العقيدة و الفقه قسم يحتوي على المواضيع الفقهية و العقدية لأهل السنة و الجماعة. |
آخر 20 مشاركات |
|
أدوات الموضوع | أنواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
في خصائص الشريعة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين في خصائص الشريعة الإسلامية تعريف الشريعة: الشريعة في اللغة: فعيلة بمعنى مفعولة الموضع الذي ينحدر إلى الماء منه، فهي مورد الشاربة التي يشرعها الناس ـ أي يردها ـ فيشربون منها ويستقون، قال الليث: وبها سمي ما شرع الله للعباد شريعة من الصوم والصلاة والحج والنكاح وغيره، قال الزبيدي: هي ما شرع الله لعباده كالشرع بالفتح، وحقيقتها وضع ما يتعرف منه العباد أحكام عقائدهم وأفعالهم وأقوالهم وما يترتب عليه صلاحهم[1]، قال ابن عاشور: " والشريعة: الدين والملة المتبعة مشتقة من الشرع وهو: جعل طريق للسير، وسمي النهج شرعاً تسمية بالمصدر. وسميت شريعة الماء الذي يرده الناس شريعة لذلك، قال الراغب: استعير اسم الشريعة للطريقة الإلهية تشبيهاً بشريعة الماء، قلت: ووجه الشبه ما في الماء من المنافع وهي الري والتطهير "[2]. أما الشريعة في الاصطلاح فهي: ما شرع الله لعباده من الدين، أي من الأحكام المختلفة. وسميت هذه الأحكام شريعة لاستقامتها ولشبهها بمورد الماء لأن بها حياة النفوس والعقول كما أن في مورد الماء حياة الأبدان. والشريعة الدين والملة بمعنى واحد، وهو ما شرعه الله لعباده من أحكام، ولكن هذه الأحكام تسمى شريعة باعتبار وضعها وبيانها واستقامتها، وتسمى ديناً باعتبار الخضوع لها وعبادة الله بها، وتسمى ملة باعتبار إملائها على الناس[3]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الشرعة هي الشريعة، قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [4]، وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [5]. والمنهاج هو الطريق، قال تعالى: {وَأَلَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [6]. فالشرعة بمنزلة الشريعة للنهر، والمنهاج هو الطريق الذي سلك فيه، والغاية المقصودة هي حقيقة الدين "[7]. وقال معترضاً على من يقصر الشريعة على الأحكام الفقهية العملية دون الأمور العقدية: " والتحقيق أن الشريعة التي بعث الله بها محمداً - صلى الله عليه وسلم - جامعة لمصالح الدنيا والآخرة.. لكن قد يغير أيضاً لفظ الشريعة عند أكثر الناس، فالملوك والعامة عندهم أن الشرع والشريعة اسم لحكم الحاكم، ومعلوم أن القضاء فرع من فروع الشريعة، وإلا فإن فالشريعة جامعة لكل ولاية وعمل فيه صلاح الدين والدنيا، والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه سلف الأمة في العقائد والأصول والعبادات والأعمال والسياسات والأحكام، والولايات والعطيات "[8]. أما الشريعة الإسلامية فهي: الأحكام التي شرعها الله تعالى وأنزلها على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليبلغها للناس جميعاً، سواء كانت هذه الأحكام في القرآن أو في السنة، باعتبارهما وحياً من عند الله تعالى[9]. أهمية الشريعة: قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [10]، والأصل أن الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر لكافة الأمة إلا ما دل الدليل على التخصيص، قال ابن القيم تحت عنوان: بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد: " فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - أتم دلالة وأصدقها. وهي نوره الذي به أبصر المبصرون وهداه الذي به اهتدى المهتدون وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العين وحياة القلوب ولذة الأرواح، فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام للعالم وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة "[11]. خصائص الشريعة: لقد ختمت الشرائع الإلهية بالشريعة الإسلامية التي أنزلت على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمر بتبليغها إلى الناس كافة، ووجه جعلها خاتمة للشرائع الإلهية