثم قال: كتاب الله أتهم أشياء كثيرة من نوع ذلك ، وأن السنة تفسر ذلك. ولقد سئل أبو بكر عن ميراث جدة أم الأب مع الأب ، فقال مالك في كتاب الله من شيء ، ولكني أسأل الناس ، فسأل الصحابة فشهد المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي –صلى الله عليه وسلم – أعطاها السدس فأمضاه أبو بكر . وأراد عمر أن يفاوت بين الأصابع في الدية حتى شهد عنده بعض الصحابة أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم –قال-: الخنصر والإبهام سواء كل أصبع عشر من الإبل فأمضاها ولم يكن ليعلم أن المرأة ترث من دية زوجها، حتى كتب إليه الضحاك أبن فيروز الديلمي كان أميرا لرسول الله على بعض البوادي ، فكتب إلى عمر يخبره أن رسول الله ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. ولم يكن ليعلم حكم الشرع في اخذ الجزية من المجوس حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف بقول النبي –صلى الله عليه وسلم –"سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ولم يكن عثمان بن عفان –رضي الله عنه –يعلم أن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيت زوجها أطول الأجلين ، حتى أخبرته الربيع بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري بقضيتها لما توفي عنها زوجها ، وأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم –أمرها أن تمكث في بيت زوجها حتى يبلغ الكتاب أجله فأخذ بها عثمان وأمضاها. إلى غير ذلك من النصوص التي جاءت بها السنة ولم تكن مذكورة في القرآن فلما أخبروا بها سمعوا و انقادوا وقالوا {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا}"ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا". وحتى خبر الواحد العدل يفيد العلم اليقيني بأدلة كثيرة عند جماهير العلماء من الأولين والآخرين، وهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ولم يتواتر لفظه ولا معناه ، ولكن تلقته الأمة بالقبول عملا به أو تصديقا له ، كخبر عمر بن الخطاب " إنما الأعمال بالنيات" ، و كخبر ابن عمر ،" نهي رسول الله عن بيع الولاء وهبته" وقد أنهى العلامة ابن القيم صحة قبول خبر الواحد إلى عشرين وجها ، كلها تثبت صحة قبول خبر الواحد متى توفرت أسباب الصحة فيه كغيره. الضرورة الملحة في حاجة الناس إلي العمل بالسنة إنه مما لا شك فيه أن السنة علم واسع يتعلق بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم ودنياهم و معادهم وجهادهم وبيعهم وشرائهم وما يلتحق بذلك من الإيجار والعارية والهبة والواقف والصلح والنكاح والطلاق . فالرسول-صلى الله عليه وسلم –يتحدث عن إصلاح المجتمع وعن عوامل الهدم التي تعمل عملها على تقويض دعائمه ، وعن عوامل البناء التي تعمل على إقامته على قواعده السليمة، ويتحدث عن النظم التي ينبغي أن تسود المجتمع الإنساني، وعن الأوضاع التي يجب أن تستقيم وعن الأعمال التي يجب أن تجتنب. فالرسول –صلى الله عليه وسلم –قد أوتي جوامع الكلم ، وكلامه- صلى الله عليه وسلم –أبلغ الكلام البشري، ونشر السنة عامل من أهم العوامل على ترقية اللغة التي يكتب بها الكتاب وعلى وضع الناشئين و المثقفين في وضع أدبي ممتاز، من حيث اللغة ومن حيث الأسلوب ، كقوله :":اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن". وللسنة أدبها الواسع في تهذيب النفس وتربية الروح وسمو الأخلاق إلى درجة لا تجارى، يقول الله :{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } فعلمنا أن الحياة الحقيقية هي في اتباع ما جاء به الرسول، فأهلها هم أحياء وإن كانوا في القبور ، كما أن الإعراض عما جاء به الرسول هو الموت وإن كان صاحبه يمشي على الأرض ، كما قيل: أخ العلم حي خالد بعد موته @@ وأوصاله تحت التراب رميم وذو الجهل ميت وإن كان على @@ الثرى يعد من الأحياء وهو عديم ومن أجل ذلك كله كان نشر السنة واجبا دينيا وعملا اجتماعيا وإصلاحا أخلاقيا . وهو على كل حال ضرورة ملحة في عصر تحاول فيه الرذيلة أن تطغى على الفضيلة ، ويحاول الانحلال الخلقي أن يعم كل أسرة وفي كل بيت ،ويحاول الفساد أن يأتي على مقدسات الأمة ومقوماتها من كل عرض وشرف وكرامة. لقد أحب الله للإنسانية مثالا أخلاقيا كريما رسمه سبحانه في القرآن الكريم قولا، فكان الرسول –صلى الله عليه وسلم – الصورة التطبيقية الكاملة للرسم الإلهي، وكان بذلك الإنسان الكامل .