رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمه الله وبركاته رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال مها الجريس كـان المجتمع الجاهلي العربي لا يقيم وزناً لمشاعر الطفولة، بل كان ينظر إلى الأطفال كجزءٍ من ماديات الحياة التي يتباهى بها، فيتباهون بكثرة الأولاد كما يتباهون بكثرة المال والماشية والعتاد. والأسوأ التمييز بين الأطفال على أساس الجنس، فالذكور لهم النصيب الأكبر من الرضا والفخر، أما الإناث فهنّ مجلبةٌ للفقر والعار على حسب زعمهم. لذا فإن مصيرهن هو الدفن أحياءً في التراب وكان يسمى (الوأد) ولا يرون فيه عاراً ولا جريمة. بل إن الله تعالى قصّ علينا في القرآن أن الرجل الجاهلي كان يضيق بولادة الأنثى ويسوَدُّ وجهه من الهمِّ ويتوارى عن قومه خجلاً من البنت التي ستنسب له، ولا يهدأ له بالٌ حتى يدسُّها في التراب كما ورد في الآية: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّاً وَهُوَ كَظِيْمٌ، يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوْءِ مَا بُشَّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُوْنٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُرَابِ﴾[1].لكن هذا لم يكن عادة عند جميع العرب وإنما كانت عند بعض بطون بني تميم. لقد رُزِق محمد صلى الله عليه وسلم بأربع بناتٍ وقد فرح بهن فرحاً عظيماً واحدةً تلو الأخرى وأحسن إليهن إحساناً شديداً، بل إنه كان يكرمُهُن ويظهر محبَّتَهُن حتى بعد أن كَـبُرن وتزوجن. وحبُّ الأطفال ورحمتهم ومداعبتهم كان جزءاً من حياته صلى الله عليه وسلم إلى الحدّ الذي جعل الصحابة ينقلون لنا كثيراً من ذلك في الأحاديث ويستنبطون من تلك المواقف أحكاماً شرعيةً حُفِظَت في كتب الفقه حتى يومنا هذا. لم يكن صاحب الرسالة العظمى والمبعوث للثقلين يجد حرجاً من حمل الأطفال على ظهره واللعب معهم مؤدياً بذلك دور الجمل المركوب فقد ثبت أنه كان يحمل الحسن والحسين على ظهره ويقول: (نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما)[2]. ولم يكن بأبى أن يحمل صغيراً وهو بين يدي ربه في الصلاة، أعظم شعائر الإسلام. فقد ثبت أنه كان يحمل أمامة بنت أبي العاص ابنة بنته زينب رضي الله عنها وهو يصلي فإذا قام رفعها وإذا سجد وضعها[3]. بل إنه ليتأخر في سجوده إذا صعد أحد الأطفال على ظهره مخافة أن يقوم فيسقط عنه أو يؤذيه أو يستعجله بالنزول، ذلك أن الأطفال لا يفهمون حرمة الصلاة في سن مبكرة وقد لا يرون في منعهم من الاقتراب من المصلين سوى فظاظةً وقسوةً لا يدركون سببها. فثبت أنه تأخر مَرَّة في سجوده حتى سأله الصحابة عن ذلك. فقد خرج ذات يومٍ على الصحابة في إحدى صلاتي العَشِي (الظهر أو العصر) وهو حاملٌ حسناً أو حسيناً رضي الله عنهما فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه عند قدمه اليمنى ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال الراوي: فرفعت رأسي من بين الناس فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك هذه سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك. قال: (كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته)[4]. وكم كان لطيفاً حين كان الصحابة يأتون إليه بالمواليد من أبنائهم طالبين بركة دعائه وتسميته فيدعو لهم ويبارك لهم ويسميهم؛ فيضع مولوداً في حجره ذات يومٍ حتى إذا تبوّل على ثيابه لم يتأفّف أو يضجر بل أمر بالماء فنضحه بكل رحابة صدرٍ وسعةِ بال، ذلك أنه نبي الرحمة. ولقد وقف يوماً خطيباً في مجمع المسلمين يوم الجمعة فدخل الحسن والحسين من باب المسجد يمشيان ويعثران فلما رآهما أشفق عليهما فنزل من منبره وحملهما وأكمل خطبته بعد أن تمثل قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَولادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾[5] ثم قال: (نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما)[6]. لقد كان يرحم الأطفال رحمةً تحدث بها العرب الجفاة الذين كان بعضهم يرى في احتضان الأطفال وتقبيلهم نقصاً في رجولته حتى قال أحدهم وهو الأقرع بن حابس حين يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل طفلاً في حجره: إن لي عشرةً من الولد ما قبلت أحداً منهم!. فقال له صلى الله عليه وسلم: (من لا يَرحم لا يُرحم)[7]. وجاءه أعرابي فقال مستنكراً: تقبلون صبيانكم؟ فما نقبلهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟)[8]. حقا إنها لغلاظةٌ في الطبع أن يحرم الإنسان نفسه من تقبيل طفلٍ والمرح معه. إن تلك الأجواء الأبوية الحانية هي خير مصنعٍ لبناء الشخصية السوية نفسياً وعاطفياً. ومع كونه صلى الله عليه وسلم أباً لبناتٍ أربع فقد تبنى غلاماً في قريش ونسبه لنفسه فكان يدعى (زيد بن محمد) حتى أبطل الإسلام عادة التبني بالنسب فكان يرعاه ويربيه لكن ينسبه لأبيه فيقال له ( زيد بن حارثه). وكان هذا الحب وتلك الرحمة ممتدةٌ إلى ولده وهو (أسامة بن زيد) الذي كان يدعى حِبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حِبِّه، وأمه أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته وكان الجميع يعلم منزلته في قلبه ورحمته به حتى طلب منه البعض أن يشفع عند رسول الله في أمرٍ من الأمور. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر ثم يضُّمهما ثم يقول: (اللهم ارحمهما فإني أرحمهما)[9]. وكان صلى الله عليه وسلم يحبه ويعتني به وحين سقط ذات يومٍ من عتبة الدار قام إليه فزعاً وأخذ يمسح الدم عن وجهه ويسكته. وعن عائشة رضي الله عنها أن أسامة عثر بعتبة الباب فدمي. قال: فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يمصه ويقول: ( لو كان أسامة جارية لَحَلَّيْتُها وَلَكَسَوْتُها حَتَّى أُنَفِّقُها)[10]. وكان صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن بن علي، فيرى الصبي لسانه فَيَهِشُّ[11] له. وكان رسول الله يصفّ عبد الله وعبيد الله وكثيراً بني العباس ثم يقول: (من سبق إلي فله كذا). قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم[12]. إنها الرحمة العظيمة التي جعلت نبياً عظيماً يلعب مع الأطفال ويشاركهم بهجتهم وسرورهم. ولئن كان علماء التربية اليوم ينادون باحترام الطفولة وتعزيز الثقة في نفوس الأطفال وتقدير مشاعرهم فلقد كان ذلك جلياً في سيرته صلى الله عليه وسلم حين كان يسلّم على الصغار وهم يلعبون في سكك المدينة ويتفرج على ألعابهم ورميهم ويشجعهم فيقول: (إرموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً)[13]. ولا يجد حرجاً على كثرة همومه ومشاغله أن يتفقدهم ويتحدث معهم بما يحبون، فقد كان لأحدهم طيٌر صغيرٌ يلهو به يسمى (النُّغير) والطفل يكنى (أبو عُمَير) فكان إذا القيه داعبه بسؤاله عن طيره فيقول: (يا أبا عمير ما فعل النغير؟). عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ يقال له عمير وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟ فمات فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فوجده حزيناً لموته فقال ما قال (يقصد أنه يواسيه)[14]. لقد كان يحترم ذواتهم فيناديهم بأحب أسمائهم إليهم وإذا كان لأحدهم حقاً لم يقدم غيره عليه ولو كان أكبر منه. ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أُتي له بلبنٍ وعن يمينه غلامٌ وعن يساره أشياخٌ ممن شهدوا بدراً فلما شرب التفت إلى الغلام يستأذنه (لأنه الأحق به حسب التعاليم الإسلاميه بالبدء باليمين) فلما سأله قال الغلام: والله يارسول الله لا أؤثر بنصيبي منك أحداً أبداً، فناوله إياه[15]. وكان يرحم الصغار ويَتَفَقَّدُ حاجاتهم وقد ينادي أحدهم فيمتدح ثوباً جديداً رآه عليه ليشاركه فرح الطفولة بالثوب الجديد. ثبت في الصحيح عن أم خالد بنت خالد بن سعيد رضي الله عنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعليّ قميص أصفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَنَة سَنَة) قال عبد الله: وهي بالحبشية حَسَن قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعها) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَبْلِي وأَخْلِقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي)[16]. لقد تركَ الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الصبية الصغيرة حتى تَلعبَ به، وتعبث كما يحلو لها بخاتم النبوة على كتفه، فلا ينهرها ثم تراه يمازِحُها ويلاعبها ويخاطبها بلغتها لغة أهل الحبشة، وكانت قد نشأت فيها، ويستحسن ثوبها تطييباً لخاطرها. وحين كان الجاهليون يمقتون البنات ويعيِّرون بهن، جاء الإسلام بالأجر العظيم لمن أحسن إلى البنات وأدبهن ورفق بهن. روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو) وضمّ بين أصابعه[17]. وقال صلى الله عليه وسلم: (من ابْتُلِيَ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار)[18]. كما كان ينهى عن تفضيل الذكور عليهن، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وُلِدَت له ابنة فلم يئدها ولم يُهِنْها ولم يُؤْثِر ولده عليها ـ يعني الذكرـ أدخله الله بها الجنة)[19]. عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابنٌ له فقبله وأجلسه على فخذه وجاءته بنتٌ له فأجلسها بين يديه، فقال له صلى الله عليه وسلم :(أَلا سَوَّيْتَ بينهم)[20]. والمساواة بين الأولاد من أكثر الأساليب التربوية أثراً في سلامة نفسية الأولاد واستقامتها، قال صلى الله عليه وسلم: (سَوُّوا بين أولادكم بالعطية ولو كنت مفضلاً لفضلت النساء)[21]. وكان يقدِّر للطفولة حاجاتها ويحرص على إشباعها وحين تزوج بعائشة رضي الله عنها وهي صغيرة كان يسرِّبُ إليها صويحباتها ليلعبن معها قالت رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرب إلي صواحبي يلعبن معي باللعب)[22]. وكان يمنعهن من الخروج حياءً منه، وكان ينظر إلى العرائس والدمى التي تلعب بها ويسألها عنها وعن أسمائها كما أخبرتنا رضي الله عنها أنه نظر منها إلى شيء فقال: (ما هذا؟) فقالت: فرس!. فقال: (فرس له جناحان؟). فقالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟!. فضحك حتى رأيت نواجذه[23]. وحين كان يوم العيد والناس في مظاهر احتفالية كان بعض الحبشة يلعبون بالحراب فكان صلى الله عليه وسلم يترك عائشة تتكئ على ظهره لتنظر إليهم من باب حجرتها المطلة على المسجد. عن عائشة رضي الله عنها قالت: والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحراب في المسجد يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم أقوم حتى أكون أنا التي أمَلُّ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو[24]. لقد كان صلى الله عليه وسلم يقدر لها طفولتها رغم كونها زوجة له، ويحرص على إسعادها دون أن ينتزعها من عالم الطفولة الذي تحتاج إليه، فصديقاتها اللواتي يلعبن معها يدخلهن إليها وينهاهن عن الخروج عنها حتى تشبع من اللعب معهن، وعرائسها المتنوعه كانت محط اهتمامه وسؤاله، ويتركها تتكئ على ظهره لترى الحبشة يلعبون في المسجد حتى تملّ. كم من الرحمة كانت تسكن هذا القلب الرحيم، وكم من التعامل الكريم مع الصغار كان يقوم به هذا النبي العظيم؟. إنه ليُخيَّل إليك وأنت تقرأ سيرته مع الأطفال أنه لم يكن يحمل همّاً سواهم. لقد كان مربياً فاضلاً وأباً رحيماً يَشُقُّ عليه بكاء الصبي وهو مع المسلمين في المسجد فيستعجل الصلاة لتتفرغ له أمه!. عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتَجَوَّز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه)[25]. وكان ينهى عن الاستهتار بعقولهم والكذب عليهم فحين نادت أمٌّ صغيرها وهي تمدُّ يدها إليه قائلةً له: تعال أعطك. قال: (وما أردت أن تعطيه؟) فقالت: تمرة. قال: (أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كُتِبَت عليك كذبه)[26]. أما الأيتام فكان لهم معه شأنٌ آخر. كيف لا وهو اليتيم مثلهم صلى الله عليه وسلم، ومن لم يتذوق اليُتْمَ لا يقَدِّر مشاعر الطفولة المفجوعة به. وقد حث على كفالة اليتيم ورعايته ووعد على ذلك أجراً عظيما فقال صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنه هكذا وضم أصبعيه السبابة والوسطى)[27]. لقد كان يتعاهد أبناء الشهداء من المسلمين ويخصهم بالهبات والعطايا ويقبّلهم ويحملهم ويغدق عليهم من حنانه ورعايته الكريمة. عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى ثم خرج إلى أهله فخرجت معه فاستقبله وِلْدان فجعل يمسح خَدَّيْ أحدهم واحداً واحداً قال: وأما أنا فمسح خَدَّيَّ، قال: فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جُؤْنَةِ عطّار)[28]. عن أنس رضي الله عنه قال: (ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان إبراهيم مسترضعاً له في عوالي المدينة فكان لَيَنْطَلِقُ ونحن معه فيدخل البيت فيأخذه فيقبله ثم يرجع)[29] . ولما كان للهدية أثر طيب في النفس البشرية عامة، وفي نفس الأطفال أكثر تأثيراً، وأكبر وقعاً، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي الأطفال فيتأثر بذلك الأطفال تأثيراً بالغاً. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: كان الناس إذا رأوا الثمر جاؤوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لنا في مدينتا وفي ثمارنا وفي صاعنا، بركة مع بركة)، ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان[30]. وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدمت هدايا من النجاشي، فيها خاتم من ذهب فيه فَصٌ حبشي فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعودٍ أو ببعض أصابعه معرضاً عنه، ثم دعا أمامة بنت أبي العاص من زينب فقال: (تحلَّّي بهذا يا بنية)[31]. وقد بكى صلى الله عليه وسلم لموت الصغار رحمة بهم وتأثراً بفراقهم. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئراً لإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمّه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يارسول الله؟ قال: (يا ابن عوف إنها رحمة!) ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله عليه وسلم: (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)[32]. وبكى صلى الله عليه وسلم حين رأى طفلاً لفاطمة رضي الله عنها وروحه تغرغر. فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم: أن ابناً لي قبض فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكلٌ عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب)، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت ورجال فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقعقع قال : حسبته قال كأنها شنّ، ففاضت عيناه، قال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ قال: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)[33]. وقد راعى الإسلام مشاعر الأبوة وتعلقها بالطفولة وعظيم المصيبة بفقد الولد والرحمة به. ولهذا فقد جعل الجنة لمن يموت له ثلاثة من الولد رحمة بصبره وعظيم مصيبته في أبنائه. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لها فقالت: يا نبي الله أدع الله له فلقد دفنت ثلاثة، قال: (دفنتِ ثلاثة؟) قالت: نعم، قال: (لقد احتَظَرت بحظارٍ شديد من النار)[34]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم)[35]. إن الحديث عن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال يحمل في طياته الكثير من التطبيقات الحية للنظريات التربوية الرائعة التي تزخر بها كتب التربية وعلم النفس، ولا عجب فهو معلم البشرية صلى الله عليه وسلم. وهو بذلك يقصد ويدعو إلى رحمة الأطفال، وعدم الغلظة عليهم، ومعاملتهم باللين والإحسان، ولو بالكلمة الطيبة، مع مداعبتهم وممازحتهم، وعدم التسلط عليهم بالضرب أو التعنيف أو التوبيخ، لكي يشبوا أسوياء صافية قلوبهم، سليمة من الحقد على من حولهم، ولا يكونوا كذبة غشاشين، فتخسرهم أمتهم، ويضروا مجتمعهم بسبب سوء التربية. ولنا في رسول الله أسوة حسنة في ذلك، وما ذكرناه في هذا المبحث من حسن ورفق ولين تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال ما هو إلا غيضٌ من فيضٍ، وقطرة من بحر رحمته العميق. [1] سورة النحل / الآية 58 [2] رواه الطبراني وقال الهيثمي إسناده حسن ( 9/182) [3] صحيح البخاري 5996 [4] سنن النسائي 1129 وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين (11/87 ) وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (2/285) [5] سورة التغابن / الآية 15 [6] مسند الإمام أحمد 21917 وصححه ابن حبان ( 25/126) والألباني في مشكاة المصابيح (6159) [7] صحيح البخاري 5537 [8] صحيح البخاري 5538 [9] صحيح البخاري 6003 [10] مسند الإمام أحمد 23931 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1019 [11] يهش أي يضحك [12] مسند الإمام أحمد 1739 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحه ( 4/13) [13] صحيح البخاري 2684 [14] صحيح البخاري 5735 [15] صحيح البخاري2180 [16] صحيح البخاري 5534 ومعنى زبرني أي نهرني [17] صحيح مسلم 4765 [18] صحيح البخاري 5536 [19] مسند الإمام أحمد 1856 وقال الشيخ أحمد شاكر إسناده حسن (4/294) [20] أخرجه البزار وقال الهيثمي رواه البزار فقال حدثنا بعض أصحابه ولم يسمه وبقية رجاله ثقات ( 8/156) [21] أخرجه البيهقي بإسناد حسن عن ابن عباس وقال الهيثمي: فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث قال عبد الملك بن شعيب ثقة مأمون ورفع من شأنه وضعفه أحمد وغيره (4/153 ) [22] صحيح البخاري 5665 [23] سنن أبي داود 4284 وصححه الألباني صحيح وضعيف سنن أبي داود (10/432 ) [24] صحيح البخاري 435 [25] صحيح البخاري 666 [26] رواه أبو داود 4991 وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/247) [27] صحيح البخاري 5546 [28] صحيح مسلم 4297 [29] صحيح مسلم 4280 وجُؤْنَةِ العطّار هي ما يجمع فيه الطيب ويدخره [30] صحيح مسلم 1373 [31] سنن أبي داود 3564 حسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (9/235) [32] صحيح البخاري 1220 [33] صحيح البخاري 1204 [34] صحيح مسلم 4770 ومعنى حظار :أي ستار [35] صحيح البخاري 1 للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
كلمة سواء
المزيد من مواضيعي
آخر تعديل بواسطة كلمة سواء بتاريخ
08.07.2010 الساعة 13:27 .
|
رقم المشاركة :2 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
جزاكم الله خيرًا أختي الفاضلة
وتقبل منا ومنكِ صالح الأعمال .. كل القلوب إلي الحبيب تميل *** ومعي بذلك شاهد و دليل أما الدليل إذا ذكرت محمداً*** صارت دموع العاشقين تسيل يا سيد الكونين يا علم الهدى***هذا المتيم في حماك نزيل لو صادفتني من لدنك عناية*** لأزور طيبة و النخيل جميل هذا رسول الله هذا المصطفى*** هذا لرب العالمين رسول هذا الذي رد العيون بكفه *** لما بدت فوق الخدود تسيل هذا الغمامة ظللته إذا مشى *** كانت تقيل إذا الحبيب يقيل هذا الذي شرف الضريح بجسمه *** منهاجه للسالكين سبيل يارب إني قد مدحت محمداً*** فيه ثوابي وللمديح جزيل صلى عليك الله يا علم الهدى *** ما حن مشتاق وسار دليل المزيد من مواضيعي
|
رقم المشاركة :3 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
وسلم, الله, رحمته, عليه |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
الموضوعات المتماثلة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
صحة موضوع رسالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم..إلى كل مسلم غيور | أمــة الله | الحديث و السيرة | 6 | 21.10.2013 13:10 |
ركزوا فى الفيلم المسيح (عليه السلام) بلسانه يبشر الحوارين بمحمد (صلى الله عليه وسلم ) | elqurssan | البشارات بالنبي الكريم في كتب النصارى | 2 | 22.08.2010 02:13 |
الرد على شبهة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) طلق سودة لأنها أسنت وشبهة تطليقه لامرأة فيها بياض | asd_el_islam_2 | إجابة الأسئلة ورد الشبهات حول السيرة و الأحاديث النبوية الشريفة | 2 | 05.06.2009 14:14 |