كمال هذه الشريعة، وتمامها، ووفائها بجميع حاجات البشر في كل مكان وزمان[12]، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [13] والشريعة بما أنها خاتمة الشرائع الإلهية فإن لها خصائص عامة تميزها عن غيرها، وفهمها يساعد على إدراك مقاصدها ومعرفة دقائقها وأسرارها، ويمكننا بيان بعضها: أولاً: مراعاتها للمصالح: أحكام الشريعة الإسلامية شاملة لجميع المصالح الدنيوية والأخروية والفردية والجماعية، فالشريعة لا تعرف الدنيا بدون الآخرة ولا الآخرة بدون الدنيا، ولا تعرف الجماعة بدون فرد ولا فرداً بدون جماعة، فالفرد جزء وعضو، والجماعة كل وجسد فكل من الفرد والجماعة في حاجة إلى الآخر، فالشريعة تسلك مسلك الموازنة بين مصالحهما[14]، ولا نعلم أن أحداً خالف في أن جميع أحكام الله تعالى متكفلة بمصالح العباد في الدارين، وأن مقاصد الشريعة ليست سوى تحقيق السعادة الحقيقية لهم، بل قد تم إجماع الفقهاء على ذلك، كما ذكره الآمدي[15] وغيره[16]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما "[17]، وقال ابن القيم: " الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها "[18]. والأدلة على مراعاة الشريعة مصالح العباد كثيرة من الكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [19]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [20]، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [21]، ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام: " الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان "[22]، وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا ضرر ولا ضرار "[23]. ثانياً: عموم الشريعة: ومقتضاها أن الشريعة عامة لجميع المكلفين، بمعنى لا يختص الخطاب بحكم من أحكامها بمكلف دون آخر ما دام شرط التكليف موجوداً، ولا يستثنى من الدخول تحت أحكامها أي مكلف ويدل على ذلك عدة أمور، منها النصوص المتضافرة، كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [24]، وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [25]، فهذه النصوص تدل على أن البعثة عامة لا خاصة لأنه لو كان بعض الناس مختصاً بما لم يخص غيره لم يكن مرسلاً للناس جميعاً، ومنها أن الأحكام إذا كانت موضوعة لمصالح العباد، فالعباد بالنسبة إلى ما تقتضيه من المصالح سواء، لأنهم مطبوعون بطابع النوع الإنساني المتحد في ضرورياته وحاجياته، وما يكمل ذلك، فلو وضعت على الخصوص، لم تكن موضوعة لمصالح العباد بإطلاق، ولا يستثنى من ذلك إلا ما خصه الدليل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو ما خص به بعض أصحابه[26]. وإذا كان الخطاب في بعض جوانبه موجهاً إلى المؤمنين، كالخطاب الذي يبدأ ب ( يا أيها الذين آمنوا ) فهذا إنما خص المؤمنين من باب التشريف لا التخصيص، كما حقق ذلك كثير من أهل العلم ومنهم الشوكاني، إذ قال ـ رحمه الله ـ: " إن المسلمين والمؤمنين خصصوا من باب خطاب التشريف لا خطاب التخصيص "[27]، وهذا الذي نص عليه كثير من أهل العلم في مسألة خطاب الكفار بفروع الشريعة، والتحقيق فيها دخولهم في الخطاب، فيدل ذلك على عموم الشريعة وخطابها للناس كافة. ثالثاً: موافقتها للعقل: جاءت أحكام الشريعة الإسلامية موافقة للعقل غير مناقضة له، ولأجل ذلك ذهب العلماء إلى أنه لا يجوز وقوع التناقض بين الشريعة والعقل[28]، قال ابن القيم: " إن ما علم بصريح العقل الذي لا يخالف فيه العقلاء لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، ولا يأتي بخلافه.. ونحن نعلم قطعاً أن الرسل لا يخبرون بمحال العقول، وإن أخبروا بمحارات العقول، فلا يخبرون بما يحيله العقل، وإن أخبروا بما يحار فيه العقل ولا يستقل بمعرفته "[29]. والحق أن العقل البشري وإن كانت عنده القدرة على إدراك المصالح والحكم التي جاءت بها الشريعة إلا أن إدراكه ليس دقيقاً، ولذلك لا يمكن أن يستقل بالحكم دون الشريعة[30]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والعقل الصريح