يقول الله في حق نبيه {وإنك لعلى خلق عظيم} لقد كان رسول الله المثل الأعلى في الرحمة و المثل الأعلى في الصبر، والمجاهد الأكبر والمثل الأعلى في الصدق وفي الإخلاص وفي الوفاء وفي البر وفي الكرم. ولا ريب في أن الأمة الإسلامية حينما تقتدي بالرسول –صلى الله عليه وسلم –إنما تقتدي بأعظم البشر رجولة وإنسانية. وتقتدي بمن أحب الله سبحانه أن يقتدي به { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} وإن العمل على نشر السنة إنما هو توجيه للاقتداء بالرسول- صلى الله عليه وسلم – وقد سمى الله السنة في كتابه باسم الحكمة لقوله سبحانه { ويعلمكم الكتاب والحكمة } لكونها تفسر بإصابة الحق في القول العمل . وأن الدعوة إلى ترك السنة اكتفاء بالقرآن الكريم دعوى باطلة ، وقد حذرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – من هذا الضلال . فروى الحاكم في مستدركة أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قال :" يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته فيحدث بحديثي فيقول بيني وبينكم كتال الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه . وإنما حرم رسول الله –صلى الله عليه وسلم –كما حرم الله" وروى أبو داود عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قال :" لألفين أحدكم متكئا غلى أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول لا أدرى ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه". وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله" وعن حسان بن عطية أنه قال : كان جبريل –عليه السلام – ينزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم – بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن . وعن مكحول قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "آتاكم الله القرآن ومن الحكمة مثليه " أخرجهما أبو داود في مراسيله. وقيل لمطرف بن عبد الله بن الشخير : لا تحدثونا إلا بالقرآن . فقال : والله ما نبغي بالقرآن تدلا ولكن نريد من هو أعلم منا بالقرآن ، يعني النبي – صلى الله عليه وسلم – وإن سنته شرح للقرآن . وقال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه - : لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله . فبلغ ذلك امرأة من بني أسد ، فقالت : يا أبا عبد الرحمن ، بلغني أنك لعنت كيت وكيت . فقال: ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في كتاب الله . فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال : لئن كنت قرأته فقد وجدته ، أما قرأت : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } . قالت : بلى . قال : فإنه قد نهى عنه رسول الله –صلى الله عليه وسلم – والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم منقول بتصرف للشيخ/ عبدالله الشريف للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ... ( السنة و أهميتها )
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
الشهاب الثاقب
المزيد من مواضيعي
آخر تعديل بواسطة الشهاب الثاقب بتاريخ
29.11.2014 الساعة 06:04 .
|
الأعضاء الذين شكروا الشهاب الثاقب على المشاركة : | ||
رقم المشاركة :2 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
بوركتم المزيد من مواضيعي
|
رقم المشاركة :3 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
رفع المزيد من مواضيعي
|
رقم المشاركة :4 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
الاحاديث, السنة, رسول الله, علم مصطلح الحديث |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
الموضوعات المتماثلة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
هل هذا القول صحيح : كلّ حديث ضعيف هو على ضعفه صحيح المعنى ؟ | أبوحذيفة الأثري | الحديث و السيرة | 0 | 18.03.2012 13:29 |
تزكية النفوس أهميتها ووسائلها | أبو السائب أكرم المصري | القسم الإسلامي العام | 0 | 28.09.2011 04:14 |
فضل الصدقة و أهميتها بالأحاديث الصحيحة | زهرة المودة | الحديث و السيرة | 4 | 08.08.2010 15:43 |