دائماً موافق للرسول لا يخالفه قط، فإن الميزان مع الكتاب، والله قد أنزل الكتاب بالحق والميزان، لكن قد تقصر عقول الناس عن معرفة تفصيل ما جاء به، فيأتيهم الرسول بما عجزوا عن معرفته وحاروا فيه، لا بما يعلمون بعقولهم بطلانه، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم تخبر بمحارات العقول لا تخبر بمحالات العقول "[31]. رابعاً: إمكانية تعليل أحكامها: يمثل التعليل الأساس للتفكير التشريعي، إذ هو في الحقيقة استجلاء لمراد الشارع من الحكم، وطريق كاشف عن طابع معقولية الأحكام من جهة أن الله ذكر السبب الموجب للحكم[32]. وهذا طريق قد سلكه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم والعلماء من بعهدهم، فقد انطلقوا في فهمهم للشريعة وفقههم لها معتمدين على التعليل وحكمة المشروعية والمصلحة العامة، مستندين على النصوص المتوافرة من الكتاب والسنة الدالة على مسلك التعليل للأحكام[33]، وهي أكثر من تحصر في هذا الموضع، وحسبنا ذكر البعض منها، كقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [34]، وقوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [35]، وقوله: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [36]، وقوله: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [37]، وكقوله عليه الصلاة والسلام: " من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "[38]. خامساً: جمعها بين الثبات والمرونة في أحكامها: جمعت الشريعة في أحكامها بين نوعين: نوع ثابت لا يعتريه تغيير ولا تبديل باعتبار الأزمنة أو الأمكنة، ونوع يخضع لظروف الزمان والمكان والأحوال وتغيير الأعراف، والعادات التي تعتبر المصلحة تابعة لها مع المحافظة على مبادئ الشرع وقواعده[39]. قال ابن القيم: " الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه. والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً ومكاناً وحالاً، كمقادير التعزيرات، وأجناسها، وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة، فشرع التعزير بالقتل لمدمن الخمر في المرة الرابعة، وعزم على التعزير بتحريق البيوت على المتخلف عن حضور الجماعة لولا ما منعه من تعدي العقوبة إلى غير من يستحقها من النساء والذرية، وغزر بحرمان النصيب المستحق من السلب، وأخبر عن تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر ماله، وغزر بالعقوبات المالية في عدة مواضع "[40]. ومن الحقائق المسلمة أن الشريعة الإسلامية قد وسعت العالم الإسلامي كله، على تنافي أطرافه، وتعدد أجناسه، وتنوع بيئاته الحضارية، وتجدد مشكلاته الزمنية، وأنها ـ بمصادرها ونصوصها وقواعدها ـ لم تقف مغلولة اليدين أمام وقائع الحياة المتغيرة، منذ عهد الصحابة فمن بعدهم، وهذا دليل على أن الله أودعها مرونة تتسع لمواجهة كل جديد وعلاجه، وهذه الخاصية ـ أي المرونة ـ قد أحاطت بها عوامل متعددة جعلتها خصيصة لازمة لها لا تنفك عنها بحكم جعلها الشريعة الخاتمة، ومن أهم هذه العوامل ما يلمسه الدارس لهذه الشريعة من اتساع منطقة العفو أو الفراغ التي تركتها النصوص قصداً، لاجتهاد المجتهدين في الأمة ليملؤوها بما هو أصلح لهم، وأليق بزمانهم وحالهم، مراعين بذلك المقاصد العامة للشريعة، مهتدين بروحها ومحكمات نصوصها[41]. ـــــــــــــــــــــــ [1] القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ج1ص946، لسان العرب، ابن منظور، ج8ص175، تاج العروس، الزبيدي، ج1ص63. [2] تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، ج25ص348. [3] نظرات في الشريعة، عبد الكريم زيدان، ص60. [4] المائدة، آية 48. [5] الجاثية، آية 18. [6] الجن، آية 16. [7] مجموع الفتاوى، ج11ص218. [8] المرجع السابق، ج19ص308. وانظر أيضاً : مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، يوسف البدوي، ص53. [9] نظرات في الشريعة، مرجع سابق، ص61. [10] الجاثية، آية 18. [11] إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، ج3ص3. [12] نظرات في الشريعة، مرجع سابق، ص13. [13] المائدة، آية 3. [14] المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، يوسف حامد العالم، ص46. [15] قال ـ رحمه الله ـ في الإحكام في أصول الأحكام ج3ص357 : " وذلك لأن الأحكام إنما شرعت لمقاصد العباد، أما إنها مشروعة لمقاصد وحكم؛ فيدل عليه الإجماع والمعقول ". [16] ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، د. محمد سعيد رمضان البوطي، ص69. [17] مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج20ص48. [18] إعلام الموقعين عن رب العالمين، مرجع سابق، ج3ص3. [19] الأنبياء، آية 107. [20] النحل، آية 90. [21] الأنفال، آية 24. [22] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، رقم 58. [23] أخرجه مالك في الموطأ، رقم 1429، والحاكم في المستدرك، رقم 2345، والبيهقي في السنن، رقم 11116، والدارقطني في السنن، رقم 83، وصححه الشيخ الألباني في الإرواء، ج3ص408، رقم 896. [24] الأنبياء، آية 107. [25] الأعراف، آية 158. [26] المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص42. [27] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني، ج1ص222. [28] مقاصد الشريعة الإسلامية، د. عبد الله النعيم ود. جمال الدين الشريف، ص11. [29] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، ابن قيم الجوزية، ج3ص829. [30] مقاصد الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص12. [31] مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج17ص444. [32] بين علمي أصول الفقه والمقاصد، الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة، ص43. [33] موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر، تحرير الأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس، ج1ص111. [34] البقرة، آية 179. [35] الحج، آية 39. [36] المائدة، آية 32. [37] المائدة، آية 8. [38] أخرجه البخاري، كتاب الصوم، رقم 1905. [39] المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص44. [40] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن القيم، ج1ص330. [41] مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، د. يوسف القرضاوي، ص151. بقلم د. فارس العزاوي منقول بتصرف للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
في خصائص الشريعة الإسلامية
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
الشهاب الثاقب
المزيد من مواضيعي
|
2 أعضاء قالوا شكراً لـ الشهاب الثاقب على المشاركة المفيدة: | ||
رقم المشاركة :2 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين خصائص الشريعة الإسلامية ومقاصدها إن المفهوم الإسلامي للعبادة قد تجسد في الشريعة الإسلامية العظيمة، التي أمر الله المؤمنين بتحقيقها في الأرض وجعلها دستوراً لحياتهم الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية ﴿ثم جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون﴾ (الجاثية: 18)، فالشريعة هي ما شرعه الله لعباده من الدين وأحكامه المختلفة التي شرعها لمنفعة المؤمنين جميعاً إلى قيام الساعة. أولاً: خصائص الشريعة الإسلامية وتمتاز الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع التي قامت وتقوم إلى قيام الساعة بخصائص، أهمها: أ. ربانية المصدر والغاية أول خصيصة للشريعة الإسلامية أنها ربانية المصدر والغاية، فهي من الله ، وتهدف إلى بلوغ رضاه، فالمسلم يستمد شرائعه المختلفة من مصدرين أصيلين، هما القرآن الكريم الذي أوحاه الله بحروفه، ثم السنة النبوية، وهي أقوال النبي وأفعاله وتقريراته التي أمر الله بالتأسي بها بقوله تعالى: ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ (الحشر: 7)، فالنبي يحمل رسالة الله إلى الناس، وما يقرره بقوله وفعله إنما هو بوحي الله وأمره ﴿ وما ينطق عن الهوى ^ إن هو إلا وحي يوحى ﴾ (النجم: 3-4). ومن هذين المصدرين وتأسيساً على قواعدهما اشتق العلماء عدداً من المصادر الفرعية للشريعة كالإجماع والقياس والاستصحاب والاستحسان والعرف وغيرها. والخروج عن هذه المصادر إلى أحكام البشر إنما هو تحاكم إلى الهوى ومشاركة لغير الله في إحدى خصائصه تبارك وتعالى ﴿ ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين﴾ (الأعراف: 54)، فكما خلق وحده فإنه يشرع وحده. ومشاركة غيره له في التشريع اعتداء على حق الله بالتشريع، وهو استعباد لخلق الله، لذلك لما دخل عدي بن حاتم على النبي سمعه يقرأ قوله تعالى: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله﴾ (التوبة: 31)، فاستغرب عدي ، حتى فسَّره النبي بقوله: ((أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه)) ([1])، فعبادتهم لأحبارهم، ليس سجودهم وركوعهم لهم، بل الإذعان لما أحدثوه في الدين في مجامعهم التي جعلت من رجال الدين مشرعين مع الله. وتهدف الشريعة إلى تحقيق رضا الله الذي شرَّع بحكمته البالغة للإنسانية ما يسعدها في دنياها وأخراها ﴿كتابٌ أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد﴾ (إبراهيم: 1)، وشريعته خير كلها، لأنها صدرت عن الله العليم بما يصلح أحوالنا وبما يناسب فطرنا وتكويننا ﴿ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾ (الملك: 14)، وهي بهذه المثابة تسمو على غيرها من الشرائع البشرية التي يتلبسها قصور الإنسان وجهله وما يكتنف تشريعه من الهوى الذي يجعل المشرِّع البشري يميل بتشريعاته إلى حراسة مصالحه الشخصية والفئوية، كما هو الحال في تشريعات النظم العلمانية. أما حين تكون الشريعة إلهية؛ فإنها لا تحابي في أحكامها جنساً أو عرقاً أو لوناً، فالجميع عبيد لله متساوون أمام أحكامه ﴿ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدةً ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ^ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون ^ أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون﴾ (المائدة: 48-50). إن كون هذه الشريعة من الله يعطيها هيبة وسلطاناً في النفوس والضمائر لا تجده في قانون ما، فالناس منقادون إليها بسلطة الإيمان الذي يملأ قلوبهم، منقادون إليها ظاهراً وباطناً، سراً وعلانية، يرقبون في ذلك كله جزاء الله الذي لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.وتتميز الشريعة في مسألة الجزاء عن غيرها من القوانين في أنها القانون الوحيد الذي يجازي في الدنيا والآخرة، فالمؤمن يلتزم حدودها، طمعاً في سعادة الدنيا التي يعيشها في جنبات الطاعة والفضيلة، ثم هو موعود بحسن الجزاء في الآخرة، بالجنة التي أعدها الله للأتقياء من عباده، فلأجلهما معاً يمتثل المؤمن قانون الشريعة ويلتزم به. وللتعرف على أهمية هذه الخصيصة نذكر أن أمريكا أدركت مضار الخمر الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وعزمت على تحريمه، وأصدرت تشريعاً بذلك، ثم بذلت الملايين لتنفيذ هذا القانون، وبعد سنوات من النفير في الأمن والمحاكم ، وبعد سجن الألوف من المدمنين عادت أمريكا إلى إباحة الخمر، مع يقينها بما فيه من الفساد، لكنها عجزت وعجز قانونها البشري أن يجد له بين الناس قبولاً. وفي مقابله فإن الإسلام حين حرم الخمر، لم يستعن بشرطة أو جنود أو محاكم، ولم يجد عنتاً ولا مشقة في جعل المجتمع المسلم أطهر المجتمعات الإنسانية، بابتعاده عن المسكرات بأنواعها، إن طهارة المجتمع من هذه الآفة لم يتطلب سوى آية أنزلها الله في تحريمه، وهي قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون﴾ (المائدة: 90). فالتزم أصحاب النبي بذلك، بل وتساءلوا عن مصير إخوانهم ممن شرب الخمر ومات قبل تحريمها، يقول أنس بن مالك: كنتُ ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر منادياً فنادى، فقال أبو طلحة لأنس: اخرج فانظر ما هذا الصوت؟ قال أنس: فخرجتُ، فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. فقال لي: اذهب فأهرقها.قال أنس: فجرتْ في سِكك المدينة. فقال بعض القوم: قُتِل قوم وهي في بطونهم؟ فأنزل الله: ﴿ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ﴾ (المائدة: 93)([2])، أي لن يحاسبوا عن شربها قبل التحريم لأنه لا عقوبة إلا بتشريع. العدل اسم من أسماء الله تعالى، وهو صفة لازمة للرب في أوامره وتشريعاته وجزائه، ومظاهر عدل الله في شرائعه كثيرة، من أولها أنه تعالى لا يحاسب الإنسان على ما لا يقدر عليه، بل لم يكلفه أصلاً بما يعجزه ﴿ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ﴾ (البقرة: 286)، فشرائع الله مبناها على اليسر والسهولة ﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ (البقرة: 185) ﴿ما يريد الله ليجعل عليكم من حرجٍ ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون﴾ (المائدة: 6)، والنبي يقول: ((أحب الدين إلى الله الحنيفيةُ السمحةُ)).([3])ومن عدله تبارك وتعالى أنه رفع التكليف بأحكام الشريعة عن الأطفال الذين لم يحوزوا كمال العقل الذي يجيز محاسبتهم، كما أسقطه عمن حُرِم نعمة العقل ابتداءً ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشبَّ، وعن المعتوه حتى يعقل))([4])، كما يعفو الله عمن وقع في الخطأ من غير إرادته لذلك أو من وقع فيه مكرهاً أو ناسياً تحريمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)).([5])وإذا كانت الشريعة لا تحاسب من هو دون التكليف على خطئه؛ فإنه يعلم أنها - من باب أولى - لا تحاسبه على ذنب غيره، فالمرء مسؤول عن عمله الشخصي ﴿ قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيءٍ ولا تكسب كل نفسٍ إلا عليها ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون﴾ (الأنعام: 164).وعليه فالإسلام لا يقر بالذنب الأصلي المتوارث عن الأبوين [آدم وحواء]، فالأبوان تحملا وزريهما بنفسيهما، واستغفرا الله منه، فتاب عليهما، ولا علاقة لذريتهما بذنبهما من قريب أو بعيد، بل كلٌ مسؤول عن عمله ﴿فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ^ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدًى فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ^ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ (البقرة: 37-39).وأيضاً فإن شرائع الله تبارك وتعالى راعت - لعدالتها - الفروق بين الذكر والأنثى، فلم تكلف المرأة بما لا يلائم طبيعتها كالجهاد والخروج من المنزل للتكسب والإنفاق، وغيرهما مما لا يتناسب وأنوثتها أو يخالف رونق حياتها وصفاء أحاسيسها. ولم تميز الشريعة العادلة في أحكامها العامة بين ملك وسوقة، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين غني وفقير، فالجميع متساوون أمام شرائع الله، فقد خطب النبي في ما يربو على مائة ألف من أصحابه، فقال: ((يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر؛ إلا بالتقوى))([6])، فالخيرية مبناها على العبادة والاستقامة، لا الحسب والجاه، ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبيرٌ﴾ (الحجرات: 13). وقد طبَّق النبي بنفسه عدل الإسلام وقِيَمه حين رفض التمييز في إقامة الشرائع بين شريف ووضيع، فقد حكم على سارقة من أشراف قريش بقطع يدها الخؤون، فاستشفع الناس لها، طلبوا من أسامة بن زيد - بما له من مكانة عند النبي - أن يشفع لها عنده، فقال له : ((أتشفع في حد من حدود الله)). ج. الشمول والتوازن لما كان الإسلام رسالة الله الخاتمة وكلمته الباقية إلى قيام الساعة، فإن الله تلطف فيه على الإنسانية بكل ما يصلح شؤونها في دار معاشها ثم في دار جزائها، فكملت أنعم الله بكمال تشريعاته ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾ (المائدة: 3). والإسلام بنيان شمولي يغطي مناحي الحياة المختلفة، فهو دين عبادة، وهو أيضاً منظومة من الشرائع الأخلاقية والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية التي تحقق سعادة الفرد والمجتمع في الدنيا ثم الآخرة. إن الإسلام ينظم علاقات الإنسان المختلفة من لدن ميلاده إلى وفاته، وهو يحرس حقوقه حتى فيما قبل الميلاد وما بعد الوفاة، وأما ما بينهما فإنه يتناول بأحكامه تفاصيل سلوكه الشخصي بما يتضمنه من عادات وآداب، وهو يرشِّد أيضاً علاقة الإنسان مع أسرته ومجتمعه، لا بل يتناول حاله مع الكون كله بما فيه من حيوان وجماد ﴿وما من دابةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيءٍ﴾ (الأنعام: 38). أما على الصعيد الجماعي فإن شرائع الإسلام تنظم المجتمع وتضبط حقوق من فيه وواجباتهم، وتنظم علاقة الدولة والأمة المسلمة مع القريب من الناس والبعيد ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيءٍ وهدًى ورحمةً وبشرى للمسلمين﴾ (النحل: 89).وتلبي هذه الشرائع حاجات الإنسان المختلفة، فهي تعنى بجسده، ولا تهمل روحه، تبتغي الآخرة، ولا تفرط في الدنيا، تربط المجتمع ولا تغفل مصالحه، وهي في نفس الوقت تحقق ذاتية الفرد وتحرس مصالحه وحقوقه، توازن عجيب، لا إفراط فيه ولا تفريط، وأي عجب ، فذلك تقدير اللطيف الخبير. إن هذه الثنائيات عبرت عنها نصوص عدة في القرآن والسنة، منها قوله تعالى: ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين﴾ (القصص: 77) فلئن كانت الآخرة هي الغاية والمرتجى؛ فإن الدنيا هي الوسيلة والمعاش، ومثله قوله تعالى في وصف المؤمنين فهم ينفقون أموالهم من غير إسراف يبدد المال ولا تقتير يمنع النفع: ﴿والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً﴾ (الفرقان: 67)، وقال الله لنبيه : ﴿ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً﴾ (الإسراء: 29). وقال صلى الله عليه وسلم موجهاً عثمان بن مظعون لما رغِب في ابتغاء سمو الروح بتعذيب الجسد، فأراد هجر النوم والنساء والدوام على الصيام: ((يا عثمان أرغبتَ عن سنتي؟.. فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، فصم وأفطر، وصل ونم)).([8]) وفي الجمع بين الدنيا والآخرة يقول الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون ^ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون﴾ (الجمعة: 9-10).ولما أراد أناس من أصحابه الإعراض عن الدنيا وملذاتها وهجر النساء والترهب، قال : ((إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، فأولئك في الديارات والصوامع، فاعبدوا الله ولا تشركوا به، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم))، ونزلت فيهم الآية: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾ (المائدة: 87).([9]) د. المثالية الواقعية كثيراً ما تجنح الشرائع التي يشرعها الإنسان نحو المثالية التي لا تتحقق، فجمهورية أفلاطون الفاضلة لم تجاوز عقله وقلمه، وفي مقابله قد يخضع البعض للواقع الجاثم على المجتمع ، فيعمد إلى تكييف نفسه ومبادئه مع الحالة الراهنة اعترافاً بوطأة هذا الواقع وإذعاناً له، فحين عجزت مجتمعات الغرب عن منع الخمر أو الزنا أو الفواحش لم تجد ما يمنعها من الاعتراف بهذا الواقع وتقنينه، ليصبح شرعة مباحة عند الناس؛ تفني الجنس البشري وتهدد وجوده بما تحمله تلك الآثام من أمراض وبلايا اجتماعية، ليتحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)).([10]) وأما الإسلام فإنه دين واقعي مثالي، فواقعيته مبنية على أنه سلوك إنساني يعيشه الناس يومياً، وأما مثاليته فيحققها أنه يهدف إلى إصلاح المجتمع، ولا يرضى بالتعايش والمهادنة مع الخطأ والرذيلة. واقعيته يوضحها تلاؤم تشريعاته مع فطرة الإنسان وتحقيقها لحاجاته ورغباته التي علمها الله فشرع ما يناسبها ﴿ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾ (الملك: 14)، فلم يأمر الإسلام بالتعفف عن النكاح، ولا منع من استحالت عليهم الحياة الزوجية من الافتراق بالطلاق ﴿وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً﴾ (النساء: 130). ولم يأمر الإسلام بإعطاء الخد الأيسر لمن ضرب الخد الأيمن، بل شرع ما يرد الإساءة ويردع الجاني ويمنعه من التمادي، ولكنه رغب أيضاً في العفو والمسامحة والصفح، قال تعالى: ﴿ وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ^ ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ﴾ (الشورى: 40-41). وتسطع هذه المزاوجة بين الواقع والمثال في تدرج الإسلام في معالجة الأمراض والآثام المستفحلة في المجتمع، فعندما بُعث النبي في أمة تشرب الخمر شُربَها للماء؛ تدرج في تحريم الخمر، فأشار أولاً إلى ما فيها من السوء، ليهجرها أصحاب العزائم والأحلام: ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون﴾ (البقرة: 219)، فالخمر فيها منافع محدودة (كالتجارة) لكن ما فيها من الإثم والضرر أعظم. ثم في مرحلة أخرى منع المسلمين من تناولها سائر النهار، لأنها تشغل عن الصلاة وتفسدها، فتضايق عليهم وقت شربها ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون﴾ (النساء: 43).لما نزلت هذه الآية أحس الصحابة أن الله يشدد عليهم في الخمر، فدعا عمر رضى الله عنه الله فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيان شفاء، فنزل قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ^ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون﴾ (المائدة: 90-91)، فدُعي عمر، فقُرئت عليه، فقال: (انتهينا انتهينا). ([11]) تقول أم المؤمنين عائشة: (إنما نزل أول ما نزل منه [أي من القرآن] سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام؛ نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر. لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا. لقالوا: لا ندع الزنا أبداً).([12])لهذا ولغيره يدعو المستشرق الشهير جوزيف شاخت المحاضر في الدراسات الإسلامية في جامعتي أكسفورد وليدن في كتابه "تراث الإسلام" إلى دراسة الشريعة الإسلامية، فيقول: "من أهم ما أورثه الإسلام للعالم المتحضّر قانونه الديني الذي يسمى (بالشريعة)، والشريعة الإسلامية تختلف اختلافاً واضحاً عن جميع أشكال القانون إلى حدّ أن دراستها أمر لا غنى عنه؛ لكي نقدر المدى الكامل للأمور القانونية تقديراً كافياً .. إن الشريعة الإسلامية شيء فريد في بابه، وهي جملة الأوامر الإلهية التي تنظم حياة كل مسلم من جميع وجوهها، وهي تشتمل على أحكام خاصة بالعبادات والشعائر الدينية كما تشتمل على قواعد سياسية وقانونية.."([13]) ([1]) أخرجه الترمذي ح (3095). ([2]) أخرجه البخاري ح (4620)، ومسلم ح (1980). ([3]) أخرجه البخاري معلقاً باب ((الدين يسر))، وأحمد ح (2108). ([4]) أخرجه الترمذي ح (1423)، وابن ماجه ح (3042)، وأحمد ح (943). ([5]) أخرجه ابن ماجه ح (3043). ([6])أخرجه أحمد ح (22978). ([7]) أخرجه البخاري ح (3475)، ومسلم ح (1688). ([8]) أخرجه أبو داود ح (1369). ([9]) أخرجه ابن جرير في التفسير (4/9) ، وابن المبارك في الزهد ح (1031). ([10]) أخرجه ابن ماجه ح (4019). ([11]) أخرجه الترمذي ح (3049)، والنسائي ح (5540)، وأبو داود ح (3670). ([12])أخرجه البخاري ح (4993). ([13]) قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل (203). منقول بقلم د . منقذ السقار _______________________ المزيد من مواضيعي
آخر تعديل بواسطة الشهاب الثاقب بتاريخ
10.09.2015 الساعة 22:41 .
|
2 أعضاء قالوا شكراً لـ الشهاب الثاقب على المشاركة المفيدة: | ||
رقم المشاركة :3 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
بوركتم أستاذنا . المزيد من مواضيعي
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
الإسلامية, السريعة, خصائص |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
الموضوعات المتماثلة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية كتاب الكتروني رائع | عادل محمد | كتب إسلامية | 0 | 13.06.2012 13:20 |
الأقباط والبابا شنودة يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية. | زهراء | القسم النصراني العام | 1 | 22.02.2011 09:32 |
{ساويرس يطالب بإلغاء الشريعة الإسلامية في مصر !!} | كلمة سواء | غرائب و ثمار النصرانية | 3 | 10.10.2010 14:15 |